مستقبل التجارة الخارجية العربية في إطار منظمة التجارة العالمية |
|
|
الملخص:
أهمية الدراسة:
شهد الاقتصاد العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين تطورات هامة خاصة في مجال التجارة العالمية نشأت عنها آثار ومشكلات مختلفة على اقتصادات الدول ، ويعد التوسع في التكتلات الاقتصادية وقيام منظمة التجارة العالمية (بداية عام 1995) من أبرز التطورات من حيث التأثير المباشر على التجارة الخارجية العربية .
وتحرص الدول العربية على أن يكون لها أسواق تنفذ إليها الصادرات العربية كما تحرص في الوقت نفسه على تطوير علاقاتها مع منظمة التجارة العالمية باعتبارها الإطار التنظيمي العالمي للتجارة الدولية الذي بموجبه تتحدد الحقوق والالتزامات بالنسبة للدول أعضاء المنظمة .
ويتجه تنظيم التجارة الخارجية العربية إلى التوحد من خلال نظام منظمة التجارة العالمية واتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ، وإذا كان لهذه الدراسة أهمية فأنها قد تنبع من المحاولة في استعراض أهم المشكلات التي تواجه التجارة الخارجية العربية وتحليلها والوصول إلى نتائج وتوصيات يمكن أن تسهم في المعالجة .
مشكلة الدراسة:
تحتل التجارة الخارجية دوراً هاماً في اقتصادات الدول العربية وتتميز بسمات خاصة لعل أبرزها غلبة الصادرات من المواد الخام على هيكل الصادرات وإنخفاض الأهمية النسبية للصادرات من الصناعات التحويلية ، ومن ناحية أخرى تزداد واردات الدول العربية من السلع النهائية الاستهلاكية والرأسمالية والسلع الوسيطة ، كما شهدت تجارب معظم الدول العربية في التنمية الاقتصادية سياسات حمائية خاصة للصناعات الوطنية الناشئة .
لذلك فإن تغير البيئة الخارجية في الاقتصاد العالمي بقيام منظمة التجارة العالمية وانضمام معظم الدول العربية إليها يفرض واقعاً جديداً يشكل في مجمله تحدياً للتجارة العربية مع العالم الخارجي .
وبالتالي فإن ثمة تساؤل يفرض وجوده في هذا السياق يتعلق بمستقبل التجارة الخارجية العربية في ظل نظام تجارى عالمي يقوم على استغلال الفرص التجارية الممكنة في العلاقات التجارية العالمية .
فروض الدراسة:
1- عدم حدوث زيادة في الصادرات العربية من السلع الزراعية منذ قيام منظمة التجارة العالمية .
2- حدوث زيادة في الصادرات العربية من السلع المصنعة كإنعكاس لقيام منظمة التجارة العالمية .
3- حدوث زيادة في التجارة العربية البينية نتيجة الترتيبات التجارية العربية التي بدأت مطلع عام 1998 وتهدف إلى قيام منطقة تجارة حره عربية في مطلع عام 2005 .
أهداف الدراسة:
تهدف الدراسة إلى تشخيص أهم الآثار والتحديات التي يرتبها قيام منظمة التجارة العالمية على التجارة الخارجية العربية وسبل معالجتها خاصة مع تحرر المعاملات الاقتصادية الدولية وزيادة حدة المنافسة ، وذلك بالانطلاق من فكرة أساسية مدلولها الاستفادة من التطورات في النظام التجاري العالمي وانعكاساتها على التجارة الخارجية العربية في صورة زيادة قدرة الصادرات العربية على النفاذ إلى السوق العالمية أم لا .
حدود الدراسة:
تغطى الدراسة الفترة بين عام 1994 وعام 2003 ، وتشمل هذه الفترة قيام منظمة التجارة العالمية في يناير 1995 انتهاء بعام 2003.
أسلوب البحث:
تستخدم الدراسة الأسلوب الوصفي والأسلوب التحليلي في تناولها مستقبل التجارة الخارجية العربية في إطار منظمة التجارة العالمية ، ويقوم الأسلوب المستخدم للبحث على رصد وتوصيف وتحليل التغيرات في التجارة الخارجية العربية (صادرات وواردات) ومن ثم تضمينها الدلالات المستخلصة من التحليل ، والتركيز بصفة خاصة على الصادرات العربية المعنية أكثر بتطوير أداء التجارة الخارجية العربية من خلال القدرة على النفاذ إلى الأسواق الخارجية .
