علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رسالة قلبية

              

               إلى شباب الأمة الإسلامية  

 

(1)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

                                                                                بقلم/ على الدينارى

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة

الحمد لله وكفى وسلام على  عباده الذين اصطفى وعلى سيدنا محمد المجتبى

وبعد

لقد كنا نسمع ونقرأ كثيرا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : "إغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وفراغك قبل شغلك وصحتك قبل مرضك وحياتك قبل موتك .. "الحديث أو كما قال صلى الله عليه وسلم وكنا نجتهد أن نعمل به نحن صحبة الشباب

ولكن

ماكنت أظن أن أيام شبابى سترحل بهذه السرعة !

لكأن أيام المدرج والقسم والمعمل وخيمة الامتحانات كانت منذ أيام !

هى أجمل أيام العمر على الإ طلاق ..

هى الفترة الذهبية فى حياة الانسان وإن كان لكل فترة طعمها وروعهتا الخاصة

كأن الأيام التى كنا نقف أمام المدرج نتعارف نناقش ونحاور نجادل ونغضب ونهدأ ونثور ونفور نقرر بسرعة وننفذ بقوة  كأنها كانت بالأمس

أتخيل هذه الأيام فأجد السور الذى بينى وبينها لاشىء !

 أعود فأتمسح بالشباب ..

أحاول أن أعيش معهم فى رحلاتهم ،  ومعسكراتهم ، ومعتكفاتهم ،

 أنام ـ كما كنا ننام  ـ أتوسد ذراعى على فرش المساجد ، وآكل كما كنا نأكل متجاهلا تشديدات الأطباء ونصائح المقربين واعتراضات الجسد  ... 

أفعل ذلك لعلى أحظى بسريان دماء الشباب تتدفق من جديد ...

 ولكن هيهات

مهما كان تصبح هذه المحاولات كالطعم المكتوب على أكياس الشيبسى بالجمبرى وبالكباب فكذلك حياة بالكاد بطعم الشباب ..

لأجل ذلك أردت أن أكتب إلى إخوانى طلاب الجامعة هذه الرسالة القلبية قبل أن يلحقوا بنفس المحطة التى لامفر من نزولها ولاعودة لما قبلها ..

إن أصعب ما فى أيام الشيوخ هى العجز عن أعمال صالحة ظل يسّوف فيها الإنسان ويؤجل حتى حال الضعف بينه وبينها ( وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل ) سبأ ولو كان يدرك أن عجلة العمر تجرى بهذه السرعة لما فرط فيما فرط فيه !وأجمل لحظات الشيوخ هى التى يتأمل احدهم فيها ماضيه فيرى من نعمة الله عليه أن استعمله فأعطى زهرة شبابه لمن يستحقه ولا أحد ولاشىء يستحق أن يعطيه الانسان زهرة شبابه وربيع عمره غير الله الذى أنعم على الإنسان بهذا الشباب وهذا العمر 

  إننى أعود أتأمل فأجد الفاقد الذى ضاع من هذا العمر كثيرا

والمأمول الذى يتمنى الإنسان أن ينجزه قبل لقاء ربه أيضا كثيرا .

وإننى أتوسل إلى الله بهذه الكلمات

أن يعيننى ويوفقنى فيما بقى من عمر لاأدرى مالله صانع فيه

لعلى أصلح ماكان فى عمر لا أدرى ماالله قاض فيه

فإليكم أيها الشباب هذه الرسالة رسالة من زميل لكنه زميل سابق                                                                                         

                                                                                         

                                       

                                          

 

من أنتم ياشباب ؟!

هذا سؤال جوهرى .

إنه سؤال كفيل بتغيير مجرى حياة الإنسان طول العمر .

إنه مفتاح من مفاتيح البحث عن الذات .

أحيانا ـ بل كثيرا ـ  ننسى من نحن ؟!

 فترانا فى وضع عجيب وحال مريب !

ترانا فى وضع ليس بوضعنا !

مشغولين بأمور لاتستحق الانشغال !

مهملين أمورا هى من صميم مسؤلياتنا !

منطلقين فى ساحات وميادين ليست مياديننا !

خائضين لمعارك ليست معاركنا !

محققين لانتصارات ليست فى الحقيقة إلا هزائم ونكسات !!

