أسباب سقوط الدول
بسم الله الرحمن الرحيم
أسباب سقوط الدول أهم مايجب على الاسلاميين دراسته الآن أولا للوقوف على أسباب سقوط أول رئيس مسلم منتخب فى مصر بعد ثورة قامت وتضحيات بذلت وثانيا للبحث فى أى هذه الأسباب وقع فيه نظام الحكم حتى يمكن استدراكه إن أمكن ذلك فربما كان استدراكه سببا فى رفع البلاء وثالثا حتى تتفادى الحركات الاسلامية والثورية السقوط فى هذه الأسباب
وقد وجدت هذه المحاضرة للشيخ الفاضل سلمان فهد العودة مفرغة فأحب أن أنقلها إلى إخوانى مختصرة عسى الله أن ينفعنا بها :
. إخوتي الكرام: الدهر دول، والأيام قُلَّب، ولو بقيت الدنيا لمَنْ قَبْلَنا لما وصلت إلينا، ولو بقي المُلك في أيدي السابقين لَمَا وصل إلى اللاحقين، يقول الله عز وجل: ( وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )[آل عمران:140].
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساءُ ويوم نسر
ويقول عز وجل: ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )[البقرة:251] هكذا قرأها الجماعة: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ )[البقرة:251] وقرأها آخرون: (وَلَوْلا دِفَاعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) [البقرة:251] بكسر الدال في (دفاع) والمعنى واحد.أي: أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض، فيدفع هذا بهذا، وهذا بهذا، يدفع الكافر بالمؤمن، ويدفع البلاء عن الفاسقين بالمطيع، وهكذا يبتلي الله بعض العباد ببعض، يبتلي المؤمن بالكافر، ويبتلي الكافر أيضاً بالمؤمن. وهذه الآية تبين لنا سنة إلهية، يسميها بعض العلماء: سنة الخلفية،
والخلفية يعني: أن كل شيء في هذه الدنيا له خلف لا يـبقى، فالإنسان -مثلاً- يموت ويخلفه أولاده من بعده، ؛ فإن كل شيء يخلفه شيء آخر، وقد جعل الله عز وجل في طبيعة هذا الشيء أنه قابل لأن يكبر عن شيء آخر يَضْمَحِلُّ ويزول.
وهكذا الشأن تماماً في الدول، فإننا نعلم الآن أن التاريخ - وقد مر في هذه الدنيا حقب، وعصورـ ، ودهور طويلة - يشهد نهاية دولة وقيام دولة أخرى، وقد يطول عمر الدولة وقد يقصر، لكن النهاية عليها محتومة، كالموت بالنسبة للإنسان، فقد يمتد عمر الإنسان إلى مائة سنة، ومائة وعشر، ومائة وعشرين سنة، لكن في النهاية لا بد أن يموت، ويكون من بعده ورثته وذريته.
وهكذا الشأن في الدول، فقد يطول عمر الدولة، حتى تصبح كما كانت دولة بني العباس، أو دولة العثمانيين، تنيف على خمسة قرون، لكن أتتها النهاية فانتهت، وزالت، وبادت، وقد يقصر عمر بعض الدول حتى تكون سنين قصيرة، أو عشرات السنين على أكثر تقدير.ولو كُتب للإنسان أن يقرأ تاريخ أمة من الأمم، أو دولة من الدول لتعجب من كثرة الملوك، والحكام الذين مروا عليها، وهذا إذا حصل للإنسان فإنه يعطيه إحساساً بالتاريخ، ومعرفة بتغير الأحداث.وأذكر قصيدة لرجل يمني اسمه نشوان بن سعيد الحميري،يؤرخ فيها للتبابعة ملوك اليمن، قصيدة جميلة حلوة، فيها عبرة وعظة يؤرخ فيها لهؤلاء الملوك، وهى مطبوعة مع شرح لها بعنوان: "خلاصة السيرة الجامعة لملوك اليمن التبابعة" وهذه القصيدة يقول في مطلعها:
الأمر جد وهو غير مزاحِ فاعمل لنفسك صالحاً يا صاحِ
كيف البقاء مع اختلاف طبائعٍ وكرور ليل دائمٍ وصباحِ
تجري بنا الدنيا على خطرٍ كما تجري عليه سفينة الملاحِ
تجري بنا في لج بحرٍ ما له من ساحل أبداً ولا ضحضاح
إلى أن يقول - بعدما سرد مجموعة من الملوك -:
وملوك حمير ألف ملك أصبحوا في الترب رهن ضرائح وصفاحِ
إلى آخر تلك القصيدة.المهم: أنه يسرد لك أسماء الملوك، وكم عاشوا، وما شيدوا وبنوا وحكموا وقتلوا وسفكوا، وفي النهاية أفناهم الدهر، ثم انتهت أيامه ولياليه، وأصبح خبراً وأثراًبعدعين
نظريات ابن خلدون في نشوء الدول وسقوطها
والإمام ابن خلدون رحمه الله له كتاب مشهور اسمه المقدمة، وهو مقدمة لكتاب التاريخ الذي ألفه، ويقول في هذا الكتاب: إن أعمار الدول لا تكاد تتجاوز مائة وعشرين سنة غالباً، أي: أن الإنسان عمره قد يصل إلى مائة سنة، يقول: الدول غالباً أنها مائة سنة، أو قريباً من ذلك، وقد تزيد إلى مائة وعشرين سنة.
أأجيال الدول
ويقسم ابن خلدون المائة وعشرين سنة هذه إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: بعدما يحصل للدولة النصر والظفر والتمكين، يكون القائمون عليها أقوياء، فيهم شظف العيش، والبداوة، والبسالة، والشعور بالجهد والتعب الذي بذلوه في تحصيل المُلك، فيكون عندهم قوة، وحزم، وصبر، وتحمل، وحسن سياسة للأمور. فهذا الجيل الأول.
