<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
يكاد يجمع الفقه والقضاء على أن اختصاص النائب العام– هنا – هو اختصاص قضائي، والصحيح – عندنا – أنه ليس اختصاصً قضائياً ولكنه اختصاص ولائي فقط Jurisdiction gracious وسوف نعرض فيما يلي لأسباب ذلك من منظور قانوني وأيضاً من منظور دستوري.
1- من منظور قانوني :
أن المشرع ناط بغرفة المشورة في المادة (210) إجراءات بالاختصاص القضائي بإلغاء الأمر بألا وجه كدرجة ثانية لقضاء التحقيق. ولا يتصور أن يمنح المشرع هذا الاختصاص القضائي لأكثر من جهة يؤكد هذا النظر ويعززه أن النائب العام تغل يده عن إلغاء الأمر بألا وجه إذا صدر قرار من غرفة المشورة برفض الطعن المرفوع في هذا الأمر طبقاً لنص المادة (210) إجراءات.
2- من منظور دستوري :
1- أن عضو النيابة العامة يصدر الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى كتصرف في التحقيق الذي باشره كقاض تحقيق بصفته أصيلاً يستمد سلطته من القانون مباشرة لا من وكالته عن النائب العام، كما هو الحال عند مباشرته لسلطة الاتهام، وفي ذلك إعمال صحيح لمبدأ دستوري هو مبدأ الفصل بين السلطات (أي سلطتي الاتهام والتحقيق).
2- إن مباشرة النائب العام لاختصاصه بإلغاء الأمر بألا وجه عمل لا يحقق للمتهم ضمانة الدفاع المنصوص عليها في المادة (69) من الدستور من خلال ضرورة تحقق مبدأ المواجهة بين الخصوم، فالنائب العام يباشر – عادة – هذا الاختصاص، بناء على عريضة تقدم له من المجني عليه أو المدعي بالحق المدني شارحاً فيها أوجه القصور في تحقيقات النيابة العامة، ولم يوجب القانون على النائب العام دعوة المتهم لإبداء دفاعه قبل إلغاء الأمر بألا وجه الذي يحوز حجية لصالحه، فلو كان مباشرة النائب العام لهذا الاختصاص عملاً قضائياً لسقط نص المادة (211) إجراءات في حومة المخالفة الدستورية، لمخالفته للمادة (69) من الدستور.
ولقد اضطردت أحكام المحكمة الدستورية العليا على "أن القرار الذي يصدر عن جهة خولها المشرع ولاية الفصل في نزاع معين، لا يكون قراراً قضائياً، إذا كانت ضمانة الدفاع غائبة عن النصوص القانونية التي تنظم هذه الولاية، وتبين حدودها".*
3- استعمل المشرع في المادة (211) لام الملكية وهو يمنح النائب العام سلطة تقديرية في مباشرة هذا الاختصاص، فربما شغلته اختصاصاته القضائية عن مباشرة هذا العمل الولائي.
وأسمع صيحات الاحتجاج تتعالى وتقول إن لام الملكية – هنا – تمنح النائب العام السلطة في إلغاء الأمر بألا وجه أو عدم إلغائه ولا تعني السلطة التقديرية في نظر الطلب بإلغاء الأمر بألا وجه من عدمه، فالنائب العام ملزم بالبحث فيما يقدم له من طلبات بإلغاء الأمر بألا وجه، ليقرر بعد ذلك إلغاءه من عدمه وإلا كنا بصدد حالة إنكار عدالة من النائب العام.
وهذا القول مردود عليه: بأنه لو قصد المشرع إلزام النائب العام بالفصل في طلبات إلغاء الأمر بألا وجه لقام المشرع بتحديد ميعاد المطالبة القضائية الذي يلتزم به الأشخاص لتقديم هذا الطلب إلى النائب العام، كما فعل – مثلاً – في المادة (210)، حين قرر أن للمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، وحدد ميعاد المطالبة القضائية بعشرة أيام من تاريخ إعلان المدعي بالحق المدني بالأمر ولكن المشرع في المادة (211) قرر الميعاد الذي يقوم فيه النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه وهو الثلاثة أشهر التالية لصدوره، فلو افترضنا أن أحد الأشخاص قدم هذا الطلب للنائب العام قبل انقضاء مدة الثلاثة أشهر بيوم واحد فقط أو يومين، فهل يسوغ القول بالتزام النائب العام بالفصل في هذا الطلب؟؟
وهل يسوغ القول بأن النائب العام منكراً للعدالة لإغفاله البحث في هذا الطلب؟!
