ويقتضي المرور البريء عدم قيام السفينة أثناء وجودها في البحر الإقليمي بأعمال من شأنها أن تمس سلامة الدولة صاحبة الإقليم المجاور أو نظامها العام أو مصالحها المالية أو الجمركية. ولهذه الدولة أن تتخذ جميع الوسائل اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال في مياهها الإقليمية ولضمان الملاحة في هذه المياه. وعلى السفن الأجنبية التي تستعمل حقها في المرور أن تراعي القوانين واللوائح التي تضعها الدولة صاحبة الإقليم في هذا الشأن تطبيقاً لما جرى عليه العرف الدولي، ولاسيما في المسائل الآتية: ضمان المرور وصيانة العلامات الخاصة به، صيانة المياه الإقليمية من التلوث الذي قد تسبّبه السفن، والمحافظة على الثروة الطبيعية للبحر الإقليمي، وعلى حقوق الصيد وما شابهها من الحقوق الخاصة بالدولة صاحبة الإقليم. وقد أكدت اتفاقية جمايكة لعام 1982 في مادتها 19 ما تقدم وفصلت فيه تفصيلاً دقيقا كما أضافت إليه إضافات ملحوظة.
وعلى الدولة صاحبة الإقليم مقابل ما تقدم ألا تعيق المرور البريء للسفن الأجنبية في مياهها الإقليمية أو تقيم في وجهه عقبات لا مقتضى لها، وألا تفرق في المعاملة من حيث الإجراءات التي تضعها لذلك بين سفن الدول المختلفة، وألا تفرض على مجرد المرور البريء أي رسم إلا مقابل خدمة فعلية تؤديها. وهنا أيضاً جاءت المادة 24 من اتفاقية جمايكة بخاصة تؤكد وتفصل فيه وتضيف إليه.
سلطان الدولة على السفن المارة في بحرها الإقليمي: قد يقال إن سيادة الدولة على بحرها الإقليمي تقتضي إخضاع التصرفات والأفعال التي تقع من سفينة أجنبية أو عليها في أثناء مرورها في ذلك البحر للقضاء الإقليمي أسوة بالسفن الراسية في الموانئ، وفي الحدود التي أقرها القانون الدولي بالنسبة لهذه السفن.
لكن هذا القول تواجهه اعتراضات ثلاثة، الأول أنه ليس للدولة صاحبة الإقليم أن تعيق مرور السفن الأجنبية في مياهها بالتدخل في شؤونها ما لم يكن في الأمر مسائل تتصل بسلامة الدولة أو بسلامة الملاحة. والثاني أنه ليس للدولة صاحبة الإقليم مصلحة في التدخل بالنسبة لما يقع على سفينة أجنبية في أثناء مرورها في مياه تلك الدولة مادام لا يمسها في شيء. والثالث أنه لا يتيسر دائماً للسلطات الإقليمية أن تحاط علماً بما يجري على مركب أجنبي وقت مروره في بحرها، وأن تتدخل في الوقت المناسب ما لم يطلب إليها ذلك. وقد جرى العمل دولياً على ما يأتي:
ـ السفن العامة: لا تخضع بتاتاً في أي شأن من شؤونها لاختصاص الدولة صاحبة الإقليم، فيما عدا واجبها في أن تراعي القواعد التي وضعتها السلطات الإقليمية للمرور في بحرها الإقليمي. ولهذه السلطات في حالة مخالفة السفينة لهذه القواعد أن تطلب منها مراعاتها، فإن لم تستجب السفينة لهذا التكليف فإنها تأمرها بالخروج من المياه الإقليمية.
ـ السفن الخاصة: لا تخضع أصلاً للاختصاص الإقليمي في الشؤون المدنية، سواء ما يتصل منها بتصرفات ركابها أو التي تصدر لحساب السفينة ذاتها، إنما يجوز أن يتخذ بحقها قبل إبحارها إجراءات تحفظية حول بعض الأفعال أو التصرفات المتصلة مباشرة بمرورها في البحر الإقليمي. لكن السفينة التجارية في أثناء مرورها في المياه الإقليمية تخضع لاختصاص القضاء الإقليمي إذا كان لذلك علاقة بمخالفات نظام المرور أو الأفعال المتصلة بهذا النظام، وللسلطات المحلية أن توقع عليها الجزاءالمترتب على تلك المخالفات والأفعال إذا كان ذلك في مقدورها.
أما الجرائم العادية التي تقع على ظهر السفينة في أثناء مرورها ولا علاقة لها بهذا المرور، فلا اختصاص للسلطات الإقليمية عليها، حتى لو كان الجاني أو المجني عليه من رعاياها، إلا في حالات ثلاث:
ـ أن تتعدى نتائج الجريمة حدود السفينة.
ـ أن يكون من شأن الجريمة تعكير الأمن العام للدولة.
ـ أن يطلب إلى السلطات الإقليمية التدخل إما من جانب قائد السفينة وإمّا من جانب قنصل الدولة التي ترفع علمها.