الجيل الثاني: وهذا الجيل أقل من الأول وأضعف منه، فإنه قد أتى إلى دولة قائمة مستقرة، وورث ملكاً عن أبيه ثابتاً، وفي الوقت نفسه يكون لهؤلاء من الترف والدَّعة وأنواع الأموال ما يجعلهم يميلون إلى نوع من التساهل، والعناية بالمآكل والمشارب والمراكب والمناكح والملاذ بهذه الدنيا؛ مع أنهم قد ورثوا شيئاً من القوة، إما لأنهم عاشوا بعض زمن قيام الدولة، أو سمعوا من أخبار آبائهم وحديثهم ما يجعلهم أقوياء أشداء إلى حد ما.
الجيل الجيل الثالث: الذي ما عاش شيئاً من قوة الدولة، وتكاليف نهوضها وقيامها، ولا سمع الأخبار تتلى ممن شاهدوا وعاينوا، ووجد ملكاً موطأً، ووجد مالا، وجاهاً عريضاً، فيميل إلى الراحة والدعة والاسترخاء، وعلى يد هذا الجيل غالباً ما تكون نهاية تلك الدول.
.
أطوار الدول
وأشار أيضاً في مقدمته من جانب آخر، إلى أن أية دولة تمر بخمسة أطوار:
الطور الأول منها: وهو أنها أول ما تقوم يغلب عليهم نشوة الظفر، والحصول على المطلوب، فأي مجموعة من الناس، أصحاب عصبية، أو قبيلة من القبائل جاهدت وقاتلت حتى حصلت على المُلك، تجد أنهم في المرحلة الأولى مجتمعين؛ لأن المُلك حصل لهم جميعاً، فبينهم تعاون وتظافر وتلاحم؛ لأن هذه هي العصبية التي قامت عليها الدولة.
الطور الثاني: وهو أن يعمل بعضهم على الاستئثار بهذه الدولة وبهذا الملك العريض الذي ورثوه، فيحرص أحدهم على أن يكون المُلك فيه وفي بنيه من بعده -مثلاً- وأن يكون له السمعة الحسنة، والجاه العريض، فيعطي الناس العطايا، ويصنع الصنائع، ويُحسِن ليُذْكَر، ويقال: عَمِل فلانٌ، ويُنسى مَن عداه، وهذه هي المرحلة الثانية، وسماها ابن خلدون مرحلة أو طور الاستبداد عن المشاركين والانفراد عنهم بالسلطان.
الثالثة: مرحلة أو طور الفراغ والدعة لتحصيل ثمرات المُلك.
والرابعة: هي مرحلة الخنوع والمسالمة والتقليد للسابقين؛ بحيث يقول الإنسان: ما كان عليه آباؤه وأجداده هو السليم، والخروج عنه قد يؤدي إلى الانهيار.
وأخيراً: مرحلة الإسراف والتبذير؛ حيث يصطنع الحاكم قرناء السوء، ويقربهم منه، ويُبْعِد الجلساء الصالحين الناصحين، فيحملون عليه ويحقدون، ويتمنون زواله.
<!--
أنواع الزوال
والزوال - كما تعرفون - نوعان: زوال مِلَّة. وزوال دولة.
زوال الملَّة
فمن زوال الملة: ما حصل في بلاد الأندلس، فإن الإسلام حكم في بلاد الأندلس نحو ثمانية قرون، وقامت فيها رايات الإسلام، وبُنيت المساجد، وارتفعت المنائر والمنابر، ومازال النصارى يجاهدون، ويكابدون، حتى استطاعوا أن يطردوا المسلمين شيئاً فشيئاً، وبذلك زال الإسلام من بلاد الأندلس بالكلية، حتى حوِّلت الآن في هذا العصر المنائر التي كان ينادَى فيها: الله أكبر، الله أكبر، إلى أجراس للكنائس، وجعلت المساجد في عصر من العصور اصطبلات للخيول، ، وتحولت تلك البلاد إلى ديانتها النصرانية الأولى، وعادت إلى ما كانت عليه، فهذا زوال ملة.
زوال الدولة
القسم الثاني: زوال دولة: مثلاً: بلد إسلامي أهله مسلمون، حَكَمَتْهُم دولة، ثم خلفتها دولة أخرى لم تغير من شرائع الملة شيئاً، ولا من رسوم الدين شيئاً يذكر، وبقي الإسلام حاكماً مهيمناً، لكن تغيَّر الأشخاص، وتغيرت الأسماء، وتغير نمط الحكم، وهذا هو الكثير الغالب.مثلاً: زالت دولة الخلفاء الراشدين، وخلفتها دولة بني أمية، ثم زالت دولة بني أمية، وخلفتها دولة بني العباس، وزالت دولة بني العباس، وجاءت دولة المماليك, وزالت دولة المماليك، وجاءت دولة الأتراك، ثم زالت دولة الأتراك وجاءت دول الطوائف، فأصبح كل بلد منفرداً بحكم خاص، فهذه ليس فيها زوال الملة -غالباً- وإنما فيها زوال الدولة.ولا شك أن زوال الملة هو الأخطر، ولذلك كثر بكاء الشعراء على الدول التي خرجت من بلاد، وتحولت تلك البلاد إلى بلاد الكفر، كـالأندلس -كما ذكرت- وقريبٌ منها فلسطين، فأن اليهود احتلوها، وكادوا أن يفعلوا بها كما فعل النصارى بـالأندلس، ولذلك سماها بعض الشعراء أخت الأندلس، يقول:
خلتُ فلسطين من أبنائها النجب وأقفرت من بني أبنائها الشهب
طارت على الشاطئ الخالي حمائمُه وأقلعت سفن الإسلام والعرب
يا أخت أندلس صبراً وتضحية وطول صبر على الأرزاء والنوب
ذهبتِ في لجة الأيام ضائعة ضياع أندلسٍ من قبل في الحقب
وطوحت ببنيك الصيد نازلة بمثلها أمة الإسلام لم تُصَب
ومع ذلك فالإسلام يتمرد على هذه القيود، وينتفض مرة بعد أخرى، كما نلاحظ في أفغانستان، وفلسطين، وعدن، بل حتى في أسبانيا؛ فإن الذين يزورون بلاد أسبانياالتي كانت تسمى: الأندلس يذكرون أن الإسلام الآن بدأ ينتعش فيها من جديد، وبدأت النشاطات الإسلامية فيها على قدم وساق، وظهرت مراكز إسلامية في عدد من مدن أسبانيا.