4- إن استعمال المشرع لام الملكية وهو يخول النائب العام هذا الاختصاص يعني أن له القيام بهذا العمل حتى لو لم يقدم له طلب من الأشخاص، فهناك بعض الجرائم يكون الاعتداء فيها على المصلحة العامة للمجتمع، دون أن يكون ثمة مجني عليه أو مضرور مباشر ومحدد من الجريمة مثل جرائم المخدرات، ففي هذه الجرائم يقوم النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه دون تقديم طلب من الأشخاص، فلو كان اختصاص النائب العام اختصاصاً قضائياً لما أمكنه إلغاء الأمر بألا وجه في مثل هذه الجرائم إعمالاً للقاعدة العامة التي تقضي بأن القاضي لا يقضي بغير طلب أي مبدأ حياد القاضي وهو من الضمانات الأساسية لحق التقاضي، ولسقط النص في حومة المخالفة الدستورية للمادة (68) من الدستور.
النتائج العملية المترتبة على الاختلاف في التأصيل العلمي لاختصاص النائب العام في المادة (211) إجراءات:
1- أن النائب العام غير ملزم قانوناً أن ينظر ما يعرض عليه من طلبات بإلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، فهو ليس جهة طعن على القرار كغرفة المشورة.
2- لا يجوز للنائب العام إلغاء الأمر بألا وجه إقامة الدعوى، إذا كان صادراً من النائب العام المساعد أو المحامي العام الأول، كما ورد بالفعل بالعديد من كتب الفقه ولكن دون ذكر السبب، والسبب –عندنا – أن هؤلاء على نفس مستوى النائب العام من الخبرة القانونية، والعمل الولائي من قاض إلى آخر، لا يكون من قاض إلى قاض أقل منه خبرة.
3- لا يجوز للنائب العام إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، إذا كان منعدماً، وعلة ذلك أن القرار القضائي المنعدم يعني أن ثمة خطأً جسيماً وقع فيه عضو النيابة العامة، والخطأ الجسيم لا يتصور أن يكون محلاً ينصب عليه القرار الولائي، لأن العمل الولائي – في هذه الحالة – ينطوي على نقد وتجريح وهو أمر يأباه طبيعة العمل الولائي، كما يأباه أيضاً انتفاء الصفة الرئاسية للنائب العام تجاه عضو ا لنيابة وهو يباشر سلطة التحقيق.
4- أن ميعاد الثلاثة أشهر المنصوص عليه في المادة (211) إجراءات، ليس ميعاد سقوط،
كما ورد بكتب الفقه، لكنه ميعاد تنظيمي فقط وذلك طبقاً لكل من قواعد التفسير اللغوي أو قواعد التفسير المنطقي.
أ. فبالنسبة لقواعد التفسير اللغوي: فالمشرع يقصد الثلاثة أشهر التالية لشهر صدوره وليس ليوم صدوره، كما يعتقد الفقه والقضاء، فالصفة تتبع الموصوف.
يؤيد صحة ذلك، أن نفس الصياغة تقريباً وردت في المادة (543) في الباب التاسع الخاص برد الاعتبار، وغنى عن البيان، أن الميعاد المذكور في هذه المادة، لا يتصور إلا إن يكون ميعاداً تنظيمياً وليس ميعاد سقوط، فقد وردت عبارة "في الثلاثة أشهر التالية".
وإذا كان المشرع قد أضاف على هذه الصياغة لفظة "مدة" في المادة (211) إجراءات فهذا ليقرب هذا الميعاد من ميعاد السقوط أو بتعبير أدق أراد المشرع في المادة (211) إجراءات أن يلزم النائب العام بهذا الميعاد، لكنه – فقط – التزام أدبي وليس التزاماً قانونياً وكأن المشرع يريد أن يقول، أنه بالرغم من أن هذا الميعاد هو ميعاد تنظيمي وليس ميعاد سقوط، فعلى النائب العام، بقدر الإمكان أن يلتزم بهذه المدة، حتى يستقر المركز القانوني للمتهم، فلا يظل قلقاً ومضطرباً.