تقسيم الدراسة:
تُقسم الدراسة إلى أربعة فصول تكون موضوع الرسالة على النحو التالي:
- الفصل الأول ويتناول أهم المستجدات في نظام التجارة العالمية ، وخاصة اتفاقية التجارة في السلع الزراعية وإدخال المنسوجات والملابس في نظام منظمة التجارة العالمية واتفاقية إجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة والقواعد المنظمة لعمل التكتلات الاقتصادية الإقليمية.
- الفصل الثاني ويتناول الوضع الراهن للتجارة الخارجية العربية وذلك من خلال ثلاثة مباحث على التوالي هي واقع التجارة الخارجية العربية والمشكلات الداخلية للتجارة الخارجية العربية ومشكلات النفاذ إلى السوق العالمية .
- الفصل الثالث ويتناول تحليل الآثار التي تعكسها مستجدات منظمة التجارة العالمية على أهم قطاعات التجارة الخارجية العربية مترتبة في ثلاثة مباحث على التوالي هي الأثر على التجارة الخارجية العربية في السلع الزراعية والأثر على التجارة الخارجية العربية بمنتجات الصناعة التحويلية ونقل التكنولوجيا والأثر على تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الدول العربية .
- الفصل الرابع والأخير يتناول طرق معالجة مشكلات التجارة الخارجية العربية في ضوء بعض التجارب العالمية في ثلاثة مباحث هى تجارب تكتلي الأسيان والكوميسا في حل مشكلات التجارة الخارجية ووسائل تعزيز القدرة التنافسية للصادرات العربية وسبل تدعيم العمل التجاري العربي المشترك في إطار منظمة التجارة العالمية .
وتخلص الدراسة إلى مجموعة من النتائج الأساسية المرتبطة بالتحليل والبحث وبعض التوصيات العملية في هذا المجال .
ونعرض فيما يلي ملخصاً بأهم ما تم التوصل إليه من دراسة فصول الرسالة .
أولاً : ملخص الفصل الأول : أهم المستجدات في نظام التجارة العالمية .
ترجع خلفية اتفاقية التجارة بالسلع الزراعية إلى الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي والذي ما زال مستمراً ويعيق تنفيذ الاتفاقية ، وتتوجه أبعاد اتفاق الزراعة إلى قضيتي النفاذ إلى الأسواق العالمية وإزالة التشوهات عن أسعار المنتجات الزراعية ، لذلك اشتملت اتفاقية التجارة بالسلع الزراعية إحكاماً تخدم هذه التوجهات مثل الالتزام بالتحول إلى التعريفة الجمركية وتمكين الصادرات من النفاذ إلى الأسواق وتنظيم الدعم المقدم للمنتجين الزراعيين وتخفيض الدعم المالي للصادرات .
واستندت اتفاقية المنسوجات والملابس إلى مجموعة من المبادئ أهمها الدمج وزيادة الحصص الكمية وتطبيق آلية للوقاية خلال المرحلة الانتقالية .
وتواجه اتفاقية إجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة صعوبات في تنفيذ الالتزامات المتمثلة بالمعاملة الوطنية والتوقف عن القيود والكمية والشفافية ، حيث تعارضت مواقف الدول بين دول نامية تريد قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إليها وبين دول متقدمة ما زالت ترى ان الحماية للاستثمارات الأجنبية غير كافية في الدول النامية . وقد عٌرض موضوع العلاقة بين التجارة والاستثمار في جميع المؤتمرات الوزارية وكان آخرها مؤتمر كانكون الذي أكد على تيسير إجراءات الاستثمار المباشر في القطاع الصناعي .
