علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة


 أذكار الصباح والمساء من أقوى ما يستعين به المؤمن على تجديد إيمانه قبل مكافحة أعمال النهار وهواجس الليل.. وكلما تقدم الزمان وكثرت الفتن والظلمات وتعقدت الحياة وازدحمت وزادت ضغوطها.. كلما كان المؤمن أحوج إلى الاعتصام بذكر الله تعالى.. فهو الحياة وهو النور وهو القوة وهو الملجأ الأمين والحصن الحصين.
وبالتأكيد كلما كان التدبر والتأمل في الأذكار أعمق كان انتفاع القلب به أعظم وشفاؤه به أقرب.
والتدبر ثمرة من ثمرات العلم بمعنى الذكر الذي يردده اللسان.. وكلما كانت حصيلة الذاكر من المعرفة بمعاني الأذكار أوفر.. كان تدبره أسهل وأكثر.. حتى إنه يظل يقلب الذكر ويتأمله من وجوه عدة.. فمرة من ناحية الإعراب.. ومن البلاغة.. ومن حكم فقهي إلى معنى إيماني إلى حكمة إلهية.. وغير ذلك مما يغرى القلب بالتوغل في أعماق الذكر.
وهناك في الأعماق ما أجمل الصدف واللآليء والمرجان.. وما لا عين في غير ذلك رأت.. ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب إنسان.
لأجل ذلك حاولت أن أقدم لك أخي المسلم ما يعينك على تدبر الأذكار.. لعل الله تعالى يمتعني وإياك في جنة الدنيا قبل جنة الآخرة.. وجنة الدنيا هي الرضا به ومحبته وخشيته والتوكل عليه.. ورجاء ما عنده والشوق إلي لقائه سبحانه.. وكل ذلك من ثمرات ذكره.
وقد قسمت الموضوع إلى أجزاء على سبيل التشويق ودفع الملل.. وحاولت أن أقلل من الهوامش.. وعزو النقول إلى مصادرها حتى لا أضطرك للانقطاع في موضوع تقل فيه الحاجة إلى توثيق الأقوال لقلة الخلاف فيه.. على أنى سأذكر المراجع في نهاية الموضوع بإذن الله.
....
أصبحنا/ أمسينا و أصبح المُلكُ لله و الحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذا اليوم و خير ما بعده و أعوذ بك من شر ما في هذا اليوم و شر ما بعده، رب أعوذ بك من الكسل، و سوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار و عذاب في القبر:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: "أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها ،رب أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، وأعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر" وإذا أصبح قال ذلك أيضا: (أصبحنا وأصبح الملك لله) رواه مسلم.
(أمسينا وأمسى الملك لله) دخلنا في المساء ودخل فيه الملك كائنا لله ومختصا به وهذا بيان لحال القائل أي عرفنا وأقررنا بأن الملك لله.
(والحمد لله) لا لغيره فالتجأنا إليه وحده واستعنا به وخصصناه بالعبادة والثناء عليه والشكر له..
ولهذا أعلن بعد ذلك إيمانه وتوحيده فقال: (ولا إله إلا الله وحده لا شريك له).
(وحده) فيه توكيد للإثبات .
(لا شريك له) توكيد للنفي وهذا تأكيد بعد تأكيد.. اهتماما بمقام التوحيد وتعلية شأنه.. ولما أقر لله بالوحدانية أتبع ذلك بالإقرار له.. بالملك والحمد والقدرة على كل شيء فقال (له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)
وفى الإتيان بهذه الجملة المتقدمة بين يدي الدعاء فائدة عظيمة فهو أبلغ في الدعاء وأرجى للإجابة.. ثم بدأ بعد ذلك يذكر مسألته وحاجاته فقال: (رب أسألك خير ما في هذه الليلة).. أي خير ما أردت وقوعه في هذه الليلة للصالحين من عبادك من الكمالات الظاهرة والباطنة ومن المنافع الدينية والدنيوية (وخير ما بعدها) ومن الليالي (وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها) وأعتصم بك والتجىء إليك من شر ما أردت وقوعه فيها من شرور ظاهرة وباطنة ا.هـ .
(أصبحنا وأصبح الملك لله) فنحن والملك كله ملك لله وحده فهو المتصرف فينا والمتصرف في كل أجزاء الكون.
إن هذا الذكر يحمى العبد من نفخة الكبرياء كما يحميه في نفس الوقت من الذل والخضوع لغير الله أيا كان.. فمادام هو نفسه لله فهو عبد مملوك خاضع..
وهو لا يملك حتى شهيقه وزفيره وأمره ليس بيده بل بيد ربه سبحانه.. فعلى أي شيء يتكبر ويتجبر؟.
كذلك مادام هو لله فلا أحد غير الله يملك من أمره هو شيئا.. فلماذا يذل لأحد غير مالكه أو يخضع له؟.
وإذا كان الملك كله لله مملوكا وخاضعا.. فكيف يدعى هو أن له من الملك شيئا يتصرف فيه أو من الأمر شيئا يهدد به أو ينفذه.
