الاستراتيجية القومية لحماية وتأهيل وادماج أطفال الشوارع 2006 مقدمة أدت التغيرات العالمية التى حدثت فى العقدين الماضيين وصعود مفاهيم التنمية البشرية وحقوق الإنسان، وحق جميع المواطنين فى المشاركة فى الحقوق والواجبات المرتبطة بتنمية المجتمع على أساس حقوق المواطنة، إلى تصاعد الاهتمام بالطفل مع اعتبار حقوقه فى النمو السليم جسدياً وفكرياً ووجدانياً جزءاً من حقوق الإنسان. ووصل هذا الإهتمام إلى أعلى درجاته بعقد مؤتمر القمة العالمية للطفولة فى عام 1990، والذى صدرت عنه الإتفاقية الدولية لحقوق الطفل CRC وقد صدقت عليها حتى الآن معظم دول العالم، ومن بينها مصر، فصارت جزءًا من التشريع الوطنى. وقد تعاصر مع تصاعد الإهتمام العالمى بالطفولة ومع تنامى النظام الاقتصادى القائم على العولمة ظهور الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم وبشكل مضاعف فى دول الجنوب النامية التى تواجه، بشكل شبه دائم، أزمة تراكم رأس المال والتى تفاقمت بسبب تصاعد أزمة الديون فى الثمانينات من القرن الماضى. وفى إطار العولمة تمت صياغة بعض الحلول للخروج من هذه الأزمة، كان من أهمها تبنى معظم دول الجنوب سياسات للإصلاح الاقتصادى تقوم على سياسات وبرامج التكييف الهيكلى. وقد أدت هذه السياسات، باعتراف العالم كله، إلى عدد من الآثار السلبية خاصة على الفقراء فى دول الجنوب كان من أهمها؛ الإستقطاب والاستبعاد الاجتماعى لكثير من الفئات الاجتماعية الفقيرة من الحصول على الحقوق والفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة فى المجتمع. وكان أكثر فئات الفقراء تضرراً هم النساء والأطفال. ومع زيادة معدلات الفقر وانتشار البطالة وتضخم أسعار متطلبات المعيشة والخدمات الاجتماعية، بالإضافة إلى زيادة معدلات التحضر فى الدول النامية والاختفاء التدريجى للعلاقات الأسرية الممتدة التى كانت أساساً للمساندة والدعم، برز عدد من الظواهر الاجتماعية السلبية، التى شملت أساساً أطفال الأسر الفقيرة والمعدمة، من أهمها عمالة الأطفال دون السن القانونية، وأطفال الشوارع، وارتفاع معدلات الإعاقة بين الأطفال. كما عانى الأطفال فى بعض المجتمعات من الصراعات والحروب الأهلية بحيث أدى ذلك فى بعض الأحيان إلى استغلال الأطفال فى هذه الصراعات وفى الأنشطة الإجرامية. وقد لفتت هذه الظواهر الأنظار ومن ثم امتد الإهتمام بالطفولة بشكل عام ليشمل هذه الفئات من الأطفال بشكل خاص. و ظهرت بعض الرؤى النظرية والتحليلية لأوضاعهم بهدف تحديد أسباب هذه الظواهر والتدخلات الملائمة لمواجهتها. وكان من نتائج ذلك ظهور مفهوم "الأطفال فى ظروف صعبة" والذى تبنته الأمم المتحدة من خلال منظمة اليونيسيف، التى تبنت أيضاً فى السنوات الأخيرة مصطلح "الأطفال المحتاجون لحماية خاصة". ويشير مصطلح الأطفال فى ظروف صعبة إلى فئات من الأطفال خرجوا أو أستبعدوا من السياق الطبيعى للمجتمع نتيجة لظروف إقتصادية واجتماعية وأسرية ليس لهم يد فيها، وبالتالى يجب أن يعاملوا كضحايا لا كمذنبين، كما يجب أن تشمل التدخلات الطفل وظروفه التى دفعته إلى هذه النتيجة، بهدف تغييرها، حتى يكون علاج الظاهرة جذرياً بحيث يحمى الطفل من الإرتداد مرة أخرى لنفس السلوك نتيجة لاستمرار الظروف المسببة له. فيما يشير مصطلح الأطفال فى حاجة إلى حماية خاصة إلى مجموعة الأطفال اللذين يتعرضون لأخطار جسيمة، تحرمهم من التمتع بحقوقهم المجتمعية، من ثم يجب منحهم حماية خاصة بهدف تأهيلهم وتمكينهم من الحصول على هذه الحقوق. وهنا يمكن القول بأن المصطلح الأول يبدو