ب. بالنسبة لقواعد التفسير المنطقي: أن القرار الولائي الصادر من النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه لن يرتب أثراً قانونياً بمفرده، وإنما سوف يرتد مرة أخرى إلى مصدر الأمر بألا وجه ليعمل هو آثاره في مواجهة الخصوم.
وفي حكم حديث لمحكمة النقض، أبقت المحكمة على أمر بألا وجه لإقامة الدعوى لأن النائب العام ألغاه بعد فوات ثلاثة أشهر وثلاثة أيام من صدوره، أي أنها ألغت قرار النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه، لأنه صدر بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة (211). وفي هذا الحكم يظهر بوضوح التباين في الرأي بين محكمة النقض والنائب العام بالنسبة لميعاد الثلاثة أشهر فالنائب العام يرى أن هذا الميعاد هو ميعاد تنظيمي بينما ترى محكمة النقض أنه ميعاد سقوط.*
5- القرار الصادر من النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى طبقاً للمادة (211) إجراءات، هذا القرار يرتد إلى النيابة التي أصدرته لتعمل – هي – آثاره، في مواجهة المتهم، وهي بين خيارين:
أ – إما أن توافق على قرار النائب العام فيتحول القرار الولائي الصادر من النائب العام إلى قرار قضائي فيتحقق بذلك الإلغاء الفعلي للقرار، وليس صحيحاً أن إلغاء الأمر بألا وجه قد تم لأنه عند صدوره كان حائزاً لحجية مؤقته – كما يذهب إلى ذلك الفقه والقضاء – ولكن إلغاء الأمر بألا وجه قد تم بناء على فكرة قانونية أخرى هي مبدأ عدم استنفاد القاضي سلطته فيما فصل فيه. فالأمر بألا وجه صدر حائزاً لحجية شأنها شأن الحجية التي يحوزها أي حكم قضائي يؤكد صحة ما نذهب إليه، أنه خلال الفترة الزمنية ما بين صدور قرار النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه، وموافقة مصدر القرار على قرار النائب العام.
خلال هذه الفترة الزمنية يمتنع على أي نيابة أخرى التحقيق في نفس الدعوى التي صدر فيها الأمر بألا وجه، وإن هي فعلت، فاللمتهم، أن يرفع الدعوى بعدم جواز نظرها لسبق الفصل فيها بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى حائزاً للحجية، وذلك بالرغم من صدور قرار النائب العام بإلغاء الأمر بألا وجه طبقاً للمادة (211) إجراءات.
وهذا يؤكد ما سبق أن قلناه في المبحث السابق من أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى هو قرار قضائي يحوز الحجية. وليس ثمة ما يسمى حجية مؤقتة.
المبحث الثالث
إلغاء الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى
أمام غرفة المشورة
تنص المادة (210) إجراءات على "للمدعي بالحقوق المدنية الطعن في الأمر الصادر من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى إلا إذا كان صادراً في تهمة موجهة ضد موظف أو مستخدم عام أو أحد رجال الضبط لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة (123) من قانون العقوبات.
ويحصل الطعن بتقرير في قلم الكتاب في ميعاد عشرة أيام من تاريخ إعلان المدعي بالحق المدني بالأمر ويرفع الطعن إلى محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة في مواد الجنايات وإلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة في مواد الجنح والمخالفات. ويتبع في رفعه والفصل فيه الأحكام المقررة في شأن استئناف الأوامر الصادرة من قاض التحقيق".
وثمة تساؤلات طرحت نفسها، وتساؤل لا يزال يطرح نفسه بالنسبة لمدى دستورية فقرات هذا النص.
أما عن التساؤلات التي طرحت نفسها، فقد عرضت بالفعل على المحكمة الدستورية العليا وقالت فيها كلمتها، وبقى تساؤل لم يطرح بعد.
والمسائل الدستورية التي طرحت على المحكمة الدستورية لتقضي في مدى دستوريتها هي:
1- حظر طعن المدعي بالحقوق المدنية في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها.