<!--
أسباب سقوط الدول
الكيد الخارجي على الدولة
الكيد الخارجي:-وهو كيد الأمم الخارجية، وبروز دول وقوى جديدة؛ لأن الدهر دول -كما سبق-، فهذه دولة تضعف وتلك تقوى، حتى تأكل الدولة القوية الدولة الضعيفة وتَضُمَّها
ـ عواقب الخلاف والانشقاق في داخل الدول:-الانشقاق: سواء في حكامها أو في رعيتها.
الترف والفساد الأخلاقي
ـ هو الإسراف في الترف والفساد في الأخلاق:-وهذا لاشك يورث الغفلة عن صيانة الدولة وصيانة الملة، ويجعل الناس مشتغلين بشهواتهم ولذاتهم ، وبلاد الأندلس أكثر البلاد التي شهدت الترف والإسراف والتبذير، لكن هذا ليس مجالاً لأن نفيض فيه، وإنما أذكر هذه القصة.كان عند المعتمد بن عباد زوجة وبنات في النعيم والترف والقصور والحبور، وفي يوم من الأيام اشتهت زوجته أن تخوض في الطين -لاحظ أذواق المترفين- فهي عندها كلُّ الطعام، والشراب، والفراش الوفير، وأشياء كثيرة كل ما تريده موجود، لكن جاءتها رغبة، قالت: أريد أن أحمل قربة على كتفي وأخوض في الطين!! لكن أين الطين؟! قام المعتمد بن عباد وعمل على أن يؤتى بالمسك والكافور ويُخلط بماء الورد، ويوضع طيناً على الأرض على مسافات هائلة، ويرش عليه ماء الورد، ثم أعطيت هذه القرب الفاخرة التي فيها خيوط من حرير، وصارت تحملها هي وبناتها ووصيفاتها على كتفها وتمشي في هذا الطين، فتحققت بذلك لذاتها...!فهذه لذات المترفين...!والمعتمد بن عباد قلت لكم: إنه مات في أغمات، وبناته كن في الأطمار البالية، لا تكاد تجد الواحدة ما يستر سوأتها وعورتها، فلما رأى هذا المشهد وكان شاعراً فحلاً، قال أبياتاً كثيرة يتذمر فيها من حاله ومآله، ومن ضمن هذه الأبيات:
في ما مضى كنتُ في الأعياد مسروراًفساءك العيـد في أغمات مأسـورا
تــرى بنـاتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس مـا يملكن قطمــيرا
بَرَزْنَ نحـوَكَ للتسليـــم خاشعةًأبصارُهنَّ حسيراتٍ مكـاســيرا
يَطَــأْن في الطـين والأقدام حافية كـأنها لـم تطـأ مسكاً وكافورا
تذكر الوضع السابق! الآن صارت تطأ في الطين فعلاً وأقدامها حافية.
مَنْ بَاتَ بَعْدَكَ في مُلْكِ يُسَرُّ بهفإنه بات في الآمال مغرورا
ـ عدم تمييز العدو من الصديق
عدم تمييز العدو من الصديق:-فاليهود -مثلاً- والنصارى أعداء، والمنافقون والمشركون أعداء، فمن المؤسف أن المسلم تتحول عداوته لهؤلاء إلى ثقة وصداقة، ويصبحون إخواناً وحلفاء وأعواناً لنا في كثير من الأوقات، فتختلط عندنا الأمور ولا نميز بين العدو والصديق..!ولو أردتُ أن أتكلم عن كيد اليهود والنصارى والمنافقين للمسلمين، فأعتقد أن هذا أمر يطول،.ونشوء الفِرَق الإسلامية من الرافضة، والخوارج، وغيرها: لليهود والنصارى دور بارز في مثل هذه الأحداث.وفي الأندلس: دور اليهود والنصارى بارز معروف، وكان من أهم أسباب سقوط الأندلس تولية اليهود الوزارة، واستخدامهم، والثقة بهم، وكانوا عوناً لإخوانهم النصارى على المسلمين.وكذلك العثمانيون: فمن أهم أسباب سقوط دولة بني عثمان، أنها وثقت باليهود والنصارى في مجالات كثيرة، وكانت تعطيهم بعض المناصب.فمثلاً: السلطان محمد الفاتح على الرغم من أنه من خير أمراء بني عثمان وقوادهم، إلا أنه وثق بيهودي، كيف وثق به؟!وثق به لأنه أصبح طبيباً عنده، وهذا اليهودي تظاهر بالإسلام وسمى نفسه يعقوب باشا، وصار هو الطبيبَ الخاص للسلطان محمد الفاتح الذي فتحت القسطنطينية على يديه، فدس له نوعاً من السم يسمى العاقور! وهو سم مفعوله قوي وفعال وسريع، وهو بلون الماء، فدس له السم فشربه وقتله...!!ومع ذلك فعدد من الخلفاء وثقوا باليهود والنصارى، وولوهم ولايات كبيرة تصل أحياناً إلى مستوى وزارات عليا.ولذلك أقول: إن ثقتنا بأعداء الله تعالى من اليهود، أو النصارى: الأمريكان، أو البريطانيين، أو الفرنسيين، أو الشيوعيين الروس، أو البعثيين، أو العلمانيين، أو المنافقين، أو الحداثيين، إن ثقتنا بهؤلاء جميعاً في غير محلها، وهؤلاء صحيح قد يدفعون عنا خطراً -في تصورنا- نتوقعه، لكنهم يجرون إلينا خطراً أكبر.وقبل قليل ذكرت لكم قصة المعتمد بن عباد، وكيف أنه لما استدعاه ابن جهور لحماية مملكته، كان هو الضحية، فإنه قد يقاتل عدوك حتى يدفعه، ثم ينثني عليك، ونحن نعرف مطامع الغربيين وأعداء الإسلام من النصارى واليهود في بلاد الإسلام، وخاصة في البلاد التي أعطاها الله تعالى هذه الثروة الكبيرة (البترول) ويعتبرون أنه لابد لهم من المحافظة عليها وحمايتها وصيانتها.