عذراً لتساؤلاتى و لكن تلك أسئلة تدور فى ذهنى. هل تدهورت قيم الرجولة فى مجتمعنا؟ هل يشعر الرجل غير السوى برجولته عندما يتباهى بالتمرد، و عدم الإكتراث بالذوق و الآداب و الاستقواء على الضعيف و كسر القوانيين؟ و هل مظاهر تدنى المستوى العام للذوق و التعاملات الإنسانية و الآداب و الفنون ما هو إلا انعكاسا لعدم إحساس الرجال برجولتهم حقا؟
لنأخذ الفن مثالا. عندما أسمع أغنية فى الراديو لبعض مشاهير الغناء من الشباب، أستغرب لماذا يصرون على استخدام ألفاظ و معانى هى فى كثير من الأحيان خارج حدود اللياقة و مرات تكون الكلمات للأسف "عيب صريح".
لا أنكر أن بعض هذه الكلمات يمكن أن يكون طريفا فى حدود الحديث الخاص بين مجموعة من الشباب أو الرجال، لا ضير أن يتفكهون ببعض العبارات الشقية. و لكن استخدام هذه العبارات فى وسائل الإعلام العام فى الأغانى و الشعر و الدراما له أثر خطير فى الإنحطاط بالذوق العام و بمستوى الأداب العامة فى المجتمع.
كلمات مثل "يخرب بيتك"، "يالهوى"، "مطلعة عينى"، "تقفى على إيديك"، "قم أقف و إنت بتكلمنى" - و القائمة كبيرة جدا - هذه الكلمات ليست فقط غير راقية و إنما فى بعض الأحيان ليست فى سياق مضمون الأغنية أصلا. لو أنا أغنى لمحبوبتى، ليس من اللائق أن أقول لها "مطلعة عينى" بالرغم من جودة الأغنية.
أعرف إنها مجرد أغانى شقية كما يدافع عنها أصحابها. و لكن يجب أن نعلم أننا كلما سقطتنا درجة يمكن أن نسقط الأخرى و مرة تلو مرة حتى نصل إلى الحضيض.
هل تتذكر فى فيلم فاتن حمامة عندما شتمت بقول "يا بن الكلب" و كان فيلم "الخيط الرفيع" و هو من انتاج السبعينيات أو فيلم "ليلى بنت مدارس" لـ ليلى مراد عندما وصفت عشيقة زوجها بأنها "واحدة كلبة" و ذلك أعتبره من جم أدب كاتب الحوار لأنه لم يستخدم وصفا آخر أكثر بذاءة، بالرغم من تناسب قول الشتمة مع السياق الدرامى، فتلك كانت سوابق فى السينما المصرية. لأن مستوى الآداب العامة و اللياقة فى الحديث كان رفيعا. أما الآن، أقسم بالله، لا أستطيع أن أشاهد فقط مجرد إعلان عن فيلم يعرض الآن على التليفزيون المصرى فى القنوات الرسمية من كم البذاءة و الإبتذال الموجودة فقط فى الإعلان فما بال الفيلم نفسه.
و الأغانى الشعبية زمان مثل "إدى الواد لأبوه" كانت تعتبر مقبولة ولكن غير قابلة للإذاعة بشكل عام و هى فى النهاية فئة معينة من الأغانى لا يعبر عن مجموع الذوق الفنى فى المجتمع، و فى المقابل كان يوجد أغانى أخرى ترتقى بكلماتها بالذوق العام. الآن اختلط الحابل بالنابل و أصبح شعراء الأغنية يتنافسون على الإبتذال و أصبحت أغانى المطرب الشعبى الشهير فى السبعينيات من الكلاسيكيات المحترمة فى فن الأغنية المصرية.
موجة الأفلام الكوميدية منذ ما يقرب من عشر سنوات و حتى هذا الحين تعتمد على ضرب النساء و الأطفال و الاستهزاء بالكبار و الإيفيهات الإباحية، حتى وصل الأمر إلى العنصرية و عدم احترام الأقليات و الفئات الضعيفة فى المجتمع و حتى الاستهزاء بـ دول و شعوب بأكملها فقط لأن "القافية حكمت" و لا يشعر الكوميديان أنه بذلك يزرع القيم الرذيلة فى وجدان أجيال بأكملها.
أسأل نفسى لماذا يتباهى الرجل بقلة الأدب؟ هل تدنى مستوى الرجولة لدرجة أن الرجل لا يشعر برجولته إلا إذا أهان إمرأة أو استهزأ برجل كبير أو ضرب طفلا صغيراً؟! لماذا لا يستحى الرجال من تلك الأفعال؟ لماذا لا يشعر الرجل بالغيرة على رجولته؟
أحب أن أقول لكل رجل ممن يروجون لهذه الثقافة الشاذة عن الفطرة الإنسانية السليمة سواء بقصد أو بغير قصد، أقول لكل شاعر يكتب كلمات "شقية"، لكل مغنى يتباهى بكلمات بذيئة، لكل ممثل، كاتب، مستمع أو حتى مشاهد لتلك المهازل، الإبتذال و التطاول يمكن أن يجلب لك إعجاب الناس المؤقت بخفة دمك. كسر حدود اللياقة يمكنه أن يعطيك إحساسا زائفاً بالثقة فى النفس. و لكن كل هذا، لن يجلب لك احترام الجنس الآخر و لا احترام المجتمع لك و الأهم من ذلك لن يشعرك برجولتك الحقة. اذهب و ابحث عن قيم الرجولة و حاول أن تتعلَمها و أن تعلِمها لأن بالرجولة الحقة فقط تستقيم حياتك بأكملها، زوجتك و أولادك و أهلك و مجتمعك.
اللهم اهدنا إلى أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.