حاول الإنسان في القدم التعرف على نشأة الكون و سبب الوجود و الحياة و ما يدور حوله من أشياء غريبة ، سحرية ، غامضة ، تجتاح حواسه و عقله و مشاعره ، فحاول أن يفسرها على شكل أساطير و روايات ، في محاولة منه لئن يدرك سر الحياة التي وجد فيها ، فمن ضمن الأساطير التي حاول الإنسان أن يعي بها سر انجذابه و عاطفته نحو جنسه الآخر ، أسطورة يونانية حاولت أن تفسر أسباب الخلق و النشأة و سر الأنجذاب العاطفي و الوجداني لكل جنس نحو جنسه الآخر ، تحكي لنا هذه الأسطورة أن أفراد الكائن الإنساني كانت على أشكال لمخلوقات مشوهه ثنائية الجنس ( ذكر متحد مع أنثى ) و لسبب ما من الأسباب غضب عليها الإله ( زيوس ) سيد الألهه ، فشطر هذه المخلوقات إلى شطرين ، فذهب كل شطر الى بقعة معينة من بقاع الأرض الواسعة ، و منذ ذالك الوقت نشأة عاطفة الحب ، و أصبح كل شطر يسعى و يبحث عن شطره الآخر ، فما فتك الذكر أن يبحث عن أنثاه ، و الأنثى تبحث عن ذكرها ، رغبة منهما في الأتحاد و الأندماج من جديد . قد تكون هذه الصورة من الأسطورة مشوهه و محرفة لما تحتويه من جوهر عن أصل العاطفة و الخلق ، عما نقلته لنا الديانات السابقة من قصص و روايات تروي لنا سبب الخلق و العاطفة الوجدانية ، التي يكنها كل جنس الى جنسه الآخر ، فالله سبحانه و تعالى يروي لنا خلق أبانا أدم ( ع ) و خلق أمنا حواء ( ع ) من روح أدم ، و عيشهما سوية في رياض الخلد ، ألا أن أنزل سبحانه العقاب عليهما و غضبه لمخالفتهما أمره و عصيانهم طاعته ، بسبب قطفهما التفاحة التي نهاهم عنها ، و من ذالك الوقت أنزلا الى الأرض ، ليبعد كل جنس عن الأخر في أحدى بقع الأرض ، لولا تسبيح أدم و مغفرته لربه و حزنه الشديد ما اجتمعا سوية من جديد ، لتنشأ بعد ذالك العاطفة الأنسانية بعد أن بثها الله سبحانه في خلقه ، ليتكاثر النسل و التزواج بين بني الأنسان .
فالزواج سنة مقدسة فرضت على جميع المخلوقات ، من ضمنها نحن البشر ، على شكل طقوس و عادات و تقاليد دينية و اجتماعية طيبة ، تجمع كل نصف في نصفه الآخر ، أمتدادا لتواصل النسل و تمجيدا ً لذكر الله و عبادته ، فالحاجة الى الجنس الآخر حاجة شريفة مقدسة طاهرة ضمن أطارها الصحيح ، تهدف الى التعاون و التماسك و الأتحاد و أنجاب النسل .
