فراس حج محمد

موقع يختص بمنشورات صاحبه: مقالات، قصائد، أخبار

في استراتيجية العنوان:

لماذا "دوائر العطش"؟

العطش فكرة عميقة وليست مجرد عنوان

 

استهوتني فكرة العطش في كتاب "دوائر العطش"<!--، فبرق الاسم في خاطري في لحظة صفاء كأنها البرق، دونت الاسم واحتفظت به، ولم أكن على سابق علم بما يكتنزه العطش من ماء معرفي وصوفي إنساني قديم وحديث، وبغض النظر عن بعض نصوص الكتاب الذي اتخذت من العطش مرتكزا معنويا ولفظيا لها، إذ ما زلت على قناعة عدم تسمية الكتاب باسم نص من نصوصه مهما كان ذلك النص مركزيا أو دالاً.

وعندما أخذت أبحث عن المواقع التي نشرت خبرا عن صدور الكتاب، صادفت مصطلح "دوائر العطش" المتعلق ببعض الدوائر الانتخابية في السودان الذي أضحى يعاني جلّ أهله من العطش رغما عن النيل المتفرع في أرضه الممتدة، ثم تنتقل إلى رحمة الله تعالى الكاتبة الجزائرية فرنسية الإقامة واللغة "آسيا جبار"<!--، فأقرأ أن أول كتاب لها كان بعنوان "العطش" وألفته عام 1953، فاستهوتني الفكرة من جديد، لأبحث عن الكتب التي توسمت بالعطش أو اتسمت به.

وقد فاض الصديق الموسوعي الجميل المقرب إلى الجماهير السيد "جوجل" حفظه "الإنترنت" ورعاه عليّ بقائمة من الكتب التي احتوت عناويها على لفظ "العطش"، سواء أكان اللفظ مفردا أم مضافا أم مضافا إليه، وسواء أكان مرفوعا أم منصوبا، وعند استقراء هذه العناوين وشيئا من المعلومات حولها، يتبين لي حجم ذلك العطش الذي تعانيه الإنسانية المعذبة، فالمصير الإنساني كله معلق بالارتواء من العطش، وأيّ عطش.

وجدت العطش في مؤلفات الكتّاب والكاتبات، وفي مؤلفات الشرق والغرب، وعند الملاحدة والصوفيين، وعند المسلمين والمسيحيين، وعند الأدباء والفلاسفة والسياسيين، وتجلى في الشعر والقصة والمسرحية والكتاب السياسي والجغرافي، وفي البحث الأمني والقومي والكوني، ودخل في الحرب النفسية، وعانى منه الفرد، كما عانت منه الأمة والجماعة والشعوب، والأرض قاطبة.

وعلى ذلك لم تخل من العطش ثقافة من الثقافات، فهو واضح أشد الوضوح في الثقافة الإسلامية ووعد الشرب من الكوثر، والشرب من يدي الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، بعد يوم عطش طويل، شربة لا يظمأ من شربها أبدا، وفي المسيحية برز كتاب "عطش الله" للأرشمندريت أغابيوس أبو سعدى، وفي الصوفية برز كتاب "العطش العرفاني في رحاب العارف الكامل"، ولعله وجد عند اليهود والبوذيين والهندوس عطشهم النابع من أروحهم وثقافاتهم، ولكنني تعبت من الاستقصاء والملاحقة، فاكتفيت بحصر ما يزيد عن ثلاثين مؤلفا، كلها كانت تستقى من العطش، وتنهل منه أفكاره.

تيقنت أن العطش يقين، كما جاء في كتاب للروائي المصري إدوار الخراط، ولكنْ ثمة جواب غير الماء عن هذا العطش، كما ادّعى أدونيس، لتكون هناك قافلة من العطش عند سناء الشعلان، وعناقيد وشمعدان وينابيع لعطش ربما كان مختلفاً عند غيرها من الكتّاب، والنتيجة على ما يبدو واحدة فـ"لا عطش ينتهي ولا ينبوع" كما جاء في كتاب الكاتب العراقي "أحمد عبد الحسين"، وكأنني أصبحت أدور في فلك خاص من دوار ناشئ عن "دوائر العطش".

مع كل ذلك العطش الذي تتلهف الإنسانية للخلاص منه، لتنعم بالماء على أبسط جواب، وإن استبعده أدونيس، ظهر العطش مليئا بالمعاني والدلالات والحكايات والآهات والتمنيات، وحتى لا يموت المعنى من العطش، ويظل النهر راويا لا يموت هو الآخر من العطش، كما مات نهر الأردن عطشا في قصيدة لمحمود درويش، وحتى لا يصيب ماءنا العطشُ في ذلك الغياب الأليم، علينا أن نتجنب السباحة في العطش، نقرأه ونكتبه ونهزمه، لعلنا نرتوي حتى ولو بصورة الماء النمير.