وكم هو مؤسف -أيها الإخوة- أن أصبح رجل الشارع -وهذا أيضاً كما ذكرتُ سابقاً مسئولية الإعلام- أصبح رجل الشارع العادي لا يتوكل على الله، بل يتوكل على بوش! يقول أحد العوام: من يوم جاء بوش أصبحنا ننام في الحوش!! هذه كلمة أصبحت الآن دارجة، سبحان الله!! أليسوا هم نصارى؟! أإلى هذا الحد أصبح المواطن العادي يثق بهم، ويعتمد عليهم؟! وربما يدعو لهم أحياناً! ونسي البراءة من الكافرين، ونسي قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] ونسي العداوة التي قررها الله تعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مع النصارى، والآن أصبحت العداوة مركزة مع اليهود، حتى العداوة مع اليهود: ثقوا ثقة تامة أنها سوف تمحى وتزول، لماذا؟! لأنه قد يكون هناك خطط مستقبلية للصلح مع إسرائيل، "ولا داعي لمواجهة إسرائيل في حرب قد تأتي على الأخضر واليابس"! "ونحن لسنا على مستوى حربها"! إذاً: لا بد من الصلح معها، ويحدث كما حدث في مصر بما يسمونه بالتطبيع، إذ منعوا الكلام عن اليهود وإسرائيل في أجهزة إعلامهم، وربما يساءل الخطيب لماذا تتكلم عن اليهود...؟ وما بقي إلا أن يمنع القراء من قراءة الآيات التي فيها ذمُّ اليهود والنصارى وذكر عداوتهم للمسلمين!!وأحد الولاة جمع الخطباء والأئمة، وقال لهم: انتبهوا لديكم تعليمات ألا تتكلموا عن اليهود ولا عن النصارى، لأننا لا نريد أن نفرق الدولة، ولا أن نمزق الشمل، وعندنا أوامر تقضي بذلك، فلا أحد يتكلم عن اليهود ولا عن النصارى! فأحد الخطباء النجباء الأذكياء قال له: يا طويل العمر! إذاً لازم ما نقرأ سورة الفاتحة؛ لأن فيها قول الله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] والمغضوب عليهم: هم اليهود، والضالون: هم النصارى! فظن المسكين أن السؤال على وجه وأنه جاد، فقال: لا! اقرأوها لكن لا تفسروها للناس، ولا تشرحوها.
: ـ ضعف الأساس الذي قامت عليه الدولة
وهو سبب خطير: ضعف الأساس الذي قامت عليه الدولة:-فقد تقوم دولة من الدول على الجهاد، كما قامت دولة الأيوبيين في الشام ومصر، فقد قامت دولة صلاح الدين الأيوبي على الجهاد ضد الصليبيين، فلما تركت الجهاد فقدت المقوم الذي كان هو سبب وجودها فسقطت خلال ثمانين سنة.وبعض الدول -مثلاً- قامت على أساس الدين، قامت الدولة لحماية الدين والدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحكيم الشريعة، فكانت هذه هي عصبيتها، لأن كل دولة لها عصبية.فعصبية هذه الدولة -مثلاً- أنها قامت على أساس الدين، بمعنى أن هؤلاء الناس الذين ناصروا هذه الدولة وقاموا معها وبذلوا جهودهم وأرواحهم وأموالهم من أجل قيامها، لا من أجل فلان أو علان، بل قاموا لأنهم يريدون التمكين للدين والملة وتحكيم الشريعة، فما دامت هذه الدولة التي قامت على أساس الدين ملتزمة بالأساس والهدف الذي قامت من أجله، فهي لابد أن تكون قوية عزيزة منيعة، لأن الناس يلتفون حولها على هذا الأساس.. لكن إذا فقدت الهدف الذي وجدت من أجله، وهو تحكيم الدين وإقامة الشرع، حينئذٍ فقدت سبب وجودها، فتخلى عنها أنصارها الأولون، لأنهم شعروا أنها تركت الهدف التي قامت من أجله، ولم تكتسب أنصاراً جدداً، وبذلك كان هذا هو سبب زوالها.
ـ ضعف الرقابة على سلوك المسئولين الخاص والعام:-فالمسئولون لهم سلوك خاص، فقد يكون المسئول -مثلاً- منحرفاً، فقد تجد أميراً يشرب الخمر، أو يرتكب الفواحش، أو يترك الصلاة مع الجماعة، أو يعصي الله عز وجل، فهذا نسميه: سلوكاً شخصياً.ولكن هناك السلوك العام، وهو: سلوك الأمير أو الحاكم أو الوزير أو الوالي مع الرعية. فهذا السلوك عام: هل هو حَسَن المعاملة للناس، يعطي الناس حقوقهم، وينصف المظلومين من الظالمين، ويوصل الأموال لأهلها أم أنه باطش جبارٌ معتدٍ أثيم؟فالرقابة من أهم الأسباب لضبط سلوك المسئولين الشخصي، والسلوك العام أيضاً، ولذلك نجد أن الدولة النبوية الإسلامية كانت تراقب سلوك المسئولين بطريقة غريبة جداً، ولعل من أبرز الأمثلة: عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، بلغ عمر بن الخطاب أن سعداً بنى في العراق قصراً، وأنه وضع فيه باباً ولا يدخل عليه الناس إلا بإذن، فـعمر رضي الله عنه حالاً أرسل رسولاً، وقال له: اذهب لقصر سعد فاحرق الباب مباشرة! فانظر! كيف كان علاج تصرفات المسئولين التي لا تعجب عمر، ما ذهب يوبخه ولا يسأله ولا يحقق معه، بل أرسل واحداً وقال: توقد على الباب، وتحرق الباب، ثم أرسل إلى سعد يعاتبه، وينهاه أن يحتجب عن الرعية.ومرة أخرى بلغ عمر بن الخطاب أن خالد بن الوليد مدحه شاعر فأعطاه مالاً كثيراً، فأرسل عمر إلى خالد بن الوليد أن يؤتى به ويدُه مغلولة -كما تقول بعض الروايات- حتى جاء لـعمر وسأله عما فعل.ومن أعجب القصص عن عمر رضي الله عنه في الرقابة الشديدة على المسئولين: أن عمر رضي الله عنه كان لا يولي أحداً من قرابته، فما كان عمر يقول: هذا نوليه لأنه من بني عدي، ولو كان أجهل الناس، وأغبى الناس، وأفسق الناس، وما ولى من بني عدي إلا رجلاً واحداً؛ لأنه رجل رأى عمر فيه صلاحاً، وجدارة في المنصب، وكان اسمه النعمان بن عدي.وفي يوم من الأيام جاءت الأخبار إلى عمر عن النعمان بن عدي هذا، فقالوا له: يا أمير المؤمنين إنه يتغنى بأبيات من الشعر، قال: ماذا يقول؟ قالوا: إنه يقول:أل
