مهدي حسين أبو سردانة (1940- 2016)<!-- ملحّن أناشيد الثّورة الفلسطينيّة
شكلت أغاني الثّورة الفلسطينيّة رصيدا فنّيّاً مقاوماً، يضاف إلى ذلك المنجز الثّقافيّ الّذي كان نتاجا تفاعليّا مع فعل الثّورة في الميادين كلّها السّياسيّة والعسكريّة والاجتماعيّة، وبهذا تشكّل كلّ تلك المنجزات علامات فارقة في مسيرة الشّعب الفلسطينيّ الطّامح والسّاعي بقوّة وعزم من أجل أن ينال حقوقه المشروعة في التّحرّر من الاحتلال الجاثم على صدرة لأكثر من سبعين عاما.
برز في مجال الفنّ والغناء الكثير من المغنّين والملحّنين والشّعراء، ولعلّ مهدي أبو سردانه أكثرهم حضورا في سجل الثّورة الفلسطينيّة وأناشيدها الحماسيّة القويّة، فقد عمل على تلحنين كثير من الأناشيد والأغاني والقصائد لكثير من الشّعراء الفلسطينيّين الّذين ناضلوا بالكلمة الفصيحة أو بالعاميّة الفلسطينيّة، منهم الشّاعر صلاح الحسيني ومحمّد حسيب القاضي ومريد البرغوثي وسميح القاسم.
ولد الفنّان مهدي أبو سردانة في 15/10/1940 في قرية الفالوجة الواقعة بين مدينتي الخليل وغزة، وكانت تتبع قضاء مدينة غزّة، كان والده شيخ طريقة صوفيّة، وتأثّر بما كان يستمع إليه من أناشيد دينيّة أو تلاوات للقرآن الكريم، عدا تأثّره بأغاني الأفراح الفلسطينيّة. شهد النكبة ولم يكن يكمل من العمر تسع سنوات، فانتقل لاجئاً إلى الأردنّ، ثم عاد إلى غزّة. والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينيّة في وقت مبكّر.
وفي عام 1958 استقرّ به المقام في مصر، حيث عمل في إذاعة "صوت العرب" القاهريّة، وكان بصحبة كلّ من فؤاد ياسين (مؤسّس صوت العاصفة) فيما بعد، والفنّان أبو عرب وكامل عليوة. وبدأ مسيرته الفنّيّة مؤدّيا لألحان كبار الملحّنين المصريّين من أمثال بليغ حمدي ورياض السّنباطي، واشترك مع آخرين في أداء الأوبرا المصريّة "مهر العروسة"، ومسرحيّات غنائيّة أخرى.
انتقل بعدها إلى إذاعة (صوت العاصفة) الّتي كانت تبثّ من القاهرة ومخصّصة لتكون ناطقة باسم الثّورة الفلسطينيّة، وكان فؤاد ياسين أوّل مدير لها، والتقى هناك بالشّاعرين صلاح الحسيني ومحمّد حسيب القاضي، فقد شكّلا معا ما يشبه الرّابطة لإنتاج الأناشيد الثّوريّة وتلحينها ونشرها عبر أثير صوت العاصفة، الّتي أصبح اسمها (صوت فلسطين).
أسلوب أبو سردانة في التّلحين:
تحدثت بعض الأدبيّات القليلة الّتي أرّخت لهذا الجانب من جوانب الثّورة الفلسطينيّة عن طبيعة ألحان أبي سردانة، وكيف كان يتعامل مع النّصوص الشّعريّة، وكيف أنّه كان يقدّم وجهة نظره في بعض الكلمات، على ألّا تتجاوز الأغنية ثلاث دقائق كأقصى حدّ، وبذلك تكون قويّة حادّة الأثر، محقّقة أهدافها الثّوريّة النّبيلة. ويبيّن نبيل عمرو آليّات إنتاج تلك الأناشيد بما يأتي: "وضع فؤاد ياسين ضوابط لإنتاج الأناشيد بحيث لا تزيد عن دقيقتين، وبحدّ أعلى ثلاث دقائق، وكانت تؤدّى بصورة جماعيّة، وكان الكلام له علاقة بالموقف السّياسيّ الرّاهن؛ إمّا تفسيرا أو تعبئة، وعلى ضوء قرار إنتاج نشيد، كنّا نعقد اجتماعا يحضره كادر الإذاعة بكامله، مع حضور المؤلّفين، وهم صلاح الحسيني وحسيب القاضي وأبو هشام المزين، وبحضور الملحّن مهدى سردانة"<!--.
