أثار مسلسل «الحشاشين»، الذى نتابعه منذ بداية شهر رمضان على قنوات المتحدة، التساؤلات عبر مواقع التواصل الاجتماعى حول الخلفية التاريخية والسياسية لهذه الحركة السرية، وهو ما دفع المشاهدين للبحث والقراءة داخل صفحات التاريخ عن الحشاشين، ومن باب اعتناء «المصور» بقضية التنوير نقدم للقراء كتاب «حركة الحشاشين.. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية فى العالم الإسلامي»، الصادر سنة 1988، للمفكر الدكتور محمد عثمان الخشت، أستاذ فلسفة الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة، رئيس جامعة القاهرة.. وهو الكتاب الذى يقدم فيه قراءة وافية لتاريخ أكثر الحركات فى التاريخ الإسلامى سرية وغموضًا، مستندا فيه إلى تحليل الوثائق التاريخية برؤية منطقية فلسلفية، مستوفياً كل الجوانب، بداية من نشأة الحركة على يد حسن الصباح، والأحداث المواكبة، ثم استعراض التنظيم السرى للحشاشين، ونشاط الحركة فى إيران وسوريا، إضافة إلى الحديث عن منزلة الإمام، والنظام الهرمى للدعاة، ونظام فرقة الفدائيين والعمليات الانتحارية لهذه الحركة السرية.

فالحشاشون ليسوا طائفة من المدمنين الأوباش الذين يضعفون أمام تأثير المخدرات.. كما يقول الدكتور «الخشت»- لكن ترجع التسمية إلى مواقف صمودية كانت تقفها الحركة فى مواجهة ضروب الحصار التى كانت تفرضها عليها الجيوش المضادة لمدد طويلة؛ فكان يصمد رجال الحركة فى قلاعهم حتى بعد نفاد المؤن والأطعمة، معتمدين فى غذائهم فقط على أكل الحشائش.

وبالاطلاع على الأحداث الخارجية المواكبة لنشأة حركة «الحشاشين» وتطورها يتضح أن الحركة ظهرت فى أفق التاريخ الإسلامى من الشرق فى القرن الخامس الهجري- القرن الحادى عشر الميلادى، حينها لم يكن الخليفة العباسي يقبض إلا على خيال من سلطته السابقة، وكانت الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ممزقة، ذلك أن بلاد فارس وما وراء النهر وما يليهما إلى الشرق وإلى الجنوب خاضعة للأتراك السلاجقة، وكان الفاطميون الشيعة فى مصر وشمالى إفريقية، قد توطدت أقدامهم حتى أصبح أمر تنحيتهم بعيدًا عن أن يجول فى خاطر بغداد، وفى الأندلس ظهرت مجموعة من الدويلات الصغيرة على أنقاض الخلافة الأموية، كان يسمى زعماؤها باسم ملوك الطوائف، وكان شمالى الشام وأعالى العراق فى أيدى بعض زعماء العرب المشاغبين، الذين نجح فريق منهم فى تأسيس دول خاصة.. وهذا يعنى أن الفوضى السياسية والحربية كانت ضاربة أطنابها فى كل مكان، والاضطراب السنى الشيعى، هو روح العصر السائد فى ذلك الوقت.

