فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

authentication required

رسالة عاجلة إلى وزير الثّقافة ووزير التّربية والتّعليم العالي وأمين عام اتّحاد الكُتّاب الفلسطينيّين

ارحمونا لقد أصابنا الشّلل اللّغويّ!

فراس حجّ محمّد

لو سئلتُ ما هي القصيدة الجيّدة؟ لقلت: "لا أعرف". فقط سأقول لكم شيئا عن القصائد الرّديئة.

هكذا تحاصرني الرّداءة من كلّ صوب، حتّى بتُّ أخشى على لغتي وإيقاعها من وحول العبث الشّعريّ. قرأت فيما مضى ديوان شعر لامرأةٍ تسمّي نفسها "شاعرة" مع كثير من الغُنْج الأنثويّ هو الشّاعر الحقيقيّ الّذي تعتمد عليه، أو لعلّ جوقة من الذُّكور هم من أطلقوا عليها هذا اللّـقب، لم يكن يشبه الشّعرَ لا من قريب، ولا من بعيد. أصبحت كاتبته شاعرة، وتُدْعى إلى المهرجانات والنّدوات والاحتفالات. رفضتُ أن أكتبَ في ذاك المسمّى زورا وبهتانا "ديوان شعر". تتكرّر المأساة مجازاً مع "شاعرة" ثانية وثالثة و"شاعر" وآخر كذلك. ثمّة ما يدعوك إلى أن تكره الشّعر والشّعراء والشّاعرات كذلك، وبعنف وصلابة موقف.

هل حدث وشرعت بقراءة قصيدة أو ديوان وهم/ شعرٍ وشعرت بالغثيان؟ هل حدث وانطفأ الضّوء في مخيّلة رأسك وأنت تحاول القبض على الغبار في قصائد المتشاعرين والمتشاعرات؟ هل حدث وشعرت أنّ كيانك اللّغويّ مهدّد بالانقراض وأنت تقرأ لإحداهنّ أو أحدهم؟ هل حدث وشعرت بحاجتك للتّقيّؤ أو التّطهُر من رجس ما ابتليت به من رديء الكلام؟ هل حدث وشعرت بالفقر كمقامر دخل إلى (كزينوهات) الخواء المعنويّ والعبث اللّغويّ الماجن، وخسرت ما تبقّى من دفء حنينك للشّعراء القدماء؟ هل حدث وإن امتلأت بطاقةٍ سلبيّة نتيجة ذلك الهراء؟ هل حدث وغدوتَ نزِقاً ضجِراً "لا ترى في الوجود شيئاً جميلاً" وأنت تغوص مُكْرها في متتاليات لغويّة بائسة يُطلقُ عليها بكلّ صفاقة اسم "قصائد"؟

إن حدثت معك حالة واحدة فقط أو أكثر من هذه الحالات فاعلم أنّك مصاب بداء القصائد الرّديئة.

إنّ على وزير الثّقافة ووزير التّربية والتّعليم وأمين عام اتّحاد الكتّاب مهمّة وطنيّة وأخلاقيّة وأدبيّة غاية في المسؤوليّة. إنّ خراب الذّوق العامّ ناتج عن شيوع هذه الرّداءة في هذا السّيل المغرق للسّاحة من الكتب عديمة اللّون، ولكنّها تزكم العقول برداءتها العقيمة. ربّما بدأت أفهم الآن جانبا من جوانب الرّداءة الثّقافيّة، وأظنّها لا تبتعد عن واحد من الأسباب الآتية:

<!--انعدام مسؤوليّة النّاشر وافتقار دور النّشر في الغالب للجان قراءة تضم في عضويّتها النّاقد الخبير والكاتب المتمرِّس تجيز الكتاب قبل طباعته، فالنّاشر أصبح تاجرا، والكلّ يريد أنْ يصبح شاعرا وأديبا ما دام أنّه يملك المال ليسوّق نفسه في هذه السُّوق المفتوحة بلا حسيب أو رقيب.

<!--عدم اهتمام النّقاد الكبار الّذين عندهم علم من الأدب بمحاربة هذه الظّواهر عديمة النّفع، وجنوحهم إلى الصَّمت أو المجاملات، وهنا لا بدّ من الالتفات إلى أنّ هذا السُّكوت أو هذه المجاملات تضرّ بالأجيال القادمة، وتؤدّي إلى تضخيم الذّات المنتفخة بأورامها القاتلة، وسيؤول الأمر إلى تبدّل في الذّائقة الأدبيّة، لتحلّ ذائقة سقيمة بعد حين لدى الجيل القادم، ترى في توافه الكلام الوحيَ والأدب العظيم.

