قصائد
هم وحدهم رُسُلي
فراس حج محمد
الشّعراءُ هم أصدقائي في رقصة الأضواءْ
أحبّائي منذُ ولدتُ هناك من أبوينِ أمّيّيْنْ
رفقائي وإن لم يعرفوني
أو يُسمعوني قصائدهم في حفلة البار الطّويلةْ
وإن لم يُلقوا عليّ حنين قلوبهم ليلاً
وإن لم يُخبروني بخيانة اللّغة القاسية
وإن لم يُهاتفوني عند الصّباح ليطمئنّوا على وردة غافية أمام بيتي القديمْ
هم أصدقائي الهاربون من المدائحِ
والمذابحِ
والفضائحِ والشّتاءِ العاصفِ المكتظّ بالموتى
وأسفارٍ من الخسرانْ
أحبّ الشّعر في الشّعراءِ ينبت من بين أصابعهم
ياسميناً
زجاجةَ عطرٍ هادئٍ
ضبابا ناعماً
ونهر ضياءْ
ويزغردون كجدولٍ فرحٍ
كخرير ماءْ
وربّما في حالة نادرة عند ارتفاع ضغط الحربْ
يتأبّطون قصيدة تبكي على ضفة النّهرِ
يُطعمون البؤس قرص الحبّ
هم أصدقائي، عراة وقدّيسونَ، وأنبياءْ
لكنّهم صامتون
فلاسفةٌ أنقياءُ القلبِ
يحملقون في اندهاش الغمامِ محمولا على اللّاشيءْ!
كلّ الشّعراء ما زالوا هنا
وإن رحلوا كما تدّعي حكايات الصّحفِ التّافهةْ
يدقّون النّواقيس بأيدٍ خافتةِ الظّلّ على جدار الموتْ
أسمعُ ما تقولُ قصائدهم للموت هذه اللحظة
يوجّهون المسافةَ باللّايقين
يضبطون الوقت في الأحراجْ
يأخذون من الهواء قبضة رؤيا
ينثرون موسيقى
وينتشرون مثل ورد الأقحوان في برّيّة عذراءْ
كلّ الشّعراء كانوا وما زالوا هنا
يتلون في المساجد والكنائس والمعابد شعرهم
ويجدلون الضّفائر في الأغاني
ويبتهلون مثل نبيّ في جوف ليل وصلاةْ
الشّعراء، ثلّة من نرجس وملائكةْ،
ملحُ هذا الكونْ
يقفون صفّا واحدا يواجهون اللّغةَ الورقيّة الصّفراءْ
كلّما مرّ الشّعاع سريعاً عانقوه وأشربوه الكأسَ حتّى يثملوا
يركلون بالإيقاع تاريخاً يزوّره السّيفُ
ويزرعون مكان كلّ رمحٍ زهرة
يربّون الغزالة والحمامة
ويغتسلونَ بالإلهامْ!
الشّعراء ما زالوا هنا لن يرحلوا أبدا
يحرسون الشّمس في كبد القصيدة البيضاءْ
يٌولدون بين كلّ نقيضتينْ
يؤوّلون الفضاء مهدا للنّجومِ لتستريحْ
يُؤْنسون ويأنسون الوحدة الرّائية
لا يُقلقون سوى اللّيل والوحشةْ
بضمة وردٍ معجونة بالأسئلة!
هم وحدهم أقطاب حرّيّة مشتهاةْ
في ظلّ هذا العبث الوجوديّ الجبانْ
هم وحدهم رسلي إلى عرش الإلهْ!
هم أورثوني الأرضَ والأشجارْ
البحرَ والأغنياتْ
هم أسلموني للقصيدة كي أحدّث عن رؤايْ
هم أوصلوني محض إرادة الغيبِ عميقَ الغابةِ
كي أتعلّم الأسماءْ
لأرى ما لا يُرى
وأرمّمَ الأشياءْ
ما تساقط من قِطَع العتمةِ
منّي...
علّ نورا صافيا يخرجُ من جرحٍ يُزَفُّ في بردةٍ خضراءْ