تعرف المادة بأنها كل شيء يشغل حيزاً في الفراغ وله كتلة ، بغض النظر عن نوع الكتلة التي يحتويها الفراغ ، أذ قد تكون هذه الكتلة سيارة أو سبورة أو شخصاً ما أو قلم أو أي شيء أخر ، فهي تشغل حيزاً في فراغ معين .
هذه الأشياء بطبيعتها و كتلتها و الفراغ الذي تحتويه لها أدراك خاص يعيه الشخص في إطاره المعرفي ، و قد يختلف نوعاً ما عن أدراك الآخرين له ، أذ لكل فرد وعي و أدراك فريد ، و لكن الأمر المهم في ذلك هو كيفية أدراك الفرد لهذا الشيء ، هل هو أدراك ايجابي أم سلبي ؟ ، شامل أم جزئي ، مهم و ضروري بالنسبة له أم أنه أدراك تمثل في حكم عادة الشخص و أصبح لا يشغل انتباهه بالدرجة الواعية أو المهمة بالنسبة له .
هذه الأشياء جميعها قد تدخل و تحتل وعي الفرد و تركيزه أو بعض حيزه اللاشعوري ، و بدرجات معيارية ، شخصية ، ذاتية يضعها الفرد ضمن تدرج قيمي معين تنحصر في مكونه المعرفي و ضمن أطار إدراكه لنفسه و لبيئته كما يدركها هو .
أن من ضمن هذا التدرج القيمي للأشياء و الظواهر و الأشياء ، درجات قيمية محكية المرجع يضعها الشخص حول الجسد الذي يحتويه و يكمل بناء شخصيته ، و هذه الدرجات التي يضعها الشخص تبين بوضوح تام درجة تصور الفرد عن نفسه ، و بما يمتلكه من خصال و مزايا جسدية.
أن هذا التصور قد يساعد الفرد على أن يعيش حياته في انسجام و تناغم حياتي ذاتي ، أو يحرف محور أفكاره و مشاعره في مسار الاضطرابات و المشاكل النفسية مع ذاته و مع مجاله المحيط ، لذا من الضروري و المهم أن نعرف ماهية ذاتنا الجسمية ؟ و التوافق الجسدي ؟ و كيف ينمو هذا التوافق ؟ ، و ماذا سيحدث أن تعرض لأزمات و مفاجآت خلال مراحل نمو الفرد .
ما هية الذات الجسمانية
و العوامل التي تدخل في تكونها
عرفت الذات الجسمانية بأنها ذات المرء كما تتبدى جسمياً ( الحنفي / 1976 ) . أو نعرفها بأنها صورة ذهنية يدركها الفرد عن جسده من خلال ما يكونه من أفكار و ما يتمتع به من مزايا و خصال جسمية من لون البشرة و الشعر و طول الجسم ..الخ ، و يدخل في تكوين هذه الذات عدد من العوامل الهامة ، و تنقسم إلى ما يلي : ــ
1 . العوامل البيولوجية : من خلال ما يرثه الفرد من جهاز بيولوجي يتمثل في المظهر الخارجي للجسد من لون البشرة ، و سمحة الوجه ، و طول الجسم أو قصره ، و ضخامة الجسم أو نحافته ، أو الداخلي من الصحة العامة ، و وظائف أعضاء الجسم ، و سلامة الحواس . أي الذات كما يدركها الفرد .
2 . العوامل النفسية و الاجتماعية : من خلال ما يتعرض له الفرد من خبرات و تجارب و حوادث أثرت في نظرة الشخص اتجاه نفسه أو اتجاه ما يتمتع به من مزايا جسدية ، و قد تكون هذه الخبرات مفرحة تثير أعجاب و اعتزاز الشخص بنفسه ، أو مؤلمة تثير في داخله مشاعر من الحزن و الكآبة .
و يمكن تقسيم الذات الجسمانية إلى عدة أقسام ، تتفاعل مع بعضها ، و هي ما يلي : ـ
1 . الذات الجسمانية المدركة : مفهوم يتكون من أفكار الفرد الذاتية ، و تشمل المدركات و التصورات الجسدية لذات الفرد ، كما تنعكس في وصفه لنفسه .
2 . الذات الجسمانية الاجتماعية : مفهوم يتكون من مدركات و تصورات تحدد الصورة الجسمية التي يعتقد بها ـ ذات الشخص ـ أن الآخرين المحيطين به يتصورونها ، و تتكون هذه الذات من خلال التفاعل الاجتماعي .
3 . الذات الجسمانية المثالية : مفهوم يتكون من المدركات و التصورات التي تحدد ما يحب الشخص أن يصل أليه من سمات كمالية ، جمالية .