ولاقت القواعد المنظمة لعمل التكتلات الاقتصادية الإقليمية اهتماماً متزايد من قبل منظمة التجارة العالمية لكي لا تتعارض قواعد التبادل التجاري في نطاق التكتل مع تحرير التجارة الزى ترعاه المنظمة ، خاصة أن بعض التكتلات أصبحت تغطى نسبة مرتفعة من التجارة العالمية . وقد أجازت منظمة التجارة العالمية للدول الأعضاء بالتكتل في صورة اتفاقية تجارية مؤقتة تتحول بعد عشر سنوات إلى منطقة حرة أو اتحاد جمركي ، وحددت المنظمة شروطاً لقيام التكتل الإقليمي منها شمول الاتفاقية الإقليمية كل التجارة بين الدول الأعضاء وأن لا تكون التعريفة مع الدول غير الأعضاء أكبر من التعريفة الموحدة في التكتل ، وان تقوم الاتفاقية الإقليمية حسب جدول محدد وفى فترة محددة وأن يتم إعلام أعضاء المنظمة بتفاصيل الاتفاق وإلاَّ اعتبرت الاتفاقية التجارية المؤقتة بمثابة نظام تفصيلي دائم يتعارض مع توجهات منظمة التجارة العالمية .
ثانياً : ملخص الفصل الثاني : الوضع الراهن للتجارة الخارجية العربية .
تبين من دراسة الفصل الثاني أن جانباً كبيراً من الاقتصاد العربي يعتمد على الأسواق الأجنبية ، بما يعنى ارتفاع درجة انفتاح الدول العربية على العالم الخارجي ومن ثم تأثرها بما يحدث في الاقتصاد العالمي ، كما لوحظ حدوث زيادة مستمرة في الصادرات والواردات العربية وذلك كنسبة إلى الناتج المحلى الإجمالي ، واقترن ذلك بحدوث تحسن ملموس في التجارة الخارجية لمجموعة الدول العربية ، لكن الملاحظة الأكثر أهمية تمثلت في تركز الصادرات في مجموعة من السلع الأولية (النفط والغاز والمنتجات الزراعية) والتي تتسم أسعارها بعدم الاستقرار مما يجعل قدرة الدول العربية في تمويل وارداتها عرضه للمصاعب ، ويفرض قيوداً على عملية التنمية ويقلل من استمراريتها وأداءها .
وتبين ان الدول العربية قد انطلقت منفردة في إقامة بنياتها الأساسية التي تخدم التجارة البينية وعندما بادر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي كانت مبادرته تنصب في البنى الأساسية القطرية أكثر من المشروعات المشتركة التي كان قد تضمنها الإطار المتفق عليه .
كما تبين اعتماد التجارة الخارجية العربية على النقل البحري بدرجة أساسية ، لكن مازالت تكاليف هذا النوع من النقل مرتفعة وتمثل نسبة كبيرة من ثمن السلع المنقولة ، ويرجع ذلك إلى أن الدول العربية لا تمتلك أسطول نقل بحري له القدرة على المنافسة في تقديم خدمات النقل البحري وتعزيز قدرة التجارة العربية في تسويق الصادرات ، هذا على الرغم من أن الدول العربية لديها عوامل يمكن من خلالها تدعيم نشاط أسطول النقل البحري العربي (إن وجد) .
وفيما يخص هيكل الصناعة التحويلية العربية تبين ان هذه الصناعات قامت أساساً لتلبية حاجات تنموية قطرية وقد ركزت على الصناعات الخفيفة الغذائية والاستهلاكية ، ويغلب طابع التشابه على معظم هياكل الصناعات التحويلية في الدول العربية وذلك كنتيجة فرضها اعتماد الصناعات التحويلية فى الدول العربية على الموارد الزراعية ومخرجات الصناعة الاستخراجية .
كذلك تبين أن معظم الدول العربية تواجه متطلبات العمل بنظام منظمة التجارة العالمية وهى تعانى من فجوة غذائية تستنزف بعض عائدات التجارة الخارجية ، ومصدر القلق في هذا الأمر هو أن نسبة الفجوة الغذائية مرتفعة في أصناف مثل القمح والدقيق والحبوب والسكر والزيت ، ويمكن هنا أن يتمثل تدعيم التكامل الاقتصادي وموقف الدول العربية في إطار تحرير التجارة العالمية .