و يعرف الزواج بأنه أقتران الشيء بالشيء و أرتباطه به _ أي أقتران المرأة بالرجل و أرتباطهما ) فعرفه عالم الاجتماع ( وستر مارك ) على أنه علاقة ثابته نسبيا ً بين رجل واحد أو أكثر ، و أمرأة واحدة أو أكثر ، تتضمن الأشباع الجنسي و التعاون الاقتصادي ، المعترف به من قبل التقاليد و الاعراف و القوانين ، التي تتضمن حقوقا و واجبات معينة تظهر في حالة دخول الطرفين الى الاتحاد و أنجاب الأطفال ( القصير ، 1990 )
نظرة علماء النفس اتجاه الحاجة للجنس الأخر
أن هذه الحاجة تنشأ من أصل حياتنا الجنسية ، التي لا تبدأ في سن البلوغ ، بل تبدأ بمظاهر و اضحةبعد الولادة ، و لكنها تظهر في صورتها المباشرة بعد البلوغ في حوالي الثانية عشر من عمر الشخص ، حين تبدأ الغريزة الجنسية بأتجاه هدفها البيولوجي ، لتتميز بموجبها التطورات الجنسية التناسلية ، لتظهر فيها الاهتمامات الجنسية الغيرية ــ فرويد ــ ( عايد ، 2005 ) أن هذه الحاجة تنبثق من الحاجة للأندماج من أجل خلق أرتباط جديد مع الآخرين من بني الأنسان ، و الطريقة المثلى لتحقيق هذا الأندماج لا يكون ألا من خلال عاطفة الحب المثمر الذي يتضمن الاحترام و الاعتراف المتبادل و الرعاية و الرغبة في تنمية ذات الجنس الآخر ــ أريك فروم ــ ، أن هذه الحاجة تظهر نتيجة الدوافع الغريزية و أثر العوامل و القوى الاجتماعية و الحظارية ، التي تعتمد في نموها السوي على مراحل يواجه فيها الشخص علاقات أنسانية واسعة تحدد مدى تكيف الفرد ( عايد، 2005 ) و تظهر هذه الحاجة في المرحلة السادسة من عمر الانسان ( المراهقة ) ، و هي مرحلة المقدرة على تكوين العلاقات الحميمة ، التي تشكل الشطر الايجابي لمراحل النمو ، و تتمثل في القدرة على مشاركة الآخرين المحبة و المودة و العيش بسعادة مع زوج أو زوجة ــ أيركسون ــ ( أبراهيم ، 1985 ) تظهر هذه الحاجة نتيجة عوامل بيولوجية ألا أنها تخضع في أكثريتها على المؤثرات الاجتماعية ، و هذه الحاجة تظهر في مرحلة المراهقة المبكرة للنمو ، على شكل رغبة جنسية تحث الفرد على البحث عن الشخص المغاير لجنسه ليكون قريبا منه ، ألا أنها تتطور فيما بعد حسب الإطار الحضاري للمجتمع الذي ينشأ فيه الشخص ، حين تتبلور لديه حالة الوعي لحقوقه و امتيازاته و واجباته كراشد ناضج ، ليتحول بفضل علاقاته الاجتماعية المتبادلة الى حد كبير من كائن عضوي حيواني الى شخص أنساني ــ سوليفان ــ ( لندزي ، 1969 ) أن هذه الحاجة أصل بقاء النوع الانساني ، و هي تقوم على مفهوم افتراضي تنشط سلوك الشخص و توجهه نحو تكوين و تنمية و توسيع علاقته الشخصية الجنسية بجنسه الأخر ــ موراي ــ أن هذه الحاجة بيولوجية ، تتطور نتيجة الاهتمام الاجتماعي المتمثل في الاحساس و التماسك و الترابط بين بني البشر ، فالزواج ــ و الرغبه اليه ــ ما هو الا موضوع أساسي من مواضيع الحب و ما ينتهي أليه من السكن الى الزوج ، فالحب و الاهتمام الاجتماعي أقوى عاطفة قد تدفع بالفرد الى شريك في رغبة لأنجاب النسل ، و من السهل في الحب و الزواج ملاحظة جانب التعاون ، الذي لا يعود بالنفع الكبير على اثنين من الناس فقط بل على المجتمع كله ، و يتطلب القيام بذلك الجانب من الحياة شعورا طيبا و اهتماما اجتماعيا ، لأنه يتطلب تعاطفا و قدره على فهم شريك الحياة و الأحساس بمشاعره .
كيف تنشأ رغبتنا في الزواج أو حاجتنا إلى جنسنا الآخر
أن المراحل التي تمر بها حاجة الشخص الى جنسه الأخر متعددة ، تعتمد في نموها حسب النضج البيولوجي ، و الخبرات الاجتماعية النفسية المكتسبة ، ضمن أطار أو محيط الأسرة و المجتمع الثقافي الواسع ، و هذه المراحل هي :
1. المرحلة الأولى : ــ و هي عندما تنبثق لدى الطفل عاطفة الحب ، و كثيرا ما تتمركز بعد ولادته على أمه ، فالأم مصدر رئيسي لغذاء الطفل البيولوجي و الروحي ( النفس ــ اجتماعي ) فأثناء نمو الطفل تتعمم هذه العاطفة من أمه الى أبيه و أخوته و أقرابائه و جيرانه و أصدقائه الى أفراد المجتمع الأكبر .