ا هل أتى الحسناء أن حليلها بنعمان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنت لي دهاقين قرية وصنَّاجَةٌ تجثو على حرث منسم
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
يعني إذا كنت نديمي في شرب الخمر، فاسقني بالكأس الكبيرة، ولا تسقني بالكأس الصغير المنكسرة.لعل أمير المؤمنين يسوؤه
تنادمنا في الجوسق المتهدم
أي أنه يقول: لو علم عمر فسيسوؤه ذلك.. وهذا شعر ما له حقيقة، فغضب عمر، وكتب إليه كتاباً، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:1-3]. أما بعــد:فإنه قد بلغني أنك تقول: لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم، نعم إنه والله ليسوؤني ذلك، فإذا أتاك كتابي هذا فلا تَلِ لي عملاً، واقدُم علي. جاء الرجل إلى عمر رضي الله عنه، فقال له: والله يا أمير المؤمنين ما شربت الخمر قط، وإنما هي أبيات من الشعر كنت أتغنى بها. قال له عمر: أظن ذلك، لكن -والله- لا تلي لي عملا.فمجرد كونك تتغنى بمثل هذه الأبيات الخليعة التي تدل على أنك تجاهر بشرب الخمر، ولو كنت عفيفاً لا تشرب الخمر.. فبهذا لا يمكن أن تلي لي عملاً.إذاً: من الخطورة بمكان أن أولي إنساناً، ثم لا أضع رقابة على سلوكه الشخصي؛ لأن سلوك الحاكم أو الوالي الشخصي ينعكس على سلوك الناس؛ فكيف يضرب الحاكم الناس في الخمر وهو يشرب الخمر؟! أو يأمر الناس بالصلاة وهو لا يصلي؟! لاشك أنه مطالب بإقامة الحدود، وأمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، وإن ارتكب هو ما ارتكب، لكن الناس لا يقبلون منه ذلك، ولا ينصاعون لأوامره، وأخطر من هذا كله الغفلة عن مراقبته في سلوكه العام: في طريقة إدارتة -مثلاً- وفي ظلمه، ومعاملته للناس، وفي سلوكه معهم، وفي ما يقدم لهم.وأضرب لكم مثلاً: أجهزة الإعلام في الدول كلها، هي اللسان الرسمي الناطق عن الدولة، فإذا أردت أن تعرف دولة، هل هي دولة عقدية شرعية دينية، أو دولة علمانية لا دينية، أو دولة شيوعية، أو دولة رافضية، فانظر إلى إعلامها.فإذا أتيت إلى إعلام الشيعة الرافضة -مثلاً- ماذا تجد؟ لو سمعت إذاعة إيران تجد إذاعات أخذت على عاتقها الدعوة للمذهب الرافضي الباطني الخبيث بكافة الوسائل والأساليب التي يحسنونها. فتأتي إلى تلفازهم، فتجد أنه أخذ على عاتقه نشر المذهب الرافضي الخبيث والتمكين له.وتنتقل إلى دولة شيوعية تجدها حاولت من خلال أجهزة الإعلام: من تلفزة، وإذاعة، وصحافة، وغيرها، أن تصبغ الشعب كله بالصبغة الشيوعية.وتأتي إلى دولة علمانية تجد إعلامها خليطاً: يهتم بالإثارة الجنسية، وبالأغاني، وبالموسيقى، ويهتم بالأخبار العلمية البحتة، ويهتم بالرياضة وأخبار الشباب، وما أشبه ذلك، لأنه علماني -لاديني-.وتأتي إلى الدول الإسلامية، فماذا نجد في إعلامها؟ هل هناك رقابة على إعلام هذه الدولة، أو على المسئولين في الإعلام؟ ماذا يقدمون للناس؟! إذا أردنا أن نحسن الظن، قلنا: ليس هناك رقابة، ولذلك أصبح الإعلام في البلاد الإسلامية -أيضاً- على أحسن الأحوال، إعلام علماني، فربما يكون أحسن إعلام من الناحية الدينية -فقط- هو في المملكة، ومع ذلك يقولون -هم-: إن البرامج الدينية في التلفاز لا تزيد على (25%) إذاً ماذا تكون بقية البرامج، ثم ما نوعية هذه البرامج التي تقدم؟!.
فساد الاقتصاد ـ
:-ومن الملاحظ فيما يتعلق بالمال -أيها الأحبة- أن كل الناس يسخطون له، فالأمور الدينية يسخط لها طبقة من الناس، إذا حكومة من الحكومات أساءت إلى الدين، وتعرضت للمتدينين، أو انتهكت حرمة، فإنما يسخط لذلك المتدينون، وهم طبقة من الناس، وفئة من المجتمع.
وفي مقابل ذلك إذا قامت دولة من الدول، أو حكومة من الحكومات بالقضاء على بعض مظاهر الفساد، من القضاء -مثلاً- على مواخير الدعارة والبغاء، أو منع شرب الخمور، أو ما أشبه ذلك، غضب لهذا الإجراء طبقة وهم المفسدون والمنحرفون والضالون.