وظلت مشاركة الدول العربية في مفاوضات جات 1947 محدودة ، وبالتالي لم تستفد من المفاوضات التي تضمنت إيجاد حلول لمشكلات التسويق التي يواجهها الأعضاء ، يضاف إلى ذلك أن الدول العربية اعتمدت على التفاهمات مع الدول المتقدمة من أجل استيعاب الصادرات العربية .
وتتميز التجارة الخارجية العربية بصادرات يعانى معظمها لحساسية في تقلبات الأسعار وبالتالي تؤدى إلى تقلبات ملموسة في التجارة الخارجية العربية ، ومن جهة أخرى تواجه بعض المنتجات العربية ظاهرة إغراق السوق العربية بالسلع الأجنبية ، مما يضعف قيام مؤسسات إنتاجية تتمتع بالقدرة على نفاذ منتجاتها إلى السوق الأجنبية ، كما تواجه بعض المنتجات العربية تلويح الدول المتقدمة باستخدام حق مكافحة إغراق أسواقها ورفع الدعاوى .
ثالثاً : ملخص الفصل الثالث : تحليل الآثار التي تعكسها مستجدات منظمة التجارة العالمية على أهم قطاعات التجارة الخارجية العربية .
يمتلك القطاع الزراعي العربي إمكانات غير مستغلة يمكن من خلالها زيادة الإنتاج وتنوعه ، غير أنه توجد معوقات أهمها ما يتصل بطريقة استخدام الموارد الزراعية وضعف التبادل التجاري العربي وقصور المعلومات عن الأسواق ، مما يؤثر سلباً على الإنتاج وعلى فرص التصدير بمزايا تنافسية في ظل نظام منظمة التجارة العالمية .
والتزمت الدول العربية بتحويل القيود الجمركية إلى تعريفة جمركية وذلك في ظل قيود غير جمركية منخفضة في معظم الدول العربية ولا تساعد على تجنب الآثار السلبية التي يرتبها تخفيض دعم المنتجات الزراعية في حال تنفيذ جوهر اتفاق الزراعة (الحماية والدعم) وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .
وتبين فيما يتعلق بالإنتاج الزراعي أنه متذبذب وترتب عنه تباين قدرة المنتجات الزراعية العربية في الإحلال محل الواردات خلال فترة الدراسة ، ويولد ذلك انطباعاً عن الطريقة التي ستسلكها التجارة الخارجية العربية بالمنتجات الزراعية في المستقبل من حيث الاعتماد على الاستيراد لجميع السلع الغذائية الأساسية ، وتأتى في مقدمتها الحبوب والسكر والبقوليات والألبان في حال عدم تطور أداء الإنتاج الزراعي العربي .
كما تبين حدوث زيادة في الواردات الزراعية العربية وزيادة الصادرات الزراعية العربية ولكن رافق ذلك زيادة عجز الميزان التجاري الزراعي العربي خلال فترة الدراسة ، ويقودنا ذلك إلى الاستنتاج بأن التجارة الخارجية العربية بالسلع الزراعية تشكل عبئاً على التجارة الخارجية العربية وتعد السنوات 1998 – 2002 مثالاً عن ارتفاع نسبة العبء خلال فترة الدراسة .
ولم تغفل منظمة التجارة العالمية حاجة الدول النامية فى أن تكيف قطاع الصناعة التحويلية مع المستجدات في نظام التجارة العالمي ، وقد ظهر ذلك من خلال إجازة التدرج في تنفيذ الالتزامات ذات الصلة بتحرير التجارة في السلع المصنعة ومكافحة الإغراق والدعم الضار بالتجارة ، فضلاً عن إجازة المنظمة بعقد اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف تستفيد منها باقي الدول في المنظمة وخاصة الاتفاقيات التي تعقد بين الدول المتقدمة .
واتضح في هذا الشأن حدوث زيادة متواضعة في ناتج قطاع الصناعة التحويلية العربية وخاصة الصناعة الكيماوية وصناعة الآلات والمعدات ، وقابل ذلك تزايد قيمة واردات السلع المصنعة خلال فترة الدراسة ، ومثل ذلك عبئاً تحملته التجارة الخارجية العربية ظهر من خلال المتوسط السنوي لعجز التجارة بالسلع المصنعة والذي زاد بمقدار 5.8 مليار دولار في الفترة (1995 – 2003) مقارنة بالمتوسط السنوي للعجز في الفترة (1990 – 1994) .