2. المرحلة الثانية ( مرحلة الاستعداد و التهئ ) : تمتد هذه المرحلة من سن التاسعة حتى بواكير البلوغ ، و فيها تتجه عاطفة الطفل نحو شخص من نفس جنسه ، و هذه الظاهرة تسمى بمرحلة ميل الجنس إلى نفس الجنس ، و هذا الميل الموجه في الفترة التي تسبق البلوغ هو نمو طبيعي ، فكثيرا ما يحدث أن يوجه الفتى أو الفتاة عاطفة حبهما الى شخص أكبر منه سنا ً من نفس الجنس ، و أحيانا من الجنس الأخر ، فأما الحالة الأولى فتسمى بالتعلق العاطفي حيث يكون محور حب الفتى أو الفتاة شخصا من نفس الجنس ، أكبر سنا ً و تفوقا ً ( كنجم سينمائي ، أو مدرس ، أو زميل ... الخ ) أما الحالة الثانية فتسمى بعبادة البطل حيث يوجه الإعجاب و الحب نحو شخص من الجنس الأخر ( ذكرا كان أم أنثى ) ، و يمارس التقليد لنموذج الإعجاب في هذه المرحلة دورا كبيرا في تنشيط سلوك الشخص و توجيهه . ( السيد ، 1980 )
3. المرحلة الثالثة ( مرحلة ما بعد البلوغ ) : و هي مرحلة تستيقظ فيها عند الفتى أو الفتاة اهتمامات و ميول حب و صداقة نحو كل جنس من جنسه الآخر بعدما كانت متباعدة في مراحلهما السابقة ، و هذا يحدث نتيجة التغيرات و التطورات البيولوجية لدى كل جنس ، و هذه الميول دائما ما تظهر عند الفتيات قبل الفتيان لبلوغهن مبكرا ، ففي هذه المرحلة تصبح الميول الجنسية واضحة ، و تتميز بعلاقات قائمة على الحب و المودة ، فيحاول كل جنس التقرب و التودد من جنسه الأخر ، في محاول لجذب نظره و اهتمامه ، و تسمى بداية كل علاقة في هذه المرحلة لما لها من اهتمام ( بالحب الرومانتيكي أو المثالي ) و لكنه لا يلبث ألا أن يتحول من نظرته المثالية الى الواقعية ، ليعبر كل جنس عما يدور في داخله أو خواطره من مشاعر و أحاسيس جميلة ، جياشه توددا منه الى جنسه الأخر .
و هكذا تتطور و تنمو هذه الحاجة أو الرغبة في الزواج و الأندماج مع شريك الحياة الذي يختاره الشخص ، ليمضي معه بقية حياته في شعور من الأمن و الأستقرار و السعادة .
الرغبة في الزواج هل هي ناجمة عن دافع واحد أم لعدد من الدوافع المشتركة ؟
يعتبر الدافع الجنسي من أقوى الدوافع الفطرية لدى الأنسان ، و أكبرها أثرا ً في سلوكه و صحته النفسية ، غير أن تعقد الطبيعة البشرية و كثرة القيود التي تفرضها الثقافة المتمدنة على هذا الدافع تجعل دراسته و تحليله عند الأنسان أمرا ً عسيرا ً ، و يرى مكدوجل من أنصار المذاهب الغرضية أن جميع الدوافع التي تثير نشاط الفرد يمكن أن ترد الى دوافع أساسية نهائية ، فالدوافع الأساسية تتعدل و تشتق منها العواطف و العادات و الميول و الحاجات الفرعية المختلفة ، فهي ليست المحركات الوحيدة للسلوك ، لكنها المحركات الأساسية الأولى ( راجح ، 1973 ) و بناءا ً على ذلك يمكن القول أن الدافع الى الزواج دافع فطري يشترك مع عدة دوافع أخرى ، و أخرى تشتق منها مثال ذلك الحاجة الى الأستقرار و الأطمئنان ، الحاجة الى أستمرار النسل ، الحاجة الى الأحساس بمشاعر الأبوة أو الأمومة ، الحاجة الى توكيد الثقة بالنفس و الشعور بالقوة ، الحاجة الى الهرب من الوحدة ، الحاجة الى الحب و التقدير ، الحاجة الى الشعور بالأمن ، و أخيرا الحاجة الى التواصل من خلال شريك حياة يفهم و يعي حاجاتنا و رغباتنا المختلفة .
