ومن بوشكين وتأثره ببعض الإبداعات الأدبية العربية والقرآن الكريم وحديث الرسول عليه السلام وسيرته، إلى الكاتب والشاعر الأمريكى إدجار ألن بو، الذى عرض لما يوجد فى بعض أعماله من آثار عربية وإسلامية أيضا د. أحمد محمد البدوى فى كتابه: "أوتار شرقية فى القيثار الغربى" (منشورات جامعة قار يونس بليبيا/ 1989م)، إذ رصد الدكتور البدوى مثلا عَنْوَنة الشاعر الأمريكى إحدى قصائده الهامة، بل أهم عمل شعرى له، بعنوان "الأعراف" (هكذا بنطقها العربى: "ALAARAF")، وخالف النقاد الأمريكان الذين يصرون على أن بو إنما أخذ هذه الكلمة من الشاعر الإنجليزى شيلى، وكأن كلمة "الأعراف" توجد خارج العقيدة الإسلامية أصلا، ومعضدا ما يقول بما كتبه الشاعر ذاته إلى ناشره من أنه قد استمد تلك الكلمة من "أعراف" العرب (ARABIANS) وأنها تعنى عند المسلمين مكانا بين الجنة والنار لا يعانى البشر فيه أى عذاب، إلا أنهم لا يظفرون مع ذلك بنعمة الاطمئنان... إلخ. وبالإضافة إلى هذا رصد الدكتور البدوى فى هوامش القصيدة التى أثبتها الشاعر نفسه بضعة ألفاظ عربية مثل: "Bahar Loth or Almotanaha: بحر لُوط أو المتناهَى" (ص 56- 58).

كذلك رصد البدوى كلمة "Houri: حوريّة " فى قصيدة أخرى للشاعر الأمريكى اسمها: "إسرافيل"، صدَّرها بالجملة التالية: "The Angel ISRAFEL whose heart/ Strings are a lute, and who has/ The sweetest Voice of all creatures/ Koran: الملك إسرافيل (أوتار عوده متخَّذة من نياط قلبه) نياط قلبه عود، من بين أصوات كل الكائنات، فإن صوته هو الأحلى. القرآن"، وهى العبارة التى علق عليها البدوى بأنها لا وجود لها فى القرآن الكريم وأن إدجار أَلِنْ بُو ربما وجدها فى هامش إحدى ترجمات القرآن أو فى كتاب وردت فيه قصة إسرافيل، فظنها آية قرآنية (ص 60). والترجمة للبدوى نفسه، وهى تنطلق من أن العبارة الإنجليزية جملة تامة، على حين أنها ليست كذلك، إذ لا يوجد فيها فعل، وكل ما هنالك أن الشاعر الأمريكى أراد القول بأن تلك العبارة هى من القرآن الكريم. وقد وجدتُ أنا تلك العبارة على المشباك، ولكن فى هامش القصيدة تحت، لا فى تصديرها فوق كما قال الدكتور البدوى. وربما كانت فى النسخة التى رجع إليها فى رأس القصيدة، على خلاف ما وجدتها أنا. أما فى بداية القصيدة المنشورة فى المشباك فيقول بو:

In Heaven a spirit doth dwell

"Whose heart-strings are a lute";

None sing so wildly well

As the angel Israfel,

And the giddy stars (so legends tell),

Ceasing their hymns, attend the spell

Of his voice, all mute.

وغنى عن البيان أن بُو قد اقتطع العبارة المذكورة من بقية الجملة ليشرحها فى الهامش، وهى كما قلت ليست جملة تامة، ومن هنا كان الصواب ترجمتها هكذا: "عبارة "الملاك إسرافيل، الذى نياط فؤاده عبارة عن عُودٍ والذى له أجمل الأصوات بين الكائنات" هى عبارة مأخوذة من القرآن" أو بما يقرب من ذلك. وهذا لا يقلل من الجهد الجميل الذى بذله الدكتور البدوى فى بحثه ذاك. وقدحاول البدوى البحث عن المصدر الذى استقى منه بو معرفته بــ"الأعراف" القرآنية جريا على نهج المقارنين الفرنسيين بوجه عام، أولئك الذين لا يعترفون بأية دراسة مقارنة ما لم يَثْبُت أن ثمة صلة تاريخية بين الأثرين المراد مقارنتهما. وكان رأيه أنه قد يكون استقاها من ترجمة جورج سيل (Sale) أو من أحد المستشرقين الذين يكتبون فى مثل تلك الموضوعات (ص 56- 60. وبالمناسبة فهو يكتب اسم "سيل" على النحو التالى: "سالى"، ولا أدرى لماذا. كما أن بعضهم يكتبه: "سايل"، وآخرون يقولون: "(جرجيس) صال").