تائهين ممسوخين عن حقيقتنا وعن هويتنا وأصولنا وجذورنا

مستعبدين لعادات غيرنا وتقاليد سوانا لانريد أن تكون لنا شخصية ولاتميز ولاخصوصية

سامح الله كل من غيب شبابنا عن الحقيقة ..

 عن حقيقتنا ..

وعن غايتنا ..

 وعن الرسالة التى من أجلها يجب أن نعيش ..

ماالحكاية ياشباب ؟

تعالوا بنا نستكشف على ضوء كتاب ربنا وسنة نبيما صلى الله عليه وسلم  موضوعا هاما ومحوريا  ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أحداث تاريخية هامة

 

فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم حدثت ثلاثة أحداث مهمة وخطيرة ...

نتائج هذه الحوادث الثلاث ستفتح لنا بابا إلى اكتشاف جوهرى وضع أقداما كثيرة على بداية الطريق الصحيح من قبل ومازال وسيظل يضع أقداما  على المسار الطبيعى الملائم للإنسان والمنسجم مع فطرته وطبيعته . 

الحادثة الأولى ساقها أبو داود من حديث أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: إذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بعث بالتخفيفات، فإن أفتى بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله، وقلنا فتيا نبي من أنبيائك؛ قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه؛ فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب، فقال: (أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن)، فقالوا: يحمم وجهه ويجبه ويجلد، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف به؛ قال: وسكت شاب منهم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة؛ فقال: اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم. وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإني أحكم بما في التوراة) فأمر بها فرجما.

مامعنى هذا

زنى رجل يهودى وكان من كبار اليهود وعلية القوم ووجهائهم ولذا كانوا لايريدون إقامة حد التوراة عليه بالرجم .

 فماذا يفعلون ؟

قالوا نذهب إلى محمد فهو نبى ونأخذ منه الحكم والفتوى التى نريدها فننجى الرجل المهم من الرجم فنكون قد جئنا بالفتوى التى نريدها من نبى ووضعناها فى رقبته وخرجنا نحن سالمين .

استحسنوا هذه الفكرة لكن هناك إشكالا .

ـ  ماهو ؟

ـ ماذا لو أفتاكم بالرجم الذى لاتريدونه ؟ هل سترجمون الزانى وهو فلان بن فلان ؟

قالوا لو أفتانا بغيرما نريد فلن نلتزم بما يقول ! ونقول إننا سنقيم حكم التوراة وهو غير الرجم

وماهو هذاالحكم الذى يريدون ؟

لقد كانت اليهود تحكم بالرجم كما جاء فى التوراة ؛ ولكنهم شقت عليهم المساواة التى جعلتها التوراة بين كل الناس فى هذا الحكم فابتدعوا أو اخترعوا حكما خاصا بالأشراف والوجهاء غير الرجم وسموه التحميم ! ولكنهم بعد زمن من هذا التفريق فى حكم الله ثار ضعفاؤهم وفقراؤهم على هذه التفرقة وطالبوا بالمساواة وبالفعل حكم الأحبار بمساواة الجميع ولكن فى الحكم الجديد المستبدل المخترع وهو التحميم واعتبروه هو حكم الله (يحرفون الكلم من عند الله ) ( يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله وماهو من عند الله )وهكذافعل الأحبار وسكت عامة الناس كما قال الله عنهم ( إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) أحلوا لهم الحرام  وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم .

ذهبوا للنبى صلى الله عليه وسلم فسألهم بكل بساطة : وماهو حكم التوراة عندكم فى هذه الحالة؟

كذبوا على الله وهم الأحبار العظام وأهل الفتوى والعلم وقالوا:هو عندنا فى التوراة التحميم !!!

ولكن شابا سكت فشدد عليه النبى صلى الله عليه وسلم السؤال فاخبره أن حكم التوراة غير الذى أخبروه به وفى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب منهم التوراة فجاءوا بها 

فجاءوا بها فوضع القارىء يده على آية الرجم وقرأ ما بعدها وكان مع النبى عبد الله بن سلام رضى الله عنه وكان يهوديا قبل أن يسلم فكان يعرف حيلهم  فقال : يارسول الله مُره أن يرفع يده فرفعها فإذا تحتها آية الرجم التى يهربون منها  !! تصور مدى اللعب بالدين ؟؟

فأنزل الله تعالى  فى سورة المائدة

(يا أيها الرسول لايحزنك الذين يسارعون فى الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا..........) الآيات

 

إن هذه الحادثة المهمة تنبهنا إلى معلومة وحقيقة هامة .. وهي أن الله تعالى أنزل التوراة لليهود وكان  يجب أن يكونوا أمناء عليها ولكنهم تلاعبوا بها واحتالوا عليها وتملصوا منها ولذلك لم يأمنهم الله على رسالته ..