الرغبة في الزواج و علاقته بالنضج الجنسي و العوامل الاجتماعية و الحضارية
الأنسان من خلال مراحل نموه المختلفة يمر بعدة متغيرات تشمل نموه الجسمي و الاجتماعي و العقلي و الانفعالي كما هو معروف ، و هذا النمو يعتمد على ركن أساسي من أركان النمو و هو عامل النضج زائدا الخبرة المكتسبة ، ففي تشخيص الطفل الذي تبدو عليه علامات التخلف ، قد يكون السبب هو عامل النضج و لكن أحيانا قد يكون التخلف ليس بسبب النضج و أنما بسبب قلة الموارد الثقافية و الاجتماعية التي يكتسبها الطفل من بيئته مؤثرة ٌ لديه علامات التخلف ، فالرغبة الى الزواج تعتمد هنا على عاملين النضج الجنسي للشخص أولا، و العوامل الحضارية ثانيا ( المستوى الاقتصادي ، التعليم ، الدين ، العادات و التقاليد ....الخ ) ففي كثير من الأحيان نجد أن عامل النضج الجنسي البيولوجي موجود ( الرغبة في الزواج ) و لكن ما يعيق هذه الرغبة هو عامل الحضارة فالمستوى الأقتصادي ( الدخل الشهري ) مثلا يعتبر عائق كبير أمام رغبات و حاجات الشباب الى الزواج ، كذلك التعليم الذي غالبا ما يشترك مع العامل الاقتصادي في نفس العائق ، فطول فترة التعليم مثلا تحيل الفرد بتأجيل رغبته في الزواج ، و قد يكون السبب في ذلك عدم تأهيله أو نضجه أقتصاديا ً أمام تكاليف الزواج و متطلباته ، أما الدين و العادات و التقاليد قد تقف أحيانا عاملا ً مسرع أو مؤخر في الرغبة إلى الزواج .
رغبة الزواج في المجتمع العراقي
يعتبر الزواج من الطقوس و المراسيم المقدسة في المجتمعات كافة ، و كيف لا و هو أصل الحياة و امتداد النوع ، ففي هذه الطقوس نجد أن هناك مجموعه من الاستعدادات و المؤهلات التي تستقبل هذ الحاجة الى التشارك و التعاون ، مثال ما شرحناه سابقا من توفر السكن و المستوى الاقتصادي الجيد و التناسب العمري البيولوجي و العقلي و الاجتماعي ... الخ فوجود هذه الشروط أمر ضروري و مهم في كافة المجتمعات بغض النظر عن أختلافها و تباينها في البعض منها ، و ذلك من أجل ديمومة التواصل السعيد و رفاهية الزواج ، و لكن هذا ما يفتقده الأن المجتمع العراقي و خاصة فئة الشباب ، فالأمن و السكن مفقود ، و البطالة منتشرة ، و الوضع الاجتماعي لا يساعد في كثير من الأحيان على هذا الأمر ( التقاليد البالية و المتخلفة ) ، الموقف الذي يؤدي في نهاية أمره الى أعاقة الرغبة في الزاج و أنحرافه في مسالك و طرق غير مشروعه أو ضيقة لا تتنافى مع منطق العقل ووعيه مثل ( الذهاب الى دور الدعارة ، و مشاهدة الأفلام الجنسية الخليعة ،و أنزواء الشباب في الأماكن المظلمة طلبا للمتعة و إشباع الدافع الجنسي ، و كثرة الأنحراف الجنسي الشاذ.... الخ ) .
يرى أريك فروم أن المجتمعات التي لا توفر أسباب الراحة و سبل العيش و الأشباع الكافي للدوافع و الحاجات البيولوجية و النفس ــ اجتماعية ( مجتمعات مريضة ) غير صالحة لأفرادها يجب أستبدالها بنظم و عادات و قوانين و طرق عيش جديدة و سليمة وصالحة للنوع الأنساني ، فالمجتمع العراقي حسب هذه الوجه مجتمع مريض غير صالح للعيش ، فيه من الظروف و القوانين و العادات التي لا تصلح للتواصل مع مسارات النمو الطبيعي ، و هي يجب إزالتها و استبدالها بنظم و طرق جديدة قادرة على توفير الإشباع والعيش الكريم و الرضا لأبنائها .
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,770,040
ساحة النقاش