مصطفى الغلاييني
لم أرَ بين الخِلال* القبيحة، و الصِّفات الضَّارّة - التي سرتْ في الأمّة سريانَ الكهرباء في الأجسام - خلّة أقبحَ، و لا صفة أشنعَ، ِمن داء النفاق.
ذلكَ الداء الوبيل*، و المرض الفتَّاك*، أكثرُ ضرراً بالأمّة من ألدِّ أعدائها، الذين يتحينون الفُرص للانتقاض* عليها، و انتقاص بلادها من أطرافها.
إن العدوَّ المهاجم، إذا رأته الأمّة تهيَّأتْ لدفع أذاه، و صدِّ غاراته، بما هو عتيدٌ لديها من وسائل الدِّفاع، و أسباب المصادمة. فإن لم تتَّق شرَّه كلَّه، فإنها تدرأُ عنها ما تستطيع درأه من أواذيِّ* عدوانه.
أمّا المنافق - عدوُّ الأمة الرابضُ* في قلبها - فهي لا تدري كيفَ تحاربه، و لا تدري من هو لتقاومه، فهو يُضعف قوَّتها المعنويّة، و يخدِّر أنباض* نهضتها المباركة، و هي حيرَى مما يصيبها، ولهىَ* من داء لا تعرف كنهه*و لا مصدرَه.
فإذا دامت الأمّة على ذالك حيناً من الدهر، من غير أن تبحث بحثاً دقيقاً، و تفحص فحصاً حكيماً لتعرفَ تلك الجرثومةَ الموبوءة*، فتسعى لإبادتها، و تعلم كنه مرضها، فتداويه بالدواء النَّاجع*، كانت عاقبةُ أمرها انحلالَ الروابط، و فسادَ الأخلاق.
و هناك الموت الأكبرُ، الذي يمحو الأمّة من لوح الوجود، فتكونُ مع الهالكين.
فأعيذُكم، معشرَ الناشئين، أن تكونوا من المنافقين.
احذَروا أن يدبَّ* في قلوبكم دبيبُ هؤلاء الأشرار، فتمسَّكم النار. و ما هي إلا نارٌ تحرق الأخضرَ و اليابس، فتجعل ربوعَ الأمة دوارس*.
اعمَلوا، رعاكم الله، على تعريف الأمة بهم، و تحذيرها كيدَهم، و تكونوا من القوم الصَّالحين.
و الله مع الساعين، لردِّ كيد المنافقين، لتكون الأمّة في أعلى عليين.
المقال التالي:
------------------------------
الخلال: جمع خَلَّةٍ و هي الخصلة.
داء وبيل: شديد.
مرض فتاك: مدمِّر، قتَّال.
انتقض عليه: تغير و خرج عليه.
أواذي عدوانه: مضرات عدوانه.
الرابض: الجالس المستقر.
يخدر أنباض نهضتها: يضعف حركات نهضتها.
ولهى: متحيرة، مشدوهة.
كنه الشيء: حقيقته.
جرثومة الشيء: أصله و مصدره. و يطلق اليوم على النسمات يسمونها : المكروب. الموبوءة : التي فيها الوباء.
دواء ناجع: مفيد.
يدب: يسري. دبيب هؤلاء... : أفكارهم الفاسدة.
ربوع الأمة: ديارها. دوارس: ممحوة الآثار.