2- حرمان المتهم من الطعن على الأمر بألا وجه لعدم الأهمية بما يعد قصوراً تشريعياً.
3- حرمان المجني عليه الذي لم يدع مدنياً من الطعن على الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى بما يعد قصوراً تشريعياً.
أما المسألة الدستورية التي لم تطرح بعد على المحكمة الدستورية، فهي مدى دستورية الفقرة الأخيرة من المادة (210) إجراءات التي تقرر أن الطعن في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى يتبع في رفعه والفصل فيه الأحكام المقررة في شأن استئناف الأوامر الصادرة من قاضي التحقيق، وذلك بعد ربطها بالفقرة الأخيرة من المادة (167) إجراءات التي تقرر أن تكون القرارات الصادرة من غرفة المشورة في جميع الأحوال نهائية وبعبارة أخرى، ما مدى دستورية القاعدة القانونية التي لا تجيز الطعن بالنقض في القرار الصادر من غرفة المشورة برفض الطعن في الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى؟
وسوف نتناول هذه المسائل في أربعة مطالب:
المطلب الأول
حظر طعن المدعي بالحقوق المدنية في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين أو المستخدمين العامين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها:
تعرضت المحكمة الدستورية بالفعل لهذه المسألة الدستورية، حين طعن المدعي الدستوري بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (210) إجراءات، فيما تضمنه من عدم تخويل المدعي بالحقوق المدنية حق الطعن في أمر النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية الصادر في تهمة موجهة إلى موظف أو مستخدم عام لجريمة وقعت منه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، ما لم تكن من الجرائم المشار إليها في المادة (123) عقوبات.
وأسس المدعي الدستوري دعواه على مخالفة هذا النص لمبدأ المساواة أمام القانون لأنه يمنح الموظفين العموميين حصانة غير مقررة بالنسبة إلى غيرهم من المواطنين. ومخالفة النص كذلك للمادة (3) من الدستور التي تعقد السيادة للشعب وحده، والمادة (64) من الدستور التي تنص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، والمادة (65) التي تقرر خضوع الدولة للقانون كما أن النص حصن قراراً صدر عن النيابة العامة من رقابة القضاء بالمخالفة للمادة (68) من الدستور.
قضاء المحكمة الدستورية العليا :
قضت المحكمة برفض الطعن الدستوري، وأسست قضاءها على أن النص في المادة (210/أ) إجراءات جنائية على حظر طعن المدعي بالحقوق المدنية في قرار النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية في تهمة موجهة إلى أحد الموظفين لجريمة وقعت منه أثناء تأديته لوظيفته أو بسببها – المطعون عليها – لا يتضمن تمييز بعض المتهمين على بعض، وإنما تحقيق غاية بعينها تتمثل في صون الآداء الأفضل للوظيفة العامة من خلال توفير ضمانة لازمة تكفل لمن يقوم بأعبائها أن يوزن ا لاتهام الموجه إليه بمقاييس دقيقة لا يكون معها العمل العام موطئاً لشهوة التشهير بسمعته أو الازدراء بقدره دون أدلة كافية تظاهر الاتهام وترجحه بما لا مخالفة فيه لمبدأ المساواة أمام القانون.
وأضافت المحكمة بأن نعي المدعي على النص المطعون عليه بمخالفته للمواد (3)، (64)، (65) من الدستور مردود عليه ، بأن الأصل في النصوص الدستورية أن المعاني التي تتولد عنها يتعين أن تكون مترابطة فيما بينها بما يرد عنها التناقض، وكان الدستور بعد أن نص في المادة (3) على أن السيادة للشعب وحده ، ضمن أن تكون ممارستها وحمايتها على الوجه المبين في الدستور، وكان الدستور قد خول المحكوم له الحق في الادعاء المباشر في حالة بذاتها هي جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الواردة في المادة (72) منه، وفوض المشرع فيما عداها – وعلى ما تنص عليه المادة 70 – لتحديد الأحوال التي تقام فيها الدعوى الجنائية عن غير طريق الجهة القضائية، ويندرج تحتها الحق في الإدعاء المباشر، وكان المشرع في إطار هذا التفويض قد استبعد من نطاق الإدعاء المباشر أي جناية أو جنحة يكون الاتهام بارتكابها أثناء تأدية الوظيفة العامة أو بسببها موجهاً إلى أحد الموظفين العامين، وذلك لضمان الأداء الأفضل للوظيفة العامة. وكان النص التشريعي المطعون عليه متعلقاً بجرائم الوظيفة العامة واقعاً في إطارها، مستلهما الاعتبارات عينها التي قرر المشرع من أجلها استبعاد الإدعاء المباشر في مجال الجرائم الوظيفية وكان حظر الطعن متعلقاً بقرار بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية صدر عن النيابة العامة على ضوء تحقيقاتها، وكان هذا القرار قضائياً بمعنى الكلمة، فإن حظر الطعن فيه يدخل في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا مخالفة فيه لأحكام المواد 3، 64، 65 من الدستور.
