عندما نحافظ على صورتنا الذاتية التى صورنا الله عليها

نستطيع حينئذ أن نتوجه بالدعاء إلى الغفور الرحيم

ونحن واثقين من الإجابة

بسم الله الرحمن الرحيم

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ

اليوم سنتحدث عن صورتنا الذاتية، فلكل منا صورة ذاتية صوره عليها ربه، فمنا من حافظ عليها نقية بهية براقة وجميلة ورائعة كما خلقها ربنا، ومنا من دفنها ودسها وأضاف عليها من المؤثرات الخارجية ما جعلنا نسف ونشقى.

وهنا يتوجه سيدنا إبراهيم بسريرته النقية الطاهرة إلى رب العالمين، قائلا :

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ

لقد توجه إلى الله بكامل كيانه، ما ظهر منه وما بطن، وهكذا تكون شخصية المؤمن التقي النقي الموحد بالله… لولا خوفي من التفسير لقلت ما عندي في هذه الآيات الرائعة الجمال والبالغة الحكمة.. فإننا نحتاج لأن نُحييّ صورتنا الداخلية، التى صورنا ربنا عليها، ليكون ما نُخفي خير مما نعلن.

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ

ولدينا آيات أخرى عن الصورة الذاتية الداخلية، في غاية الروعة، تضيف إلينا قيمة كبرى، لأن الذي صورنا هو العلي العظيم:

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

وقال الله تبارك وتعالى أيضا في سورة غافر :

اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)

الآن ربما وضحت لنا قيمتنا الكبرى بين خلق الله، فقد خلق الله كل شيء، ولكنه أضاف للإنسان أجمل صورة يمكن أن يكون عليها، ومن النتائج البديعة الرائعة لهذا التصوير الرباني العظيم :

ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ

إذا عندما تصبح صورتنا الداخلية والخارجية كما صورنا عليها ربنا، فقد استحققنا إذا سجود الملائكة لأدم أبو البشر عليه السلام.

لذلك نجد أنفسنا وجها لوجه مرة أخرى مع الآية الكريمة التى ستصاحبنا حتى نلاقي ربنا:

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

فكلما حاولنا جاهدين أن نحافظ على أنفسنا من الداخل، مشاعرنا وأفكارنا ونوايانا، فنجعل كل ذلك نقيا طاهرا مهذبا وبعيدا عن السلبيات، عندئذ سيثبتنا ربنا في النور لأنه ولينا عليه توكلنا وهو رب العرش العظيم.

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)

كل من يتبع الشهوات، هناك شهوة جمع المال، وهناك شهوة حب التملك والظهور، كل شهوة صاحبها يدعونا لأن نميل ميلا عظيما، نميل عن النور وعن الهدى وعن الصلاح وعن التقوى وعن القرب..

والله ما نعاني منه الآن في كل مكان سببه ميلنا العظيم لأننا اتبعنا الشهوات، والعلاج الوحيد من هذه الحالة هو:

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)

ليتنا نستطيع سويا تطبيق الخمسة الأولى من صفات عباد الرحمن، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم ارزقنا مما أنعمت به على عبادك الصالحين، واحشرنا مع الأنبياء والشهداء والصديقين، وأسكنا برحمتك يارب العالمين جنات النعيم، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك ياربنا .. تبنا إليك فاغفر لنا وارحمنا وتوفنا مع الأبرار المسلمين..آمين آمين آمين والحمد لله رب العالمين .