علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة



قال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} الزمر وقال {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} آل عمران .
حاجة الفرد والجماعة إلى العلم
إن الأمة المسلمة التي تعمل لإعلاء كلمة الحق وتقوم بأمر الله عز وجل، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتذود عن دين الله وتسعى لإعادة الخلافة وتهدف إلى تعبيد الناس لربهم؛ لفي أمس الحاجة إلى العلم الذي يهديها ويبين لها كيف تعمل
ألم ترث الأمة المسلمة هذه المهام والواجبات عن رسولها صلى الله عليه وسلم؟
فكيف لا تأخذ من ميراثه صلى الله عليه وسلم الزاد الذي يعينها ويبلغها هدفها؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارا ولا درهما وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)
وما أجمل مقالة معاذ بن جبل رضي الله عنه في العلم: (وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، وهو إمام والعمل تابعه، ويُلهَمه السعداء ويُحرمه الأشقياء)
إن أرادت الأمة الاسلامية العمل لدين الله فعليها بالعلم،
تتعلم عقيدة سلفها الصالح لئلا تضل أوتبتدع، عليها بالعلم تفهم به دينها الذي تريد أن تعمل له،عليها بالعلم تتعلم كيف تدعو {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} يوسف: 108 ، تتعلم كيف تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر،
متى يجوز ومتى لا يجوز،
تتعلم: من الذي يجوز أو يجب الاتحاد معه؟ ومن الذي تجب مفارقته ويحرم الاجتماع معه؟
فإن أبت الأمة أن تتعلم
أفسدت ولم تصلح، أضرت ولم تنفع، انهزمت ولم تنتصر، خسرت ولم تربح،ضلت ولم تهتد.
فإن العابد بغير علم كالسالك على غير سبيل،
وصدق ابن رجب الحنبلي إذ يقول: (من سلك طريقا يظن أنه طريق الجنة بغير علم فقد سلك أعسر الطرق وأشقها ولا يوصل إلى المقصود مع عسره ومشقته)
فمن أراد السير إلى الله والدار الآخرة فعليه بالعلم، فإن حاجته إلى العلم أشد من حاجته إلى الطعام والشراب
وفي الحديث: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)
قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: (العلم يدل على الله ومن أقرب الطرق وأسهلها، فمن سلك طريقه ولم يعرج عنه وصل إلى الله وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها)
من أراد أن يكون من المتقين فالعلم طريقه إلى التقى
قال بعض السلف: (كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقى؟
وقال معروف الكرخي: (إذا كنت لا تحسن التقى أكلت الربا)
وقال ابن رجب: (أصل التقوى أن يعلم العبد ما يتقى ثم يتقي)
من أراد أن يكون من المتوكلين فليتعلم ما هو التوكل لئلا يترك الأخذ بالأسباب المشروعة فيعصي بذلك وهو يحسب أنه متوكل، كمن خرج مجاهدا بغير سلاح بحجة التوكل
ومن أراد أن يكون من الصابرين فالعلم مطيته لذاك الهدف، لئلا يقع في الذلة والهوان ظنا منه أن الصبر هو ذاك
لم يدع العلم عملا إلا وكان الهادي إليه والمرشد له سواء عمل القلب أو الجوارح، فالعلم باب كل عمل وقد أمرنا أن نأتي البيوت من أبوابها
من أجل هذا ارتفعت منزلة العلماء وصاروا ورثة الأنبياء ولم يسوِ القرآن بينهم وبين غيرهم، {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} [الزمر: 9]، بل حصر الخشية وقصرها على أهل العلم: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28
