علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة

authentication required

 

(إيَّاكَ نَعبُد)
الحمد لله رب العالمين .. الرحمن الرحيم .. مالك يوم الدين
فاللهم ربنا لك الحمد لأنك أنت الله،
ولك الحمد لأنك أنت رب العالمين،
ولك الحمد لأنك الرحمن الرحيم،
ولك الحمد لأنك مالك يوم الدين،
كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ،
اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ ) رواه البخاري
وأشهد أن لااله الا الله وحده لاشريك له ولا نِدَّ له ولاولد له ولانظير له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أعرف الخلق بربه وأعبدهم له
فاللهم صل وسلم وبارك عليه
شرف اللسان بذكر احمد سيدي .. فبذكره تُكفىَ القلوبُ وتهتدي
والله أوصى فهيا رددوا ...............يارب صل على النبي محمد
أما بعد
موعدنا في هذه الخطبة أن ننتقل الى قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) في مسيرتنا ونحن نحاول ان نقف سويا مع سورة الفاتحة نرتشف من بحرها ونحاول ان نفتح على قلوبنا اشارات تعيننا على تأملها وتدبرها
"إياك نعبد واياك نستعين" إنها الآية التي قال فيها سبحانه في الحديث القدسي: "فاذا قال العبد: " إياك نعبد وإياك نستعين"
قال الله: "هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل" في الحديث القدسي الذي رواه الامام مسلم عن رسول الله: إن اللهَ تعالى يقولُ : قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ ، نصفُها لي ونصفُها لعبدي ولعبدي ما سألَ ، فإذا قالَ : { الحمدُ للهِ ربِّ العالمين } قالَ اللهُ : حمِدني عبدي ، وإذا قالَ : { الرحمنُ الرحيمُ } قالَ اللهُ : أثنى عليَّ عبدي ، وإذا قالَ : { مالكِ يومِ الدينِ } قال اللهُ عز وجل : مجّدني عبدي ، وفي روايةٍ فوَّضَ إليَّ عبدي ، وإذا قالَ : { إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعينُ } قال : فهذه الآيةُ بيني وبين عبدي نصفينِ ولعبدي ما سألَ ، فإذا قالَ : { اهدنا الصراطَ المستقيمَ صراطَ الذين أنعمتَ عليهم غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ } قال : فهؤلاءِ لعبدي ولعبدي ما سألَ
أي إن هذه الآية جملتان
"إياك نعبد" فهذه لله فهي اخلاص التوحيد واقرار بالعبوديةله سبحانه
و"إياك نستعين" فهذه جملة ثانية فيها دعاء أي نطلب العون منك
قال بعض السلف : الفاتحة سر القرآن ، وسرالفاتحة هذه الكلمة : (إياك نعبد وإياك نستعين)
فالأول تبرؤ من الشرك ،
والثاني تفويض إلى الله تعالى وتبرؤ من الحول والقوة وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى : ( فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون )
ومعنى "اياك نعبد" أي نطيع طاعة حب مع ذل وخضوع وتسليم
لأنّ العبودية، عندَ جميع العرب أصلُها الذلّة، وأنها تسمي الطريقَ المذلَّلَ الذي قد وَطِئته الأقدام، وذلّلته السابلة: معبَّدًا
"إياك نعبد" عن عبد الله بن عباس، ، إياكَ نُوحِّد ونخاف ونرجو يا ربَّنا لا غيرك .
