الشيخ مصطفى الغلاييني
إنّ الرجل العاقل مَن يصبر على الخطوب*، و يقابلها رابطَ الجأش*، ولا يقابلها مشدوهاً*، لا يستقرّ على حال من القلق.
و النفس العاقلة، فيها ملكة التؤَدة* و التأنّي، فهي تسعى هادئة لتزيل ما ألمّ بها من الخطب*، و تدفع عنها عادية المحن*.
أما النّفس الجاهلة، فهي دائمة الاضطراب لكل خطب ينزل، و إن كان يسيراً، لأنها تعتقد أن لا قبل لها بتلقِّيه، و لا طاقة لها بدفعه، فهي لا تستطيع التملُّص منه و لا تقدر على التفصِّي من عاديته*.
و هذا هو الفرق بين النفسين.
فكن، أيها الناشئ، ذا نفس عاقلة صابرة، و ذالك بتعويدها اكتسابَ الفضائل، و نبذ الرذائل و التحلِّي بالكمالات الإنسانية، و التجمُّل بحِلى الرجولية، و ذالك يسيرٌ على من هداه الله النزوع إلى الفضيلة*، فنزع عنه رداء الرذيلة، فلم يعط النفس الصامتة هواها*، و لم يسلب النفس الناطقة مناها*، فخرج بذالك من مرتع الحيوانية، إلى بيئة الإنسانية*.
و الله يجزي الصابرين على تهذيب النفس، و يرفعهم إلى مقام المهتدين، عن منزل الَّلبس*.
فإلى الصبرعلى تهذيب نفوسكم أدعوكم، فإن عاقبة ذالك نجاح الدارين، و سعادة الحياتين، و الفوز بالحسنيين.
-----------------------------------
الخطوب: الأمور شديدة كانت أم غير شديدة، و المراد بها هنا : الأمور العظيمة.و مفردها: خطب
الجأش: النفس، رابط الجأش: ثابت النفس، شجاع
مشدوهاً: متحيراً
ملكة التؤَدة: صفة (التُّؤَدَة): التأَني فِي الأَمر
ما ألمّ بها : نزل بها
عادية المحن: ما ينزل من المصائب
التملُّص: التَّخَلُّصُ
التفصِّي: التملُّص، التَّخَلُّصُ
النزوع: الميل
النفس الصامتة: الجاهلة
النفس الناطقة: العاقلة
بيئة : حالة، منزل
منزل الَّلبس: بفتح اللام: الحيرة و التباس الأمور