دور أو وظيفة الدولة وفق المذهب الاجتماعي
د. محمد ماهر الصواف
تختلف وظيفة الدولة، و مدى تدخلها، في النواحي الاقتصادي والاجتماعي باختلاف المذاهب السياسية التي تعتنقها كل دولة. و المذهب السياسي، في الحقيقة، يعكس من الناحية السياسية مجموعة من القيم و الأفكار أو مجموعة من الإيديولوجيات التي تقدم تصوراً لكيفة أداء الدولة لأهدافها ، ويحدد الوسائل اللازمة لنقلها من البنية الفكرية البحتة إلى البنية القانونية و الحركية في إطار الدولة.
و في هذا الإطار يمكننا أن نلاحظ وجود ثلاثة من المذاهب السياسية التي سادت أو لا تزال تسود في عالمنا، حددت دور أو وظيفة الدولة وفقاً للتصورات المنبثقة عن إيديولوجيات هذه المذاهب و هي :
<!--المذهب الفردي أو الحر
<!--المذهب الاشتراكي أو الماركسي
<!--والمذهب الاجتماعي
وسنكتفي هنا بالتعرض فقط بدور الدولة وفقا للمذهب الاجتماعي ، فنتيجة للتطرف الذي ظهر فى المذهبين الفردي والاشتراكي ظهرة رؤى فكرية جديد تحاول تأخذ بحلول وسط بين المذهبين السابقين كمحاولة لعلاج نقاط الضعف فى كل منهما، وخرج مذهب جديد وهو المذهب الاجتماعي الذي اطلق علية رئيس وزراء الحكومة البريطانية ( الطريق الثالث ) الذي يعد الأكثر انتشارا في الوقت الحاضر بل توجد أحزاب سياسية في الديمقراطيات الفردية تستمد إيديولوجيتها من هذا المذهب، أي ان هذا الطريق يمكن ان نطلق علية الديمقراطية الاجتماعية وهي وسط بين إطلاق الحرية لنشاط الأفراد دون قيود وتحديد نشاط الدولة في مجالات معينة وفقا للمذهب ألفردي ومن جانب آخر اتاح للدولة الحق فى التدخل في لمجالات التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها او لا يرغب هذا القطاع فى ممارستها لانخفاض العائد.
وهكذا وفقا للمذهب الاجتماعي يجب علي الدولة ان تتدخل فى الاقتصاد الحر وفقا للفكر الاشتراكي فى الحالات التي يعجز عنها القطاع ألفردي وفى نفس الوقت تعمل عل المحافظة علي الحرية الاقتصادية والسياسية أي ان المذهب الاجتماعي يمزج بين المذهبين. ويلاحظ ان هذا المزج يختلف من دولة إلي أخري،ويمكن القول أنه لا يوجد نمط موحد للمذهب الاجتماعي. وعلي ذلك لا يمثل المذهب الاجتماعي مذهبا واحدا أو اتجاه فكري واحد بل هو يعبر عن عدة اتجاهات فكرية.
ويجب التأكيد أن المذهب الاجتماعي ظهر ليعطي حقوق الأفراد دون أن يقيدها أو ينقص منها ولكن ينظمها ويبين شروط ممارستها على أساس أنها منح قانونية وليست حقوق طبيعية مقدسة.
كما أنه أقر حق الدولة في التدخل في بعض الأنشطة التي وفقا للمصلحة العامة. ومن خلال هذه الحيثيات يمكن القول بأن في ظل المذهب الاجتماعي دور الدولة إيجابي وليس مجرد دور سلبي كما هو الحال في المذهب الفردي (الدولة الحارسة) إلا انه لا يرقى إلى مستوى الدولة الاشتراكية.