أي نعبدك وحدك لانعبد سواك فقد قدم المفعول على الفاعل ليفيد الحصر والاختصاص فالعبادة محصورة مقصورة عليك وحدك
نعبدك وحدك فلامعبود بحق سواك
فلا لاطاعة مطلقة إلا لك ولاخوف الا منك ولا ذل إلا لك ولاخضوع إلا لك ولاسجود الا لعظمتك ولاتوكل الا عليك ولا إنابة الا اليك ولاتوبة الا لك فمنك المنشأ واليك المرجع والمصير
الهي أنت ذو عفو ومن
وإني ذو خطايا فاعفُ عني
وظني فيك ياربي جميل
فحقق يا إلهي حُسن ظني
وقد سبق قوله تعالى(الحمد لله) فهو وحده المستحق للحمد لأنه رب العالمين فهو الخالق وحده وهو الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيئ وله كل أنواع الرحمة ودرجاتها في الدينا والآخرة
وهو مالك يوم الدين فوقوف العبد للحساب سيكون بين يديه وحده لم يكل حسابه لأحد ولم يشرك معه أحدا
فمن كانت هذه صفاته فهو الذي يقول له عبده "إياك نعبد"
فكل ماسبق هذه الآية فهو مقدمة وتوسل لنقول بعدها "إياك نعبد"
وقيل كل ماسبق كان الكلام فيه للغائب لأن الله تعالى غيب ويوم الدين غيب فلما فرأها المؤمن يقترب من ربه فبعد القُرب يتوجه بالكلام الى ربه (إياك نعبد)
ـ ان العبادة ليست هي السجود وحده ولاهي شكل من أشكال الظاهر انما العبادة الطاعة
دخل عدي بن حاتم على رسول الله في عنق عدي صليب من فضة ، فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال : فقلت : إنهم لم يعبدوهم . فقال : بلى ، إنهم حرموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ، فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم . قال عبد الله بن عباس: لم يأمروهم أن يسجُدوا لهم, ولكن أمروهم بمعصية الله, فأطاعوهم, فسمَّاهم الله بذلك أربابًا.
وفي الحديث عن أبي هريرة : قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إنْ أُعطِي رضي، وإن لم يُعطَ لم يرضَ[1] رواه البخاري.
فهؤلاء لم يسجدوا للدينار والدرهم أي المال وانما تعلقت قلوبهم بالمال أو بالمرأة الجميلة حتى صار متحكما في قلوبهم فتوجوا اليه حيث كان لايبالون من حرام ام من حلال وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم التعاسة بقوله إن أُعطيَ رضي وإن مُنع سخط فرضاه وسخطه وسعادته وتعاسته مرهونة بالمادة
فمن يعبد الله تعالى يطيعه ولايطيع غير الله في معصية الله إذ لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق
ـ العبادة قالوا هي غاية الحب مع غاية الذل وهذا يجب أن لايكون إلا للذي خلق من العدم
ـ "إياك نعبد" فلانذل الا لك، ولانخاف الا منك، ولانخضع الا لك، ولانخشع الا لك ولانسأل الا أنت ولانتوكل الا عليك.
ـ العبادة إذاً حال القلب المنيب الراجع المسلم الخائف المحب المتوكل على الله المعتمد عليه المتوجه له.
هذا الحال الباطن جعلت له وسائل في الظهور تؤدي اليه وهي مانسميه بالعبادات مثل أركان الاسلام كلها عبادات الصلاة والصيام والزكاة والحج
هذه العبادات الظاهرة يسميها العلماء توقيفية أي أن الله تعالى هو الذي فرضها وبين كيفيتها على لسان نبيه صلى الله عيه وسلم فالتعبد اليه يجب ان يكون كما يريد هو لاكما يريد العبد فاذا اخترع أحد عبادة من عنده ونسبها الى شرع الله فهي بدعة مردودة عليه لأن الله تعالى قال( وما آتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنه فانتهوا) وقال صلى الله عليه وسلم(من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد)
ـ إن العلاقة بين عبادة القلب وعلاقة الجوارح تكاد تجعلهما واحدا يعني من تعبد قلبه لله فأحبه وخضع له أطاعته الجوارح فأدى ما أمره بظاهره
ومن أطاع الله في ظاهره فأدى فرائضه واكثر من النوافل فلابد أن يتأثر القلب فيتعبد لمن بذل من أجل عبادته ظاهرا
فغير صحيح أن يكون القلب خالصا لله متعبدا له بينما هو ممتنع أو متكبر أو متكاسل عن العبادات الظاهرة لماذا لأن هذه محاب الله تعالى وشرعه
