غياب الوعي بحقوق وكرامة الغير
د. محمد ماهر الصواف
أتساءل أحيانا هل التعدي علي حقوق الإنسان وكرامته أصبح سلوكا مجتمعي مقبولا في مصر ؟ رغم أن غياب الوعي بحقوق وكرامة الغير لا يخلو منها أي بلد إلا أننا نلاحظ أن العنف المعنوي والجسدي وسوء المعاملة بين الناس في مصر أصبحت ظاهرة منتشرة بشكل ملفت للنظر سواء داخل المدارس أو في المنازل ، وبعد أن كان الاحترام بين الناس في مصر والمحافظة علي حقوق الغير هو السائد في كل تعاملاتنا ، إلا أنه للأسف افتقدنا الكثير من هذا السلوك وأصبح التعدي علي الحقوق والبلطجة والصوت العالي واستخدام العبارات الجارحة ظاهرة تنتشر بين الشباب والأفراد، ونشاهد يومياً سلوكيات الاستهزاء والسخرية والاستخفاف برأي الغير في الجامعات وأماكن العمل المختلفة . ومن العجيب اننا نجد من الشباب من يتباهى ويفخر بصوته العالي وممارسة البلطجة والتعدي علي الغير اعتقادا منه أن ذلك من سمات القوة.
ولا شك أن ممارسة هذه السلوكيات بين الموظفين بالأجهزة الحكومية ورجال الشرطة وفي مواجهة المواطن من أهم الأسباب لافتقاد الثقة بين السلطة السياسية وأفراد المجتمع وتدفع المواطن إلي الميل للسلبية وعدم المبالاة حيث أن البعض من رجال الشرطة يستخدمون ألفاظ جارحة في تعاملاتهم مع المواطنين غير مدركين بحق كل إنسان في أن يتعامل بما يحفظ كرامته وحقوقه ، وقد نسمع أحيانا عبارات تسئ إلي المجتمع المصري مثل : "شعب يخاف ميختشيش.
لذا تعد حقوق الإنسان وحرياته وكرامته من القضايا الهامة التى يوليها العالم اهتمام خاص ، ويرجع هذا الاهتمام إلى الإدراك بأن الإنسان هو حجر الأساس فى بناء التقدم وأن التعدي على حقوقه وإنسانيته لا تجعله قادر على الفكر والإبداع والعيش فى استقرار وسلام فقط ، بل قد يؤدى التعدي على النفس مادياً أو أدبياً والإحساس بالظلم واليأس من إعادة الحقوق إلي استخدام العنف والاتجاه نحو التطرف بصوره المختلفة.
ومن هذا المنطلق ومنذ ظهور المجتمعات الإنسانية يجرى دائما نقاش متواصل حول حقوق الإنسان لتحديد محتواها، وبالفعل ساهمت عوامل تاريخية عديدة في بلورة مفاهيم حقوق الإنسان، منها ما يعود إلى الفلاسفة والمفكرين، ومنها ما يعود إلى نتاج بعض الثورات، ومنها ما يعود إلى الفكر الديني.
ويجب أن نسلم أن البصمة التي وضعها الفكر الإسلامي على روح حقوق الإنسان واضحة، وهو بذلك يشارك جميع الحضارات في ولادة المفاهيم المعاصرة. لقد جاءت الشرائع والرسالات بهدف أساسي، هو إقرار العدل والمساواة والمحافظة علي حقوق وكرامة الإنسان ، وأتى ذلك عن طريق إطلاق قيم أخلاقية تتناسب وتتساوى مع جميع البشر، وهذا ما يكسب منظومة حقوق الإنسان بعدها العالمي .
لقد كفل الإسلام للإنسان حقوق أساسية فمن حقه أن يعيش محترماً - في كلمته وفي رأيه وفي بيته وفي ماله لا يعيش خوفاً ولا بطشا ولا إرهاباً ولا تخويفاً ، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ وتوضح هذه الآيه الكريمة أن للبشر جميعاً ، بغض النظر عن الاختلاف في الأصل، أو الجنس، واللون ، والعقيدة، والطبقة الاجتماعية.. الخ كرامة متأصلة في الطبيعة البشرية . ولضمان هذه الكرامة المتأصلة بالذات الإنسانية وتقديراً لها تحتم إشاعة العدل والمساواة وتأمين حق كل إنسان في الأمن الشخصي والعمل علي عدم تعرضه لأي اعتداء مادي أو معنوي ،وعلي حق تعــرف الأمــم المتحــدة حقــوق الإنــسان بأنهــا " هــي الحقـوق الأصــيلة واللـصيقة فــي الطبيعــة البشرية، بدونها لا يمكن للفرد أن يحيا كإنســــــان، فهي تحقق له الكرامة والحرية وتمنحـه إمكانيـة إبـراز قدراته وتحقيق حاجاته الروحية والمادية.
ومن هنا يجب أن تولي الحكومة اهتماما خاصا برفع الوعي باحترام الحقوق والمحافظة علي كرامة الإنسان ووضع البرامج التعليمية والإعلامية لنشر هذا الوعي بين المواطنين والاهتمام بعقد الدورات التدريبية في مجال حقوق الإنسان للعاملين في الأجهزة الحكومية وإبراز أهميتها كأحد أهم مقومات تقدم المجتمع وتنميته.