أكثر وضوحاً من حيث الإعتراف بالدور الذى تلعبه ظروف هؤلاء الأطفال ومن حيث ضرورة التعامل مع هذه الظروف، وأن المصطلح الثانى يؤكد على حق هؤلاء الأطفال فى بذل كل الجهود الممكنة لمنحهم حماية خاصة تمكنهم من الحصول على حقوقهم والعودة مرة أخرى للاندماج فى المجرى الطبيعى للمجتمع. وفى هذا الإطار يعتبر كلا من المصطلحين مكملاً للآخر ويمكن اعتبارهما أساساً لأية إستراتيجية لمواجهة هذه الظواهر. ومن المهم التأكيد على أن الظروف الصعبة التى تعانيها هذه الفئات من الأطفال هى دائماً خارجة عن إرادة الأطفال أنفسهم. ويعتبر الفقر من أهم العوامل الأساسية المشكلة لظروف أولئك الأطفال. كما يرتبط به سمات وعوامل أخرى، تشمل إفتقارهم بشكل عام إلى التعليم والرعاية الصحية والمأوى المريح والفرص الأخرى الضرورية لنموهم الطبيعى، وإلى المعارف والمهارات اللازمة للنجاح فى حياتهم الاقتصادية والاجتماعية، مما يؤدى إلى إفتقارهم إلى السيطرة على حياتهم وإلى إنعدام قدرتهم على الاختيار أو الإبداع. ومن الملاحظ تزايد أعداد الأطفال اللذين يعيشون فى ظروف صعبة يوماً بعد يوم، بحيث يزداد تعرضهم للحرمان، الجزئى أو الكلى، من التمتع بالفرص والحقوق المجتمعية، كما تتعرض هذه الفئات إلى العديد من الأوضاع المستغلة داخل المجتمع. ويرجع ذلك، بالإضافة إلى العوامل التى تم ذكرها، إلى أن الاهتمام بقضايا واحتياجات الطفولة، رغم تصاعده كما وكيفاً، ما زال بعيداً عن أن يكون مكوناً أساسياً يشغل مكان الصدارة فى خطط التنمية الوطنية بناء على وعى راسخ بأن تنمية الطفولة ليست مجرد مشروعات اجتماعية أو اقتصادية جزئية سواء على المستوى الحكومى أو الخاص، أو استحداث لبعض المؤسسات أو التشريعات، ولكن تنمية الطفولة تتطلب صياغة سياسة شاملة متعددة المداخل ومتكاملة مع غيرها من السياسات التنموية بإعتبارها مكوناً أساسياً وليس تابعاً. 1 - ظاهرة أطفال الشوارع فى مصر 1-1 إطار مفهومي: ترتبط ظاهرة أطفال الشوارع- مثل أية ظاهرة اجتماعية- بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة فى المجتمع فى لحظة تاريخية معينة. وتعتبر هذه الظاهرة عرضاً اجتماعياً لأسباب اجتماعية واقتصادية أعمق من هذا العَرض. ولذلك فإن التصدى لها لا يمكن أن يحقق أهدافه إلا إذا كان على أساس نظرة شمولية تحلل وتعالج الظاهرة وأسبابها الجذرية فى نفس الوقت.كما يجب أيضاً النظر إلى الظواهر الاجتماعية على أساس ترابطها فى شبكة من علاقات السببية المتداخلة. ومن قبيل ذلك تداخل ظاهرة أطفال الشوارع مع عمالة الأطفال والدعارة والتعاطي وإدمان المخدرات والاتجار فيها والتسرب الدراسى، وارتباط كل ذلك بالفقر وإنخفاض المستوى الاقتصادي و إرتفاع معدلات البطالة، وانتشار العشوائيات كانعكاس لأزمة المساكن. و يضاف إلى ذلك التفكك الأسرى وتدهور النظام التعليمى ومحدودية شبكة الأمان الاجتماعى. وتعتبر ظاهرة أطفال الشوارع بحجمها وسماتها الحالية ظاهرة حديثة نسبياً فى مصر، ارتبط ظهورها بتزايد معدلات الفقر والإستقطاب والإستبعاد الاجتماعى كأحد النتائج السلبية لسياسات الإصلاح الاقتصادى والتنمية غير المتوازنة بين الريف والحضر التى زادت من معدلات الهجرة الداخلية. وقد أوضحت الدراسات حول هذا الموضوع أن كل أو الغالبية العظمى من الأطفال اللذين يدخلون تحت مسمى "أطفال الشوارع" فى مصر قد أتوا من عائلات تقع تحت خط الفقر المدقع وأن معظم هؤلاء الأطفال يأتون من الريف أو من المناطق الحضرية الفقيرة حيث هاجرت إليها عائلاتهم من الريف للبحث عن فرص أفضل للعيش. غير