<!--انعدام مسؤوليّة المحرّر الأدبيّ الثّقافيّة في كثير من الصُّحف، ويتمثّل هذا في عدّة مظاهر، أهمّها أنّ النّشر في تلك الصُّحف أو تلك المجلّات هو للنُّخبة الخاصّة التّابعة للمحرّر، ولا يسمح لغير تلك الأسماء من النّشر، وهنا يقع المحرِّر الأدبيّ في جريمة مزدوجة؛ ترويج الرّداءة لكتّاب وكاتبات تربطه بهم/نّ علاقة شلليّة طيّبة، وتغييب أصوات لا شكّ في أنّها جيّدة وتستحق أن يُنْشر لها.

<!--تسويق الرّداءة بأقلام هواة النّقد الأدبيّ، وتحوّلت هذه الأقلام إلى أدوات تعمل دون ضمير، ليكتبوا مقدّمات خاوية وبائسة، ولا تمتّ للدّيوان المقدّم بأيّ صلة. وما يتبع ذلك من حفلات التّوقيع الفاجرة احتفالاً بالكتب الصّادرة الّتي لا يكون من حقّها الإطلاق أو الإشهار. بل الحرق والتّخلص منها نهائيّا وإصدار شهادة وفاة بحقِّ كتّابها وما أصدرته من عبث.

<!--تغييب الأدب الحقيقيّ عن السّاحة شعرا وسرداً، ويتبجّح الإعلام المزوِّر بعقد لقاءات أدبيّة، مع أنّها ليست ذات سويّة، وأحيانا لا تحقّق أدنى المعايير المهنيّة؛ فلا الإعلاميّ مطلّع على الأدب والأدباء والإنتاج الثّقافيّ، وليس معدودا من المثقّفين، ولا الأديب/ ــة قادر/ـة على الحديث، فينتهي اللّقاء كما بدأ، وفي نهاية المطاف "قتلْ جنادب واحسب ارواحْ".

<!--اهتمام مسؤولي المناهج الفلسطينيّة بالنّماذج الأدبيّة الرّديئة في غالب الأحيان، إذ يقوم العمل على العشوائيّة والارتجاليّة، فتحضر أسماء تعزِّز الرّداءة وتغيب النّماذج الشِّعريّة العالية، وأصبح طلّابنا لا يعرفون من الشُّعراء المعدودين إلا شاعرا أو اثنين، فرسّخوا في أذهانهم فقر الأدب الفلسطينيّ من الأسماء المهمّة، ونثروا في مساحات المقرّرات من الصّف الأوّل الأساسيّ وحتّى الثّاني عشر مجموعة من الأسماء الأدبيّة الّتي لا تحقّق نماذجها غير تعزيز الرّداءة بأشكالها كافّة، فلماذا تُسلّم هذه المهمّة لمن لا يتقن إدارتها؟ هنا على وزير التّربية والتّعليم أن يهتمّ بهذا الأمر اهتماما بالغا؛ فالأدب ليس هامشيّا، بل إنّه الزّاد الضَّروريّ الّذي تربّت عليه أمم الشَّرق والغرب، وللعرب مع الأدب تاريخ طويل، فلم يوظِّف مؤدبو أولاد الخلفاء والسّلاطين والقادة قديما إلا الأدب من أجل هذه المهمّة، وقد قامت حضارتنا على الأدب الرّفيع في بلاغته وأساليبه؛ فكان القرآن الكريم أعلى النّماذج الأدبيّة الّتي ساهمت في تشكيل العقليّة والنّفسيّة للإنسان العربيّ.

إن كلّ تلك الأسباب ستنتج ثقافة رديئة، وسيضيع الجيّد في غمار غبار الكتب التّفاهة. فلو انتبه المسؤولون قليلا لن يكون لها أو لأصحابها أيّ وجود، لا على أرض الواقع في المهرجانات والفضائيات، ولا في الصّحف والمجلّات، أو في المواقع الإلكترونيّة، ولاتخلصت السّاحة الثّقافيّة من أمراضها. فليس المهمّ أن ننشر كتابا جديدا، ما دام أنّه لا يضيف جديداً، لا في اللّغة، ولا في الأفكار، ولا في الأسلوب، ولا يُمْتِع أو يربّي، عدا أنّه يزيد الأمر سوءاً، فما عندنا من كتب لعظماء الأدب يكفينا عن إتخام مكتباتنا وعقول القرّاء بما يجعلها قاحلة تتمرغ في وحل من الرّداءة، لذلك علينا أن نعترف أنّنا جميعا شركاء في إثم شيوع هذا الّذي يحدث، ولم يعد أحدٌ بريئاً، فمن هذا الّذي سيرحمنا من هذا الشّلل اللّغويّ الأدبيّ المستفحل كالدّاء العُضال؟

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 174 مشاهدة
نشرت فى 22 يناير 2017 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

721,506

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "فتنة الحاسة السادسة- تأملات حول الصور"، دار الفاروق للثقافة، نابلس، 2025. 

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.