وتلفت الظاهرة السابقة النظر إلى قيمة واردات السلع المصنعة وخاصة عالية التكنولوجيا التي أصبحت تستنزف نسبة مرتفعة من الواردات الإجمالية العربية والتي لا يمكن التعويض عنها إلاّ بوجود قاعدة تكنولوجية ومادية متطورة تقف وراء قطاع الصناعة التحويلية بكل دولة عربية بحيث تلبى حاجتها إلى الاستهلاك والتصدير من السلع المصنعة وتتكامل بهذا الخصوص مع باقي الدول العربية .
وتعد الدول العربية معنية بتنظيم إجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة نظراً للدور الايجابي المحتمل الذي يمكن ان تقوم به الاستثمارات الأجنبية المباشرة من حيث التمويل وتنظيم الإنتاج والإدارة ونقل التكنولوجيا وتعزيز قدرات المؤسسات العربية في التسويق والتصدير وفق متطلبات النظام التجاري العالمي الراهن.
ويساعد على ذلك وجود إمكانية في المستقبل لتسخير الدول العربية لعدد من العوامل تتصل بعائد الاستثمار وبالسوق العربية وبالبنية الأساسية ، والتي يمكن ان تسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والاستثمارات العربية البينية ، وقد ينظر إلى منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى على انها محاولة عربية تخدم مسألة جذب الاستثمارات .
غير أنه تبين أن مؤشر مناخ الاستثمار في الدول العربية شهد تراجعاً طفيفاً فيما بين عام 2003 وعام 1995 ويشير تذبذب هذا المؤشر خلال فترة الدراسة إلى عدم تبلور أهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالنسبة للدول العربية وكذلك بالنسبة للمستثمرين الأجانب الذين لا يجذبهم العائد المرتفع في الدول العربية تحت تأثير الخوف من احتمال عدم الاستقرار الأمني والسياسي .
كما تبين أيضاً ترابط اقتصادات الدول العربية بالاقتصاد العالمي منذ قيام منظمة التجارة العالمية ويتبدى ذلك من خلال تزايد نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى إجمالي الناتج المحلى الإجمالي لمعظم الدول العربية ، ويثير ذلك قضية التخوف من الاعتماد الكبير على الاستثمارات الأجنبية وما يترتب عن ذلك من ضرر في حالة هروبها المفاجئ ، خاصة وان الاستثمارات الأجنبية المباشرة تشكل نسبة مرتفعة إلى إجمالي الاستثمار الثابت في الدول العربية الأقل نمواً .
رابعاً : ملخص الفصل الرابع : طرق معالجة مشكلات التجارة الخارجية في ضوء بعض التجارب العالمية . (تجربة الآسيان وتجربة الكوميسا) .
يتلخص هذا الفصل في أن الالتزام بالترتيبات التجارية المشتركة وتدرجها حتى تصبح منطقة حرة أو سوقا مشتركة ليس التزاماً سهلاً بالنسبة للتكتلات الاقتصادية التي تجمع بين دول نامية ، وبرزت هذه الملاحظة أكثر في تجربة تكتل الكوميسا من حيث التباطؤ في تنفيذ التخفيضات الجمركية المتفق عليها ، أو عدم اهتمام هذا التكتل بتوزيع المشروعات الصناعية بين الدول الأعضاء عند تشكله كما فعل تكتل الآسيان عند نشوئه .
