فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

قصة علامة ترقيم

فراس حج محمد

لم يكن الأمر صدفة أن أكتب فقط مجرد علامة تعجب خالية من أي نصّ، لتقف هكذا وحدها في أول السطر في مربع التفكير الخاص بالسيد "فيس بوك"، ولم يكن الأمر كذلك بريئا، بل ربما كان سلوكا استفزازيا، لأرى كم من فضول سيحرك في الآخرين، وقد نجحت!!

ربما كان هذا هو هدفي الأول، وربما كان مجرد العبث أن أكتب فقط علامة التعجب وحدها، هكذا لتكون شاهدة على العجب، بعد أن اجتاحتني موجة من هستيريا الضحك لأمر يبدو أنه غريب، فكيف لمجرد علامة ترقيم أن تثير كل هذا الحماس في نفوس القراء، استفسارا وقلقا، وتفسيرا واهتماما، بدا لي الأمر نوعا من المفارقة المرة، فهذه العلامة المتحررة من قيودها إلا من قوامها الممشوق استهلكت من التعليقات والاهتمام ما لم تحصل عليه طوال النصوص وبليغها، وقد أمضى بها الكاتب مدبجا ومحبرا ومصورا، ومعملا فكره ليكون النص فارها وعميقا وجميلا، فلماذا تكون علامة ترقيم أهم من نص؟

شغلتني الفكرة أكثر مما تحتمل علامة ترقيم، فهل ما فيها من فضول هو ما دفعها لتكون واجهة الحديث، لتجعل القراء يبثون أوجاعهم وأمنياتهم وإسقاطاتهم النفسية من خلال هذا المتشكل وقوفا في خط مستقيم طولي يُدعى علامة التعجب (!)

أتخيل الأمر أكبر أحيانا من هذا، أمر يتعلق بالإشارات وبالإيحاءات، فلو مررت على إنسان يضحك أو يبكي ولكنه صامت ماذا ستقول؟ بالمؤكد إنه يثير فيك ما يثير من الفضول والارتباك والاهتمام أكثر مما تتوقع أنت، يتلاشى ظلك مبتعدا عنه، ولكن فكرك منشغل فيه، ربما تعود إليه لتسأله وتشبع فضولك في ذلك، وربما أخذت على عاتقك مهمة تفسير حالاته من مرض وهمّ أو حزن، فربما يضحك جنونا أو يبكي فرحا، هل يعقل؟

أستدعي بذاكرتي من تداعيات علامة التعجب هذه ما يهتم به النقد الحديث من علماء السيمياء في تفسير إشارات غير النص: من فراغ وعلامات ترقيم، لتأخذ حيزا كبيرا في التحليل، وتركض إلى الذاكرة تَوّاً قصائد كان عنوانها علامات ترقيم، فهل كان عنوانها بليغا؟ وهل كان نقدها سيميائيا وجيها؟ وهل تستحق علامة الترقيم كل هذا الفضول؟

ولكن بقي عليّ أن أصارحكم بحقيقة ما حدث، وسبب كتابتي علامة التعجب، إن الأمر لم يكن غير تقليد خالٍ من أي هدف، وكأنه لعبة لا غير، بعد أن رأيت أحد الأصدقاء يضع علامة الاستفهام (؟) على جداره، صدمتني هذه الشاهدة المتحدية، ولم أستطع أن أتمالك نفسي وقد اجتاحتني هستيريا من عذاب الضحك، فقررت أن أحاكي هذا الفعل، لأكتشف بنفسي، ولكن لا بد لي من أن أغير في علامة الترقيم، فلا يحسن بي التقليد الأعمى! فلتكن علامة تعجب إذنْ، ولأتابع المشهد، فرأيت ما رأيت وقرأت ما قرأت من تعليقات، وكانت هستيريا الضحك تزداد جنونا، فأنا لم أكن متوقعا أن تحتل هذه النحيلة القاسية كل هذا الاهتمام؟   

أمر غير متوقع لجنون غير متوقع لعلامة ترقيم هي في الأصل توظف في نص لتكون مُعينا للمعنى وليست كل المعنى، ولكن ما الحيلة إذا تحولت علامة ترقيم إلى قضية شاغلة فكر الناقد والقارئ؟ وها هي الآن تستولي على وقت الكاتب فيكتب عنها وعن تداعياتها، فضلا عن إخوتنا من القراء الأعزاء.

 

فلتعذريني  يا علامة الترقيم، ولتسامحوني أيها الأصدقاء، صباحكم أجمل بالتأكيد من علامة ترقيم خاوية إلا من استعدادات التفسير، دمتم بمحبة وصباحكم جميل!!

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 208 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2013 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

582,787

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.