لكن هناك شيء يغضب له الجميع: الطيِّب والخبيث، المؤمن والفاسق، الكبير والصغير، ألا وهو المال! فإن أي دولة إذا مست الناس في أموالهم، كسبت بذلك سخطهم وكراهيتهم، يستوي في ذلك الطيب وغيره، فالإنسان الصالح إذا أَخَذْتَ مَالَه أبغضك، والخبيث إذا أخذت ماله أبغضك ، فإذا أرادت الدولة، أو إذا أراد المندسون في الدولة والذين يريدون بها شراً أن يوقعوا بينها وبين شعوبها، عملوا على الإكثار من فرض الضرائب والإتاوات والرسوم وغيرها،.بحيث أصبحت الضرائب تثقل كواهل الناس، وتجعلهم يئنون تحت وطأتها، ويتمنون زوالها وزوال من فرضها عليهم. ، أي أن الناس ساخطون كلهم بسبب قلة ما في أيديهم، وبسبب الضغط عليهم وسوء تصريف الأموال، فيأتي إنسان يستغل هذا السخط لمصلحته، فإن كان إنساناً متديناً استطاع أن يستفيد من سخط الناس في القضاء على المنكرات ومقاومة الفساد الموجود.. وإن كان خبيثاً شيوعياً أو غيره، استطاع أن يَنْدَسَّ مع الناس، ويستفيد من ثورتهم في تحقيق مطالبه ومآربه، فيرفعون لافتات تؤيد مذاهبهم التي ينتمون إليها، وإن كان جمهور الناس لا يؤمنون بهذه المبادئ ولا يتحمسون لها، ولا يغضبون لها. ومن سوء التصرف في المال: العطايا التي ليس لها مبرر إلا المزاج الشخصي، ولذلك قالوا في الحكمة:
من علامة إدبار الملك أن تكون عطاياه وعقوبته بسبب أغراض نفسه، أو أغراض أتباعه، ومن علامة إقبال الملك أن تكون عطاياه وعقوبته تحت الإيجاب بالعقل والشرع وطول الامتحان،
أي: أنك إذا وجدت أن دولة تعطي الناس المال عطاء في محله يقبله العقل والشرع، فاعلم أن هذا من علامة قوتها ورسوخها، وإذا وجدت أن المال يضرب به يمنة ويسرة دون ضابط ولا مقياس إلا المزاج الشخصي؛ فاعلم أن ذلك من علامات الإدبار.وانتشار الرشوة في أي بلد على مستوى الفرد وعلى مستوى المسئولين من أسباب زوالها واضمحلالها.
ومن ذلك احتكار الأشياء لأشخاص معينين، سواء في ذلك احتكار السلع، بحيث إنهم هم الذين يستوردونها ويوفرونها للناس، أو احتكار الشركات لأفراد معينين، أو احتكار الأعمال والوظائف فإن هذا من علامات الإدبار.
إهمال تربية الشعب وعدم اصطناع الرجال:-فإن الحكم في الرجال، ولذلك يقال في الحكمة: ليس الحاكم من ملك العبيد، بل من ملك الأحرار، وتملك الأحرار ليس بأن تشترى ذممهم بالأموال، ولكن بالاصطناع، وحُسن المعاملة، والاحترام، والتقدير، ومشاورتهم في الأمور، وإشعارهم بأن الأمر أمرهم وأن لهم دوراً في الأحداث وأنه يؤخذ بقولهم فيما أصابوا فيه، فهذا اصطناع الأحرار، وبهذا نجحت الدول وتقدمت.فالأمة بأفرادها، وعند الأزمات تظهر الحقائق، فتبين الشعوب الضعيفة الواهنة التي لم تتدرب إلا على الأكل والشرب والنوم والتلذذ، من الشعوب التي تربت على القوة والإقدام والاستعداد لكل طارئ،
ولاشك أن الحاكم -أحياناً- يحلو له أن يحكم قطيعاً من الغنم.قطيع يساق إلى حتفهويمشي ويهتف للجازرينولكن إذا نـزلت الأزمات والملمات، أدرك حينئذٍ أهمية صناعة الرجال الأقوياء الأشداء، وكما قيل:ستعلم حين ينكشف الغبارجواداً تحت رجلك أم حمار
الظلم
الظلم:-ورُبَّ دعوة مظلوم تُسقِط دولة؛ ولذلك جاء في الحديث: {اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} وجاء في مسند الإمام أحمد وغيره بسند حسن: {اتق دعوة المظلوم ولو فاجراً -وفي رواية ولو كافراً-} ففجوره على نفسه، فإن الظلم من أعظم أسباب زوال الدول، ولذلك قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الله تعالى ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ويخذل الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.فالعدل أساس الملك -كما يقال- وكثيراً ما تجد سبب زوال دولة ظلم، إما ظلم عام، أو ظلم خاص.فمن الظلم العام -مثلاً-: نهب أموال الرعية، وأخذ أراضيهم، والمحسوبية في الشركات والأعمال والوظائف وغيرها. ومن أنواع الظلم: التفاوت والطبقية في الناس، بحيث إنه إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق الشريف تركوه، فكأن هناك أناساً يجري في عروقهم دم مقدس، إن سرقوا، أو زنوا، أو فجروا، لا تقام عليهم الحدود، فيتركون وربما يؤدبون بأدب معين، كأن يسجن، أو يوبخ، أو يجرد من منصبه، أو ما أشبه ذلك، لكن لا يقام عليه حد وحكم الله تعالى، فإذا سرق ضعيف من سائر الناس، فإنه يقام عليه الحد؛ فهذا من الظلم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أسباب هلاك الأمم، فلما كُلِّم في المخزومية التي سرقت قال صلى الله عليه وسلم: {إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه -وفي رواية أقاموا عليه الحد- وإذا سرق فيهم الشريف تركوه، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد صلى الله عليه وسلم يدها} إلى هذا الحد بلغ العدل، حتى مع أقرب الناس.