وعن الأصول الأولى لحركة الحشاشين يرجعها «د.الخشت» إلى التيار الشيعى فى الإسلام - ذلك التيار الذى انقسم إلى فرقتين كبيرتين عند موت الإمام جعفر الصادق الإمام السادس سنة 148 هـ، وقد عهد الإمام جعفر بالإمامة إلى ابنه الأكبر إسماعيل، لكن إسماعيل مات أثناء حياة أبيه، وهنا حدث الخلاف بين الشيعة: هل تنتقل الإمامة إلى محمد بن إسماعيل أم من حق الإمام جعفر الصادق أن ينقلها إلى ابن آخر من أبنائه هو موسى الكاظم؟. فساقت مجموعة بقيادة ميمون القداح الإمامة إلى محمد بن إسماعيل، فى حين صرف الإمام جعفر الإمامة إلى ابنه الآخر موسى الكاظم. فكان ذلك هو عقد ميلاد فرقتى الشيعة الرئيسيتين: الإسماعيلية، والاثنا عشرية، فالاثنا عشرية هى التى أيدت إمامة موسى الكاظم، أما الإسماعيلية بقيادة ميمون القداح فقد ساقت الإمامة إلى محمد بن إسماعيل، ثم نجحت الحركة الإسماعيلية والتى تنشق منها حركة «الحشاشين» فى تشييد دولتها فى المغرب الإسلامى، ولكن مع هذا النجاح السياسى الكبير فإنها أخفقت فى نشر فلسفتها وتعميم عقائدها لدرجة أن كل أثر فكرى لها زال بزوال نفوذها السياسي، ولقد بلغ من نفوذ الحركة الإسماعيلية فى إيران آنئذ على المستوى الفكرى أنها خرجت من حيز السرية إلى حيز العلانية؛ ولا أدل على ذلك من الحوار الجدلى الذى دار بين فلاسفتها بشأن بعض المسائل العقائدية؛ حيث اعترض أبو حاتم الرازى فى كتابه (الإصلاح) على بعض ما جاء فى كتاب النسفى المسمى «المحصول»؛ ولم يقف الأمر عند هذا الحد؛ فقام السجستانى بتأليف كتاب «النصرة» ردًا على آراء أبى حاتم الرازى وتأييدًا لآراء النسفي.

كل هذا دفع الحركة للبحث عن أسلوب عمل جديد، فبعد أن فشلت سياسة التفتح والعمل من أجل الهيمنة الفكرية، لم ييق إلا العمل السرى المنظم، وهذا ما فعله حسن الصباح مؤسس الدعوة «الإسماعيلية الجديدة»، أو «حركة الحشاشين».

عندما التحق «الصباح» بالعمل فى بلاط السلاجقة كموظف ومستشار إدارى عند السلطان ملك شاه، لاطلاعه على مختلف علوم عصره النظرية والعملية وهو ما لفت نظر ملك شاه، وأوغر صدر الوزير عليه، لاسيما أن نظام الملك كان سنيًا فى حين أن «الصباح» كان شيعيًا، ومن هنا بدأ الصدام بين نظام الملك و«الصباح»، الذى استمر بعد ذلك أمدًا طويلًا وكانت له عواقب بالغة الأثر.

وعن أسباب خروج حسن الصباح إلى مصر، يشير الكاتب إلى أن خروجه هو تنفيذ للتوجيه الذى وجهه إليه الداعي «عبد الملك بن عطاش»، بعد تضييق السلطات عليه نظرًا لنشاطه الملموس فى الدعوة إلى الإسماعيلية، ونصحه بحضور دروس العلوم الباطنية التى كان يلقيها أكبر الدعاة فى مصر «هبة الله الشيرازي»، ويقابل الإمام المستنصر معلنًا له ولاءه بشكل مباشر، وعندما وصل مصر وجد أن المستنصر اختار ابنه «نزار» خليفة بعده، بينما كان بدر الجمالى أمير الجيوش المصرية يحبذ ويؤيد تعيين ابنه الآخر أحمد المستعلى، فناصر حسن الصباح «نزار»، وهو ما أغضب بدر الجمالى الذى كان مناهضا لنزار، ولم يرض بما كان يبديه المستنصر للحسن من احترام، فعمل على سجنه، ثم طرده من مصر، بعد أن قضى فى مصر ثلاث سنوات تقريبًا، وهناك بعض المؤرخين يذكر أن مدة بقائه فى مصر حوالى ثمانية عشر شهرًا، ولم يطرده فقط، بل أمر الجمالى بنفيه من مصر إلى المغرب العربى عن طريق البحر، فتعرضت السفينة التى كان يركبها «الصباح» إلى الخطر أثناء إبحارها حتى ساقت الرياح والأمواج السفينة إلى عكا، ومنها اتجه إلى حلب، ثم بغداد، وبطبيعة الحال كان يمارس نشاطه فى الدعوة إلى الإسماعيلية الفاطمية أثناء تنقلاته من مدينة إلى أخرى بشكل سرى، حتى حقق بعض النجاح فى هذا الصدد، إلى أن واصل رحلته إلى بلاد فارس.

