الأب العائد - توصيات وحلول
أولا: للأب العائد
<!--أخلص لله في تربيتك لأبنائك وجرد قصدك فاجعله ابتغاء مرضاة الله وحده، والقيام بمسئولياتك التي سيسألك الله عنها.
أن أحدنا تشوب نيته أحيانا مقاصد أخرى، فلا يحركه تجاه تربية أبنائه إلا خوف الملامة من الناس.. وهذا هو المحرك المزعج الذي يحعل الإنسان قلقا جدا ومتوترا مستنفرا تجاه أبنائه لأنهم يهددون مكانته وسط العائلة وبين الناس.
إن التربية أمانة ومسئولية "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، وعندما يبذل أحدنا كل جهده ويؤدي كلما عليه فليس عليه أمام الله شئ شأن كل تكليف شرعي، وهذا العتقاد كفيل بأن يزيل توترك واستعجالك ويهدئ أعصابك فتصبح طبيعيا.
<!--"إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، وما عليك إلا الأخذ بالأسباب، ومهما فعلت فإن الأمر في النهاية بيد الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وما دامت الهداية ليست بيدك فعليك أن تتوجه إلى من بيده مقاليد القلوب وأسرارها ففي تربيتك لأبنائك سر بينك وبين الله تعالى:
قد يريد إكرامك فيهديهم بلا أدنى مجهود منك.
وقد يريد ابتلاءك فتتعثر تربيتك لهم حينا ثم يهديهم الله بلا سبب منك.
وقد يريد عقوبتك فيكلك إلى نفسك:
ربما لأنك اعتمدت على نفسك ولم تتوكل عليه ولم تلجأ إليه وظننت أن الأمر سهل. وربما اغتررت بانك الأستاذ أو الداعية فأمر طبيعي أن ينشأ أولادك مثل أبيهم بلا رجوع إلى الله منك ولا جهد.
وقد تكون العقوبة في الأبناء وتمرهد عليهك لأي معصية، ألا تحفظقول بعض السلف: إني لأرى أثر معصيتي في خلق زوجتي ودابتي؟
فتذكر دائما أن للطاعة والاستغفار والدعاء أثر عظيم في الهداية بل أحيانا لا ينفع شئ غيرها.
<!--انتظر وتمهل فلا تعجل بالنصح والتوجيه وإصدار الأوامر، فهناك تمهيدات يجب أن تسبق ذلك كله:
يجب أولا أن تعرف كثيرا من الأمور قبل أن تنصح، شخصية من تنصح، وما يناسب من ستنصح وما لا يناسبه من الوسائل والأساليب.
أن أمورا كثيرة غائبة عنك قبل أن تحكي لك أسرتك ما حدث في غيابك.
يجب ثانيا أن تغرس الحب بينك وبينهم فالحب هو الروح، وما الفائدة من تعديل جسد لا روح فيه؟
إن ما كان يظهر لك من أشواق في الفرص الضيقة التي كنت تتصل بهم فيها لم يكن حبا كافيا يجعلهم على استعداد لتمكينك من نفوسهم وأفكارهم تغير فيها ما تشاء.
إن جذور الحب لم تزل ضعيفة فكيف تريد أن تطعم عليه شحرة متفرعة؟
إننا نكرر لك القول إن جذور الحب تنمو بالمواقف التي تكشف لهم عن التزامك بالدين وعن حبكلهم من أعماق قلبك.
إنك لم تطعمهم بعد بيدك في أفواههم، لم تلاعبهم، لم تصحبهم معك للصلاة، لم يناموا بجانبك، لم يعتادوا أن يفتحوا أعينهم على ابتسامتك وسلامك، لم يذوقوا حنانك.
إنهم لم يأخذوا منك، وأنت تريد أن تفرض عليهم أن يعطوك، إنك تتوهم أن كل ذلك قد حدث خلال الفرص العابرة التي كانت تتاح لك، ولكننا ما زلنا نقول لك: قد حدث ولكن كانت قشورا لا تكفي.
<!--كن واثقا أن أبناءك يحبونك. ولا تيأس
هل شعرت أن كلامنا قد تناقض؟ كلا.