وأضافت المحكمة: وحيث إن المدعي ينعى على النص التشريعي المطعون عليه إخلاله بالحق في التقاضي إذ منع المضرور من الجريمة التي ارتكبها موظف أو مستخدم عام أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي لطلب التعويض من المسئول عن الفعل الضار، فضلاً عن القصاص منه.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن المشرع وإن خول من لحقه ضرر من الجريمة أن يدعى بحقوق مدنية أثناء إجراء التحقيق، إلا أن اللجوء إلى القضاء الجنائي للفصل في الحقوق المدنية لا يعدو أن يكون استثناء من أصل اختصاص القضاء المدني بنظر الدعوى المتعلقة بها، بما مؤداه أن الأصل هو أن يكون الفصل في الدعوى المدنية بيد هذا القضاء بوصفه قاضيها الطبيعي. ومن ثم لا يكون النص التشريعي المطعون عليه قد حال دون لجوء المدعي بالحقوق المدنية إلى قاضيه الطبيعي.
وأضافت المحكمة: بأن ما ينعاه المدعي على النص التشريعي المطعون عليه من أنه حصن قراراً صدر عن النيابة العامة بالمخالفة للمادة (68) من الدستور، مردود بأن ما قررته هذه المادة من عدم جواز النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، لا ينسحب إلى القرارات القضائية ويندرج تحتها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى، إذ يعتبر قراراً قضائياً بمعنى الكلمة*.
رأي مخالف لقضاء المحكمة الدستورية العليا:
أولاً : نحن من جانبنا، لا نؤيد هذا القضاء، ونرى أن النص التشريعي المطعون عليه يمثل مخالفة دستورية من عدة وجوه. ونحن نعترض بشدة على القول بأن النص التشريعي لم يمنع المدعي بالحقوق المدنية من اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، لأن القضاء المدني هو صاحب الاختصاص الأصيل بنظر الدعوى المدنية وأن اختصاص القضاء الجنائي هو اختصاص استثنائي، لأن هذه المقولة إن كانت تصدق بالنسبة للدعاوي المدنية الناشئة عن بعض الجرائم، فهي لا تصدق بالنسبة لبعضها الآخر وعلة ذلك، أنه إذا كانت أركان المسئولية المدنية هي الخطأ والضرر وعلاقة السببية، وكانت الجريمة بأركانها الثلاثة المادي والمعنوي وعلاقة السببية تمثل ركن الخطأ في الدعوى المدنية التبعية للدعوى الجنائية، فإنه في كثير من الحالات يتعذر إثبات هذا الخطأ بوسائل القانون المدني وإنما يكون القاضي الجنائي هو الأقدر على إثباته بوسائل القانون الجنائي، ومن ثم يكون هذا القاضي – في هذه الحالات – قاضياً طبيعياً للدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة إلى جانب القاضي المدني، يؤكد هذا النظر ويعززه، أن القاضي المدني يرتبط بالحكم الجنائي بالنسبة للوقائع التي فصل فيها هذا الحكم، وكان فصله فيها ضرورياً، وذلك طبقاً للمادة (102) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية وطبقاً لنص المادة (456) إجراءات جنائية، في حين أن القاضي الجنائي لا يرتبط بما يصدر عن القاضي المدني من أحكام.
ساحة النقاش