وظل «الصباح» حوالى تسع سنوات متواصلة بعد رحيله من مصر يمارس الدعوة، ويكتسب أنصارًا جددًا، بشكل سرى جدًا وبأسلوب حذر إلى أبعد الحدود، إلا أن عمليات الاغتيال التى قامت بها حركة «الحشاشين» بدأت بمقتل مؤذن من أهل «ساوة» مقيمًا بأصفهان؛ لأنه لم يستجب لدعوتهم، فأصدر نظام الملك الوزير السلجوقى أوامره بالقبض على القاتل.

ثم بدأت السلطات السلجوقية تنتبه إلى خطرهم، وبناء عليه صدرت الأوامر بتعقبهم مما دفع «الصباح» للتفكير الجدى فى ضرورة الحصول على حصن منيع يحميه هو وأتباعه، فقرروا الاستيلاء على قلعة «آلموت»، وهو ما أغضب السلطان السلجوقي ملك شاه ووزيره ذائع الصيت نظام الملك.

وفى ضوء هذا الانتشار السريع والانتصارات المتوالية لحركة «الحشاشين» فى أطراف إيران الجبلية والصحراوية، وجد ملك شاه السلطان السلجوقى - بإيعاذ من نظام الملك - أنه ما من بد من اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية فى القضاء على النفوذ الآلموتى المتزايد.

إلا أن أحد فدائيى «الصباح» استطاع أن يقتل نظام الملك الوزير السلجوقى والعدو الأول للحركة «الآلموتية»، ويعتبر مقتل نظام الملك هو أول عمل اغتيالى لـ «الحشاشين» على مستوى كبير؛ ثم بدأوا سلسلة من الاغتيالات المتوالية لكبار الشخصيات التى تعارض دعوتهم، من وزراء وقواد وأمراء بل وملوك، وحتى رجال الدين الذين كانوا ينتقدون الحركة لم يفلتوا من أيديهم.

ورغم بعض الاضطرابات فى تيار الدعوة الإسماعيلية إلا أن هذا لم يوقف نشاط «الحشاشين» فى أنحاء إيران، ومن معقلهم «قلعة آلموت»، استطاع حسن الصباح أن يواصل نشاطه، فكان يرسل الدعاة إلى مختلف المناطق الإيرانية، بل أرسل مبعوثيه إلى سوريا، وكان يكلف فدائييه باغتيال الشخصيات التى كانت تجاهر بمعارضة الحركة.. وممن استطاعوا اغتياله فى الفترة من 494 حتى 496 هـ الوزير الأعز أبو المحاسن عبد الجليل بن محمد الدهستانى، وزير السلطان بركيارق على أصفهان، وقتلوا أيضًا أبا المظفر بن الجندى بالرى وكان واعظًا مجيدًا وصديقًا لنظام الملك، وكان الأخير يتردد إليه ويزوره. كما اغتالوا والى بيهق، ومفتى أصفهان، وزعيم فرقة الكرامية بنيسابور، كما تمكن الحشاشون فى بداية سنة 500ه من اغتيال فخر الملك أبى المظفر على بن نظام الملك، وكان أكبر أولاده.

«د.الخشت» فند فى كتابه أساليب «الحشاشين» التى كان يستخدمونها فى إرهاب الناس فيوضح ذلك بالوقائع ومنها ما حدث سنة 515 هجرية عندما كلف «الصباح» فدائييه بعمليات الاغتيال والتخريب للانتقام من معارضيه وإرهاب من يجرؤ على مهاجمته، وقامت مجموعة منهم بحرق جامع أصفهان البالغ العظمة، والذى كان مركزًا للتيار السنى.

وعلى مدى خمسة وثلاثين عامًا- كما يذكر الكاتب- ظل «الصباح»، ممتنعًا فى قلعة «آلموت» معقله الحصين ومركز سلطانه، استطاع منها أن يدير ببراعة دفة دولة صغيرة منشقة على الحكم السني، وهى دولة من نوع خاص، يتمتع فيها زعيمها قبل كل شيء بصفة القائد الروحي، الذى يستند فى سلطانه إلى قوة خفية جبارة قوامها جيش من الدعاة المحنكين والفدائيين المتعصبين، ويهدفون إلى غزو الأذهان والعقول، ويعتمدون على سلاح المؤامرة، ويفتحون الطرق أمام تعاليمهم الباطنية بالخناجر المستورة.