فرغم أنك لم تتمكن بعد من أن تروي قلوب أبنائك بروح الأبوة إلا أن بذور البنوة موجودة بلا شك، وإن بذور المودة والرحمة بينك وبين زوجتك كذلك موجودة "وجعل بينكم مودة ورحمة" فلا تتسرع باليأس منهم ولا تعجل بإلقاء طوبتهم .. إن الشيطان إذاً سينجح في خطته، وسيفرح بأكبر عمل ومهمة قام بها أبناؤه وهي التفريق بين مرمن وأهل بيته.
إن أبناءنا يعاندوننا ويتمردون علينا في فترة طيش، أو ظروف خاصة، ولكنهم يديرون نصائحنا في رؤوسهم فيوقنون أنها صواب، ولكنهم لا يقدرون على سرعة التغيير، وما لا يقدرون عليه السوم يقدرون عليه غدًا بتوفيق الله.. ألم نكن نحن كذلك، ثم ها نحن اليوم ندعو لآبائنا ؟!
رتب أولوياتك، وحدد أهدافك لكل مرحلة، ولكل منهم وما تريد الوصول إليه وابدأ بالأصول والواجبات الدينية التي لا يختلف عليها أحد. ولا تجعل كثرة الجدل والنزاع حول أمور فرعية أو عادات وتقاليد يضيع عليك الأصول الهامة.
التدرج فيما تريده سيتم بإذن الله، ولكن ليس جملة واحدة وإنما خطوة خطوة أي إنك بعد أن تحدد الأهداف قسمها وابدأ بالخطوات التي تمهد لما بعدها، وتجعله يأتي سلسًا سهلًا وقد يأتي تلقائيًا
إن المواظبة على الصلاة مثلًا خطوة هامة جدًا وتأثيرها على القلوب عظيم وهي التي تمهد القلوب للاستجابة وتثمر الأخلاق والآداب" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر".
حافظ على الموجود من تدين ومبادئ لدى أسرتك واعترف به أمامهم وامدحهم عليه واحذر أن تحاول الوصول إلى المفقود الذي تتمناه بأساليب تضيع الموجود لا تسلط نظرك على العيوب وحدها فيبدو لك ابنك كأنه شيطان بينما المنصفون غيرك يرون في إبنك خيرًا كثيرًا.
إن ابنك يعاملك بالمثل وهو لا يقصد، فإذا تربصت بعيوبه، وانتظرت له هفواته ووقفت له على الواحدة فسينظر هو هفواتك، وسيتجرأ عليك، ولن تجد منه ريقًا طيبًا؛ إما هذا وإما أن يفقد ثقته في نفسه، وتظهر لك عقد نفسية ومشاكل أخطر وتحاول أن تعيد له ثقته فلا تستطيع تغافل، فليس كل ما تراه من عيوب يستحق التوجيه؛ فهناك هفوات غير مقصودة، وهناك سقطات يتداركها الإنسان وحده، وهناك أخطاء لازمة للسن والعمر يتخلص منها الإنسان بالنمو والكبر المهم أن تكون الأصول موجودة.
تجنب التعليق على الأخطاء في حينها فربما يكون الأفضل أن تؤجل التوجيه إلى فرصة أحسن، ووقت كافٍ يسمح لك بالحوار وبسؤاله:
ما رأيك فيما فعلت فساعتها ربما يقر بخطئه بسهولة؟
إنك بالتأكيد جربت أن كل مرة كنت فيها واقفًا تستعد للخروج فرأيت شيئًا.
أغضبك فزجرت إبنك غاضبًا: قلت لك لا تفعل هذا مرة أخرى فاهم ولا لأ ؟
جاءت النتائج عكسية ولم يقل لك الابن: حاضر "كما توقعت" .. فلماذا إذَا لا تغير الطريقة والأسلوب وتنتظر حتى تهيئ فرصة وتمهد للموضوع؟
وإنك قد جربت أن ابنك قد استجاب لك وكان معك طيعًا ولكن في المرات التي جلست معه في وقت صفاء ومدحت فيه بعض حسناته وحكيت له وحكى لك ثم وجهته إلى خطئه، بل ربما ساعتها هو الذي قال لك: أريد أن تنصحني يا أبي فلماذا لا تؤجل التوجيه إلى مثل هذه الأوقات المثمرة ؟!
أم أن طباعنا تغلب، وأعصابنا تفلت فلا تختار الطريقة السليمة ولا الوقت المناسب ودائمًا طباعنا تفرض علينا أساليب نعرف أنها غير صحيحة ثم .. نلوم أبناءنا.
