صرخة الموت البليغة
فراس حج محمد
صباح يعبق برائحة الكفن وتلوح في ابتهالاته أغشية السواد لا بد من أن يكون خاصا ومختلفا، ولكن علينا أن نقاوم موتنا حتى الموت، ولا نستسلم، ومتى تأتينا الساعة المنتظرة، فلنواجهها بابتسامة ساخرة، لأننا كنا غافلين عنها، ألم يقولوا: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا"؟ نعم فلنصحُ قليلا لعلنا نستجلى بعض السر، فجعبة الموت المفاجئة ما زالت عامرة، وما زالت السهام معدة، لعلها تصيب أحدنا اليوم أو غدا، في عز فرحة أو لقاء أو جنون نسيان أننا سنموت يوما، وليس المهم أن نموت، فليس لعقل أن يتصور خلوده في هذه الخادعة المسماة الدنيا، ولكن هل كنا على مستوى يليق بإنسانيتنا لنموت ونحن نستحق كرامة الآيات التي سيتلوها علينا المعزون والأقارب والأهل والأصدقاء والأحبة!!
فما بين موت وحياة، وبهجة وحزن، وما بين رنة الفرح تتسلل أجراس الموت لتخيم على المكان، فتصمت الأصوات، وتبهت النفوس، وتكاد القلوب تتوقف عن النبض، هكذا يحدث عندما يتجاور النقيضان ويتحاوران في لحظة واحدة، بدأنا بفرحة الأعراس والغناء وانتهينا بألم الموت القاسية، هذه المصيبة الكونية التي تجعل الكل حائرا عاجزا لا يستطيع القول ولا الفعل، إنها سر رب العالمين، وملخص بليغ عن حقيقة هذه الدنيا، فما عسى العاقلون أن يفعلوا؟
استأذنتنا الروح وغادرتنا فجعلتنا أرضيين وقانعين وخائبين، وهي تحلق في علو أبديتها الخالدة، وقد تحررت من أسرها لتنضم إلى مسارح الطيور السابحة في جنات خالق الموت وواهب الحياة معنى آخر، ونحن كما نحن نقلب كفا بكفّ، كأننا لم نعرف أن الموت هو نهاية الرحلة!!
كيف لنا أن نقاوم الموت؟ هل تخفف الكتابة من الألم؟ وهل تستطيع أن تجفف منابع الحزن النابت في ضفاف الجمل؟ هل بمقدور نص مترهل يعاني من شد الحروف وضغطها بكل قوة على مكامن الروح التي سافرت أن يمنحنا شيئا من وهم البقاء على قيد حياة ستنتهي يوما؟ فبلاغة الموت الصامتة أبلغ من أحاديث الذم لأمر تعرفه البشرية جيدا فعلام الهجاء والحزن، فإننا ميتون ولنقتنع بها تعزية للنفس وتصديقا بأن الحياة خلقت هكذا يتجاور فيها النقيضان بكل زمان وفي كل مكان، علينا فقط الاستعداد، فالموت القادم يجعلنا أكثر حياة في كل لحظة ممنوحة لنا، فلا نضيعها في الهباء!!