<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
ثانياً : إن قصر التقاضي في المسائل التي فصل فيها على درجة واحدة، وإن كان يدخل في إطار السلطة التقديرية للمشرع، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون القرار القضائي الصادر في الدرجة الواحدة صادراً من هيئة قضائية أي من محكمة، وليس صادراً من النيابة العامة، لأن مثل هذا القرار لا يعد قراراً قضائياً نقياً على النحو الذي أوضحناه في المبحث التمهيدي, ومن ثم يجب أن يظل خاضعا لرقابة القضاء، وذلك ليس إعمالاً للمادة (68) من الدستور، لأننا لسنا بصدد قرار إداري، ولكن إعمالاً لنص المادة (165) من الدستور التي تقرر أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم، ومن ثم فإن القرار القضائي الذي يشوبه أي قدر من الصبغة الإدارية، يوجب على المشرع أن يفتح طريق الطعن فيه أمام المحاكم ليكتسب الصفة القضائية كاملة بتأييد المحكمة له إن كان قد صدر صحيحاً خالياً من أي عيب يبطله.
يؤكد صحة ما نذهب إليه أن المشرع الجنائي قد غاير في المعاملة التشريعية بين القرار الصادر من النيابة العامة برفض الإدعاء المدني ممن لحقه ضرر من الجريمة والقرار الصادر بذلك من قاضي التحقيق فأجاز للمدعي المدني الطعن في القرار الأول أمام غرفة المشورة حتى وإن كان المتهم (المدعي عليه) موظفاً عاماً، في حين حصن القرار الثاني، فجعله قراراً نهائياً غير قابل للطعن فيه. ولا شك أن هذه المغايرة في المعاملة التشريعية، تؤكد أن ثمة اختلاف في الطبيعة القانونية لكل من القرارين، فالقرار الأول هو قرار قضائي ذو صبغة إدارية، أما الثاني، فهو قرار قضائي نقي. والقول بغير ذلك يعني أننا بصدد مخالفة دستورية للإخلال بمبدأ المساواة بين فئتين من المدعين بالحقوق المدنية تماثلت مراكزهما القانونية بالنسبة لحق التقاضي.
أي أن إسناد المشرع سلطة التحقيق للنيابة العامة لا تجعل من عضو النيابة قاضياً. فعضو النيابة يستمد صفته من المركز القانوني للنيابة العامة في النظام الدستوري المصري، وعدم تحررها الكامل من التبعية للسلطة التنفيذية، وذلك على النحو الذي أوضحناه في المبحث التمهيدي.
ثالثا : إن المشرع في المادة (199 مكرراً) يجيز "لمن لحقه ضرر من الجريمة" الذي رفض طلبه بالإدعاء المدني أمام النيابة العامة، أن يطعن على قرار النيابة أمام غرفة المشورة، ويمنحه بذلك حماية قضائية على درجتين، مع أن المكتسب لصفة "لحقه ضرر من الجريمة" هو المضرور من الجريمة، ولكن ليس طبقاً للمجرى العادي للأمور، على النحو الذي أوضحناه في المبحث التمهيدي، لأن المكتسب لصفة "يدعي حصول ضرر" يكون قد اكتسب صفة المدعي المدني أمام سلطة الاتهام، ويكون قرار سلطة التحقيق بقبوله في التحقيق بهذه الصفة هو مجرد قرار كاشف وليس قراراً منشئاً، فكيف يسوغ القول أن يمنح المشرع "من لحقه ضرر من الجريمة" حماية قضائية كاملة، في حين أن المجني علين المضرور من الجريمة يحول المشرع بينه وبين الطعن على قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى أمام غرفة المشورة، مع أنه الأحق بالحماية القضائية، لأن الضرر الذي أصابه ضرر مباشر وضرر مادي ونفسي معاً وهذا يعني إخلالاً بمبدأ المساواة بين اثنين من المتقاضين بتسوىء مركز المتقاضي الأحق بالحماية القضائية عن نظيره الذي يحتاج إلى درجة أقل من هذه الحماية.