خذ أسرتك معك في خندقك، وأركبهم معك سفينتك وفهم أسرتك أن ما تمرون به هو امر طبيعي ناتج عن فترة انقطاع طويلة بين أب وأسرته وأن أي أسرة يمكن أن تحدث فيها نفس المشاكل إذا تعرضت لنفس الأسباب- وهذه هي الحقيقة ..
إنك بذلك تحول الدفة من ضدك إلى معك، وتجعل الأسرة كلها تجدف في اتجاه واحد للتغلب على المشاكل المتوقعة في هذه المرحلة.. وتشاور معهم بتوجيه سؤال للجميع كيف نتغلب معًا على مشاكل هذه الفترة ؟!
ولا تنس أن توثق أسرتك في أنها ستتغلب على هذه الأزمة بإذن الله كما تغلبت على غيرها خصوصًا والأسرة قد اكتسبت خبرة بعد أن مرت بتجربة الغربة ونجحت فيها بنسبة أكبر من غيرها..
وبالطبع كلما رأتك أسرتك ملتزمًا بدينك لاجئًا إلى ربك مجتهدًا في عبور هذه الفترة الانتقالية بسلام مضحيًا من أجل الحفاظ على أسرتك وسعادتها كلما قام كل فرد لدوره مثبر على ما يصيبه من جراء هذه المحنة التي ستمر كما مرت غيرها بإذن الله لكل مرحلة في حياتنا حكمتها من الله تعالى، ولها طبيعتها، وسوف تمر "والله يقلب الله والنهار" قد جعل الله لكل شئ قدرًا" لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا" فاستفد من هذه المرحلة واعتبرها دورة تدريبية لابد منها وافهم حكمة الله فيها وتجاوب مع هذه الحكمة واسع إلى تحقيقها.
تشاور مع أسرتك في الأمور الهامة والمناسبات، وسل الأم: ماذا كنتم تفعلون في هذه المناسبة ؟ كالعيد مثلًا ؟
فالأفضل أن تجمع أسرتك قبل العيد وتناقش معهم: كيف نقضي عيدًا سعيدًا ؟
واترك كل واحد يدلي برأيه ويبوح بأحلامه واستمع جيدًا ثم نظم ونسق وضع ما تريد من ضوابط.
إنك بذلك تفعل أكثر من أمر:
فأنت أولًا جمعت معلومات كافية لك، ساعدتك على تصور ما سيكون يوم العيد.
وأنت ثانيًا وحدت تصور الأسرة تجاه العيد؛ وإن لم تفعل ذلك قضى كل واحد العيد كما يحب هو فربما تناقضت الأفكار .. فقد تتوقع أنت أنهم سيكونون معك يوم العيد وسيساعدونك في استقبال الضيوف، بينما هم بات كل منهم يرتب برنامجه مع أصدقائه وتركوك، فعندما ضاق بك الأمر صرخت فيهم وألقيت اللوم عليهم، ولكنهم لم يعترفوا بخطئهم كما تصورت بل قالوا: إنك لم تطلب منا ونحن لم نكن نعرف ماذا ستفعل وماذا تريد؟
إنك عندما تتشاور مع أسرتك قبل اتخاذ قراراتك فقد عافيت نفسك من التراجع في قراراتك لأنك تفاجأ بأن لهم وجهة نظر صحيحة لم تكن في حسبانك ولو كنت شاورتهم وأدلوا بها لك ما اتخذت هذا القرار.
ثن انك عندما تشاور أسرتك فإنك تحترم مطالبهم وتقدر مشاعرهم وهم بذلك يلتفون حولك ويحبونك، ويقفون معك.
إجمع أسرتك على ما تتفق عليه الأسرة، وتجد فيه بالتجربة حالة انسجام بينها، فبعض الآباء يجد هذا الانسجام في صلاته بأسرته بعض الفرائض قبل نزوله للمسجد أو بعد عودته كما كان يفعل أحد الصحابة رضي الله عنهم وبعض الآباء يجد ذلك في النزهة خارج البيت في مكان آمن من الفتن إذا تغاضي هو عن كثير من هفواتهم. ولا تبخل على أسرتك بهذا الوقت والمال فإنه يوفر عليك كثيرًا من الوقت والمال.
خفف من تدخلاتك في تفاصيل الحياة إذا كانت تدخلاتك غير مقبولة.
ساحة النقاش