تذكروا أيها القرّاء أن أسماء الكتب كأسماء البشر، قدر محكم، لا فكاك منه.


<!--[endif]-->

<!-- صدر الكتاب عن دار غراب للنشر والتوزيع في القاهرة.

<!-- توفيت الروائية آسيا جبار في 6/2/2015.

 

المصدر: فراس حج محمد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 146 مشاهدة
نشرت فى 31 ديسمبر 2018 بواسطة ferasomar

فراس عمر حج محمد

ferasomar
الموقع الخاص بــ "فراس حج محمد" »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

586,091

فراس حج محمد

نتيجة بحث الصور عن فراس حج محمد كنانة أون لاين

من مواليد مدينة نابلس في فــلسطين عــام 1973م، حاصل على درجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث من جامعة النجاح الوطنية. عمل معلما ومشرفا تربويا ومحاضرا غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة. 

عمل محررا لغويا في مجلتي الزيزفونة للأطفال/ رام الله، وشارك في إعداد مواد تدريبية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، وكان عضوا في هيئة تحرير مجلة القانون الدولي الإنساني/ الإصدار الثاني الصادرة عن وزارة التربية والتعليم في فلسطين.

نشر العديد من المـقالات والقـصائد في مـجالات النشر المختلفة الإلـكترونية والصحف والمجلات في فلسطين والوطن العربي وبريطانيا وأمريكا وكندا والمكسيك. وشارك في ندوات وأمسيات شعرية ومؤتمرات في فلسطين.

الكتب المطبوعة: 

رسائــل إلى شهرزاد، ومــن طقوس القهوة المرة، صادران عن دار غُراب للنشر والتوزيع في القاهرة/ 2013، ومجموعة أناشيد وقصائد/ 2013، وكتاب ديوان أميرة الوجد/ 2014، الصادران عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل/ رام الله، وكتاب "دوائر العطش" عن دار غراب للنشر والتوزيع. وديوان "مزاج غزة العاصف، 2014، وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في القصة القصيرة جدا- دار موزييك/ الأردن وديوان "وأنت وحدك أغنية" عن دار ليبرتي/ القدس وبالتعاون مع بيت الشعر في فلسطين، وكتاب "يوميات كاتب يدعى X"، وكتاب "كأنها نصف الحقيقية" /الرقمية/ فلسطين، وكتاب "في ذكرى محمود درويش"، الزيزفونة 2016، وكتاب "شهرزاد ما زالت تروي- مقالات في المرأة والإبداع النسائي"، الرقمية، 2017، وديوان "الحب أن"، دار الأمل، الأردن، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في الرواية"، مكتبة كل شي، حيفا، 2017. وكتاب "ملامح من السرد المعاصر- قراءات في متنوع السرد"، مؤسسة أنصار الضاد، أم الفحم، 2018، وديوان "ما يشبه الرثاء"، دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، 2019، وكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، دار روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020. وكتاب "نِسوة في المدينة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2020. وكتاب "الإصحاح الأوّل لحرف الفاء- أسعدتِ صباحاً يا سيدتي"، دار الفاروق للنشر والتوزيع، نابلس، 2021. وكتاب "استعادة غسان كنفاني"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله، وعمّان، 2021، وكتيّب "من قتل مدرّس التاريخ؟"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2021. وديوان "وشيء من سردٍ قليل"، وزارة الثقافة الفلسطينية، رام الله، 2021. وديوان "على حافّة الشعر: ثمّة عشق وثمّة موت"، دار البدوي، ألمانيا، 2022. وكتاب "الكتابة في الوجه والمواجهة"، الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمان، 2023. وكتاب "متلازمة ديسمبر"، دار بدوي، ألمانيا، 2023. وكتاب "في رحاب اللغة العربية"، دار بدوي، ألمانيا، 2023، وكتاب "سرّ الجملة الاسميّة"، دار الرقمية، فلسطين، 2023. وكتاب "تصدّع الجدران- عن دور الأدب في مقاومة العتمة"، دار الرعاة وجسور ثقافية، رام الله وعمّان، 2023، وديوان "في أعالي المعركة"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2023، وكتاب "مساحة شخصية- من يوميات الحروب على فلسطين"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024، وكتاب "الثرثرات المحببة- الرسائل"، دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، 2024.

حررت العديد من الكتب، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب والدواوين المخطوطة. 

كتب عن هذه التجربة الإبداعية العديد من الكتاب الفلسطينيين والعرب، وأجريت معي عدة حوارات ولقاءات تلفزيونية.