نشأت الجماعة الإسلامية نشأة إيمانية نقية منذ بداية تكوينها ولذا فإن عقيدتها وإيمانها النقى هو الذى حدا بها إلى فهم الاسلام ولذا تقول فى بند فهمنا : (إن إيماننا بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه سبحانه بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون.
وأنه جلّت قدرته (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)"سبأ: 3" وبأنه جل وعلا هو الحكيم في فعله وقوله وتشريعه، وأنه هو الخبير بما يصلح عباده اليوم وغدا
وإن إيماننا بأن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات.
وأن هذا الدين الخاتم جاء للخلق كلهم من يوم بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى قيام الساعة،
وأن كل الخلق مأمورون بإتباعه، {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} [الأعراف: 151]{ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 3].
إن الإيمان بهذه القضايا ليحتم علينا أن نؤمن ونوقن بأن هذه "الرسالة الخاتمة" إنما أنزلت لتستوعب الخلائق كلهم وفق منهجها الرباني الذي ينتظم داخل تشريعاته كل ما يحتاج إليه البشر في حياتهم، والذي جاء ليوضح ويبين لهم كل ما يلزمهم ويصلح شأنهم،
جاء ليحدد لهم العقيدة والعبادة والخلق وسياسة الناس وقيادة المجتمعات والفصل في المنازعات والحكم بين الناس وعلاقات الدول.
وتقول الجماعة فى رسالتها لطلاب الجامعة: ( وأقبل الشباب على دينه يتعلم ويتعرف عليه ويعرف مالذى يطالبه به ويريده منه وكانت مفاجأة وأى مفاجأة حين علم أن ما يفهمه الناس عن الاسلام وماكان يفهمه هو أيضا عن دينه من قبل ليس صحيحا أو ليس كاملا !
فليس الإسلام كما يظنون علاقة فردية بين الإنسان وخالقه لاتتعدى حدود الصلاة والصوم وبعض المواعظ بل هو منهج حياة كامل )
ومن هنا فإن الجماعة عبرت عن فهمها للإسلام بقولها فى بند فهمنا : (نفهم الإسلام بشموله كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين المهديين رضي الله عنهم)
وهى بهذا البند الجامع قد لخصت قضيتين هامتين الأولى هى شمولية الإسلام .
والثانية هى سلفية الفهم
وقبل أن نتطرق إلى هاتين الخاصيتين من خصائص الفهم يلزمنا أن نتذكر تعريف الاسلام .
يقول الميثاق : ألإسلام هو الاستسلا م والخضوع والانقياد لله تعالى رب العالمين طوعا بإتباع ما جاء به النبي الكريم من أوامر ونواهٍ وأحكام وقواعد وحدود تنظم حياة الناس وتنظم كل ما يلزم البشر - في أي زمان وأي مكان - بما يكفل لهم تحقيق خيري الدنيا والآخرة.
وعن شمولية الإسلام يقول ـ إن الله تعالى يقول في كتابه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3]، هذه بضع آية من كتاب الله، فيها ثلاثة عبارات، الواحدة منها تقيم بمفردها الدليل القاطع والبرهان الساطع على شمولية هذا الدين، وأنه دين كامل تام شامل لا قصور فيه ولا عجز، وأنه صالح بل ومصلح لكل عصر ومصر.
إن إكمال الديانة التي هي خاتمة الديانات يعني أن هذا الدين لم يترك شيئا صغيرًا كان أو كبيراً إلا استوعبه وانتظمه بطريقة أو بأخرى،
وإننا نحن المسلمين لا نستطيع أن نترك منه شيئا ونأخذ شيئا آخر، هذا طريق خاسر، مفض إلى هلاك الدنيا والآخرة، {واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة: 49].
ـ إنه ليس من حقنا بحال أن ننقص من هذا الدين شيئا مدًعين أنه ليس منه.
ـ كيف يسعنا أن نترك من دين الله شيئا فلا نعمل به ولا ندعو له، وما هي حجتنا أمام ربنا بعد أن أنزل لنا في كتابه: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3
كما أنه ليس من حقنا أن نقتنص منه جزءاً وندعي أنه هو كل الإسلام ولا شيء وراءه، فلقد نهى الله عن ذلك أكبر النهي، فقال جلت قدرته في كتابه الكريم:{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون}[البقرة: 85
ـ إن الإسلام ينتصر ويعلو، لأنه منهج شامل متماسك يشد بعضه بعضا، فإذا ما انتقص منه شيء أو بتر منه أجزاء أو حذف منه وعدل فيه وغير وبدل، فلا تنتظر له رفعة ولا تمكينا.