و"إن المحب لمن يحب مطيع"
لذلك قالوا العبادة اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه من الأحوال والأعمال الظاهرة والباطنة من صلاة وصيام وحج
ولذلك كانت النية هي الفاصل في الأعمال فكل عمل قصد به وجه الله حتى وان كان مباحا فهو عبادة لله
"إياك نعبد وإياك نستعين " قدم العبادة على الاستعانة, من باب تقديم العام على الخاص, واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده
إن أجمل لحظة يعيشها المؤمن هي التي يكون فيها قريبا من ربه الذي خلقه
ومن أجمل لحظات المؤمن وأسعدها وألذها التي يتذلل فيها لربه سواء بهيئته مثل وضع السجود أو بكلامه وأذكاره ومدحه والثناء عليه ودعائه والتضرع له .. لماذا؟
1ـ لأنه يناجي الله الذي خلقه بيده من العدم ثم أمده بحبه ورعايته وحفظه ثم أعده لما خلقه له ونفحه نفحة الهية من الحي القيوم فنفخ فيه من روحه ففيه من ربه شيء يجعله دائم الحنين اليه محبا للكلام والشكوى اليه محبا لسماع كلامه ورؤية كل مايتصل به يحب بيته يحب رسله يحب كلامه يحب كتابه يحب المؤمنين به ويكره الكافرين الجاحدين لنعمته لذلك ينعم القلب وتنعم الروح كثيرا عندما تكرر (اللهم أنت ربي لااله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك...)
2ـ ولأن هذه هي حقيقة الانسان أنه عبد
والانسان كلما اتفق مع حقيقته تمت سعادته ولكن كثير من الأمور تحاول ان تضله عن هذه الحقيقة لذلك كان لابد أن يعيد ويكرر ويتذكر أنه عبد لله
فيقرأ كثيرا على الأقل 17 مرة (إياك نعبد واياك نستعين) ويكرر في اذكار الصباح والمساء : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ماض فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك ....) كما يردد سيد الاستغفار(اللهم أنت ربي لااله الا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت...
عندما تذهب للحج أو للعمرة ستجد معك أناسا ذهبوا يتعكزون على العكاكيز لكنهم فور وصولهم الى الأرض المقدسة الى بيت الحبيب والى أرض الحبيب والى مسجد الحبيب وما إن تلبي ألسنتهم: "لبيك اللهم لبيك" حتى تنطلق الجوارح وتزول الآلام ويستغنوا عن العكاز وعن العلاج فاذا عادوا عادوا اليها
انها الروح حين تحلق في فضاء العبادة
الروح حين تعود للذي خلقها أول مرة بيده ونفخ فيها من روحه ففطرها على محبته والحنين اليه والشوق اليه فلا تسلو ولاتهدأ الا حين تتذكر عهده بالعودة الى جواره والقرب منه (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝
3ـ ولأنه فقير محتاج والذي خلقه هو الغني الحميد (ياأيها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هو الغني الحميد ) فالانسان محتاج فقير الى ربه لأن نَفَسه بيده وروحه بيده وقلبه بيده وهدايته بيده ورزقه بيده وأجله بيده ومصيره اليه وحسابه عليه وحده
4ـ والانسان ضعيف والذي خلقه هو القوي المتين سبحانه
ـ لماذا قال اياك نعبد ولم يقل أعبد ؟
قالوا: لعل الحكمة ليكون القاريء متواضعا فيدخل نفسه في جملة العابدين
ولعله ليكون المعنى لأنك المعبود مني ومن غيري فهذا حقك سبحانك
لذا فالقائل "اياك نعبد" يتذكر مسيرة العابدين لله ويدخل نفسه فيها انها قافلة ممتدة عبر الزمان
وما أنا الا فرد واحد لايكاد يكون شيئا في هؤلاء
5ـ ولأن مقام العبودية هو مقام الصفاء والنقاءوالانسان يحتاج الى الصفاء والنقاء دائما من كدر الحياة وغشاوات الشهوات وحجب المعاصي والفتن والباطل والظلم واضطهاد المؤمنين ومحاولات إذلالهم وانتفاش المنافقين والفاسقين وارتفاع صوتهم وتقديمهم كل ذلك يعكر قلب المؤمن فيحتاج الى أوقات نقاء وصفاء قلايجدها الا في ممارسة العبودية لله
وكيف لا يكون كذلك وهو مقام التسليم والخضوع والانقياد المطلق لله (عز وجل), وحسن الاعتماد والتوكل عليه, والاطمئنان بما عنده, , مرتكنا إلى قوله تعالى: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ..