رابعاً: إن المشرع يخول النائب العام اختصاصاً ولائياً بإلغاء الأمر بألا وجه الصادر من النيابة العامة طبقاً للمادة (211) إجراءات، وفي هذا النص إقرار ضمني من المشرع بوقوع قصور في تحقيقات أعضاء النيابة العامة، سواء من ناحية الواقع أو القانون، فإذا لم يقم النائب العام بمباشرة هذا الاختصاص الولائي نتيجة لانشغاله بأعماله القضائية الأخرى. ألا يعني هذا أن ثمة قرارات قضائية سوف تصدر من أعضاء النيابة العامة مشوبة بقصور في التحقيقات وسوف تتحصن لحظر القانون الطعن عليها من المدعي المدني أمام غرفة المشورة، الأمر الذي يعد انتقاصاً من حق التقاضي وإخلالاً بحق الدفاع أي مخالفة دستورية للمادتين (68)، (69) من الدستور.
المطلب الثاني
حرمان المتهم من الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية طبقا للمادة (210) إجراءات
عرضت هذه المسألة على المحكمة الدستورية، حين طعن المدعي الدستوري بعدم دستورية نص الفقرة الأولى التي تقصر حق الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية على المدعي بالحقوق المدنية دون المتهم، قد أخلت بمبدأى تكافؤ الفرص والمساواة، فضلاً عن إخلالهما بحق المتهم في محاكمة عادلة وإهداره لحق الدفاع.
قضاء المحكمة الدستورية العليا:
حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (210) إجراءات جنائية فيما تضمنته من قصر الحق في الطعن على الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية، على المدعي بالحقوق المدنية دون المتهم..
وأسست المحكمة قضاءها على "أن المدعي بالحق المدني والمتهم طرفان في خصومة جنائية واحدة بما يعد معه الاثنان في مركز قانوني متماثل في هذا المقام، فإذا اختص النص المطعون فيه المدعي بالحق المدني بحق الطعن على القرار بألا وجه، وحرم منه المتهم، كان ذلك إهداراً لمبدأ المساواة بما يناقض نص المادة (40) من الدستور. ومن ناحية أخرى، فإن حرمان المتهم من الطعن على القرار بألا وجه لعدم الأهمية يصادر حقه الدستوري في المثول أمام قاضيه الطبيعي ويهدر حقه في التقاضي لنيل الترضية القضائية المنصفة، ذلك أن القرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لعدم الأهمية، فضلاً عن أنه لا يبرئ ساحة المتهم – على خلاف الحكم القضائي البات – كما لا يمنع صدور هذا الأمر النيابة العامة من العودة إلى التحقيق إذا ظهرت أدلة جديدة قبل انقضاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية طبقاً لنص المادة (197) إجراءات. ومؤدى ما تقدم أن مصادرة حق المدعي في الطعن على القرار بألا وجه لعدم الأهمية من شأنه أن يجعل – في حالات معينة – مهدداً بإلغائه وإعادة التحقيق معه في أي وقت بما ينطوي على تغيير واقعي – وليس مجرد تغير نظري – في المركز القانوني للمدعي يفقد في ظله ضمانات الدفاع عن نفسه، ويعجز عن الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، فضلاً عن أن المتهم من حقه أن يناضل في سبيل إبراء ساحته والدفاع عن سمعته واعتباره. وسبيله في ذلك ووسيلته محاكمة عادلة يصدر فيها حكم قضائي نهائي بذلك، ومن ثم فإن النص المطعون عليه يخالف نصوص المواد 64، 65، 67، 68، 165 من الدستور*.
رأي مخالف لقضاء المحكمة الدستورية العليا :
نحن من جانبنا ننتقد بشدة هذا القضاء للأسباب الآتية:
أولاً : أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى لعدم الأهمية – كما أوضحنا في المبحث الأول – هو قرار يغلب عليه الطابع الإداري وليس قراراً قضائياً، ويصدر عن النيابة العامة كسلطة اتهام لا كسلطة تحقيق، ومن ثم لا يجوز الطعن عليه أمام غرفة المشورة لا من المدعي بالحقوق المدنية ولا من المتهم، وإلا كان بمثابة تدخل من سلطة التحقيق في اختصاص سلطة الاتهام.
