يحاول بعض المفكرين وصف الواقع الذي نعيشه وتحديد بعض معالمه حتى يمكن تحديد السياسات المناسبة في التعامل معه

وكنوعٍ من التقريب يُشبِّهون المرحلة التي نعيشها بإحدى المراحل واضحة المعالم في التاريخ ومن ثم يرون اتخاذ نفس الأحكام أو المناهج أو السياسات

وقد قرأنا من قبل من شبَّه المرحلة التي نعيشها بالمرحلة المكية وبالتالي رأى ضرورة أن يكون نهج التعامل مع الواقع الحالي هو نفس النهج الذي كان قي الماضي فتصبح الدعوة سريةً مثلا ولاتؤخذ أي مراحل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الجهاد في سبيل الله فتُمرر آياته كأنه لم يُشرَع بعد ، ويكتفي المسلم بالصبر الشديد والثبات على الدين.

وقد كانت لتشبيه ما نعيشه اليوم بالمرحلة المكية قبل 1400سنة تقريباً أثارٌ ضارةٌ كثيرةٌ منها على سبيل المثال:

ـ تكفير المجتمع

ـ ومنها الشعور بالغربة والعزلة الشديدة التي تحول بين المتدين وبين الاندماج في المجتمع ، أو التتعايش معه

ـ ومنها الاحباط الشديد نتيجة تفسير كل مايدور في المجتمع على أساس انه عَداء للاسلام

ـ ومنها التفسير التآمري فكل ما يحدث هو مؤامرة على الاسلام والملتزمين به

ـ ومنها اعتبار كل هؤلاء المسلمين في المجتمع عقبة أمام مشروع النصر ولايوجد من يمثل الاسلام أو المشروع الاسلامي الا فئة معينة محددة بانتماء الى جماعة أو حركة معينة

ـ ومنها القسوة البالغة في التعامل مع الناس وتمني الدمار والهلاك لهم

ـ ومنها تبني تصورات صفرية في العلاقة بين الملتزمين والمجتمع فالصورة المنشودة للمجتمع مثالية مغرقة في المثالية! متمنية انتهاء المرحلة المكية والدخول في المرحلة المدنية وعودة مجتمع المدينة المنورة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكل مادون ذلك فهو واقع غير مُرضٍ وتصعب الحياة فيه

ـ ومنها تصور الدور الذي يجب أن يؤديه المتدين وهو العمل على إعادة مجتمع المدينة كما أن الدور الذي يجب أن تؤديه الجماعة هو الانتصار على الأعداء وكل ماهو قبل ذلك ففشل ذريع حتى وان كانت الجهود المبذولةجهودا عظيمة ومثمرة

وحسب هذا التصور العمل الخيري مثلا نوع من ترقيع الجاهلية ومساعدتها على البقاء ، ولاقيمة للعمل الخيري الا بمقدار ما يحققه من دعم لمشروع النصر الكبير  ولا كأن هؤلاء الذين يشملهم العمل الخيري بتفريج الكربات والاعانة على صعوبات الحياة لاكأنهم مسلمون لهم حقوق على كل مسلم وانما مساعدتهم لابد أن تصب في مصلحة المشروع وإلا فجهد ضائع!

وفي رأيي أنه وإن كانت هناك أوجه شبه بين مرحلة في الماضي ومرحلة بعدها إلا أنه يستحيل التشابه من كل الأوجه، ولابد أن هناك فروقاً ما وبالتالي يجب مراعاة هذه الفروق لأنها مؤثرة تأثيراً شديداً في النتائج

ومن هنا أتصور أن تتشابه بعض ردود الفعل لكن لايتشابه كل النهج في المرحلتين

على سبيل المثال

المرحلة التي نعيشها هل هي فترة مكية؟ فنتبع فيها الأساليب التي كانت في العهد المكي أم هي مدنية ؟

الحقيقة أنها لاهي مكية يستخفي فيها الموحد بدينه وهو غير مطالب بأحكام كثيرة ولاهي مدنية تم فيها اعزاز الدين ، والحكم بما أنزل الله.

انها فترة خليط بين هاتين الفترتين مضاف إليها أوجه شبه مع كل المراحل التي تمت من قبل وتأثر بها المجتمع فلكل فترة بالتأكيد قدر من المساهمة في تشكيل الفترات التالية لها.

أما أحكام هذه المرحلة فتحتاج كل واقعة الى  اجتهاد جديد حسب الواقع الذي نعيشه كما فعل ابن تيمية حين استفتي بشأن مدينة ماردين . هل هي دار حرب أم هي دار اسلام؟ وكان تصنيف الديار قبل ابن تيمية لايخرج عن هذين النوعين وكانت هذه المدينة تتشابه مع دار الحرب في أمور ومع دار الاسلام في أمور وهذا سبب تحير الناس واستفتائهم فقال ابن تيمة : (أما كونها دار حرب أو سلم فهي مُركَّبة فيها المعنيان: ليست بمنزلة دار السلم التي يجري عليها أحكام الإسلام؛ لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويعامل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه] اهـ. "الفتاوى الكبرى" (3/ 533، ط. دار الكتب العلمية ) والله أعلم

 

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

294,016