موقع صحيفة ليفانت اللندنية:
في الفرق بين الشّاعر والسّياسيّ
فراس حج محمد/ فلسطين
يُحكى أنّ الشّعراء لا يحسنون صناعة الكذب، ولا تأليف حكايات النّهار العلنيّة، ولا يصلحون لقيادة القطيع، ولا يحسن بهم أن يكونوا على رأس جيش في أيّ حربٍ حتّى وإن كانت حرباً عادلة، وكذلك فهم غير مؤهّلين ليكونوا قضاةً في محاكم الدّولة، ولا أنْ يكونوا أعضاء فاعلين في أيّ حزبٍ ولو كان هذا الحزب يدعو إلى المدينة الفاضلة والرّفق بالبشر والحجَر والحيوان.
ويحكى أيضا أنّ الشّعراء لا يعرفون القهقهة، ولا الابتسام أمام الكاميرات، ولا يستطيعون كتابة الخطابات الطّويلة المفهومة المملّة، كما أنّهم أيضا لا يستطيعون المكوث على كرسيٍّ واحد مدى الحياة أو لأربع سنوات، ولا يستطيعون الالتزام بقانون يحمي حقوق الأقلّيّات والأجانب، ويميّزهم عن السّكان الأصليّين، كما أنّهم لا يحبّون الطّعام والمشي في الأسواق، ولا يعرفون قيادة المركبات الفارهة والطّائرات الخاصّة، ولا ينشئون التّحالفات، ولا ينقلبون، ولا يتقلّبون، بوجوههم يتبلّجون.
ويحكى عن الشّعراء كذلك أنّهم لا ينظرون إلى أسافل الجغرافيا، عيونهم تغازل النّجوم، يتحدّثون مع الملائكة، لا يعرفون معاني الأقفال والسُّجون والجنايات والأحكام العُرْفيّة، ولا يدركون الفرق اللُّغويّ اللَّغويّ الاصطلاحيّ الدّقيق بين مفردتين متماثلتين، لا يفسّرون الأشياء بنقيضها، ولا يبنون عالما من الخيال القائم عرشه على طين السّياط والقتل والنّفي والتّشريد، العالم حولهم أبيض كالعطر، ومستقيمٌ مثل خصلةِ شَعْر.
وربّما يقال عن الشّعراء إنّهم ذوو أرواحٍ ولا أجساد لهم، جمالهم في أحزانهم الوجوديّة، يحملون صخر العالم ونجومه ويسيرون في الدّهاليز عراةً، يسترهم نورهم ويسعى بين أيديهم، لا يختارون بين الأنا والأنا، ولا يفرّقون بين الدّاخليّ الخارجيّ، يقرأون ويكتبون الضّوْء بالضَّوْء، ويُخرجون العتمة من أسطورة العدم، ويُحَلّوْنها ببرنس حريريّ، ويعشقون الاعتراف أنّهم كائناتٌ ضعيفةٌ مهزومة بجناحِ فراشات القناديل اللّيليّلة خافتة النّور.
الشُّعراء وحدهم من لا يفرّقون بين المدح والرّثاء والغزل والتّصوف والإلحاد، ولا يأوّلون العلاقات النّصّيّة لجملة ما، بين الكفر والإيمان، عندهم كلّ شيء هُوَ هُو، والكون لا يتجزّأ إلى وحدات لغويّة وبشريّة، ولا يعترفون بحدود الخرائط الجويّة والخطوط المستقيمة والأسلاك الشّائكة على قارعة الانتقال "من إلى"، فضاؤهم مفتوح، يساكنون الطّيور في أعشاشها، ويأكلون من وجعِ الطّريقِ الطّويلة.
الشُّعراء هم من لا يحملون جوازات سفر إلّا قصائدهم، ولذلك فهم لا يُرَوْن في المطارات على متون الطّائرات، فقط يسافرون على بساط الرّيح، ويغرّدون على الشَّجر ليعودوا في موسم الحصاد محمّلين بسنبلة قمحٍ ذهبيّة وكمشةٍ من زَهْرِ لوزٍ في مواعيدِ السَّماء الرّبيعيّة.
الشّعراء كائنات لا تتقن إلّا التّبليغ عن الله أنّ الجمال لن يتراجع أو يخفت أو يموت، وحدهم من يجعل العالم أكثر وأكبر وأجمل، ولذلك فهم لا يؤلّفون النّكات الباهتة، ويرون ما لا يراه البائسون. الشّعراءُ فرديّون متفرّدون، وفي قلوبهم ينبتُ الياسمين.
حزيران 2020
من منشورات صحيفة ليفانت