وفى الوقت نفسه كيف يخاف أو يذل أو يخضع لمن ليس له من الملك أو الأمر شيء؟ أو يرائيه بعمله أو يلجأ إليه أو يتوكل عليه؟
ولكن إذا كانت هذه الحقيقة دائمة لا يغيرها إصباح ولا إمساء.. فما فائدة تخصيصها بالصباح والمساء؟؟!.
الفائدة أن هذا هو حال القائل أي أصبحنا مقرين بهذه الحقيقة.. فنحن في هذا الوقت نجدد اعترافنا وإيماننا بها أو والله أعلم أننا أصبحنا معلنين بأننا لله.. وكذلك أصبح الكون أو أمسى معلنا بأنه لله.
وهذا التفسير يعرفه من يعيش مع الطبيعة.. ويرى ما يجد على الكون في الصباح والمساء.. ففي الصباح تشرق الشمس بإذن ربها فتدب الحياة من جديد.. فكأن الكون كله قد كان في الموتة الصغرى كابن آدم ثم بعثه الله من جديد فهو لله.
ولولا أن الله قد أذن له ما انبعث ولا كان.. وقد أقسم الله تعالى بهذه الحالة فقال (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ).
وكذلك المساء تغيب الشمس ويرحل النهار ويحل الظلام.. وغير ذلك من علامات يعلن بها الملك كله أنه لله.. حتى إن الشمس تذهب لتسجد لربها تحت العرش.. كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم.
(والحمد لله) فالملك لله والحمد كذلك لله.. فهو الواحد في ربوبيته.. الواحد في عبوديته (ولا إله إلا الله وحده لا شريك له.. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
وهذا الجزء من الذكر سنقوله منفصلاً عشر مرات.. أو مائة مرة كما سيأتي.
ولكنه جاء هنا من باب التوسل إلى الله تعالى.. والله أعلم فكل ما سبق هو مقدمة لما سيأتي من الدعاء (رب أسالك خير ما في هذا اليوم وخير ما بعده.. وأعوذ بك من شرما في هذا اليوم وشر ما بعده).
فنحن نتوسل إلى الله تعالى بإقرارنا بأننا له وحده.. وأن الملك كله له وحده وبأن الحمد له وحده.. وبكلمة التوحيد أن يقدر لنا في هذا اليوم أو هذه الليلة خيرها وأن يعيذنا من شرها.. فهو القادر على التصرف في ملكه وحده سبحانه.
وهذا الذكر ينشىء صلة وعلاقة قوية بين الإنسان وبين الكون من حوله.. فهو ينبه الإنسان إلى ظاهرتين في الكون يتجلى فيهما جماله.. إذ يتغير فيصبح أو يمسى أجمل وأروع ما يكون.. وهما ظاهرتا الإصباح والإمساء قال تعالى (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) وقال (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى).
ولذلك فإن لهذه الأذكار متعة خاصة لا يذوقها إلا من يرددها.. وهو يتأمل الكون حوله عند هذين الوقتين - الشروق والغروب - فلهذين المشهدين روعة تسيطر على القلب وتسحره.. فينطق بتسبيح الله تعالى وبحمده.
وهذه الأذكار تصحح علاقة الإنسان بالكون.. ولولا توجيه الإسلام لقلب الإنسان وهو يشهد الكون عند هذه الظواهر الخلابة لضل الإنسان.. فهناك من يسجد للشمس أو للقمر متأثرا بعظمتهما.. ولكن تـأتى هذه الأذكار لتذكر المؤمن بحقيقة هذه المخلوقات.. وأن شروقها العظيم وغروبها الجميل أدلة على عظمة خالقها.. وعلى وحدانيته لا على نديتها وكونها شريكاً له سبحانه.. فنحن والملك خاضعون لله.
(أصبحنا وأصبح الملك لله) ويتأكد ذلك عندما نتذكر أن الناس كانت ترهب هذه المخلوقات لعظمتها.. وتفسر بعض الظواهر مثل العواصف والزلازل بأنها حالات غضب من هذه الأفلاك.. فتقدم لها القرابين ولا تزال بقايا من هذه الوثنيات باقية حتى عصرنا هذا.
(رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر) المراد بالكسل عدم انبعاث النفس للخير مع ظهور القدرة عليه.. ومن كان كذلك فإنه لا يكون معذورا بخلاف العاجز فإنه معذور لعدم قدرته.
الكبر هل بالفتح أم بالسكون؟
قال القاضي: رويناه الكبر بإسكان الباء وفتحها فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس والفتح بمعنى الهرم والرد إلى أرذل العمر قال: وهذا أظهر وأشبه.. صحيح مسلم بشرح النووي جـ 3 صـ 311 .
والمستعاذ منه هنا هو ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل واختلاط الرأي وغير ذلك مما يسوء به الحال (وأعوذ بك من عذاب النار وعذاب القبر).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 34 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2024 بواسطة denary

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

349,506