ثانياً : أن طعن المتهم على الأمر بألا وجه لعدم الأهمية يجعل من الدعوى الجنائية دعوى تحفظية بما يخرجها عن أهدافها الأصلية التي تتمثل في تحقيق الردع العام والردع الخاص لحماية أمن المجتمع.
ثالثاً : أنه إذا صدر الأمر بألا وجه لعدم الأهمية من النيابة العامة لصالح أكثر من متهم في دعوى واحدة فإن طعن أحدهم على هذا القرار أمام غرفة المشورة، سيؤدي إلى نتيجة شاذة وغير منطقية وهو أن إلغاء غرفة المشورة لهذا القرار قد يؤدي إلى الإضرار بالمركز القانوني لمتهم آخر لم تكن لديه الرغبة في هذا الطعن لأن إلغاء الأمر بألا وجه سوف يؤدي إلى إعادة التحقيق معه، أي تسوئ مركزه القانوني. وهذا يعني أن المتهم الطاعن أمام غرفة المشورة، سوف يختصم في طعنه هذا متهم آخر أو أكثر، وليس فقط المدعي بالحق المدني، وهي نتيجة شاذة وغير منطقية.
المطلب الثالث
حرمان المجني عليه الذي لم يدع مدنياً من الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى
عرضت هذه المسألة الدستورية على المحكمة الدستورية حين طعن المدعي الدستوري أمامها بعدم دستورية نص المادة (210) إجراءات الذي قصر الحق في الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أمام غرفة المشورة على المدعي بالحقوق المدنية دون المجني عليه الذي لم يدع مدنياً.
وأسس المدعي الدستورية دعواه على أن نص المادة (210) إجراءات جنائية المطعون عليه، فيه إخلال بمبدأ تكافؤ الفرص وعدوان على سيادة القانون، وإهدار لمبدأ المساواة وحق التقاضي بالمخالفة لنصوص المواد 8، 40، 64، 65، 67، 68 من الدستور.
وقضت المحكمة الدستورية برفض الدعوى، وأسست قضاءها على أن المشرع إذ قصر – بالنص المطعون عليه – الحق في الطعن على الأوامر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادرة من النيابة العامة على المدعي بالحقوق المدنية دون المجني عليه الذي لم يدع مدنياً . فذلك مرده إلى اختلاف المركز القانوني لكل منهما باعتبار أن الأول هو الشخص الذي أضير من الجريمة. وأراد أن يباشر حقه المدني بنفسه إلى جانب الحق الجنائي الذي تمثله وتباشره النيابة العامة . أما الثاني، فإنه – وإن كان قد أضير كذلك – إلا أنه ترك الأمر للنيابة العامة باعتبارها ممثلة للمجتمع فلم يدع مدنياً، وكان متاحاً له ذلك فأسقط بنفسه الحق الذي كان يمنحه له القانون. فضلاً عن أن المشرع لم يسلب المجني عليه الذي لم يدع مدنياً حق الاعتراض على الأمر الصادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى. ومنحه حق التظلم إلى الجهات الرئاسية بالنيابة العامة. كما منح النائب العام سلطة إصدار قرار قضائي بإلغاء الأمر خلال مدة الثلاثة أشهر التالية لإصداره ومن ثم فإن النص المطعون عليه لا يكون قد انطوى على مخالفة لمبدأ المساواة أو إخلال بمبدأ سيادة القانون أو إهدار لحق التقاضي أو مصادرة لحق الدفاع*.
رأي مخالف لقضاء المحكمة الدستورية العليا:
نحن من جانبنا لا نؤيد هذا القضاء ونرى أن حرمان المجني عليه الذي لم يدع مدنياً من الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يمثل حالة من الحالات التي يسميها الفقه الدستوري بالقصور التشريعي
أو الإغفال التشريعي وفي هذا الإغفال التشريعي مخالفة دستورية للمادة (68)، (69) من الدستور، لأن فيه انتقاص من حق التقاضي وإخلال بحق الدفاع. فليس صحيحاً ما ذهبت إليه المحكمة الدستورية في حكمها من أن المجني عليه الذي لم يدع مدنياً أسقط بنفسه الحق الذي كان يمنحه له القانون لأن التنازل عن الحق لا يفترض ولا يتصور أن يسقط حق المجني عليه في الطعن على الأمر بألا وجه طالما أن الحق في الدعوى الذي يحميه لم يسقط بعد بالتقادم. وإذا كان القانون يخول المجني عليه الذي لم يدع مدنياً أمام سلطة التحقيق أن يدعي مدنياً لأول مرة أمام قضاء الحكم. فكيف يسوغ القول أن يبيح القانون له ذلك ولا يبيح له الطعن على الأمر بألا وجه أمام الدرجة الثانية لقضاء التحقيق، وهي مرحلة سابقة على مرحلة قضاء الحكم؟!