رأي علماء النفس في الذات الجسمانية
يعد روجرز الذات الجسمانية جزء من عملية غرضها الميل أو النزوع للتحقيق ( تحقيق الذات ) و التي تقود النمو عبر عملية النضج ، حيث تحدد نمو أجهزة الجسم و وظائفه وراثياً ، من نمو الجنين و حتى وقت البلوغ ، الغرض منها هو الحفاظ على نمو الكائن الحي و الدفاع عنه و المساهمة في إسناده و تطوره ( لندزي / 1976 ) . و يرى أريكسون أن الإحساس في الذات الجسمانية يبدأ في المرحلة الثانية و يستمر الى سن السادسة ، ففي العامين الثاني و الثالث ترتبط الذات الجسمانية بالارتقاء الحركي للطفل و المشي و النمو العقلي و الاكتشاف ، ثم تتطور خلال العامين الرابع و الخامس حتى يتمكن الطفل من السيطرة على الجسم و توجهه ، و هكذا يتطور مفهوم الذات الجسمانية لدية ، و يرى أريكسون أن للأسرة أثر كبير في نمو الذات الجسمانية ، فباستطاعتها أن تنمي مفهوم ايجابي حول ما يمتلكه طفلها من قدرات و إمكانيات ذاتية ، أو مفهوماً سلبياً في حالة أن تدخلت في أعاقة و ضبط نشاطه و حركته ، أذ تجعل منه كائن ضعيف يتملكه انعدام المبادأة و المبادرة في نشاطاته المختلفة ( ابراهيم / 1986 ) . هذا و يرى ألبورت أن الإحساس بالهوية الجسمانية يظهر بعمر ( 18 شهراً ) ثم يتطور بعد ذلك ، فالشخص يدرك أنه يبقى نفس الشخص رغم تزايد التغيرات في النمو و القدرات و الأمر المساعد على ذلك هو تعلم الطفل لأسمه . في حين يرى سوليفان أن الذات الجسمانية ذات تنشأ نتيجة عمليات دينامية تدعى بالمشخصات ، و هي صور ذهنية يكونها الفرد عن نفسه ، تبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة ، من خلال ما زود به الشخص من إمكانات و قدرات بارزة ، ثم تتطور بتأثير العلاقات الاجتماعية أو العلاقة القائمة مع الآخرين ( عايد / 2005 ) . كما و يرى مادي عالم النفس الوجودي بأن الذات الجسمانية طريقة في النمو ، تميل بالفرد الى أدراك جسمه بما يسمح له على أنجاز إمكاناته في أهداف معينة ( صالح / 1986 ) . في حين يرى فرويد صاحب مذهب التحليل النفسي أن الذات الجسمانية تتكون عبر ما يلي : أولا مراحل الحياة الجنسية التي يمر بها الفرد ، و خاصة المرحلة الفمية و الشرجية و التناسلية ، و ثانياً بما زود به من حاجات نقص تتطلب الإشباع الضروري لها ، و الحصول على اللذة ، فالذات الجسمانية يتم التعرف عليها من خلال تعرف الفرد على مناطق جسده و في إشباع حاجاته . و بغض النظر عما طرحه العلماء من أراء مسبقة ، فأننا نجد أن الذات الجسمانية مفهوم افتراضي معرفي من خلال ما يمتلكه الفرد من صور ذهنية و أفكار و معلومات حول ما زود به من إمكانات و قدرات و كيان جسدي ، و هذا المفهوم أي الذات الجسمانية قابل للتغير عبر المراحل التطورية لحياة الإنسان ، فالنمو الجسدي و ما يكونه الفرد من خبرات و مشاعر اتجاهه خلال مرحلة الطفولة يختلف عنه في مرحلة المراهقة ، و كذلك أن ما نمر به في مرحلة المراهقة يختلف عنه في مرحلة الرشد و الشيخوخة ، إذ أن لنمو الذات الجسمانية سلسلة من مراحل عمرية مختلفة تنمو من خلالها و تتأثر بها ، كما أن لكل مرحلة عمرية ميزات خاصة سواء كانت عقلية او جسدية او انفعالية و حتى اجتماعية ، و هذه المرحلة مكملة و مهيأة للمرحلة التي تليها ، لتطور بذلك مفهوم ذاتنا الجسمانية ، و لكن يبقى علينا الصراع الذي نتعرض له ، و مقاومتنا لهذا الصراع حسب ما ندركه و نستشعره من خبرات تؤثر في مفهومنا للذات .
سيكولوجية التوافق الجسدي
لكل فرد رغبة بأن يكون موضع استحسان ، و أن يكون محبوباً ، و مرغوباً ، و محط أنظار الآخرين و إعجابهم ، و يلعب المظهر الخارجي و اتجاهات الآخرين لهذا المظهر دوراً له الأثر العميق في التكوين الشخصي ، فليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، إذ أن لكل مجتمع معايير جمالية يحبها أفراده ، فالشخص الوسيم أو الفتاة الجميلة تنال كل الرضا و الاستحسان و القبول ، على الغير من لا يتمتع بمواصفات المجتمع المطلوبة ، الأمر الذي يثير و يترك أثر في ذات الفرد ، فرغبة الوصول الى الكمال ( الذات المثالية ) مع توقعات الآخرين له ( الذات الاجتماعية ) في تفاعل مع ما يدركه الفرد عن نفسه ، ففي حالة انسجام الذات المدركة و توقعات الآخرين مع الذات المثالية نجد أن الشخص في حالة توافق سيكوـ جسدي ذاتي ، أي أن الفرد يعيش خبرات مفرحة و هذا يعزز من شعوره لنفسه و يشعره بالسعادة و الرضا عما يتمتع به الفرد من ميزات جسدية ، عكس ذلك من لا تتطابق لديه الذوات ، أذ يشعر الفرد بخبرات مؤلمة ، و سلبية ، و مؤذية ، و تقييمات ذاتية متدنية ، و مشاعر من الكبت و الإحباط و الحزن ، الأمر الذي يدفع به إلى العزلة و الابتعاد عن الناس المحيطين .
نشرت فى 21 نوفمبر 2011
بواسطة hany2012
هـانى
موقعنـا موقع علمى إجتماعى و أيضاً ثقافـى . موقع متميز لرعاية كل أبنـاء مصر الأوفيـاء، لذا فأنت عالم/ مخترع/مبتكر على الطريق. لا تنس"بلدك مصر في حاجة إلى مزيد من المبدعين". »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,794,047
ساحة النقاش