أنه نظراً لعدم توافر فرص العمل فقد أصبحت حياتهم أكثر شقاء وفقرا. كما لوحظ أيضاً أن غالبية هؤلاء الأطفال قد فقدوا أحد الوالدين أما بالوفاة أو الطلاق أو الهجر أو سفر الأب لفترات طويلة من أجل العمل. وفى حالة زواج أحد الوالدين اللذين انفصلاً، أو كلاهما، يرفض الشريك الجديد الطفل فى معظم الأحيان. ومن ثم يصبح الشارع هو البديل المنطقى. ولذلك فإن الفقر والتفكك الأسرى هما أبرز العوامل المباشرة لدفع الطفل إلى الشارع. على أنه قد لوحظ أيضاً وجود علاقة بين هذين العاملين حيث يؤدى عجز الأب عن الإنفاق على عائلته إلى الهروب من مسئولياته كلية بالهجر أو بالطلاق بالإرادة المنفردة الذى ما زال قانون الأحوال الشخصية يتيحه له حتى الآن. وفى معظم الحالات تعجز النساء الفقيرات عن اللجوء للقضاء للحصول على حقوقهن وحقوق الأطفال وإن لجأن للقضاء فإنهن يعانين من بطئ الإجراءات وإذا حكمت المحكمة لصالحهن فإن الحكم لا ينفذ فى معظم الأحوال لعدم معرفة مكان الأب. ولعدم كفاية مظلة الضمان الاجتماعى خاصة بالنسبة للنساء المسئولات عن أسرهن، فإن المرأة تضطر للزواج مرة أخرى ويضطر الأطفال، لإحساسهم بالرفض وسوء المعاملة، إلى الخروج للعمل أو الهروب إلى الشارع فى معظم الأحيان، خاصة وأنهم كثيراً ما يعانون من سوء المعاملة فى مكان العمل. وفى هذا الإطار عادة ما يستبعد الطفل من التعليم عن طريق التسرب أو عدم الإلتحاق به من البداية. ورغم أن الفقر هو السبب الرئيسى للتسرب من التعليم، فإن نظام التعليم القائم والمتاح حالياً يعانى من أوجه قصور عديدة تساهم فى ارتفاع نسبة التسرب. من هذه الأسباب إرتفاع تكاليف الدراسة و انتشار الدروس الخصوصية، وضعف القدرة الإستيعابية للمدارس وازدحام الفصول، وعدم تلاؤم المنهج مع احتياجات الطفل والأسرة وسوق العمل، وكذلك افتقار المدارس إلى العدد الكافى من المشرفين الاجتماعيين المدربين على حل المشكلات التى تواجه التلاميذ بأسلوب يختلف عن العنف الذى يمارسه المعلمون فى كثير من الأحيان. ويضاف إلى ذلك أيضاً انخفاض كفاءة التعليم والميل إلى استخدام أسلوب التلقين، واستخدام أساليب عنيفة فى العقاب مما يدفع الطفل للهروب من المدرسة، مما يؤدى بالتالى إلى تدنى الإستفادة من العملية التعليمية بحيث يرتد الطفل إلى الأمية مرة أخرى. ناهيك عن إختفاء الدور التربوى والتثقيفى للمدرسة فى الحقب الأخيرة لإنعدام المكان اللازم وقصر اليوم المدرسى بعد تبنى نظام الفترتين.
نشرت فى 26 سبتمبر 2012
بواسطة consulthamadass
الخبيرالدكتورحمادة صلاح صالح www.iraegypt.com
خبير التقييم المعنمد للتقييم لدي البنك المركزى المصرى خبير الملكية الفكرية بوزارة العدل للمحاكم الاقتصادية المتخصصة خبير تقييم الأثر البيئى للمشروعات وتقييم دراسات الجدوى خبيرتقييم معتمد لدى وزارة اﻻستثمار رئيس الهيئة الادارية والاقتصادية بالمجلس العربي الافريقي للتكامل والتنمية ونائب الرئيس للشئون الاقتصادية بالمجلس خبير تقييم دراسات الجدوى خبير وعضو المجلس »
أقسام الموقع
- تقييم الالات والمعدات والبضائع
- التقييم العقاري والصناعي
- تقييمم دراسات الجدوى
- تقييم الأثر البيئى للمشروعات
- الجمعية المصرية لخبراء التقييم الفني المجلس المصري
- مقالات الخبيرالدكتور حمادة صلاح خبير البنك المركزي
- البيع بالمزاد العلنى
- الاتحادالعربي للعلاقات التجارية والتبادل الثقافي
- التفكير الابتكارى
- الاتحاد العربى للتنمية العقارية
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
674,766
ساحة النقاش