وقد تقررت هذه الأحكام في مشروع سنة 1930 على أساس ماهو معمول به في أغلب الدول. وقد أضافت اتفاقية جنيف سنة 1958 إلى هذه الحالات الثلاث حالة رابعة وهي حالة ما إذا كان التدخل ضرورياً للقضاء على إتجار غير مشروع بالمواد المخدرة. وهذا ما عادت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتأكيده بلغتها الخاصة (المواد 26-28).
حق التتبع والمطاردة الحثيثة Hot Persuit: هو أداة الدولة في ممارسة شؤون السيادة على بحرها الإقليمي فيما يتصل بالسفن الأجنبية، فإذا وقع من إحدى هذه السفن في أثناء مرورها في المياه الإقليمية فعل من الأفعال التي تخضع فيها لسلطان تلكالدولة ثم حاولت الإفلات من البحر الإقليمي بعد أن طلبت منها السلطات الإقليمية المختصة التوقف، كان لمراكب هذه السلطات أن تتبعها إلى عرض البحر وأن تطاردها حتى تتمكن من إيقافها إذا استطاعت، واتخاذ الإجراءات التي تقتضيها الأحوال.
وحق التتبع أو المطاردة قاعدة ثابتة لا نزاع فيها، استقرت من زمن عن طريق العرف. وقد أقر هذا العرف شروطاً لا تكون من دونها المطاردة في عرض البحر مشروعة، وهذه الشروط هي:
ـ أن تكون هناك قرينة قوية على وقوع جريمة أو فعل مخل من جانب السفينة الأجنبية في أثناء وجودها في المياه الإقليمية. وأن تكون هذه الجريمة أو هذا الفعل مما يخضع لسلطان الدولة صاحبة الإقليم.
ـ أن توجد السفينة أو إحدى القطع التابعة لها في المياه الإقليمية وقت صدور الأمر لها بالتوقف.
ـ أن تكون المطاردة مستمرة غير متقطعة تتولاها سفن الدول الساحلية وطائراتها.
وتتحمل الدولة التي تقوم مراكبها بالمطاردة كل النتائج التي تترتب على تلك المطاردة إذا اتضح أنها لم تكن محقة فيها، أو كانت محقة ولكنها أتت من التصرفات أو أعمال العنف نحو السفينة المطاردة ما لا مسوغ له ولا تقتضيه الأحوال. هذا وقد أقر مؤتمر البحار الذي اجتمع في جنيف سنة 1958 جميع الأحكام المتقدمة وضمنها المادة 33 من اتفاقية أعالي البحار. وجاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتعيد تأكيد ما تقدم من مبادئ بخصوص ما أسمته المطاردة الحثيثة (المادتان 110-111)
2) المنطقة الملاصقة أو المتاخمة
أدى اختلاف الدول بشأن تحديد مدى البحر الإقليمي إلى ظهور فكرة جديدة هي فكرة المنطقة التكميلية أو المجاورة أو الملاصقة كما يسميها بعض رجال القانون، ومؤداها أن يظل تحديد البحر الإقليمي كما هو عليه من قبل، إنما يكون للدولة، فيما وراء مياهها الإقليمية، منطقة أخرى معينة من أعالي البحار يحق لها بها ممارسة بعض اختصاصات محددة تتصل بالشؤون الجمركية أو المالية أو الصحية أو شؤون الهجرة. ويلاحظ أن سلطان الدولة على المنطقة التكميلية دون سلطتها على البحر الإقليمي بكثير.
ويبدو أن الرأي قد استقر في الخمسينات بين جماعة الدول على اعتماد مبدأ موحد، فأفردت القسم الثاني من اتفاقية البحر الإقليمي التي أقرتها في جنيف سنة 1958 لموضوع المنطقة المجاورة ودونت فيه في مادة واحدة (المادة 24) الأحكام المتقدم ذكرها على الوجه الآتي:
ـ للدولة الساحلية أن تمارس على منطقة في أعالي البحار مجاورة لبحرها الإقليمي الإشراف اللازم: لمنع الإخلال بقوانينها الجمركية أو المالية أو الخاصة بالمهاجرة أو الصحية داخل إقليمها أو في بحرها الإقليمي. ولمعاقبة من يخل بهذه القوانين داخل إقليمها أو بحرها الإقليمي.
ـ لا يجوز أن تمتد المنطقة المجاورة إلى أكثر من اثني عشر ميلاً ابتداء من الخط الأساسي الذي يبدأ منه قياس عرض البحر الإقليمي.
ـ في حالة تقابل أو تجاور سواحل دولتين، لا يكون لأي منهما أن تدعي، ما لم يكن هناك اتفاق بينهما يقر خلاف ذلك، امتداد منطقتها التكميلية إلى أكثر من الخط الأوسط. وجاءت اتفاقية جمايكة لتؤكد الفكرة مع مد المنطقة التكميلية إلى 24 ميلاً بحرياً من خطوط الأساس التي يقاس منها البحر الإقليمي (المادة 33).
المصدر: http://sarab.cz.cc/t5236-topic
نشرت فى 7 فبراير 2011
بواسطة investmarine
maha karamallah
ماجستير فى العلاقات الدولية - كلية الحقوق جامعة عين شمس »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
34,811
ساحة النقاش