وعلى أية حال فما فعله الدكتور البدوى هو جهد مشكور، وإن لم يكن شرطا لازما (كما سبق أن شرحتُ) أن نعرف، وعلى وجه اليقين، المصدر الذى وصل منه العنصر محل البحث إلى الأديب المتأثر، إذ من الممكن جدا ألا نستطيع ذلك أبدا، أو قد يستطيعه من يأتى بعدنا ويقرأ ما كتبناه. ويكفى أن الباحث قد حرك عقولنا ولفت أنظارنا إلى أثر القرآن والإسلام فى شاعر أمريكى مِثْل إدجار ألن بُو ما كان لنا أن نتصور إمكان تأثره بكتاب الله وبالفكر الإسلامى ولغة الضاد التى رصد باحثُنا استعماله فى إحدى قصصه القصيرة لكلمة "arabesque" المأخوذة منها (ص 59). وبالمثل نقل لنا ما رصده آرثر هُوبْسون كُوِين (فى الترجمة التحليلية التى كتبها عن حياة بُو وشخصيته) من هجوم الشاعر الأمريكى (فى هوامش قصيدة "الأعراف") على نظيره الإنجليزى جون ميلتون لتجسيده الله فى أشعاره، مما عده كُوِين بحقٍّ عُدُولا من بُو عن التصور النصرانى له سبحانه واقترابه من الآفاق التجريدية للتوحيد (ص 61)، وهو ما يمكننا، فى ضوء ما لمسناه من معرفة إدجار أَلِنْ بُو لبعض الأمور العقيدية الدقيقة فى القرآن الكريم، أن نعزوه، دون أن نُتَّهَم بالشطط، إلى مؤثرات إسلامية.

وهناك محاضرة على جانب كبير من الأهمية ألقاها عام 1981م فى ندوة بكلية الآداب بجامعة الخرطوم د. عبد الله الطيب عن "أثر الأدب العربى فى شعر ت. س. إليوت"، وتتلخص فكرتها فى أن الشاعر الإنجليزى المعروف قد تأثر فى شعره، وبالذات فى أشهر قصائده، وهى "الأرض الخراب"، بالشعر الجاهلى فى وقوفه على الأطلال الخربة المقفرة رغم عدم ورود أى ذكر للعرب والمسلمين فى التعليقات التى ذيل بها إليوت قصيدته، فى الوقت الذى كان حريصا على الإشارة إلى كل ما أخذه من هذه الأمة أو تلك أو من هذا الكتاب المقدس أو ذاك، وهو التجاهل الذى أثار الدكتور الطيب ودفعه إلى تقصى البحث فى تلك المسألة، إذ عز عليه أن يتجاهل إليوت ثقافة العرب والمسلمين كل هذا التجاهل وكأنها لم تكن إحدى دعائم النهضة الأوربية.

ورَأْى الدكتور الطيب هو أن إليوت قد استوحى الروح العام لقصيدته من معلقة لبيد بن ربيعة. ذلك أن الشاعر الإنجليزى من بريمستون، وبريمستون دائمة المطر والخضرة، فلا شأن له إذن بالأرض الخراب، اللهم إلا إذا كان قد قرأ معلقة لبيد، التى يبدأ صاحبها كلامه بوصف بعض المواقع التى أصبحت خربة مقفرة بعد أن غادرها أهلوها.بل إنه فى الصورة التالية من قصيدته المشار إليها: "April is the crulest month breeding lilacs" إنما يتابع لبيدا فى تصوره للربيع الذى يسقط فيه المطر ويزدهر النبات، مثلما يتابعه كذلك فى وصف فَصْلَىِ الصيف والشتاء. وعلى نفس الشاكلة يرى الدكتور الطيب أن الشاعر الإنجليزى يحتذى امرأ القيس أيضا حتى فى الواقعة الماجنة التى ذكر فيها أنه دخل الخدر على عنيزة فاشتكت جرأته وتهوره وحذرته بأنه إذا لم يكفّ عن عبثه ذاك فإنه مُرْجِلها عن بعيرها عما قليل. ولم يكتف الأستاذ الدكتور برصد هذه التشابهات بين إليوت وبعض الشعراء العرب الجاهليين، بل مضى فتحدث عن ترجمة المعلقات قبل إليوت إلى الإنجليزية على يد السير وليم جونز، الذى لم يكتف بالترجمة بل صدَّر كل معلقة منها بمقدمة تحليلية، كما كتب دراسة بالفرنسية عن لبيد وامرئ القيس وغيرهما من شعراء العرب والمسلمين، فوق ما وضعه من مؤلفات عن ديانة الهندوس والمقارنة بينها وبين الإسلام. ومن شأن هذه الكتابات أن تلفت انتباه إليوت، الذى كان مهتما بالسنسكريتية (لغة الهندوس) وما يتعلق بها. وأى شىء يتعلق بها أشد مما كتبه جونز فى المقارنة بين ديانة الهندوس ودين الإسلام؟ علاوة على أن إليوت كان يتردد على ذات المكتبة التى تضم بحوث جونز فى الأدب العربى، وكذلك ترجمته للمعلقات. بيد أنه، رغم ذلك كله، كان حريصا على إبراز أصالة فكره ومصدر إلهامه وأنه لا يدين للعرب والمسلمين بشىء انطلاقا من التعصب الدينى والقومى لديه حتى لقد تجاهل عن عمدٍ الإشارة إلى اثنين من الشعراء الإنجليز الذين تأثر بهم تأثرا لا يمكن إخفاؤه، هما وولتر ديلامير ووردزورث، وذلك إمعانا منه فى التنكر لفضل العرب، إذ إن كلا من هذين الشاعرين قد ذكرهم فى الصورة التى أخذها إليوت عنه. بل إنه، إمعانا منه فى التضليل والتجاهل، قد أشار إلى أنه إنما أخذ صورته التالية: "And the dry stone (gives) no sound of water" من سفر "حزقيال" رغم أنها لا وجود لها فى السفر المذكور بل فى القرآن الكريم، وذلك فى قوله تعالى: "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" (البقرة/ 74). وواضح مدى التشابه بين النصين.