والعدل -أيها الأحبة- ليس مجرد تهريج وخداع وتضليل للناس، فأحياناً بعض الحكام يريد أن يتظاهر بالعدل، فيصنع مناورة في جهاز من أجهزة إعلامه، يضحك بها على الخلق، ويخيل إليه أن الناس غُفَّل وسذج، يصدقون ما يقول.وأذكر -على سبيل المثال- أن أحد الحكام في دولة عربية -ولا يزال موجوداً- في يوم من الأيام كان له ولد يقوم على جهاز من أجهزة الأمن، هو المسئول عن استخبارات بلده، فهذا الولد كان كأبيه سفاكاً للدماء قتالاً، فقتل مجموعة من الناس، ومن ضمن من قتل رجل كان خادماً عند أبيه، وسأل: أين فلان؟ فقيل له: قتله ولدك فلان! فغضب وهاج وماج، ووجد أهل القتيل غاضبين لماذا يقتل وهو يعمل في بلاط الرئيس؟! إلى غير ذلك، فأراد الحاكم أن يصنع موقفاً يضحك به على عقول البلهاء والسُذَّج، فأعلن أنه سوف يقتل ولده، وشاع هذا في أجهزة الإعلام، حتى في أجهزة إعلامنا هنا نشر الخبر، أن الرئيس سوف يقتل ولده قصاصاً، ما شاء الله تبارك الله..! إلى هذا الحد.. العدلُ...؟!لكن تدخل أهل القتيل، وأعلنوا للرئيس أننا نحن متنازلون، وولدك في الواقع ولدٌ لنا، وقتلك له قتل لنا، ونحن نتنازل عن دم ولدنا، ونريد أن تحقن دم ولدك الذي قَتل، وهكذا حقن دم ولده، وأعاده إلى عمله! فهذه ألعوبة، ليس هذا هو العدل،
العدل هو أن يكون الحاكم يجري الأحوال والأمور والحدود والأحكام على القريب والبعيد والعالي والنازل والشريف والوضيع على حد سواء، وإلا فليأذن بزوال مملكته ودولته عاجلاً غير آجل.وأذكر لكم قصة شهدتها بلاد الأندلس، وهي تدل على أثر الظلم في زوال الدول واضمحلالها.
كان هناك رجل اسمه المعتمد بن عباد حاكماً لبعض هذه الولايات، وكان رجلاً شجاعاً قوياً كريماً طموحاً فيه من خصال الخير ما فيه، ولكن كان فيه ترف وبذخ وإسراف في تضييع الأموال، استعان به رجل من بني جهور، قد هاجمته قوة مجاورة، فاستعان بـالمعتمد بن عباد وقال له: تعال، احمِ دولتي من الغازي الذي هو ابن ذي النون، الذي يريد أن يقضي على مملكتي.فجاء المعتمد بن عباد ليساعد ابن جهور ويحمي دولته، جاء بجيش قوي كثيف، ومعه جنده وأعوانه، فصار على حدود مملكة بني جهور، فلما رأى ابن ذي النون الغازي هذا الجيش انسحب وهرب.إذاً المهمة التي جاء من أجلها المعتمد بن عباد انتهت، والجيش الذي أتى ليطرده قد هرب بنفسه.وخرج الحاكم من بني جهور في الصباح الباكر ليودع جيش المعتمد بن عباد، ويشكرهم على نجدتهم وعونهم، فلم يرعَ إلا والمعتمد بن عباد قد بثَّ جيوشه في المدينة وحوالي القصر، وجعل الشرطة في كل مكان، واحتل المدينة! وكما يقولون -بلغة العصر الحاضر-: اجتاحها، اجتاح المدينة وسيطر عليها تماماً كما فعل العراق بـالكويت؟! في صبيحة يوم لم يكن يخطر ببالهم شيء من ذلك!!فالجيش جاء ليحمي المدينة وإذا به يحتل المدينة! فأصيب الحاكم من بني جهور بصدمة عنيفة، وقبض عليه، وقبض على والده، وكان والده قد أصيب بالفالج "الشلل النصفي" ومالَ شدقُه، ومات شقه، وكان يعيش حالة صعبة.فقُبض عليه، وأخذت أموالُه، وأودع أولاده في السجن، أخذ عَبيدَه، وسُبِيت زوجاتُه، ثم أخرج من المدينة بهذه الصورة، ونفي إلى مدينة أخرى، فكان أبو الملك وهو الذي أصيب بالفالج، ومال شدقه، كان يقول لولده: -والله- إن هذا لأثر دعوة مظلوم ظلمناه بالأمس. يقصد الذي أصابنا.ثم رفع الأب المشلول بصره إلى السماء، وقال: اللهم كما انتقمت للمظلومين منا، فانتقم لنا من الظالمين، إذاً الآن الدور واقف على المعتمد بن عباد.وظل المعتمد بن عباد في ملكه فترة، حتى اجتاحت مُلْكَه دولة المرابطين، وأسر المعتمد بن عباد، وأخذت أمواله، وأخذ أولاده، وقَضَى حياته في أغمات في مدينة بـالمغرب أسيراً أثقلت القيود يديه ورجليه، ومات في السجن!وكانت بناتُه بالأمس (بنات الملك) لهن من الترف ما سوف أذكره لكم في قصة طريفة بعد قليل، فأصبحت بناتُه يشتغلن بالغزل في الشوارع، يَغْزِلْنَ للناس، حتى إن إحدى بناته وقفت في يوم من الأيام تغزل لرجل، فلما نظرت إلى هذا الرجل كان أحد العرفاء -أحد الشرطة- عند والدها! تغزل له مقابل مبلغ يسير من المال تقتات به، وتطعم والدها الذي أصبح في السجن..! فانتقم الله تعالى أيضاً من المعتمد بن عباد، كما انتقم قبل من بني جهور..إذاً كم من دعوة مظلوم أسقطت دولة! والعدل أساس الملك.
