لسنوات طويلة جدا، ظل الجنوب بعيدًا عن معادلة التنمية، لا يأتى ذكره فى الخطط المستقبلية، ولا تذهب إليه الوفود الحكومية لاستطلاع الأمر على أرض الواقع، وغالبًا كان يتم الاكتفاء بمنح الوعود وإطلاق التصريحات، أما التنمية فـ«حين ميسرة»، الآن المشهد تغير تمامًا، ، فالصعيد أصبح فى مقدمة الأولويات وبؤرة الاهتمام، القيادة السياسية توجهت بوضوح ناحية المحافظات الجنوبية، أعلنت أن قطار التنمية سيقف فى كل المحطات، ولن يتجاوز أى مدينة أو قرية صعيدية، وبالفعل ما هى إلا أشهر قليلة وتحركت قاطرة التنمية، ممثلة فى مشروعات اقتصادية ضخمة، وشبكة طرق على أعلى مستوى، وما بين هذا وذاك برامج حماية اجتماعية لأول مرة تضم فى كشوفها وقوائمها الأغلبية من أبناء الجنوب.
نهر النيل.. لم يكن هو الآخر بعيدًا عن مسار قطار التنمية، حيث كان له نصيب من المشروعات العملاقة، ومنها مشروع قناطر أسيوط الجديدة، الذى يعتبر ثانى أضخم مشروع مائى بعد السد العالى، وأحد أضخم المشروعات القومية التى نفذتها الدولة فى إطار خطتها لتنمية محافظات الصعيد، وإقامة مشروعات تخدم الزراعة والرى وبتكلفة تجاوزت ٧مليارات جنيه، وأنجزها ٦آلاف مصرى لتخدم مساحة ١.٦٥ مليون فدان, موزعة على ٥ محافظات، أسيوط, المنيا, بنى سويف, الفيوم, الجيزة.
القناطر لها فوائد كبيرة سيشعر بها ويستفيد منها أبناء المحافظات الخمس، أولاها أنه سيؤدى لتحسين الرى فى خمس محافظات تمثل خُمس مساحة مصر.
«يوميات تحقيق الحلم فى أسيوط» يرويها المهندس أشرف حبيشى، رئيس قطاع الخزانات التابع لوزارة الموارد المائية والرى الذى يؤكد أنه: تم الانتهاء من كافة الأعمال بمشروع قناطر أسيوط الجديدة، وننتظر الافتتاح الرئاسى خلال أيام، كما تم الانتهاء من تجارب تشغيل الأهوسة الملاحية التى تسمح بتقليل زمن التقاطر للسفن السياحية، علاوة على الاطمئنان من خلال التجارب على محطة الكهرباء الملحقة بالقناطر والتى تنتج ٣٢ ميجا وات من الطاقة، والطريق أعلى كوبرى القناطر مفتوح فى اتجاهين.
كما تم التأكد من قدرة غرفة التحكم الإلكترونية على تشغيل بوابات القناطر، التى تسهم فى تحسين حالة الرى فى محافظات الوجه القبلى.. حبيشى يضيف، أن مشروع قناطر أسيوط ومحطتها الكهرومائية، يهدف إلى تحسين الرى فى زمام إقليم مصر الوسطى، الواقع خلف فم ترعة الإبراهيمية الذى تزيد مساحته عن ١.٦٥مليون فدان، إضافة إلى تحسين الملاحة النهرية من خلال إنشاء هويسين ملاحيين من الدرجة الأولى، وكذلك إنتاج طاقة كهربائية نظيفة، من خلال محطة توليد كهرومائية بقدرة ٣٢ ميجاوات، وتوفير محور مرورى جديد بإنشاء كوبرى حمولة ٧٠ طنا أعلى القناطر الجديدة لربط شرق وغرب النيل، وتوفير منظومة تحكم على أحدث النظم العالمية للتحكم فى التصرفات والمناسيب.