ثم إن الواقع الذي نحياه وهذه سنة الله يواجهنا بمتطلبات شتى لا نستطيع أن نفي بها إلا إذا أخذنا بالإسلام كله وعملنا به كله.
ـ فنحن في حاجة إلى عقيدة سليمة؛ حتى يستقيم إيماننا وتطمئن القلوب وتثق وتتوكل على خالقها وبارئها فتعمل غير مبالية بما قد يصيبها، ونحن ندعو إلى هذه العقيدة ونربي الناس عليها.
<!--
ـ ونحن في حاجة إلى العبادات والشعائر، من فرائض وسنن؛ لأنها زادنا الذي لا زاد لنا غيره، وكيف نقطع الطريق بغير زاد؟ لأنها تنقي السرائر وتطهر الجوارح وتزكي القلوب وهي سلاحنا ضد النفس والشيطان، ونحن نعمل على إقامة هذه الشعائر وندعو الناس للالتزام بها.
ـ ونحن في حاجة إلى العلم؛ حتى نعبد الله كما أمرنا سبحانه لئلا نضل أو نزيغ، لئلا نكون من، {الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 104]، ونحن نتعلم ونعلم الناس ما نعلمه.
ـ ونحن بحاجة إلى حسن الخلق؛ حتى تستقيم معاملاتنا، وتسمو سلوكياتنا، وكي يعامل كلا بما يستحقه، وبما أمر به الشرع، ولئلا نتردى في أفعالنا وأقوالنا ونهبط إلى سفه الجاهلية، ونحن نسعى دائما لنهذب من أخلاقنا وأخلاق من حولنا.
ـ ونحن في حاجة إلى تبليغ دعوة الإسلام إلى كل الناس؛ إلى الكافر ليسلم
وإلى العاصي ليتوب
وإلى المؤمن ليثبت ويتقدم،
وإن لم نفعل اندثر الإسلام وضاعت دعوته وسط جحيم الدعوات الكافرة التي تستعر فوق كل شبر من الأرض، ونحن ننطلق داعين لهذا الدين مبشرين ومنذرين.
ـ ونحن في حاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وإلا لتزاحمت علينا المنكرات وأفسدت علينا حياتنا وأخذت بخناق دعوتنا وأذهبت كل آثارها أدراج الرياح، ونحن ندفع من طريقنا كل منكر نلقاه ونأمر بكل معروف نفتقده وفق ما حدده الشارع وبينه العلماء.
ـ ونحن في حاجة إلى الجهاد؛ إذ بغيره لن ترتفع للإسلام راية، ولأنه طريق استعادة أراضينا التي سلبت،
ـ ونحن في حاجة إلى التزام هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم في الكبير والصغير من الأمور؛ لأن هذا يورث حب النبي صلى الله عليه وسلم وحب دين الله والغيرة عليه، وهذه علامة محبتنا لله، {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31.
ونحن نحرص على الاستمساك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وندعو الناس للالـتزام به.
ـ ونحن في حاجة بل في أمس الحاجة لأن نتحاكم بشرع الله في كل الأمور، ونحن نعمل وندعو ونجاهد لإعادة شرع الله حاكما ومهيمنا
نحن في حاجة إلى كل هذا، وإلى كل ما جاء به الإسلام من عقيدة وشعائر وشرائع ونظم وقيم، لا نستطيع بحال أن نتخلى عن جزئية واحدة مما جاء به هذا الدين وإلا لكان الفشل والإحباط نهايتنا ومصير حركتنا ومحصلة دعوتنا إذ أن الله تكفل بنصر دينه الذي أنزله على نبيه ووعد سبحانه بنصر من التزم به من عباده، {ولينصرن الله من ينصره}"الحج: 40 " أ.هـ
ولقد كان لفهم الجماعة للإسلام فهما شاملا ورفضها لتجزئة الاسلام وأخذ بعضه وترك بعض دور كبير فى صدام الأنظمة الحاكمة المستبدة مع الجماعة
فقددارت معارك شرسة فكرية وشرعية وأمنية كذلك بين الحكومات فى العالم الاسلامى وبين الجماعات التى تنادى بفهم الإسلام بشموله ورفع شعار الاسلام دين ودولة مصحف وسيف عقيدة وشريعة ورفض كل المحاولات الضارية التى حشدت لها هذه الأنظمة كل حلفائها من الشرق والغرب واستأجرت لها كثيرا من المحسوبين على الإسلام ليحاربوا من أجل تنحية الإسلام عن واقع الحياة ويحصروه فى المسجد وبعض المعاملات الشخصية .