هذا ما جاء فى كتاب "فصول من الأدب المقارن" للدكتور شفيع السيد، وقد علق د. شفيع بأنه ينبغى أن تكون هذه المحاضرة وما جاء فيها عن إليوت وإمكان تأثره فى شعره بمصادر عربية وإسلامية منطلقا لمراجعة مسلماتنا عن كثير من الشعراء الأوربيين، فلعلهم قد تأثروا بتراثنا وآدابنا، على أن يكون الفيصل فى هذا كله هو التأكد من وقوع مثل ذلك التأثر فعلا لا القفز من مجرد التشابه إلى القول بالتأثير دون برهان (ص 121- 127). وهذا كلام متزن تمام الاتزان، إلا أنه لا ينفى عن محاضرة الدكتور الطيب أنها من الأدب المقارن فى الصميم، إذ ليس بلازمٍ أن تكون هناك صلة بين الأدَبَيْن أو النَّصْين أو المُبْدِعَيْن اللّذَيْن نريد أن ندرسهما دراسةً مقارِنةً كما تشترط المدرسة الفرنسية بوجه عام، بل يكفى مثلا أن نلمح فيهما تشابها أو تناقضا أو ما إلى ذلك مما من شأنه أن يبعثنا إلى القيام بمثل تلك الدراسة، وهو ما فعله هنا الدكتور الطيب، وسواء بعد ذلك أَثَبَتَ مثلُ ذلك التأثير أم لا.

وأخيرا فلعل من المفيد أن يرجع القارئ إلى ما جاء عن مصادر القصيدة الإليوتية فى المقال الخاص بها فى الموسوعة المشباكية "ويكيبيديا: Wikipedia"، وعنوانه: "The Waste Land"، ولسوف يرى بنفسه صحة ما نبّه إليه الدكتور الطيب من أن لا توجد أدنى إشارة إلى أى شىء عربى أو إسلامى بين تلك المصادر. بل إن فى نهاية الكلام إشارة إلى أن إليوت قد استوحى فكرة "الأرض الخراب" من الدراسة التى قامت بها جيسى ويستون فى كتابها: "From Ritual to Romance" عن نفس الموضوع فى الأساطير الكِلْتِيّة. والآن أترك القارئ مع الأبيات الأولى من "الأرض الخراب" التى أشار الدكتور عبد الله الطيب إلى أن إليوت قد تأثر فيها ببعض شعراء الجاهلية:

April is the cruellest month, breeding

Lilacs out of the dead land, mixing

Memory and desire, stirring

Dull roots with spring rain.

Winter kept us warm, covering

Earth in forgetful snow, feeding

A little life with dried tubers.

Summer surprised us, coming over the Starnbergersee

With a shower of rain; we stopped in the colonnade,

And went on in sunlight, into the Hofgarten,

And drank coffee, and talked for an hour.

Bin gar keine Russin, stamm' aus Litauen, echt deutsch.

And when we were children, staying at the archduke's,

My cousin's, he took me out on a sled,

And I was frightened. He said, Marie,

Marie, hold on tight. And down we went.

In the mountains, there you feel free.

I read, much of the night, and go south in the winter.

What are the roots that clutch, what branches grow

Out of this stony rubbish? Son of man,

You cannot say, or guess, for you know only

A heap of broken images, where the sun beats,

And the dead tree gives no ************************ter, the cricket no relief,

And the dry stone no sound of water

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 80 مشاهدة
نشرت فى 8 سبتمبر 2015 بواسطة dribrahimawad

عدد زيارات الموقع

33,962