المهندس مجدى عباس، مدير الإدارة المركزية لمشروع قناطر أسيوط الجديدة، المهندس المقيم بالمشروع، يصف قناطر أسيوط الجديدة بأنها من أهم المشروعات القومية التى تم تنفيذها، بفضل عرق المصريين، ويعد من أضخم المشروعات على مجرى نهر النيل فى خطة وزارة الموارد المائية والرى لإحلال وتجديد القناطر الرئيسية على النيل، من بعد السد العالى، بدأت بقناطر إسنا ثم قناطر نجع حمادى ثم قناطر أسيوط.
عباس يشرح: الأهداف الرئيسية للمشروع ومنها إنشاء ٢ هويس ملاحى بعرض ١٧ مترا وطول ١٥٦ مترا، وغاطس ملاحى دائما طوال العام لا يقل عن ٣ أمتار، وهذا يؤدى إلى سهولة الحركة الملاحية فى نهر النيل، ويتماشى مع خطة الدولة فى استخدام نهر النيل كوسيلة نقل وانتقال للبضاعة والأفراد، إلى جانب توليد طاقة كهربائية نظيفة نتيجة الفائض الذى يتولد من قناطر أسيوط تقدر بـ ٣٢ ميجا وات من خلال أربع توربينات بمحطة الكهرباء، وهو ما يوفر ٢٥٠ مليون جنيه سنويًا كانت الدولة تتكلفها فى المحروقات لتوليد نفس هذه الكمية من محطات الكهرباء الأخرى.
كما تم إنشاء كوبرى علوى يربط شرق النيل بالغرب، بكوبرى عرضه ٢٠ مترا وحمولة ٧٠ طنا، وهذا الكوبرى يستوعب كل المحمولات وكل وسائل النقل، كما أنه على اتساع يسمح باستمرار الحركة الملاحية مع استمرار الحركة المرورية دون تقاطع، كما كان يحدث فى الأهوسة القديمة، عندما كان يتم وقف الحركة المرورية لتشغيل الحركة الملاحية أو العكس، وكان هناك هدف أثناء المشروع وقد تحقق، وهو توفير أكثر من ٣ آلاف فرصة عمل للشباب خلال فترة المشروع، إضافة إلى ٣ آلاف فرصة عمل غير مباشرة فى الورش والمصانع والمكاتب والشركات التى كانت تعمل على المشروع من الخارج، كما يوفر المشروع ٣٠٠ فرصة عمل دائمة لتشغيل وإدارة القناطر.
المهندس مجدى، لفت أن «العاملين فى المشروع بذلوا جهدا متواصلا وكفاحا لإنهاء المشروع، فى ظل الظروف الصعبة التى مرت بها مصر فى عام ٢٠١٣ و٢٠١٤، ويقول: كنا نعمل ٢٤ ساعة لاستكمال المشروع وإنهائه فى الفترة المحددة، والعمالة المصرية تمثل ٩٦ فى المائة من المشروع، والعمالة الأجنبية قليلة جدا».
المهندس مجدى، صمت قليلًا مسترجعًا أصعب اللحظات التى مرت بهم خلال إنشاء المشروع، ثم قطع صمته قائلًا: تعرضنا لمواقف كثيرة صعبة أثناء فترة العمل بالمشروع، ومن أهمها والتى لا يمكن نسيانها، بكاء بعض المهندسين بالدموع عندما تأخرنا فى إنهاء جزء من المشروع حزنا على الوقت الذى ضاع أثناء التوقف.
