وقفة مع رواية محمود شقير
"كلام مريم" واستنطاق الواقع
فراس حج محمد
صدر عن جمعية الزيزفونة رواية جديدة للكاتب الفلسطيني محمود شقير، والرواية التي يعنونها شقير بـ "كلام مريم" يستهدف فيها فئة الفتيان والفتيات جاءت في 86 صفحة، ويصاحبها مجموعة من الرسومات من إبداع مصطفى الخطيب، وتبرز الرواية شخصية مريم ابنة الخمسة عشر ربيعا، لتكون شاهدا على واقع مهشم يغصّ بالألم الجارح في مستوياته الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
وعلى الرغم من أن الرواية موجهة للفتيان والفتيات، ومن هم في عمر مريم، إلا أنها ناقشت جملة من القضايا التي يحفل بها الواقع الفلسطيني بتشابكاته المختلفة فكان للسياسة والاعتقال والاحتلال بطقوسه اليومية حضور بارز، ولم تغفل الرواية عن أن تمسّ بعض الجوانب من الوضع السياسي الفلسطيني الداخلي، وما يعانيه الناس جراء هذا الواقع، والجدل حول قضايا سياسية، لعل أبرزها عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية واتفاق أوسلو وما بعده، وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم ومنعهم من حرية التنقل أو زيارة القدس الشريف.
وعلى الصعيد الاجتماعي برزت قضية المرأة، فطرحت الرواية، بأسلوب يتناسب ووضع الشخصيات الساردة، قضية النظرة إلى المرأة وحصارها بشتى العقليات، مما يستدعي مريم لأن تحاور جسدها عندما تجرأت وسبحت في الماء بملابس خاصة بالسباحة، وما أثاره سلوكها هذا من احتجاج من أخيها ومديرة المدرسة، وقد طال الحصار الاجتماعي للفتاة "مريم" بمنعها من إحضار روايات نجيب محفوظ للمدرسة بدعوى أن فيها كلاما لا يليق يَرِدُ في هذه الكتب هنا وهناك.
وتعرض الرواية حالة من مواجهة المرأة لذلك الحصار، فتلجأ المرأة أحيانا إلى حلول غير مقبولة اجتماعيا، ولكنها تسجل موقفا رافضا لسلب إرادة المرأة وحقها في الاقتران بمن تحبّ، وهنا تظهر أمراض اجتماعية أخرى، وأهمهما الإشاعات التي تضخمت حول هروب تلك المرأة.
ولكن لماذا هذا العنوان "كلام مريم"؟
تتشكل الرواية من (43) مقطعا سرديا يتقاسم فيها الحديث السارد المفترض ومريم وصديقها في الفرقة المسرحية "كنعان"، وهناك مقطع غلب عليه الحوار بين مريم وكنعان ويرويه السارد المفترض، وهو المقطع رقم (17)، وشكّل كلام مريم أغلبية في الرواية، إذ إنها تسرد (21) مقطعا، وتشكل هذه المقاطع وما طُرح فيها من أفكار عصب الرواية، إضافة إلى أن كلام كنعان والسارد يتمحور حول مريم أو ما تطرحه من مضامين أو ما تصنعه من أحداث؛ فمريم وكلامها بؤرة الرواية ومحورها، إلا أن هناك موقفا ورد في الرواية قد يشعر المرء معه أنه هو المقصود بالعنوان "كلام مريم"، جاء في المقطع (11) عندما أخبر كنعان أنه يريد زيارة قريته (يالو)، التي هُجّر منها، فتقول له:
"رافقتك السلامة في الذهاب وفي الإياب"، فيعلّق كنعان على جملة مريم بقوله: "ذهبت إليها وكلمات مريم ترنّ في أذني. كم أحببتُ صوتها وهو يشكّل هذه الكلمات"، ويظلّ هذا الكلام، وهذا الصوت يتردد صداه في سمع كنعان وفكره، فيتذكر ذلك بعد عودته من تلك الزيارة، فيقول: "عدت وأنا أتذكر صوت مريم الرنّان"
وتكشف الرواية في النهاية عن افتراق مريم وكنعان، ولم يعودا يلتقيان، وكأن افتراقهما شبيه بتلك الفرقة التي جعلت كنعان لا يرى قريته كما وجدها في الصور المحفوظة مع الأهل، فتبدلت ملامح المكان حتى ضاعت منه، كما ضاعت مريم، ولذلك ستظل مريم أمنية كنعان للقائها، وممارسة أحلام إنسانية بريئة معها، كذلك الشوق الذي ظل حاضرا في وعيه لقريته المدمرة (يالو)، أو زيارته لمدينة القدس.