هذه هي الحقيقة التي ظلت سورة البقرة تؤكد عليها في مقدمتها كلها قبل أن تأمر المسلمين بالأحكام الشرعية كأحكام الصيام والحج والجهاد والانفاق في سبيل الله وغير ذلك .

ولذا فإن سورة البقرة من الأهمية بمكان هي وأختها سورة آل عمران والرسول صلى الله عليه وسلم يقول "يأتي القرآن يوم القيامة تتقدمه الزهراوان البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما" وكان الصحابة رضى الله عنهم لا يعتبرون الرجل رجلاً إلا إذا حفظ سورة البقرة .

إن سورة البقرة ومعها آل عمران تحددان لنا وبأسلوب عظيم رائع جميل قضية هامة جدا ..

إنها تحدثنا عنا !

 من نحن؟

من هذه الأمة التى ننتمى إليها ؟

إقرأ معي سورة البقرة من بدايتها

بعد عدة آيات سنجدها تشهدنا على بنى إسرائي وماذا فعلوا وكيف عبثوافي الشريعة التي أنزلها الله اليهم وأكرمهم بها؟!

<!--عبدوا العجل بعد أن أكرمهم الله تعالى بعبادة الله وحده وهو الملك العظيم سبحانه      ( وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون )

<!--قالوا "ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة"

<!--بدلوا أمر الله لهم "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم" ولم يقولوا (حطة) أي حط عنا ذنوبنا بل قالوا (حنطة )رغبة فى المخالفة والاستهزاء

<!--تضجروا من نعمة الله : "وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد.."

 

ـ لم يستجيبوا لأمر الله بل تمردوا عليه "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك"

<!--تنطعوا وتباطأوا واستثقلوا أمر الله لهم في ذبح البقرة التي أمرهم الله بذبحها "وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة" فماذا كان جوابهم لنبيهم المرسل عليه السلام "قالوا أتتخذنا هزوا"؟ سوء أدب مع الأنبياء.

<!--ثم إنهم لم يمتثلوا أمره بل قالوا "ادع لنا ربك يبين لنا ما هي"؟ فلما أجابهم " إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك" أي وسط لا كبيرة ولا صغيرة فهل سارعوا بالإستجابة ؟ كلا بل ظلوا يردون على الأمر بسؤال جديد.

وهكذا كان دأب هذه الأمة هو سوء الأدب مع نبيهم موسى عليه السلام وسوء الأدب مع الله والتحايل والتملص والتمرد والتلاعب بشرع الله تعالى حتى أنهم جاهروابقولهم "سمعنا وعصينا" والعياذ بالله . "وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا"

إن اليهود كانوا يعلمون جيداً نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ورغم ذلك كفروا به !

(ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به"

إن سورة البقرة تكشف لنا عن الأسباب الجوهرية التي جعلت بني إسرائيل غير مؤهلين لحمل رسالة السماء إلى الأرض وتحذرنا أن نحذو حذوهم وفي الوقت نفسه تكشف لنا عن معدن سلفنا الذين استقبلوا هذا الدين وعن الروح التى تعاملوا بها معه كما سنرى الآن

 الحادثةالثانية : أن الله تعالى أنزل آية جاءت في آواخر سورة البقرة وهي قوله تعالى : "لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شئ قدير"

 روى الإمام مسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا: أي رسول الله، كُلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا ؟!

 بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) فقالوا: "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير". فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" [البقرة: 285]. فلما فعلوا ذلك نسخها الله، فأنزل الله عز وجل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال: (نعم) "ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا" قال: (نعم) "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: (نعم) "واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )

لماذا ضج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

لأنهم تعودوا أن يأخذوا أحكام الله وأوامره مأخذ الجد ويلتزموا بها.