لقد كان أبو سردانة يعيش مع النّصّ، ويتأمّله كلمة كلمة، قبل أن يبدأ في تلحينه، وكان ذا حساسية عالية تجاه بعض الألفاظ، معتبرا أنّ الكلمة أوّل درجة من درجات نجاح الأغنية، ثمّ يأتي اللّحن الّذي يجسد الكلمة والرّوح المعنويّة العالية، مفجّرا ما فيها من طاقة دافعة لرفع معنويات المقاتلين الّذين كانوا ينتشون بهذه الألحان، وكان أثرها لا يقلّ عن أثر السّلاح أو المعركة السّياسيّة برمّتها، لذلك يلاحظ في ألحانه القوّة والجماعيّة، والرّوح الثّوريّة، (طل سلاحي من جراحي، لوحّنا ع القواعد لوحّنا، يمين الله عن الثّورة ما نتخلّى)، على سبيل التّمثيل، وليس الحصر.
كما برزت في ألحان أبي سردانة الألحان الفلكلوريّة الشّعبيّة الفلسطينيّة، وخاصّة أغاني الأفراح فأدخلها في ألحانه، كما استفاد من المدرسة اللّبنانيّة والمصريّة والبغداديّة في إنتاج الألحان، حتى غدا ذا "جملة لحنية جيّدة جدّا" حسب تعبير الفنّانة اللّبنانيّة نجاح سلام.
وكان بين مهدي أبي سردانة والفنان المصري الكبير الموسيقار محمّد عبد الوهّاب بعض المناقشات فيما يخصّ الألحان المقدّمة، ولا سيما اعتراض سردانة على لحن محمّد عبد الوهاب لقصيدة "فلسطين"، فيرى سردانة أنّ اللّحن لا يتطابق والمعنى، موضّحا وجهة نظره للّواء عبد الوهّاب، ليعترف له عبد الوهّاب بدقّة ملاحظاته؛ فقد كان أبو سردانة يربط بين الجملة الموسيقيّة والجملة الشّعريّة ليعبّرا عن المعنى دون أن يضعف اللّحن الكلام وأثره في النّفس، وهذا كان مدار نقاش أبي سردانة لعبد الوهّاب.
لم يقتصر الإرث الموسيقيّ لمهدي أبي سردانة على ألحان أناشيد الثّورة الفلسطينيّة، بل كان أيضا، كما سبق وذكرت مغنّيا، وكاتبا لبعض النّصوص، كما أنّه لحّن مسرحيّتين شعريّتين للأطفال من تأليف الشّاعر صلاح الحسيني، وهما: طاق طاق طاقية وحارسة النّبع.
<!--[endif]-->
<!-- الموادّ الّتي تناولت الحديث عن الفنّان مهدي أبي سردانة قليلة جدّا، متناثرة هنا وهناك، وتمّ الاستفادة بشكل كبير من المقابلة التّلفزيونيّة الّتي أجراها الشّاعر مراد السّوداني مع الفنّان سردانة ومنشورة على موقع اليوتيوب بتاريخ (29/1/2015)، يمكن الاطّلاع على المقابلة من خلال الرّابط الآتي:
https://www.youtube.com/watch?v=7z-d2R1i6Dw، بالإضافة إلى كتاب نبيل عمرو (صوت العاصفة- سيرة الإذاعات الفلسطينيّة في المنفى)، وشذرات إخباريّة هنا وهناك.
<!-- نبيل عمرو: الإعلام كان يصنع مع السّياسة في مطبخ ياسر عرفات، موقع وكالة الأنباء الفلسطينيّة، بتاريخ: 2-6-2012 من خلال الرّابط الآتي: http://www.wafa.ps/ar_page.aspx?id=J1EpzUa601836250785aJ1EpzU
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقال منشور في القدس العربي في 20/8/2015