السيد احمد عبد اللطيف حسين

خدمة طلاب العلم

دكتور / السيد أحمد عبد اللطيف يكتب:

 شخصيات منسية في تاريخ الإنسانية 

{أولوغ بك}

  أولوغ: هو محمد طورغاي بن شاه رخ، ولد في (سلطانية) عام 796 هـ / 1393 م، عينه والده على جزء من خراسان، ثم لما أنتزع والده ال (تركستان) من صاحب (سمرقند)، عينه واليا عليها، كان (أولغ بك) مولعا بالآداب و العلوم و الفنون، درس القرآن ونظم الشعر، ووضع الكتب، وأهتم بالفلك خاصة، كما كان له زوق سليم في الهندسة والعمارة.

  لم يكن (أولغ بك) موفقا في السياسة والحروب مثل ما هو موفق في بقية العلوم؛ فبعد أن تسلم الحكم خلفا لأبيه عام 850 هـ ، تعرض لسلسلة من المحن الحربية والسياسية، انتهت بأن ثار عليه أبنه (عبد اللطيف)، وأستطاع الابن أن يهزم الأب والأخ، ثم سلم الابن أباه (أولغ بك) إلى عبد فارسي قتله بعد محكمة صورية عام 853 هـ.

 ويرجع العلماء سبب ما وقع بين (أولغ بك) و (أبنه عبد اللطيف) إلى اعتقاد الأول بالتنجيم، فلقد دلته أحكام النجوم على أن الثاني سيثور عليه و يقتله، ولذا يرى المصلحة في إبقائه بعيدا، مما أدى إلى تأصل حقد وشحناء بين الاثنين.

 ويرى البعض أن الإبعاد لم يكن العامل الوحيد لما حدث بينهما، فهناك عوامل أخرى لا تقل عنها شأنا، فلقد وضع (أولغ بك) أسم أبنه (عبد العزيز) بدل اسم (عبد اللطيف) في وصفه لوقعة (ترباب)، ويقال أيضا أن الأب رفض أن يعيد لأبنه ما كان يحفظه في (هراة) من مال وسلاح، وهذا الكتاب المشار إليه هو الذي وصفه (أولغ بك) عن تاريخ أبناء (جنكيز خان) الأربعة عنوانه "أولوس أربع جنكيزي" ويبدو أنه ضاع، ولو بقي الكتاب لأصبح جليل القيمة في تاريخ أولوس.

 وعن حبه للهندسة والعمارة نشير إلى أن (أولوغ) زين مدينة سمرقند بالعمائر الفخمة، فشيد خانقاه فيها أعلى قبة في العالم كما بنى مسجد أولوغ بك أو (المسجد المقطع)- سمي كذلك لأنه كان مزينا بالخشب المقطع من الداخل- كما بنى مسجد (شاه زنده)، وفي سنة 828 هـ بنى أولوغ قصرا ذا أربعين عمودا تكتنفه أبراج أربعة شاهقة، وزينه بالمرمر، وكانت قاعة العرش فيه فسيحة جدا، بلغت فيه قاعدة العرش ثماني أذرع في خمسة عشر، كما بنى مدرسة عالية فيها حمام مزخرف بالفسيفساء البديعة، وعهد بإدارتها إلى (قاضي زاده رومي).

 وفي الفلك بنى أولغ بك (مرصدا) في سمرقند عام 832 هـ / 1828 م على الجانب الآخر من (كوهيك)، وكان يعد في زمانه أحد عجائب الدنيا، وسلم إدارة المرصد إلى (صلاح الدين اليهودي) مع ثلاثة (قاشانيين) هم : (حسن جلبي) المشهور بـ (قاضي زاده) و(غياث الدين جمشيد)  و(معين الدين القاشاني)، وكان أولوغ بك يعمل معهم.

