التعلم بالمشروع واستراتيجيات التقويم
فراس حج محمد
كثيرة هي التساؤلات المثيرة للجدل في موضوع التعلم بالمشروع، وكيفية تطبيقها في البيئة الصفية أو في البيئة التعليمية أو حتى كواجب بيتي له شروط ومحددات معينة!
إن التعلم بالمشاريع يعد إستراتيجية ذات فاعلية كبرى في حياة المتعلمين والمعلمين على حد سواء، أدناها فائدة أنها تخرج الجميع من دائرة التعلم التقليدي القائم على التلقين أو جعل التعليم ترفا علميا دون أن يرتبط بسياقاته الواقعية الحقيقية، وعليه يجب أولا أن يدرك المتعلم الأسس النظرية لأي محتوى تعليمي وما علاقته بالواقع الذي يحيط به، إذ لا يمكن أن يظل التعليم نظريا، بل يجب أن ينطلق من بيئة الطالب ويعود إليها كذلك. وحتى لا أكرر ما قلته سابقا في مقالات أخرى، فإني أنتقل إلى ما يجب أن يتوفر لدى المعلم والمتعلم عندما يريدون ممارسة التعلم بالمشروع.
لا بد من تطوير المعرفة النظرية، وهنا أتحدث عن تطوير المعرفة النظرية، وليس خلقها أو صناعتها، وهذا يعني أن الأسس النظرية لأي مشروع يجب أن تكون واضحة في الأذهان عند كلا الطرفين في العملية التعليمية؛ المعلم والمتعلم، والطرفان يقومان معا كل حسب دوره بتطوير هذه المعرفة بحيث تنتقل إلى عمق الفهم والمساءلة النقدية عن جدوى التعلم، فلذلك يجب أن يتم التركيز على السؤال الآتي: "لماذا عليّ أن أتعلم هذا؟" ليكون بعد ذلك البحث عن التطبيق العملي الواقعي لتتم الملاءمة والتجسير بين المعرفة النظرية والواقع، لينشأ ذهنيا ووجدانيا الإحساس بهذا الواقع ومشكلاته، فتبرز الحاجة إلى ما تعلمناه من مادة معرفية لارتباطه بمشكلة ما، أو حاجة ماسةٍ تدفعنا للتفكير في المشكلة على ضوء المادة المعرفية الأصلية، فتبدأ عملية التفكير الناقد والإبداعي في البحث والتقصي والتحليل والتفسير واتخاذ القرار والوصول إلى نتاج محدد يساهم بشكل علمي منطقي بحل تلك المشكلة التعليمية.
وعندما يصبح عندنا نتاج تعلمي من صنع المتعلمين أو عدة نتاجات، فإنها تعكس رؤى متباينة لحل المشكلة؛ تبعا لعمليات التفكير ورؤية الواقع من جوانب مختلفة، فهب أن صفا انقسموا إلى عدة مجموعات لحل مشكلة تعليمية منطلقة من جغرافيا المدن، وأخذوا بالتفكير في المجموعات بحل أزمة المواصلات في مدينة رام الله على سبيل المثال، سنجد أن المتعلمين بمجموعاتهم قدموا حلولا مختلفة للمشكلة، ولكنها على اختلافها فهي مبنية على أسس تفكير علمية ومنطقية، كما أنها توجد قناعة عند المتعلم بالحل الذي قدمه تجاه هذه المشكلة، وتجعله يدافع عن ذلك الحل بكل ما أوتي من قدرة على الإقناع! وبناء على تلك القدرة وتلك المعقولية والمنطقية تكون عملية التقويم، التي تختبر بأدوات متعددة نجاعة تلك النتاجات التعليمية وحلولها المقترحة وقدرتها ضمن سياقها على توفير حل عبقري لتلك المشكلة التي سعى المتعلمون إلى حلها علميا.
وهكذا نحقق في عملية التعلم بالمشاريع عدة أهداف، أهمها إيجاد الطالب المتفاعل والشريك الذي يوظف المعرفة النظرية لحل مشاكل واقعية، فهل فيما يقدمه اليوم الطلاب في المدارس من إنتاج وسائل تعليمية هو "تعلم بالمشروع"؟ وهل ترتيبهم لأوراق مطبوعة منقولة هو تعلم بالمشروع؟ وهل زيارة موقع حيوي ورد في المقرر تعلم بالمشروع؟ وهل وهل.