المشروع كما يقول المهندس مجدى يساهم فى تنمية الصعيد، وعن طريق التحكم فى قناطر أسيوط الجديدة نستطيع التحكم فى كمية المياه إلى ترعة الإبراهيمية ويتم التحكم فيها، وهذا يؤدى إلى تحسين حالة الرى فى المحافظات الخمس ويضمن توفير مياه الشرب والصناعة للمحافظات الخمس التى تمثل الـ٢٠ فى المائة من المساحة الزراعية لمصر، فتوفير المياه فى ترعة الإبراهيمية يجعلها تصل إلى نهايات الترع والأماكن التى لم تصلها المياه، وبذلك نستطيع أن نستصلح أراضى ونزيد من إنتاجية المحصول من خلال توفير المياه المطلوبة للزراعة، كما أن القناطر تساهم فى تنشيط حركة الملاحة النهرية، فكانت محافظة تعانى من مشكلة الملاحة خلال فترة السدة الشتوية، الآن نستطيع استغلال نهر النيل من القاهرة حتى أسوان دون توقف، وهذا يفتح المجال إلى تنشيط حركة السياحة من خلال تنظيم رحلات نهرية من القاهرة إلى أسوان والعكس.
وكشف أنه تم إنشاء المشروع على أحدث النظم الموجودة فى العالم فيما يخص إنشاء القناطر، وتم إنشاء غرفة تحكم إلكترونية فى المبنى الإدارى للأهوسة والبوابات لمتابعة الحركة الملاحية فى الأهوسة، وتتم متابعة دورة الهويس بالكامل، والتحكم فى البوابات من خلال معرفة عدد الفتحات والتصريفات والمناسيب، وبالتالى يمكن التحكم فى كميات المياه، فعند حدوث فيضان مثلا يمكن التحكم فى بوابات الأهوسة كفتحات لمرور المياه، وهذا يضمن فتح بوابات الهويس والمفيض ويمكنها استيعاب أكبر تصريفات تكون موجودة فى النيل، عند حدوث فيضان الغرق عند أسيوط.
محطة الكهرباء جزء مهم من القناطر وكما يقول: المهندس «مجدى» فلها غرفة تحكم منفصلة لمتابعة وتشغيل التوربينات، ويضيف: نحن نستغل أكبر قدرة للقناطر لتوليد الكهرباء، والآن تعمل القناطر بكامل عناصر وأجزاء المشروع، وفى انتظار الافتتاح الرسمى، كما تم تنظيم فعاليات ملتقى سلسبيل النيل للفنانين التشكيليين بمنطقة قناطر أسيوط الجديدة، الذى استمرت فعالياته لمدة أسبوعين، لتسجيل وتوثيق لحظات بناء القناطر من خلال خلط الفن بالهندسة، وهذا الملتقى وثق مراحل الإنشاء وجهد وعرق المهندس والعامل المصرى الذى استطاع إنشاء ملحمة ومشروع قومى مثل قناطر أسيوط، وتم تجميل المنشأ الخرسانى بأيادى ورسومات الفنانين التشكيليين، ونمتلك ألبومات صور توثق كل اللحظات منذ أول لحظة بدأ فيها المشروع حتى الآن.
وواصل: تم تدعيم قناطر أسيوط القديمة ضمن مشروع قناطر أسيوط الجديدة، لإطالة عمرها، لأنه يتم استغلالها الآن كطريق خدمة للقناطر الجديدة، بعدما تم استقطاع جزء منه لمرور الحركة الملاحية، أمام الأهوسة فى القناطر الجديدة، وبالتالى تصبح القناطر القديمة كأثر عمره أكثر من ١١٥ عاما، والتى تتميز بطابع معمارى فريد وموقع استراتيجى مهم بسبب توسطها نهر النيل، حيث صممها المهندس البريطانى السير ويليام ويل كوكس، وهو نفس المهندس الذى صمم سد أسوان.
وأشار إلى أن قناطر أسيوط القديمة دخلت الخدمة عام ١٩٠٣ بعد أن تكلف إنشاؤها ٨٧٠ ألف جنيه إسترلينى، وتشييدها ما بين عامى ١٨٩٨ و١٩٠٣ على نهر النيل، لتحويل مياه النهر إلى المياه المنخفضة فى أكبر قناة للرى فى مصر وهى الترعة الإبراهيمية