 أستطاع فريق المرصد أن يستنبط الآت جديدة قوية للرصد، ورأى أولوغ بك أن حساب التوقعات للحوادث على ماقرره (بطليموس) لا يتفق والأرصاد التي قام هو بها، فقد عمد إلى تصحيحه، وألف في ذلك كتابه المعروف بـ "الزيج السلطاني" وهو مجموعة مقالات، يقول فيها " كشف الظنون "، وجعله على أربع مقالات :  

الأولى: في معرفة التواريخ، وهي على مقدمة وخمسة أبواب.

الثانية: في معرفة الأوقات والطالع في كل وقت، وهي أثنان وعشرون بابا. الثالثة: في معرفة سير الكواكب ومواضعها وهي ثلاث عشر بابا.

الرابعة: في الأعمال النجومية، وهي على بابين، وهو أحسن الزيجات وأقربها إلى الصحة.

     صدر أولغ بك زيجة بمقدمة أشار فيها إلى الباعث على تصنيفه هذا، ومن ساعده في ذلك، وهي مقدمة معقدة يشوبها الغموض، ترجمها (سيديو) ونشرها في باريس عام 1847 م في مجلدين.

    أشتهرت الجداول هذه في أوربا فعني بها (جون هبريفز) في (أوكسفورد)، كما نشر (كنوبل) ثبت النجوم بعد أن راجع جميع المخطوطات التي في بريطانيا وأضاف حاشية عربية وفارسية في واشنطن عام 1917م؛ وهناك خلاف في اللغة التي كتب بها هذا الزيج، أهي العربية أم الفارسية أم التركية؛ ويعتقد بأن هذه الجداول كتبت بالفارسية وتم وضعها عام 841 هـ، كما نلحظ أن أولغ بك لم يرصد فيها كل النجوم التي ذكرها، وأنه أعتمد في الأطوال والأعراض على (بطليموس)، كما أسرف في تناول التنجيم إلا أن (سيديو) يقول: "إن عهد التنجيم الفلكي في الشرق إنتهى بأولوغ بك"؛ شرح هذا الزيج كثيرون من الفلكيين، منهم: المولى (محمود بن محمد) الشهير بـ (مريم الفارسية) عام 904 هـ ، وأهداه إلى السلطان (بايزيد) وسماه: " دستور العمل في تصحيح الجدول "، وشرحه أيضا (علي القوشجي)، واختصره (محمد بن أبي الفتح) الصوفي المصري، قيل فيه: إنه مقصور على البراهين الهندسية لا على وجه التوضيح والبيان؛ كما عربه (عبد الرحمن الصالحي) الموقت بالجامع الأموى باسم: " تذكرة الفهيم في عمل التقويم ".

      أعتنى أولوغ أيضا بالمثلثات، وجداوله في الجيوب والظلال ساعدت على تقدم هذا العلم، كما اعتنى بفروع الرياضيات الأخرى ولاسيما الهندسة وله فيها جولات، وكثيرا ما شغل نفسه بحل أعمالها العويصة ومسائلها المعقدة، وتبين لنا من سيرته أنه لم يقصر اهتمامه على الفلك والرصد والرياضيات بل إنه كان فقيها، و أكب على دراسة القرآن وحفظه و جوده على القرآءت السبع، و فوق ذلك شغف بالشعر، و قرب الشعراء و اتخذ أحدهم شاعرا لنفسه.

المصادر والمراجع:

 

ابن العماد: شذرات الذهب في كلام من ذهب.

كاتب جلبي: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون.

الزركلي: الأعلام.

باقر أمين الورد: معجم العلماء العرب.

السيد أحمد عبد اللطيف: الحياة السياسية والحضارية للدولة الصفوية.

محمد أمين فرشوخ: موسوعة عباقرة الإسلام.

ول ديورانت: قصة الحضارة.

كتبه السيد أحمد عبد اللطيف، الباحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، كلية دار العلوم، جامعة المنيا.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 193 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2024 بواسطة elsayedahmed

ساحة النقاش

السيد احمد عبد اللطيف حسين

elsayedahmed
اهتم بالكتب والمقالات والروابط وكل مايخص طالب العلم »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

126,167