تشكل المرأة في المجتمع أحد جناحيه باعتبارها نصف مواردة البشرية ، والتي لا يمكن للمجتمع النهوض بدونها، خاصة أن دخولها الواسع في ميدان العمل والانتاج ساعد في تطوير شخصيتها بما وفره لها من حفظ لكرامتها وإنسانيتها كما جعلها قادرة علي المشاركة في صنع الحياة الاجتماعية والتفاعل معها .. بالإضافة لشعورها بالاستقلالية والاستمتاع بارادتها الحرة.
ورغم كل هذه المكاسب التي حققتها المرأة ، فإن هناك نسبة كبير تفضل العودة إلي البيت وترك العمل ويبدو أن مجتمع الحرية الذي تعيشه المرأة في المجتمعات العربية أوجد نوعاً من المصطلحات المنطقية وغير المنطقية، فالمصلحة هي سيدة القيم، وكل مصلحة تجمع نفراً من الأشخاص تكفي لتكون قاعدة يؤسسون عليها جمعية أو رابطة أو منظمة، وعندما قامت الحركة النسائية وتوطدت مع بدايات القرن كان السبب في انبثاقها هو الفرز بين الرجال والنساء عموما، وتوق المرأة لتحقيق كامل إنسانيتها.
وفي الإطار الواسع للحركة النسائية ناضلت المرأة لكسب حقوقها في ميادين السياسة والعلم والمجتمع وفي سبيل حقها بأن تكون ندا لرجل، ولكن هل ظلت المرأة علي نضالها في سبيل تحقيق تلك الأهداف؟ يبدو أن التنوع الذي انبثق عن التطور الاجتماعي قد أدي إلي بروز العديد من الحركات النسائية، وكل منها تناضل من أجل مصالح الفئة الضيقة، التي تنتمي إليها، فهناك تجمعات للمرأة العاملة، ونصف العاملة، و"البيتوتية"، والأم غير المتزوجة، وسيدة الأعمال.
والواقع أن أي امرأة الآن تفكر في العمل النسائي عليها أولا أن تختار النموذج النسائي الذي يحقق لها الرضا عن النفس قبل أن تتبني قضية المرأة، لأنها ستجد من يسألها لاحقا: عن أي امرأة تتحدثين؟ وهذا السؤال هو الذي يفرض نفسه عندما يتحدث أحد عن المرأة. والكلام في العموميات شيء، والواقع شيء آخر فالمرأة باتت تنتمي إلي أربعة معسكرات كبري ينبثق عنها العديد من التقسيمات الصغري.
تقول حبيبة الصواف مدير الائتمان بأحد البنوك: إنه من المفارقات المثيرة في المجتمعات الغربية أن المرأة العاملة باتت تنظر لزميلتها البيتوتية بعين الحسد، فربة البيت التي لا تحتاج إلي العمل الخارجي لأسباب اقتصادية، هي امرأة مؤهلة للاستمتاع بوقتها لفترة أطول وللعناية بأبنائها وزوجها بما يديم الوئام والود داخل العائلة بينما يري العديد من النساء غير العاملات أن طول فترة المكوث اليومي في البيت قد "أطفأ" عقولهن وحولهن إلي كائنات بليدة لا تتفاعل مع الحياة إلا عبر المشاهدة، فربة البيت تتابع المسلسلات التليفزيونية وتقف علي ما يجري للبطل أو البطلة من أحداث يوما بيوم، وهي تنضوي في تجمعات عفوية للجارات غير العاملات، إذ يتبادلن الحديث عن المسلسلات ومشكلات الطبخ والأولاد والزوج. ومن جانب آخر فإن الصورة السائدة للمرأة البيتوتية في ذهن الرجل هي أنها ضعيفة الرغبة، وتمثل أحد مظاهر الرتابة التي قد تهدد حيوية الحياة الزوجية.
الذكاء الاجتماعي
وتقول صفاء كامل"موظفة" بأحد البنوك :ان بعض الرجال ينظرون إلي المرأة العاملة باعتبارها تعيش الهلع والتعجلو الارتباك تزاحم في المواصلات لتصل إلي عملها أواثناء تواجدها في الأسواق لشراء مستلزمات اولادها بالإضافة إلي توصيل أبنائها للمدرسة، وتؤكد انها بالفعل تعاني لان اطفاها يحبون المربية أكثر من حبهم لأمهم، كما انها، فهي مستنزفة ومنهكة، وليس لديها الوقت أو العزيمة للتفكير في التواصل العاطفي الحميم مع الزوج إلا في نهاية الأسبوع أو في المناسبات.