وفى الوقت الذى انهزم فيه كثيرون وتراجع كثيرون واعتبروا الحكمة هى الإذعان والانسحاب من هذه المعارك اعتبرت الجماعة مايصيبها هو البلاء الموعود وهو الجهاد الواجب باللسان وباليد والمال وأن المسلمين لايسعهم الانسحاب لأن الإقرار بأن الاسلام لاشأن له بمعاملات البنوك مثلا يغرق ديار المسلمين فى الربا والإقرار بأن الاسلام لا شأن له بالحكم يسلم بلاد المسلمين للفجار وأعوان الكفار وأوليائه فى كل مكان فتحملت الجماعة فى سبيل ذلك الكثير لكن انتصار هذا الفهم السليم كان ثمرة تستحق مالاقته الجماعة
والذين عاشوا حقبة اختلاط الفهم على المسلمين خصوصا فى بداية موجة الشيوعية والاشتراكية التى اجتاحت ديار المسلمين ـ حتى علت أصوات عن "الاشتراكية فى الاسلام" ثم موجة العلمانية التى صارت دينا ـ هؤلاء يقدرون المعركة التى كانت من أجل الحفاظ على فهم الاسلام
سلفية الفهم
أما عن سلفية هذا الفهم واشتراط أن يكون المنهج معتمدا على الكتاب والسنة ولكن بفهم أئمة الأمة وأعلامها الثقات فقد جات عبارة (كما فهمه علماء الأمة الثقات المتبعون لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين المهديين رضي الله عنهم ) :
ويقول :( والضابط الصحيح والوحيد لفهم الإسلام فهما صحيحا مجردا عن النقص، منزها عن الخلل؛ هو أن نبحث عن فهم سلف هذه الأمة له، فهم الصحابة والتابعون وأتباعهم ومن اتبعهم من علماء أمتنا الأثبات الثقات الذين لم يبتدعوا ولم يغيروا ولم يبدلوا، الذين امتثلوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ(
قال الأوزاعي: (إصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، والزم سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعه) ويقول : " من أراد الإسلام الذي جاء به النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم؛ فعليه بسبيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي بن كعب، عليه بسبيل سعيد بن المسيب وخارجة بن زيد وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وأبي بكر بن عبد الرحمن وسالم بن عبد الله بن عمر,
عليه بسبيل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، عليه بسبيل البخاري ومسلم وابن معين والمديني، عليه بسبيل ابن تيمية والذهبي وابن القيم وابن رجب رحمهم الله جميعا.
أما من ارتضى غير هذا السبيل، {فقد ضل سواء السبيل} [الممتحنة: 1]، ضل لا محالة طالما أنه لم يسلك طريق أهل الحق، {فماذا بعد الحق إلا الضلال} يونس: 32{)
وللجماعة تفصيل فى كيفية تلقى أدلة الكتاب والسنة والتعامل مع أقوال السلف وآرائهم ومذاهبهم الفقهية سمته : "منهج التلقى "
لماذا نتقيد بفهم السلف ؟!
يقول ـ (إن اتباع سلفنا الصالح هو العصام لنا من أن نضل أو نزيغ، أو نقع في براثن الفرق التي تتمسح بالإسلام وهو منها براء،
واتباع سلفنا الصالح هو الضمان الأوحد للدخول في الطائفة المنصورة الظاهرة على الحق.
قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) رواه البخاري )
والجماعة الاسلامية بوضعها هذا الشرط فقد تبرأت من فهم جماعات التكفير التى تدعو إلى فهم الإسلام من الكتاب والسنة دون الرجوع إلى الأئمة والعلماء الثقات بزعم أنهم " هم رجال ونحن رجال " الأمر الذى أوقع هذه الجماعات فى الضلالات والبدع وتكفير المسلمين رغم أن الله تعالى قال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء
كما تبرأت من فهم الروافض (الشيعة ) الذين لايعترفون بالخلفاء وفهمهم رضى الله عنهم جميعا رغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا باتباع هديهم ( فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى )
إن الله تعالى أمرنا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم واتباع سبيل المؤمنين فقال ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) النساء ولذا فإنه لايسع أحدا ان يخرج عن إجماع الأمة المتمثل فى إجماع ائمتها وعلمائها على مر العصور .
كان هذا إلقاء الضوء على مرجعية الجماعة الاسلامية فى فهمها وتلقيها للإسلام كما جاء فى أدبياتها لعلى وفقت فى ذلك والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل
ساحة النقاش