ولم يتعودوا ولم يعرفوا كيف يتحايلوا عليها كما فعل اليهود  ولا أن يستهينوا بها فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : هذه الآية لا نطيقها أى لانتحملها الحساب على مايدور فى النفس من حديث نفس ووسوسة شيطان وأمنيات عابرة فماذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي رباهم ويعرفهم ويعرف نفوسهم وقلوبهم وطاعتهم لربهم؟

قال : أتريدون أن تقولوا كما قالت بنو إسرائيل : سمعنا وعصينا؟ قولوا سمعنا وأطعنا" فماذا كان من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم .

أذعن الأبرار الكرام الذين قال عنهم ربهم "يحبهم ويحبونه" وقال "أولئك هم الصادقون" "أولئك هم المفلحون " وقال "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه"

ما كان منهم إلا أن قالوا ما أمرهم رسولهم  "سمعنا وأطعنا"

قالوها لأن هذه طبيعتهم وسجيتهم وهذا إيمانهم وهذا أدبهم مع ربهم ومع نبيهم فلما اقترءوها وذلت بها ألسنتهم استجاب الله لهم وأنزل  التخفيف ونسخ هذه الآية ومع النسخ ثناء عليهم رضي الله عنهم فقال تعالى "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير  لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"  الأية

وإنك لتعجب أن تقرأ هذه الآية في آخر سورة البقرة التي قرأنا في بداياتها قول بني إسرائيل (سمعنا وعصينا) لتتركك السورة تقارن بين القولين وبالتالى تقارن بيم الأمتين

<!--إننا إذا  أمة  "سمعنا وأطعنا "ولسنا أمة "سمعنا وعصينا"

وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حريصين على مخالفة بني إسرائيل في هذه الأفعال المشينة وقد انتبهوا جيداً حتى لا يتشبهوا بهم في أقوالهم ومواقفهم ولذا فإنهم رضوان الله عليهم لما استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر قبل بداية المعركة كما تعلمون وأراد أن يستبين ما إذا كانوا معه بقلوبهم راضين عن خوض المعركة أم أن في نفوسهم شيئاً ؟ ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمح تلميحا ولم يصرح إلا أنهم التقطوا إشارته وتلميحه  !

قالوا: يارسول الله والله لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: (إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ) المائدة بل نقول لك يارسول الله :إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .

الله أكبر هؤلاء هم سلفنا

نحن أحفاد هؤلاء

نحن أحفاد الذين اختاروا الأحب إلى ربهم والأرضى لنبيهم صلى الله عليه وسلم فقالوا اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .

نحن أحفاد الأبرار الذين يعاملون ربهم بالحب والرضا والتعظيم والإجلال والتسليم والإذعان والخضوع وأدب العبودية .

أحفاد الذين لهم من ربهم الحب والإكرام ، والرضا والقبول ، والإجابة والقرب ،والرحمة والإحسان

نحن أحفاد الذين يحبون ما أحب نبيهم وبستجيبون لإشارته ويدركون تلميحه قبل تصريحه

نحن أحفاد أصحاب العزمات والمروءات والمواقف القوية فى المواقف الفاصلة بلا تردد ولاتهيب ولا خنوع

ثم إن سورة البقرة تؤكد وتشدد على هذه العقيدة التى نتعامل بها مع ربنا ومع كتابه العظيم ومع رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وهى عقيدة التسليم والتعظيم مع الحب والرجاء  هذه هى العقيدة التى تربينا عليها سورة البقرة ولكن بأسلوب جميل تشدنا به إلى جذورنا وتعرفنا فيه  : من هم أجدادنا ؟ 

تقول سورة البقرة "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك"

فهذا نسبنا وهذا جدنا إبراهيم عليه السلام الذي دعا ربه أن يخرج أمتنا إلى الوجود

هذا هو إبراهيم عليه السلام الذى أمرنا الله أن نتبع ملته "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه"

وماهى عقيدة إبراهيم " إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين "

فنحن كذلك نسلم لرب العالمين بلا جدال ، ولا تحايل ،ولا تضجر

" ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون"

وقد سجلت سورة البقرة إجابة أبناء يعقوب عليه السلام "إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً ونحن له مسلمون"

وهؤلاء هم جذورنا وسلفنا الذين ننتسب إليهم رافضين دعوة هؤلاء أو هؤلاء " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لانفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) ......إلى أن قالوا   (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون"

فنحن عباد لله تعالى  محبون له فهو ذو منة علينا وفضل " والله ذو فضل على المؤمنين "   

