الصحافة وأجهزة الإعلام وحرية التعبير
أ.د. ماهر الصواف
نص دستور مصر الصادر عام 1971 على ان الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها بحرية وفي استقلال في خدمة المجتمع بمختلف وسائل التعبير في إطار المقومات الأساسية للمجتمع واحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين . كما نص علي أن حرية الرأي مكفولة ، ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة وأن النقد الذاتي والنقد البناء ضمانه لسلامة البناء الوطني
كما أكد دستور 2012 علي حرية الصحافة ويحظر اغلاقها أو مصادرتها إلا بحكم قضائي ، وأن حرية الفكر والرأي مكفولة ، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه .
أيضا نص دستور مصر 2014 علي هذه الحرية وأكد علي حرية النشر الورقي والمرئي والمسموع والإلكتروني ، وأن لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر
وعلي ذلك يتسائل البعض عما إذا كانت الصحافة وأحهزة الإعلام هي سلطة رابعة، وجاء الفيلسوف الإنجليزي (إدموند بروك) وأعلن الاعتراف بنفوذ الصحافة وسماها السلطة الرابعة حيث قال: «ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا».
و كتب المفكر (ستيوارت ميل) عن تطبيق المبادئ العامة لحرية التعبير قائلاً : إذا كان البشر أجمعون متفقين على رأي معين وظهر بينهم شخص واحد له رأي مغاير فليس للبشر مبرر لإسكاته تماماً كما ليس من حق هذا الشخص الواحد إسكات البشر.
ورغم أهمية حرية التعبير والضمانات الدستورية لحرية الصحافة وأجهزة الإعلام إلا ان إساءة استخدام هذه السلطة يشكل خطورة كبيرة في توجية الرأي العام والتأثير سلبا علي ثقافة المجتمع والسلوك والاتجاهات وعلي أخلاقيات وقيم المجتمع والعلاقات الأسرية بل وعلي تقدم المجتمع وتصحيح قراراته التنموية .
وهنا نتساءل هل حرية الفكر والتعبير عن الرأئ مكفوله لكل المصريين وهل يتم إتاحة الفرصة للمصريين لنشر آرائهم وأفكارهم في الصحافة وأجهزة الإعلام المختلفة مع وجود سيطرة لعدد من رجال الإعلام والساسة ورجال الدين علي بعض القنوات الفضائية ؟
فمن الملاحظ انه مع تملك البعض للصحف وللقنوات الفضائية أصبح من الصعوبة إعمال النصوص الدستورية حيث تلاحظ أن هناك سيطرة وتحكم في المحتوي الإعلامي والسماح فقط بعرض وتقديم ما يتفق مع أغراض الملاك وأهوائهم ويتم وحجب كافة الأفكار والآراء حول كثير من القضايا إذا تناولت بعض النقد والتحليل وكشف الجوانب السلبية فيما يقدم من أفكار وموضوعات وما يصدر من قرارات أو قوانين منظمة للمجتمع .
وهنا نتساءل : كيف يمكن إتاحة حرية التعبير والفكر في ظل سيطرة البعض علي وسائل النشر الورقي أو المرئي أو المسموع والسعي إلي تجنب النقد البناء ؟ لقد أدي ذلك إلي عزوف الكثير من العلماء والمفكرين عن المشاركة في البرامج التلفزيونية في الغالبية العظمي من القنوات المصرية أو نشر أرائهم وتحليلاتهم الموضوعية في الصحف المصرية . وقد أدي ذلك إلي توجه أجهزة الإعلام نحو البحث عن أفراد غير متخصصين يجيدون النفاق والتعليق علي الأحداث دون ادني نقد او تحليل موضوعي ومخلص .
ولا شك ان عجز أجهزة الإعلام المختلفة في تقديم موضوعات تساعد علي التقدم والتنمية والتعبير عن مشاكل المجتمع وتقديم المقترحات لحلها يعود لضعف دور المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة ، فقد نص دستور مصر 2014 علي إنشائهما وأوكل لها وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الإعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ علي حيادها وتعدديتها وتنوعها ومنع الممارسات الاحتكارية.
وعلي حق يشير الكاتب عبدالفتاح عبدالمنعم بجريدة اليوم السابع أن الإعلامين بارعون فى النميمة فقط، وأنصاف الموهوبين هم الأكثر ثرثرة فى سوق الإعلام، فلا يمر يوم من دون كذبة جديدة فى مجتمع الفضائيات، ولا تمر ساعة دون أن تخرج شائعة عرجاء فى محاولة لإفساد السوق، وسعيا لتعطيل حركة التطوير فى إعلام القطاع الخاص بفضائياته وصحفه المختلفة، وفى العادة تخرج هذه الشائعات مباشرة من رجال أعمال من ملاك بعض المؤسسات الإعلامية
وأخيراَ يجب أن نسلم بأن حرية الصحافة وأجهزة الإعلام تعتبر مفهوماً شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم ، لاسيما وأن إحكام السيطرة على المعلومات وصانعيها ومروجيها في العصر الحديث يعتبر، لمعظم الحكومات، من أهم الأمور ، إلا انه من الأهمية يجب ان يهتم المشرع بإعادة النظر في القواعد المنظمة لهذه الأجهزة وبما يضمن الحياد والموضوعية وإتاحة النقد البناء والبعد عن النفاق وسطحية التحليل الصحفي والإعلامي .