يؤكد صحة ما نذهب إليه أن القانون القديم كان يسمح للمجني عليه بالطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أمام غرفة المشورة إلى أن صدر التعديل التشريعي بالقانون رقم 107 لسنة 1962 فمنع المجني عليه الذي لم يدع مدنياً من مباشرة هذا الحق.
وقد انتقد الفقه الجنائي بالفعل هذا التعديل بسبب أن المدعي المدني ليس دائماً هو المجني عليه وإنما هو المضرور من الجريمة. وأن المجني عليه لشدة ما أصابه. قد لا يقدم على الإدعاء المدني مكتفياً بمراقبة التحقيق، حتى إذا ما أسفر عن صدور أمر بأن لا وجه، وهو تصرف لا يرضيه يكون له حق في الطعن عليه. وأنه من الغبن حرمانه من هذا الحق بمجرد أنه لم يدع مدنياً أمام سلطة التحقيق، كما أنه من الضروري إنصاف المجني عليه، وهو أولى بالرعاية من المدعي المدني، صاحب المصلحة المالية في الواقعة*.
والحقيقة أن استبعاد المجني عليه من حق الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى سواء الصادر من النيابة العامة أو من قاض التحقيق، هو تطبيق خاطئ من المشرع ومن المحكمة الدستورية لمبدأ الأثر الناقل للاستئناف، وعلة ذلك أن هذا المبدأ إن كان يصدق أمام قضاء الحكم فهو لا يصدق أمام قضاء التحقيق، فلا يصح تطبيقه إلا إذا كنا بصدد دعوى استئنافية، ونص المادة (210) لا يعبر عن استئناف لدعوى، صحيح أننا بصدد ثلاثة عناصر حاضرة هي الخصومة والسبب والمحل، وهو ما يوحي للبعض من ظاهر الأمر أننا بصدد دعوى ولكن في الحقيقة أن جوهر الدعوى ذاته غائب تماماً. فالدعوى هي وسيلة الحصول على الحماية القضائية، وقضاء التحقيق لا يمنح المدعي المدني حماية قضائية. ومن ثم فنحن في هذه الحالة لسنا بصدد أي نوع من الدعاوي، لا دعوى تقريرية ولا دعوى منشئة ولا دعوى إلزام، فكل ما يستهدفه المدعي المدني من سلطة التحقيق هو إصدار قرار تمهيدي بإحالة الدعوى الجنائية من ساحة قضاء التحقيق إلى ساحة قضاء الحكم حتى يتحول طلبه من إدعاء إلى دعوى.
وبعبارة أخرى فإن طلبات المدعي المدني أمام قضاء التحقيق هو مجرد إدعاء وليس دعوى بالمعنى الفني الدقيق للدعوى، واستئنافه لطلباته طبقاً للمادتين (162، 210) إجراءات هو استئناف للخصومة وليس استئناف للدعوى، فلا يوجد ما يسمى دعوى مدنية أمام قضاء التحقيق يؤكد صحة ما نذهب إليه، أن سلطة التحقيق حين تصدر قرارها بألا وجه لإقامة الدعوى لا تتعرض على الإطلاق للادعاء المدني، لأن ما يستهدفه المدعي المدني من قضاء التحقيق هو إصدار قرار تمهيدي بإحالة الدعوى الجنائية إلى قضاء الحكم وهو نفس ما تستهدفه سلطة الاتهام. ومن ثم فحين تقضي سلطة التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى، فإن قضاءها هذا ينطوي على رفض لطلب النيابة العامة والمدعي المدني معاً.
ساحة النقاش