ومن أجل هذا كانت الأهمية البالغة للعلم والعلماء حتى قيل إن عالما واحدًا أشد على الشيطان من ألف عابد
ومن أجل هذا قسم الإمام علي رضي الله عنه الناس إلى أقسام ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ذي ناعق
فأبناء الأمة؛ إما أن يكونوا من الصنف الأول - أي من العلماء
- أو يكونوا من الصنف الثاني - أي من طلاب العلم
- والويل كل الويل لهم ولأمتهم إن كانوا من الصنف الثالث
أقسام العلم
العلم بالله والعلم بأمر الله
والعلم الذي نطلبه زادا لنا قد حصره علماء السلف في أمرين اثنين؛ علم بالله، وعلم بأمر الله
أما العلم بالله تعالى؛
فهو العلم بأسمائه وصفاته، وذلك يورث القلب الخشية والخشوع والخضوع والانكسار لله رب العالمين ويورث الجوارح الانقياد، والامتثال والاستسلام والطاعة لله عز وجل
وهو أشرف العلوم وأعلاها رتبة لتعلقه بالله تبارك وتعالى.
وقد قال كثير من السلف: (ليس العلم كثرة الرواية ولكن العلم الخشية)
وقال بعضهم: (كفى بخشية الله علما)ً
وقال حذيفة رضي الله عنه: (إن أول ما يرفع من العلم الخشوع
وأما العلم بأمر الله؛ فهو العلم بالحلال والحرام وبمختلف الأحكام الشرعية وطريقة استنباطها... ونحو ذلك
العلم بأمر الله قسمان
والعلم بأمر الله منه ما هو فرض عين ومنه ماهو فرض كفاية ففرض العين هو ما يتعين على كل مسلم أن يتعلمه وهو ما تصح به عباداته ومعاملاته وعقيدته
فيتعلم ما يحتاج إليه في عبادته كالطهارة والصلاة والصيام، ويجب على كل من له مال أن يتعلم ويعرف ما يجب عليه في ماله من زكاة ونفقة وحج وجهاد
ويجب على من يتاجر أن يتعلم ما يحل وما يحرم من البيوع
لذا قال ابن عمر: (لا يبع في سوقنا إلا من فقه في الدين)
قال الإمام أحمد بن حنبل: (الذي يجب على الإنسان من العلم ما لابد له في صلاته وإقامة دينه)
وأما هو فرض الكفاية
إذا قام به من تحصل به الكفاية وإلا أثم كل قادر عليه لم يقم به، وذلك كعلوم الحديث والرجال والجرح والتعديل والأصول وعلوم المواريث وكل العلوم التي يحتاجها الناس لحياتهم وما تتقوى بها الأمة ونحو هذا
فما هو العلم الذي تحتاجه الأمة ؟
وبأي قدر تنهل من هذا المنهل العذب؟
كل أفراد الأمة يجب أن يكون عندهم من العلم بالله تعالى ما يحضهم على طاعته وإقامة فرائض دينهم، ويحجزهم عن معصيته، وفي هذا العلم فليتنافس المتنافسون، وأكثرهم منه تزودا أكثرهم من الله قربا
و يجب عليهم أن يتعلموا ما تصح به عقيدتهم وعبادتهم ومعاملاتهم، وهذا فرض عين على كل بحسبه وفق ما يحتاجه في أمور دينه ودنياه
ويجب على كل من يطلع بأمر من الأمور أو يكلف بتكليف من التكليفات أن يحصل من العلم ما يلزمه للقيام بهذا الأمر،
فمن كلف ببيت مال المسلمين وجب عليه أن يتعلم موارد المال ومصارفه،
ـ ومن كلف بالاحتساب وجب عليه تعلم فقهه وهكذا
ثم إنه يجب أن تقوم طائفة من بين الصفوف لتحصل العلم الذي هو فرض كفاية خاصة ذاك الذي يتعلق بحاجات الناس وبعمل الأمة وحركتها وقوتها وانتصارها
ولتحذر الأمة من هذا الصنف من العلماء بأمر الله الذين اضمحل نصيبهم من العلم بالله تعالى فهؤلاء يعرفون الحرام ولكن لا يتركونه وقد يفتون بحله
يعرفون الواجبات ولكن لا يقومون بها وقد يرخصون في تركها
هؤلاء الذين لا يضبطهم ورع ولا تقوى سيكونون وبالا على الأمة وحركتها
وصدق والله أمير المؤمنين عمر: (إن أخوف ما أخاف عليكم منافق عليم بلسانه)

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 26 مشاهدة
نشرت فى 20 أغسطس 2024 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

345,923