وهكذا أصبحت الدول الاجتماعية تضطلع بعدة وظائف أساسية وهذا التوجه منتشر في دول العالم الثالث التي تحاول اقتلاع شعوبها من مظاهر التخلف (فقر- بؤس – حرمان) ومن هنا تظهر اهمية التعرف علي أهم الأفكار التي قدمتها التيارات و المذاهب الفكرية فيما يتعلق بوظيفة الدولة وكيف حاولت هذه المذاهب التوفيق بين مهام ووظائف الدولة والتوازن أو التوفيق بين السلطة والحرية ويمكن تحديد أهم الوظائف التي تقوم بها الدولة فى غالبية الدول النامية كالأتي:
<!--وظيفة حماية الدولة من أي إعتداء خارجي وهو من الوظائف الأساسية التي تقوم بها كافة دول العالم لذا فقد أنشأت الدول عامة قوات عسكرية مدربة علي شئون الحرب وحراسة الحدود برا وجوا وبحرا، وتقوم بتجهيزها بأحدث الاسلحة والمعدات العسكرية.
<!-- الحفاظ علي الأمن على المستوى الداخلي فإذا كان للدولة أن تعيش دولة مستقلة وذات سيادة فإن واجبها الأول ان تحافظ علي الأمن والنظام العام وتعمل علي المحافظة علي سلامة الأفراد وممتلكاتهم وأموالهم. وعادة تقوم الدولة من خلال سلطتها التشريعية بوضع القوانين العامة لتنظيم سلوك وتصرفات مواطنيها وتقوم السلطة التنفيذية بتنفيذ هذه القوانين حيث تنشأ الدول جهاز إداري يطلق عليه ( الجهاز الإداري للدولة) لتنفيذ القوانين والمحافظة علي النظام العام فى الدولة . ويلاحظ ان المحافظة علي النظام العام لا تنفرد بها اجهزة الشرطة ، انما يشاركها عديد من أجهزة الدولة ألمختلفة فعلي سبيل المثال تقوم وزارة الصحة برقابة الأغذية وضبط حالات الغش فيها، أيضا تراقب وزارة الاسكان والمرافق إنشاء المباني وضبط المخالفات فى هذا ألشأن كذلك تقوم أجهزة الإدارة المحلية بتنظيم المباني والتأكد من توافر الشروط الوارده فى القوانين المتعلقة بالبناء وتقديم المخالفين للقضاء لتوقيع العقوبات الواردة فى قوانين ألبناء وتكلف عادة وزارة الصناعة بضبط النشاط الصناعي والتجاري لمنع الغش وتقليد المنتجات دون ترخيص وأوجه التلاعب الآخري المختلفة.
<!--وتحرص كافة الدول علي انشاء مرفق القضاء الذي يتمتع بالاستقلال الكامل. وانطلاقا من مبدأ الفصل بين السلطات استقل هذا المرفق وشكل السلطة القضائية بجانب السلطة التشريعية والتنفيذية وتوكل إليه وظيفة العدالة والفصل بين المنازعات.
بالإضافة إلي الوظائف التقليدية السابقة تقوم الدولة النامية بالتدخل في مجالات اقتصادية ، واجتماعية عديدة ، وتوسعت وظائفها وتضخمت بدرجة كبيرة حتي اصبح يطلق عليها (دولة الخدمات او دولة الرفاهية ) علي سبيل المثال:
<!--المرافق الأساسية من مياه صالحة للشرب، والكهرباء، والصرف ألصحي والطرق والمواصلات العامة. أيضا تقدم الدوله عديد من الخدمات الآخري التي قد تختلف مداها وحجمها من دولة لآخري وفقا لما تقتنعه الدولة من فلسفة سياسية مثل: خدمات التعليم ألمجانية والصحة الوقائية وأحيانا العلاجية ألمجانية والتأمينات الاجتماعية،وخدمات الضمان الاجتماعي والتي تسعي الدولة من خلالها الي تحقيق قدرا من العدالة الاجتماعية.
أيضا تقوم الدولة بتنظيم الاقتصاد القومي وتوجيهه حيث تعمل الدولة علي تحسين وتنمية النشاط الاقتصادي،
<!--وتعمل علي تنظيم المنافسة ، ومنع الاحتكار، ومراقبة الأمن الصناعي ، وحماية العاملين بالمؤسسات الخاصة.
<!--تشجيع الاستثمار السياحي ، والصناعي ، والتجاري
<!--غير ذلك من الوظائف التى تهدف الي تحقيق التنمية الصناعية والتجارية مثل : إنشاء المناطق الحرة ، والمدن الجديدة ، دعم المشروعات الصغيرة ، انشاء البنوك المتخصصة لدعم النشاط الزراعي ، والصناعي