من ديوان (ما لمْ تبُحْ بهِ مريمُ لأحدٍ، ويليهِ متونُ سيّدة)
إهداء : إلى روح سيّدة عيسى الردّيف؛ والدة الأديب والتّشكيلي صبري يوسف.
/
هذا النصّ مقتطف من (متون سيّدة)
*
كمْ أنت بهيّ أيّها الموتُ، لا أحدَ يرى جمالكَ سواي. فاعفُ عن النّاسِ يا سيّدي وجِدْ لهُمُ الأعذارَ فيما يقولُون، فإنّهم لا يعرفُونكَ كمَا أعرفُكَ، ولا يلقونَ بالاً إلى حرفكَ أو حركتكَ. إنهم لا يرونكَ كما أراكَ، وأنتَ تمشي، وأنتَ تبني وتهدِمُ، وأنت تزرعُ وتحصدُ، وأنتَ تُحبُّ وتعشقُ، وتموتُ وتحيَا.
كيف أراك؟
إنّكَ (أنا)، عفواً أردتُ أنْ أقول إنّكَ مُقيمٌ بداخلي زمناً ومكاناً وزمكاناً. إنّكَ أنَا الشّجرةُ التي تتساقطُ أوراقها في كلّ يومٍ ألفَ مرة، وتتجدّدُ خلاياها في كُلّ الفصول. إنكَ أنا الرّبيعُ والخريفُ، وأنا الشتاءُ والصيفُ. إنك تابوتي الذي لنْ أجد عنهُ بديلا، وعصايَ التي بهَا علّمتني كيف يكونُ الموتُ حياةً، وكيف يكونُ سيّدَ الفرحِ والابتهاج.
كيف أراك؟
إنكَ الألفُ، وإنّكَ الياءُ أيضا، أتذوّقُك جسداً حيّا وأتجرّعُكَ دماً هُو كأس منْ نور لا تموتُ شجرتُهُ أبداً. أراكَ في مُعلّمتِي فاطمة وأراكَ في صاحبَتِي مريم، وأراكَ فيَّ تُعلّمُنِي كيفَ أحملُ جمْرَ اللاّهُوتِ بينَ أحشائي، وكيفَ أكونُ شاهدةً على اِسْمِ الحياةِ والأحديّة والقيومية وأنا واقفةٌ أمامَ بابِ السّرِّ، ذاكَ الذي لمْ يُطلِعْ عليهِ مَلكُ المُلوكِ أحداً. وكيفَ أنّ المرأةَ أو الأنثى هي أكثرُ النّاسِ قُرباً منْ لغزكَ يا سيّدِي وسيّدَ عزرائيل؛ لُغْزَيِ الصليب والقيامة، ولغزيِ الفناء ثم البقاء، لذا، فإنَّ روحي تبتهجُ كلّمَا رأتْكَ فيَّ، وكلّما سمعتْ نبضكَ في قلبي، لأنّ في مُعاينَتِكَ ومعرفتِكَ معرفةُ ربِّكَ وربّي الملكَ القدّوسَ، ربَّ الناسِ وربَّ الملائكةِ والرّوحِ.