وبعد أن تكشف سورة البقرة عن أجدادنا وآبائنا وسلفنا ا وعن حقيقتنا وعبوديتنا التى أقر بها أجدادنا واعتزوا  تكشف لنا عن حقيقة عظيمة هامة وهي ما نحن ؟ وماهو شأننا بين الأمم ؟وما هى مكانتنا كأمة ؟

(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"

وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "يدعي نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت ؟ فيقول عليه السلام قد بلغت فيدعي قومه فيقال لهم هل بلغكم ؟ فيقولون لم يبلغنا أحد ولم يأتنا رسول فيقال لنوح من يشهد لك ؟ فيقول محمد وأمته قال صلى الله عليه وسلم فتشهدون وأشهد عليكم" بمعناه البخاري.

فنحن شهداء على الأمم يوم القيامة نشهد أن جميع رسل الله قد بلغوا أقوامهم رسالة السماء إليهم لأن هذا ما نقله إلينا القرآن الذي نؤمن به بكل يقين

 

 

 

 

 

 

الحادثة الثالثة :

الحادثة الثالثة  لم يكن أبطالها  اليهود الذين تجردوا من صفات التأهيل لحمل الرسالة وأداء الأمانة وإنما أبطا ل هذه الحادثة هم  النصارى،

وهذه الحادثة نزلت فيها بداية سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية؟

قال ابن إسحاق فى السيرة النبوية (مختصرا )( صدر هذه السورة نزل بسبب وفد نجران ، وكانوا نصارى وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في ستين راكبا، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر صلاة العصر، عليهم ثياب الحِبَرات جُبَب وأرْدية فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفدا مثلهم جمالا وجلالة. وحانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشرق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوهم). ثم أقاموا بها أياما يناظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيسى ويزعمون أنه ابن الله، إلى غير ذلك من أقوال شنيعة مضطربة، ورسول صلى الله عليه وسلم يرد عليهم بالبراهين الساطعة وهم لا يبصرون، ونزل فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية؛ إلى أن آل أمرهم إلى أن دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة، )

معنى هذا أنه لما سمع نصارى قبيلة تسمى نجران بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءوا إليه ليكلموه في شأن المسيح عليه السلام"

ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكرمهم ، وتركهم في المسجد يصلون صلاتهم إلا أنهم لم يكن لديهم استعداد لقبول الحق فقد كلمهم النبي صلى الله عليه وسلم فجادلوه كثيراً وطال الجدال منهم إلى أن حكم الله تعالى بين نبيه صلى الله عليه وسلم وبين هؤلاء الذين سنكتشف بعد قليل حقيقة خطيرة بشأنهم...

أنزل الله تعالى ردا على مزاعمهم فى جزءً كبيرً من سورة آل عمران ومنها قوله تعالى "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"

فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الإجراء الفاصل وهو أن يجمع كل فريق أبناءه ونساءه ويقف الفريقان في واد واحد (بين جبلين ) النبي صلى الله عليه وسلم   بنسائه وأطفاله في جانب ويحوارهم في جانب آخر هذا الوفد بنسائهم وأطفالهم ثم يصلي كل فريق صلاته ويدعو الله تعالى أن ينزل لعنته على الفريق الكاذب.وفعلا جاء النبى صلى الله عليه وسلم ومعه الحسن والحسين وفاطمة رضى الله عنهم ودعا هؤلاء المجادلين  لهذه المباهلة التى ستظهر حكم الله تعالى فى الخلاف بينهم

يا ألله

نتصور إذاً أن هذا الفريق الذي تكبد السفر وجاء يجادل وينافح عن عقيدته واستمر يجادل أياما  لابد أنه فريق واثق من الحق الذي معه وبالتالي سيرحب بهذا الحكم .

   ولكن

 لننظر ماذا فعلوا ؟

قالوا : دعنا ننظر في أمرنا أي نتشاور !

فلما خلوا ببعضهم كانت المفاجأة الخطيرة والحقيقة التي كشفها هذا الإجراء الحاكم الحكيم .

قال كبيرهم : لا تفعلوا !

ستسأل أنت : لماذا ؟

قال (إنكم تعلمون إنه نبي) ياللهول .. نبي ؟ نبي ويجادلونه ويكذبونه...!!

قال : وإنكم لو فعلتم لاشتعل عليكم الوادي ناراً.. فهذا هو تفسير اللعنة التي ستنزل من السماء.

أنظر إليهم وهم من أهل الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى عليه السلام (فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه).