وفى ربيع أول سنة 518 هـ مرض «الصباح» مرض الموت، ولما أحس أنه على أعتاب الرحيل اختار لخلافته «برزك آميد»، الذى قاد حركة الحشاشين للكثير من عمليات الاغتيال التى شملت شخصيات بارزة تتربع على قمة العالم الإسلامى آنئذ، مثل الخليفة الفاطمى الأمر بأحكام الله، والخليفة العباسى المسترشد بالله، بالإضافة لعدد من الولاة وكبار مشايخ أهل السنة، وفى المقابل كان زعماء الحركة رغم اهتمامهم المتزايد بالتجارة يتخذون منها ستارًا لنشر دعوتهم، حيث كان الدعاة يبثون عقيدتهم ويدعون إليها سرًا أثناء رحلاتهم التجارية فى مختلف بلاد العالم الإسلامي.

تطرق أيضا د. «الخشت» إلى الحديث عن نظرية الإمامة عند «الحشاشين»، فوضح أن أول خطوة يقوم بها «الصباح» فى إثبات الإمامة وحتمية التعليم من الإمام هى تصديع سلطة العقل، على أساس أن العقول تختلف فيما بينها وتتوصل إلى آراء متعارضة.. وأن علامة الحق هى الوحدة وعلامة الباطل هى الكثرة.. وإن الإمام هو ممثل الله على الأرض؛ فهو (ظل الله)، و(وجه الله)، و(الإنسان الكامل)، و(رجل الله)، والمحبة الخالصة للإمام تستلزم الطاعة المطلقة له، والتسليم التام لكل ما يصدر عنه من تعاليم... كل هذا يوضح أن «الصباح» كان يستخدم حججا عقلية لإبطال عمل العقل، فهو لا يعترف بقدرة العقل ورغم ذلك يستخدم حججه.

وهناك جانب كبير من الكتاب يكشف خفايا التنظيم السرى لدعوة «الحشاشين»، والنظام الهرمى للدعاة، وأساليب الدعوة ومراحلها ومراحل ارتقاء المستجيب فى درجات التنظيم،

وكانت تختلف مراتب الدعاة فى عهد «الصباح» اختلافًا واضحًا عما كانت عليه من قبل، فقد كانت مراتب الدعاة مقسمة إلى عشر مراتب، يُطلق عليها «مراتب الحدود المؤثرة فى الأنفس»، وهذه المراتب العشر: ثلاث منها كلية هى «الناطق- الأساس- الإمام»، وسبع منها تابعة هي: «الباب- الحجة- داعى البلاغ- الداعى المطلق- الداعى المحصور- المأذون المطلق- المأذون المحصور».. هذه مراتب الدعاة فى الحركة الإسماعيلية التقليدية، ولكن عندما جاء حسن الصباح وأعاد بناءها بما يناسب الوضعية الجديدة فابتكر نظاما تتحدد وفقا له مراتب الدعاة وهو: «شيخ الجبل- كبار الدعاة- الدعاة- الرفاق- الفدائيون- اللاصقون- المستجيبون».. وبعد رحيل الصباح «طرأت تطورات كثيرة على بنية الدعوة».

وبنهاية هذا الكتاب يمكننا النظر بعمق أكثر على حركة الحشاشين كواحدة من أخطر الحركات السرية التى كانت تستخدم الدين شعارا لها فى تغيب العقول، لدرجة أنهم حرقوا المساجد وقلتوا رجال الدين والأبرياء باسم الدين فى سبيل تحقيق مصالحهم السياسية والاقتصادية.

 

elsayda

بوابة الصعايدة

رئيس التحرير: أشرف التعلبي

elsayda
نحارب الفقر- المرض- الامية -الثأر... هدفنا تنوير محافظات الصعيد- وان نكون صوت للمهمشين »

تسجيل الدخول

بالعقل

ليس كافيا أن تمتلك عقلا جيدا، فالمهم أن تستخدمه جيدا