كان عاصم رجلا ممتلئ الجسم، غليظ الكلام سيء التصرفات، لا يحبه أحد بسبب سوء خلقه، وعدم احترامه للآخرين.
وذات يوم كان عاصم يسير في الشارع مزهوا، فخورا بنفسه، ورافعا رأسه لأعلى ينظر في السماء، وكأن ليس على الأرض أحد غيره، لا يسلم على أحد في الطريق، ولا يرد السلام على أحد.
في ذلك الوقت كان مسامح يحمل فوق رأسه قفصا قد رتب فيه العلب الزجاجية المليئة بالخل، كان القفص ثقيلا فوق رأسه المحنى إلى أسفل، فكان لا يرى من الطريق أمامه إلا ما تحت قدميه، فأخذ يسرع الخُطا ليلحق بالسوق مبكرًا، ويبيع بضاعته ويعود بثمنها لأولاده.
فجأة صدم عاصم مسامح بائع الخل، فوقع القفص، وانكسرت ما به من علب زجاجية، وتناثر على الأرض، وانسكب ما بها على ثياب عاصم. الذي وقف يسب ويلعن ويوبخ ذلك الأعمى صاحب القفص، ولم يكتف بذلك بل أمسك الرجل وأخذ يضربه بغلظة جزاء لما فعل بملابسه الغالية الثمينة.
وتجمع الناس يتفرجون، ولكن لم يستطع أحد أن يتدخل؛ ليدافع عن البائع المسكين؛ خوفا من عاصم ولسانه السليط.
وفجأة سمع الجميع صوت فتى يقول: كفى.. ألا يكفيك أنك كسرت زجاجاته وأضعت بضاعته، فتسبه وتضربه؟
توقف عاصم عن ضرب البائع المسكين، والتفت الجميع نحو صاحب الصوت، وعرفوه.. إنه كريم؛ وهو فتى قوى البيان، طيب القلب، يحب الخير. وقد شاهد وسمع كل ما حدث بين عاصم ومسامح.
أجاب عاصم بصوته الغليظ: لقد أفسد لي ثوبي الغالي، ولن أتركه حتى يدفع لي ثمنه، ثلاثمائة جنيه.
قال كريم: لن يدفع لك شيئًا، إنه لم يخطئ، بل هو صاحب الحق.
قال عاصم: لن أتركه حتى يدفع لي..
قال الفتى: اتركه وسأدفع لك ما تريد.
أخرج الفتى المال من حافظة النقود، وأعطاها له، فرح عاصم بالمال كثيرًا؛ لأنه أكثر بكثير من ثمن ثوبه. واستدار لينصرف وهو سعيد، ولكنه فوجئ بالفتى كريم يجذبه من ثوبه، ويقول له: إلى أين؟ أعطتني الثوب أولا، لقد بعتني إياه وأعطيتك الثمن. هيا اخلع ثوبك.
استدار عاصم وقد جمد وجهه من هول المفاجأة، وقال: سأذهب إلى البيت، وأخلعه وأرسله لك مع الخادم.
قال كريم: لا.. بل الآن.. أعطني الثوب الآن.
وقف عاصم حائرًا لا يعرف كيف يتصرف. هل يخلع ثوبه هكذا في الشارع أمام كل الناس؟ كيف وهو المغرور المختال المتكبر.
فكر قليلا ثم قال: أمهلني حتى أصل إلى البيت.. فأرسله لك. أجاب كريم : قلت لك الآن .. أعطني الثوب أو......
سكت كريم.. فأسرع عاصم يسأله: أو ماذا؟
قال كريم: أو تشتريه مني.
ازدادت حيرة عاصم، فهو لا يريد أن يضيع منه المال، ولا يستطيع أن يخلع ثوبه ويبقى عريانا أمام الناس.
وأمام إلحاح الفتى لم يجد عاصم مفرًا من أن يشتري الثوب، فقال: أشتريه.. خذ ها هو المال.
قال كريم: لا.. ليس قبل أن تعتذر لبائع زجاجات الخل، وتدفع له ثمن بضاعته التي أتلفتها.
اندفع عاصم يقول: ماذا ألا يكفيك أن أخسر مالي وثوبي؟
قال كريم: هذا هو الشرط. فقال عاصم: موافق... موافق..
ونّفَّذَ عاصم كل ما طلبه منه كريم، وانصرف مسرعا بثوبه ملوثا.
قال مسامح: أنت فتى شجاع يا كريم.. بارك الله فيك..قال كريم: المهم أن تسامحه عما فعل لك.
قال مسامح: لقد سامحته عما فعل معي.. سامحه الله.
قال الفتى: أنت سامحته فأنت الكريم.. أنت مسامح كريم.
ومن يومها لم يعد عاصم مرة ثانية لما كان عليه من الغرور والتكبر على الناس، بعد أن تلقى ذلك الدرس.