مقام العبودية هو أشرف مقام للانسان فالعبوديةُ وصْفُ تكريمٍ ومدحٍ وثناء، ولذا وصَفَ الله تعالى جميع أنبيائه المصطفين بالرسالة بالعبودية في آيات كثيرة، ومنها: قوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ﴾ ص: 45-47]. وقوله تعالى: ﴿ لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 172
و وُصِفَ النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أشرف المقامات: وأعلاها منزلةً وحقيقة؛ في السماء العُليا، ليلة الإسراء والمعراج؛ لِتَجْتَمِعَ لديه المنزلةُ المعنوية المتمثِّلة في مقام العبودية، والمنزلةُ المادية المتمثِّلة في العروج والترقِّي إلى مكانٍ لم يصل إليه بشر من قبله صلى الله عليه وسلم، كما وصفه بالعبودية في مقامات شريفة ومواقف عظيمة تأكيداً على عظمةِ مقامِ العبودية ورِفعةِ شأنِ مَنْ ناله، وذلك كما يلي:
ـ وصفه بالعبودية عند ذِكر الإسراء به، كما في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1 .
قال العلماء: لو كان للنبي صلى الله عليه وسلم اسمٌ أشرفَ منه، لسمَّاه به في تلك الحالة العلِيَّة...
ـ ووصفه بالعبودية عند ذكر الإيحاء إليه؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾النجم: 10]. وقد كان الإيحاءُ في السماء، ليلة المعراج.
ـ ووصفه بالعبودية عند إنزال الكتاب إليه؛ كما في قوله سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾ [الكهف: 1و كما في قوله سبحانه: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ الفرقان: 1.
ـ ووصفه بالعبودية عند الامتنان على المؤمنين بإرساله إليهم؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9 .
ـ ووصفه بالعبودية عند قيامه بأشرف العبادات؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾ [الجن: 19].
وقد كان وصْفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعبودية من أحبِّ الأوصاف إليه صلى الله عليه وسلم؛ كان يقول: إنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا عبد الله ورسوله وكان يقول آكُل كما يأكلُ العبدُ ، وأجلِسُ كما يجلسُ العبدُ ، فإنَّما أنا عبدٌ )
ـ إن اعتراف العبد بالعبودية لله عنه أنه فهم الحكمة من خلقه (وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون) أي ليطيعون ويعرفون
ـ إن العبودية لله تحرر الانسان من كل عبودية لغيره فلايخاف الا من الله وهذه هي الحرية الحقيقية ونحن نسمع كثيرا قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف)
في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم .
فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالوسائد المنسوجة بالذهب وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب , فدخل عليه ربعي بثيابه التي يحارب بها ومعه سلاحه وسيفه.. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود : ضع سلاحك ,
فقال : إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت ,
فقال رستم : ائذنوا له ,
فأقبل ربعي وهو يمشي وبيده رمحه فتتمزق الوساءد التي في طريقه فلما أقبل عند رستم قال له : ما جاء بكم ؟
فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال : (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله)
فقال رستم: وما موعود الله ؟
قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى الدخول في الإسلام والنصر لمن بقي.
فقال رستم : قد سمعنا مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا ,
فاتفقا على ان يتركه ثلاثة أيام
فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال : هل رأيتم قط أرجح وأعظم عزًا من كلام هذا الرجل ؟ فقالوا : معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك – أي تدخل في الإسلام – أما ترى إلى ثيابه ؟
فقال رستم : ويلكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب .
فمن خاف الله تعالى تحرر من الخوف من غيره ومن تذلل لله تحرر من الذل لغيره ومن غذى قلبه كثييرا وشفاه من (إياك نعبد وإياك نستعين ) لم يخضع ولم يذل الا للذي يعبده ويستعينه حتى وان ذل بدنه لم يذل قلبه قط
بك أستجيرُ ومن يجير سواكا
فأجِر ضعيفا يحتمي بحماك
إني ضعيف أستعين على قِوىَ
ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا
أذنبت ياربي وآذتني ذنوب
مالها من غافر إلا‌كا
دنياي غرتني وعفوك غرني
أخشى من العرض الرهيب عليك يا
ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يارب عًدتُ إلى رحابك تائباً
مستسلما مستمسكاً بعُراكا
مالي وما للأ‌غنياءِ وأنت يا
ربي الغنيُ ولا‌ يُحَدُّ غناكا
مالي وما للأ‌قوياءِ وأنت يا
ربي وربَ الناس ما أقواكا
مالي وأبوابِ الملوكِ وأنت مَن
خلق الملوك وقسَّم الأ‌ملا‌كا
إني أويت لكل مأوى في الحياة
فما رأيت أعَزَّ من مأواكا
وتلمسَتْ نفسي السبيلَ إلى النجاة
فلم تجد منجى سوى منجاكا
وبحثتُ عن سر السعادة جاهداً
فوجدتُ هذا السر في تقواكا
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا
أنا لم أعُد أسعى لغيرِ رضاكَ
ـ إن كثيرا من الناس يوحدون الله توحيد ربوبية لكنهم لايوحدونه توحيد عبودية
انهم يعرفونه ربا لكنهم لايعرفونه الها أي لايؤدون حقه في العبادة له وحده
انهم يجعلون مقياس ايمانهم أو العلامة على ايمانهم بالله هو اقرارهم بروبيته وأنه هو الخالق الرازق ويعتبرون هذا الايمان وحده كافيا بدون الاقرار بالالوهية وهذا حال المشركين قال تعالى (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) أو ربما يقرون بها لكنهم لايؤدون حقوق العبودية لله وحده
يا فَالِـقَ الإصبـاحِ أنـتَ ربِّـي
وأنـتَ مَـولاي وأنتَ حَسْبِــي
فأصلِحَـــنَّ باليقيـــنِ قلبِـــي
ونَجِّنِي من كُرَبِ يومِ الكَرْبِ
الخطبة الثانية كيف نحقق العبودية لله؟
أيها الاخوة الحديث عن العبودية طويل كثير لكننا فقط أردنا أن نذيق قلوبنا قطرة من بحار هذه الجملة من الآية الكريمة لعلنا نغذي القلوب منها ولعلنا نستشفي بها خصوصا في أيامنا هذه التي نحتاج فيها الى غذاء لقلوبنا وشفاء وسط هذا الزحام الشديد وهذه الهموم والمشاغل والمفاتن الشديدة التي تجعل الحليم حيرانا
وكلما تعلمنا معاني سورة الفاتحة وتأملناها غذينا قلوبنا وشفيناها فاستراحت فياسلام عندما يظل المؤمن يردد ويكرر إياك نعبد ويعيد ويتذكر معاني هذه الجملة
فأوصي نفسي واخواني بالاطلاع على المزيد من معاني وكنوز سورة الفاتحة وخصوصا هذه الآية (إياك نعبد وإياك نستعين) إقرأ في تفسيرها اسمع للعلماء اسمع للشيخ الشعراوي وهو يمتعك بكلامه عن هذه الآية
إن قلوبنا محتاجة الى حياتها دائما في مقام العبودية ويساعدها على ذلك:
أولا تأمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من آّذى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب اليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتى أحبه ........) الحديث رواه البخاري
فهذا الحديث يدلنا على ترتيب الأعمال التي يحبها الله من عبده وأولها تعظيم الفرائض
وثانيها الاكثار من النوافل
هذه هي العبادات الظاهرة أما قلبيا فيعين على تحقيق العبودية لله إيثار ما يحبه الله وتقديمه على مايحبه العبد
وكلما كان أمامه أمران أمر أحب الى نفسه لكنه مغضب لربه وأمر أحب الى ربه ترك ما يغضب الله تركه لله تعالى أي حبا له وتعظيما لجلاله وهيبة لمقامه وخشية له وخوفا من عذابه وتحسبا للوقوف بين يديه
الدعاء

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 293 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,371