ـ سوء اختيار الأعوان
-ولعل هذا من آثار الاستبداد، فإن الطاغية المستبد تعوَّد ألا يسمع كلام نقد أو ملاحظة،، ولذلك تحجب عنه الحقائق من خلال هؤلاء الأعوان، يختار أعواناً بيده يحجبون عنه الحقائق، وما يعانيه الناس من آلام وما يعانيه الناس من فقر، ويحجبون عنه ما يعانيه الناس من كبتٍ للحريات وما يعانيه الناس من اضطهاد ومن تسلط الأمراء والوزراء والولاة عليهم، ويقولون له: إن كل شيء على ما يرام، فيرتاح لهم ويقربهم ويُدنِيهم.فإذا جاءه إنسان آخر ناصح، وقال له: إن الأمور على عكس ما يقال لك، وإنه يوجد في مكان كذا مضايقات، والطاغية الفلاني يؤذي الناس، والحاكم الفلاني يعتدي على الأعراض، وفلان ينهب الأموال، وفلان يأخذ كذا؛ فإنه يكره هذا الناصح؛ ويبغضه ويقصيه ويبعده؛ لأنه عكر مزاجه، وقال له كلاماً لم يتعود أن يسمعه.ولذلك فإنه -من جهة- يكون من أهم أسباب زوال الدولة وفسادها: أن الطاغية المستبد يبعد المؤمنين الصادقين الناصحين ويقرب المنافقين.ومن جهة أخرى، فإنه في كثير من الأحيان يكون المقياس الذي يقرب به الأفراد، ويولَّوْن المسئوليات والمناصب، ويكونون أعواناً، يكون مقياساً مختلاً، فإن المقياس الصحيح هو الكفاءة: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26] فإذا وجد في إنسان قوةٌ وأمانةٌ في كل شيء بحسبه، أصبح صالحاً للولاية في مجاله، ولكن قد يختل هذا الميزان -أحياناً- وتصبح القضية أن هذا يولَّى لأنه من قبيلة كذا، أومن بلد كذا، أو لأمر من الأمور، أو لمصلحة من المصالح، أو لمراعاة شيء ما.ولو جردتَ هذا الإنسان من اسمه، وجردتَه من نسبه، وجردتَه من شرفه، لأصبح لا يصلح أن يكون أميراً على اثنين، أو والياً على أدنى ولاية! ليس لديه عقل راجح يُمدح به، ولا بصر نافذ، ولا خلق حسن، ولا تجربة تنضجه! كل ما في الأمر أنه يملك شرفاً أو سؤدداً أو مكانة معينة، فأصبح بها أهلاً للولاية، فلو جردته من هذا الشرف، أو النسب، أو السؤدد لوجدته شخصاً عادياً، أو في كثير من الأحيان أقل من العادي.ولذلك قد يصل الأمر في كثير من عصور التاريخ الإسلامي إلى ما سماه النبي صلى الله عليه وسلم: إمرة الصبيان، وإمرة السفهاء، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من إمرة الصبيان، كما قال أبو هريرة: [[أعوذ بالله أن تدركني سنة ستين أو أمرة الصبيان]]. وذُكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من إمرة الصبيان؛ لأن الصبي ليس لديه خبرة، فيأتيه كريم قوم، ويأتيه عزيز، أو شيخ قبيلة، أو إمام، أو عالم جليل، أو ذو مكانة، فلا يأبه به، ولا يكترث له، بل قد يهينه، ويتكلم عليه بالكلام البذيء، وقد يعتدي عليه، وقد يسقط حقه، ولا يعرف لذي قدر قدره، ولا لذي مكانة مكانته.في حين إذا جاءه بعض السفهاء الذين يسرون عن خاطره بالنكت والطرائف، ويتكلمون معه بالكلام، فإنه يقربهم ويدنيهم، ويأخذ مشورتهم ورأيهم.ومما يروى عن كسرى أنو شروان وهو أحد ملوك فارس، أنه كان يقول: الملك بالأعوان. انظر! كيف تَخْرُج الحِكَمُ حتى من أفواه الكفار الذين خبروا الأمور وجربوها. يقول: الملك بالأعوان، لأن الحاكم مهما كان، فليس كالشمس سيشرق على الدنيا كلها، وإنما يستطيع أن يعرف الأحوال بالأعوان، (فالملك بالأعوان، والأعوان بالمال، والمال بالخراج، والخراج بالرعية، والرعية بالعمارة، والعمارة بالعدل) لاحظ هذا التسلسل، تجد أنه ينطبق انطباقاً تاماً على الواقع.ولذلك يقول أبو مسلم الخراساني، وقد سئل عن سبب سقوط دولة بني أمية، يقول: لأن دولة بني أمية قرَّبت الأعداء، حتى تأمَنَ شرَّهم، وأبعدت الأصدقاء ثقةً بهم، فقرَّبت الأعداء لتأمَنَ شرهم، فإذا وجدوا شخصاً يخافون منه؛ أعطوه ولاية، وأعطوه منصباً؛ حتى يأمنوا شره، وأبعدوا الأصدقاء ثقة بهم، واتكلوا على حسن الثقة بينهم وبينهم، فأبعدوا الأصدقاء، يقول: فلم يتحول العدو إلى صديق، بل تحول الصديق إلى عدو، والعدو بقي على عدوانه، واستغل منصبه في تحقيق مطامعه، لكن الصديق الذي يمكن أن تصطنعه وتوليه وتثق به تحول إلى عدو؛ لأنه رآك أبعدته، وقربت أعداءك ومناوئيك.وهكذا الشأن في كثير من الدول، فبعض الدول يكون فيها أحزاب منحلة منحرفة، أحزاب علمانية، أو بعثية، أو قومية، أو يسارية، أو شيوعية، فهذه الدول تريد أن تأمن شر هذه الأحزاب وتحتويها، فتحاول أن تعطيهم بعض المناصب والوزارات والولايات، وتقربهم، وتشاورهم في بعض الأمور، وتظن أنها بذلك سحبت البغضاء والعداوة من قلوبهم، ولا تدري أن هؤلاء لا يزالون يتغلغلون ويتخلخلون ويتآمرون؛ حتى يقتحموا ويسقطوا هذه الدولة أو تلك بما مكنت لهم وأعطتهم في الوقت الذي لا يكون لها أنصار؛ لأن الأنصار الحقيقيين الذين كانوا أعواناً لها لم تخف الدولة منهم، ولذلك لم تعطهم المناصب والولايات، ولم تأخذ برأيهم في النوازل والملمات.
الاستبداد
الاستبداد والفردية في الرأي، وزوال الشورى:-وذلك أن الله عز وجل أعطى كل إنسان عقلاً وفهماً وإنسانية وشخصية، فإذا أهدرتَ عقلَ الإنسان أو شخصيتَه، فإنه لا ينفعه أن تعطيه الدنيا كلها، أرأيت إنساناً تزدري عقلَه وتحتقرَه وتهينَه، أو تستخفَّ به، أو تعاملَه بخلقٍ سيء، هل ينفعك معه أن تعطيه المال الكثير الوفير؟! هذا لا ينفعه أبداً.ولذلك يُقال: إن فرعون الطاغية المتجبر، المتأله الذي كان يقول: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38] كان يقال: إن فرعون باذخ في العطاء و�
ساحة النقاش