إن هذه الأسئلة وغيرها ستزداد وستتعقد وتصبح بلا حل لأن المشاكل الميدانية التعليمية كبيرة جدا، وليس إلا أهونها ضغط الوقت وإكمال المقررات، ثمة معيقات أكبر تستدعي التفكير مليا، فالتعلم بالمشاريع يحتاج مجتمعا تربويا غير تقليدي وأسرة ومجتمعا ينظرون إلى التعليم المدرسي نظرة واقعية حقيقية بعيدا عن تصنيف الأبناء في درجات وعلامات وتقديرات متدرجة، بل عليهم التفكير جميعا بالمجتمع ويتعلمون من أجل هذا المجتمع وحلّ مشاكله العالقة.
وأخيرا، ألفت النظر إلى أن هذه الوقفة مع التعلم بالمشاريع لا تعارض ما قلته سابقا عن التقويم الواقعي، والرؤية القاتمة التي صاحبت انطلاقها في الميدان التربوي الفلسطيني، ولكنهما قضيتان، وإن تداخلتا، إلا أن لكل منهما معاييره ومنطلقاته وفلسفته، فالتعلم بالمشروع إستراتيجية تعلم، تقوّم وتقيّم بطرق متعددة ومنها التقويم الواقعي، والتقويم الواقعي يوجد في إستراتيجية التعلم بالمشاريع وفي غيرها من إستراتيجيات التعلم.
وهنا أنقل لكم صورا من التقويم التي يحتاجها المعلم للمشاريع الطلابية غير التقويم الواقعي، فهناك التقويم المعتمد على الأداء؛ إذ يقيس مدى "إظهار المتعلم لتعلمه من خلال توظيف مهاراته في مواقف حياتيه حقيقية، أو مواقف تحاكي المواقف الحقيقية، أو قيامه بعروض عملية يظهر من خلالها مدى إتقانه لما اكتسب من مهارات، في ضوء النتاجات التعليمية المراد إنجازها".
كما يحتاج المعلم إلى التقويم بالقلم والورقة، "وتهدف هذه الإستراتيجية إلى قياس مستوى امتلاك المتعلمين للمهارات العقلية والأدائية المتضمنة في النتاجات التعليمية لموضوع أو مبحث معين باستخدام أدوات معدة بعناية وإحكام". عدا عن "التقويم الصفي" الذي يستفاد منه في "تقويم جوانب الشخصية جميعها، ولتشجيع المتعلمين على التعلم ومساعدتهم على فهم موقعهم في العملية التعليمية التعلمية، وتوجيههم بشكل يمكنهم من تحديد جوانب القوة لديهم وإثرائها، كما يكشف لهم عن جوانب الضعف وكيفية معالجتها".
ويمكن كذلك أن أشير إلى هذين النوعين من التقويم "التقويم بالملاحظة، والتقويم بالتواصل"، اللذين قد يستفاد منهما في عملية التقويم، لا سيما تقويم المشاريع خلال تنفيذها ضمن خطوات واضحة أولا بأول في البيئة الصفية أو البيئة المدرسية بوصفها بيئة تعليمية فاغلة، فيمكن للتقويم بالملاحظة أن يظهر "اهتمامات المتعلمين، وميولهم واتجاهاتهم، وتفاعلهم الاجتماعي مع زملائهم"، أما التقويم بالتواصل فإنه يكشف "عن مدى التقدم الذي حققه المتعلم، وكذلك معرفة طبيعة تفكيره، وأسلوبه في حل المشكلات" عن طريق التواصل معه لغويا. وكل تلك العمليات والصور من التقويم تجعل من عملية التعلم عملية متكاملة في جوانبها الثلاثة المعرفية والأدائية والوجدانية، إضافة إلى أنها تدفع الطالب للتميز والإبداع وتدفعه للتفكير بطريقة مغايرة.
للاستزادة بموضوع التقويم مراجعة هذا الموقع