الحوكمة وشرعية اختيار بدائل السياسات العامة
أ.د. ماهر الصواف
اشارت الدراسات التي قامت بها بعض المؤسسات الدولية بصفة خاصة البنك الدولي .. إلي أنه من أهم الأسباب التى أدت إلى عدم نجاح سياسات الإصلاح الاقتصادي بالدول النامية هي إنها تفتقد إلى التطبيق السليم لعناصر الحوكمة
وقد ظهر مفهوم الحكم الرشيد (الحوكمة) منذ عام 1989 فى تقارير البنك الدولي باعتبار أن هذا الفكر من العوامل الأساسية التى تساعد على تحقيق التنمية الشاملة، ومحاربة الفساد فى الدول الأفريقية وإقامة الديمقراطية من خلال تطبيق مفهوم العدالة والمساواة ، وليس فقط ألرشاده الاقتصادية،
وينظر البنك الدولي للحوكمة على أنها : الوسيلة التى يجب أن يتم بها ممارسة السلطة فى إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية اللازمة للتنمية.
ويحدد تقرير التنمية فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الصادر من البنك الدولي تعريف الحوكمة بأنها تعنى : " ممارسة السلطة بأسم جمهور من الناخبين بما فيها انتقاء الأشخاص الذين يمارسونها واستبدالهم ، ويوضح التقرير أن الممارسة يجب أن تكون بأساليب تحترم استقامة وحقوق وحاجات جميع المقيمين ضمن حدود الدولة " .
كما تعرف الحوكمة :على أنها " قدرة الحكومة على عملية الإدارة العامة بكفاءة وفاعلية وبحيث تكون خاضعة للمساءلة ومفتوحة لمشاركة المواطنين ، وتدعم من النظام الديمقراطي للحكومة " . وهكذا فالحوكمة تجعل الحكومة ملتزمة بتوفير مظاهر الشفافية فى مؤسسات صنع القرار وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بسيادة القانون واعتماد آليات المساءلة والمحاسبة فى مواجهة السلطات العامة ، وقدرته على تعزيز قيم المشاركة واحترام حقوق الإنسان ومكافحة الفساد.
ويجب التوضيح هنا ان مفهوم المساءلة يختلف عن المحاسبة في كون الأولي تتطلب ضرورة الإفصاح عن مبررات وأسباب ما يتم اتخاذه من قرارات وسياسات وإنها هي البديل الأمثل لتحقيق الخير والصالح العام ، اما المحاسبة تعني اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق مع كل من تسبب في الإضرار بالصالح العام وتوقيع العقاب المناسب عليه.
ومن هنا ينظر البعض إلى أن الحوكمة ترتبط بشكل أو بآخر بمفهوم " الشرعية Legitimacy "والتي يعني توافر القبول والاقتناع من غالبية افراد المجتمع بدور السلطات الحاكمة بالدولة في تحقيق الصالح العام وأن ما تتخذه من القرارات والسياسات العامة يتفق مع الإرادة العامة للمجتمع واحتياجاته الفعلية والحقيقية ، ومن ثم فإنه من الواجب طاعتها ودعم جهودها والوقوف بجانبها ضد اي محاولة للتشكيك في سلامة قراراتها .
وتتولد الشرعية من خلال الحوكمة نظرا لكونها تمكن أفراد المجتمع ومنظماته السياسية والمدنية من التعرف علي مبررات السياسيات العامة و القرارات الحكومية وانعكاساتها علي المصلحة العامة ، وذلك من شأنه ان يوفر مستوي مناسب من الرضا العام والثقة بين الحكومة وبين أفراد المجتمع، وتحفيزهم علي الوقوف بجانب القيادات السياسية والحرص علي المشاركة في التنفيذ الفعال لهذه السياسيات والمحافظة علي نتائجها ،
وعلى ذلك يمكن القول ان الحوكمة تعد عقد اجتماعي جديد بين الحكومة والمجتمع يضمن الدعم المجتمعي والرضا العام للجهود الحكومية ويساعد علي الحد من الفساد واستغلال أفضل لإمكانات وموارد الدولة ، وإدارة أكثر رشاده لشئون الحكم ، ويضمن بذلك الحفاظ على الاستقرار السياسي .