وبالفعل لقد رفض وفد نجران هذه الدعوة وانكشفت حقيقتهم فهم ما جاءوا من أجل البحث عن عقيدة ودين وإنما ليحافظوا على مكانتهم الدينية التى تمكنهم من أكل أموال الناس بالباطل

وهكذا تكشف لنا سورة آل عمران عن أسباب عدم أهلية هؤلاء لحمل الرسالة السماوية إلى عباد الله بأمانة وصدق  .

وللإنصاف لقد كان من اتباع المسيح عليه السلام أمناء وهم الذين قال الله تعالى فيهم ( ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الاخرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون فى الخيرات  وأولئك من الصالحين )    وهؤلاء من مات منهم فهو مسلم وهو منا ونحن منه و من عاش حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم آمن به تصديقا بالإنجيل الذي بشر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

وتمضى سورة آل عمران تكشف لنا الحقائق

ـ تقررفى حسم قوى قاطع  (إن الدين عند الله الإسلام ) ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين) وهذه حقيقة لها وزنها فى وضع النقاط على الحروف بقوة وتأكيد حتى تتضح للمسلم شخصيته واضحة المعالم موثقة العقيدة بلا غبش فتتحدد له بناء على ذلك بماذا يفخر ويعتز وينتمى ولأى شىء يعمل ويبذل  ويضحى ؟

لذلك فإن سورة آل عمران تكرر لتؤكد ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب إلها واحدا ونحن له مسلمون) .

وكما حدثتنا سورة البقرة عن جدنا أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام فسورة آل عمران تحسم الأمر هنا (ماكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )

ثم تخاطب الجميع (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبى والذين آمنوا    )

فنحن ـ أمة محمد ـ أتباع إبراهيم عليه السلام بل نحن أولى الناس به

وكما كان فى سورة البقرة خطاب موجه لنا ليؤكد مكانتنا بين الأمم فى الدنيا ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) فهنا فى سورة آل عمران تأكيد لهذا المعنى وزيادة تبعث على تحمل المسؤلية والأمانة ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم     )  

ثم بعد ذلك كله تبعث سورة آل عمران فى نفوسنا الغيرة على هذا الدين ونصرته اقتداء بالحواريين أنصار المسيح عليه السلام (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) آل عمران قالوها يوم أن كان قولها يعنى التضحية بالروح والنفس والدنيا كلها فداء للدين ولذا فإن القرآن فى سورة أخرى يصرح تصريحا واضحا بالأمر بالاقتداء بهؤلاء الحواريين (ياأيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريون من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بنى إسرائي وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) الصف

إننا إذا أتباع الذين هبوا لنصرة الله وقالوا وقت الشدة : نحن أنصار الله

وإننا لنتمنى   أن نقولها بصدق وحق

       

 وبعد ياشباب هذه هويتنا

هذه هويتكم

هذا دينكم وهؤلاء هم أجدادكم وسلفكم وهذا هو تاريخكم وهذه هى أمتكم ومكانتها بين الأمم

فبالله عليكم هل بعد هذا المجد من مجد نفتخر به ونعتزوننتمى بكل ولاء وثقة ؟

إن غيابنا عن هذه الحقيقة هو الذى يردى شبابنا فى التفاهات والسفاهات والترهات ولو أنهم على ثقة من تاريخهم ومجدهم ومكانتهم لارتفعوا عن هذا كله

وإنكم بالتأكيد تنظرون حولكم فترون أصابع خبيثة ومؤمرات خطيرة تهدف إلى تغييب الشباب عن هويته حتى يظل تابعا منهزما منكسرا ملتمسا وباحثا عن عزته هنا أو هناك مستوردا لتقاليد غيره من الأمم ليعيش الشباب عبيدا للشهوات أسارى للانحطاط والانبهار بغيرنا كى يسهل استعبادنا وغزو عقولنا وقلوبنا قبل ديارنا

إن مسؤليتكم الآن أنتم ياشباب هى الدعوة للعودة إلى أصولنا وهويتنا وفطرتنا

ويوم أن يعود الشباب إلى الاعتزاز بتاريخهم ودينهم وملتهم سيرتفعون وسيترفعون على كل الصغائر والسفاسف وعندها سوف يتغير الحال كثيرا كثيرا بإذن الله

                                      ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

 

 

 

 

 

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 156 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2014 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,063