وتري صفاء أن هناك فرقاً كبيراً بين المرأة العاملة وسيدة المجتمع المقصود بهذا الوصف هو كل سيدة لا تحتاج إلي العمل، لا في المنزل ولا في خارجه، إذ إنها ثرية وذكية ومنفتحة، وبإمكانها أن تقضي وقتها في غاية الاستمتاع من خلال أنشطة رياضية واجتماعية وفنية، وعبر الاهتمامات العامة بالشئون المختلفة، وهذه السيدة تتمتع بأناقة كاملة وتعرف كل تفصيلات طلاء الأظافر وأنواع الماكياج الشهيرة وماركات الأزياء وأماكن العرض والعارضات.
وتضيف : أعتقد ان هذه المرأة لا تكل ولا تمل من اللقاءات العاطفية الساخنة، والصورة المطبوعة في ذهن بعض الرجال عن هذه المرأة هي أنها أنانية ولا تفكر إلا في نفسها واهتماماتها الضيقة! وهي علي الرغم من اهتمامها بالمظاهر الجمالية والرومانسية، لا تشعر بالكثيرمن العواطف الصادقة النابعة من القلب! وبتتبع الإحصاءات واستطلاعات الرأي يتوصل المرء إلي قناعة بأن كل امرأة تتمني في قرارة نفسها لو كانت في مكان امرأة أخري، والشيء نفسه ينطبق علي الفئات البيتوتية فهي تشتهي أن تكون عاملة، وهذه الأخيرة كثيرا ما تتمني لو أنها بيتوتية وهكذا.
وأظهر آخر استطلاع أجري خلال الشهر الماضي بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن 82% من النساء العاملات يرغبن بالفعل في الاستقالة والعودة فورا إلي المنزل حيث يتفرغن للأولاد والبيت والزوج، وأفاد 65% من النساء اللاتي شاركن في الاستطلاع بأنه لن يتوجهن إلي موقع العمل مطلقا بعد اللحظة التي يتأكدن فيها من أنهن لن يواجهن الجوع والتشرد إثر ذلك.
ورأي أقل من نصف النساء العاملات أن من غير المناسب للمرأة أن تترك منزلها وتعاني في مواقع العمل الشاق والمجهد. وتعبر النساء العاملات في آرائهن عن مفارقة مؤلمة، مفادها أنهن أصبحن أكثر اقتناعا بأهمية بقائهن في البيت بعد تزايد الأحداث من جانب الخبراء التربويين والباحثين في العلاقات الاجتماعية حول الأثر السلبي لمغادرة المرأة منزلها وخوض المزاحمة في سوق العمل. ولكن المشكلة تتمثل في أن العودة إلي البيت والتفرغ لبناء الأسرة والاستغناء من الراتب الشهري أمور تعني الانكشاف أمام صعوبات الحياة في ظل عدم وجود تغطية تعويضية من جانب الرجل أو المؤسسات الاجتماعية المختلفة.
ومن جانب آخر فإن المرأة غير العاملة تشعر بالنقص، وهي تتوق إلي الخروج للسوق وإيجاد عمل يجلب لها الشعور بالثقة والاعتداد بالنفس، والراتب أيضا. وكل فئة من النساء تتذرع بما يلائمها من السيل الجارف من الدراسات والنصائح التي بلغت من التعدد والتناقض حداً كبيراً، وقد اكد إستطلاع للرأي أجراه مركز البحوث الاجتماعية بمصر أن 87% من النساء المشاركات في الاستطلاع الذي شمل فئتي المرأة العاملة وربة البيت بأن الخيار الأفضل للمرأة ربما يكون هو العمل الجزئي الذي يتيح مرونة في ساعات الدوام والجمع بين مهام البيت وكسب الرزق، وهو ينظر بعين الاهتمام إلي نمط العمل الذي يقوم علي فكرة تأسيس مشروع صغير يمكن للمرأة تسييره في منزلها، كأن تنتج بعض السلع أو تقدم بعض الخدمات من دون أن تبرح المنزل، لكي تكون قادرة علي توفير الرعاية لأطفالها وكسب الرزق معا.
ساحة النقاش