ومما يُحسب لتجربة الآسيان إنها استطاعت تعديل هياكل قطاع الإنتاج السلعي في دول التكتل لصالح زيادة نصيب قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلى الإجمالي وزيادة نصيب الصناعات التحويلية في التجارة الخارجية ، وساعدها على ذلك عدد من العوامل في حل مشكلات التجارة الخارجية تتمثل في العوامل التالية :
يحتاج تعديل هيكل الإنتاج للدول المنضوية في تكتل اقتصادي واحد إلى الاستقرار الأمني فيما بينها من أجل أن تنتقل الموارد والسلع بين دول التكتل بسهولة وتنعدم مخاطر الانتقال غير المرتبطة بعوامل اقتصادية أو تجارية غير محسوبة ، وقد استطاعت دول تكتل آسيان تنفيذ المبادئ التي تم الاتفاق عليها بهذا الخصوص في عام 1973 والتي تركزت في أن يكون حل المنازعات سلمياً وعدم التدخل في الشئون الداخلية .
ويتطلب التوسع في التصدير وجود أسواق خارجية وقد قوت ظروف الحرب الباردة صلة تكتل آسيان بالدول الرأسمالية التي وفرت له سوقاً خارجية واسعة ، كما انعكست المنافسة التجارية بين الصين واليابان وكوريا على التجارة الخارجية لدول تكتل آسيان ، حيث تولد عن النمو السريع في اليابان وكوريا ارتفاع وتيرة المبادلات التجارية مع دول الآسيان فضلاً عن تدفق رؤوس الأموال والتكنولوجيا ، والمقصود بذلك هو أن التوسع في التجارة الخارجية والتصدير تحديداً يقتضى الاستفادة من تنافس القوى التجارية المتمثلة في بعض الدول على المستوى العالمي أو الإقليمي .
ويعد التدرج في الأطر لإزالة عوائق التجارة من أهم الدروس المستفادة من تجربة تكتل الآسيان ، حيث بدأ التكتل بتشخيص المشكلات والاتفاق على إقامة منطقة تجارة تفضيلية في نهاية عام 1977 أصبحت عام 2002 بداية لقيام منطقة تجارة حرة ، أي بعد حوالي ربع قرن من الاتفاق على إقامة منطقة تجارة تفضيلية وتخللها في الفترة 1988 – 1993 برنامج لتطوير نظام الافضليات التجارية .
وكذلك يعد التدرج في الترتيبات التجارية المتعلقة بتحرير التجارة بالسلع ميزة أكتسبها تجربة الآسيان ، حيث خضعت سلعاً محدودة لنظام الأفضلية التجارية مباشرة عند تشكل هذا النظام ، وخضعت سلعاً أخرى للتحرير الدوري مع كل جولة مفاوضات ، وكذلك الإعفاء من التعريفة الجمركية لمستوى معين من الصفقات التجارية ، كما اتبع تكتل الآسيان أسلوب الممر السريع لسلع صناعية يطبق عليها حد التعريفة الأدنى خلال عشر سنوات .
وتتميز التدابير المنظمة لتجارة الآسيان بالمرونة والانفتاح على الدول غير الأعضاء في التكتل ، وقد عبر عن ذلك أول اجتماع قمة لدول الآسيان ، حيث تم إبداء الاستعداد في تطوير علاقات التعاون مع دول من خارج التكتل ، وتأكد هذا التوجه في القمة الثالثة التي تبنت مسألة توسيع نطاق التعاون مع غير الأعضاء ليشمل دولاً وتجمعات.
كما تميزت دول تكتل آسيان بالالتزام بالتنفيذ والنتائج وهى بصدد تطوير تعاونها التجاري ، إضافة إلى ممارسة التنسيق إزاء إجراء تعديلات كبيرة لمواجهة المخاطر التجارية الطارئة التي تواجه التكتل أو أعضائه .
ويؤخذ على الترتيبات التجارية العربية قبل البدء بالمنطقة الحرة أنها لم تسع لخلق منطقة تجارة تفضيلية يتم في إطارها الإزالة التدريجية لمعظم عوائق التجارة قبل دخول المنطقة الحرة حيز التنفيذ وبحيث يجرى بالتزامن معها قيام مشروعات صناعية تكاملية أو مشروعات مشتركة ينعكس من خلالها نتائج الترتيبات التجارية المشتركة سواءً في صورة مكاسب للمشروعات أم في صورة زيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية .
وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج والتوصيات يمكن تحديد أهمها فيما يلي :
أولاً : النتائج .
1- لا يتوفر للتجارة الخارجية العربية الدعم الكافي من قبل البنى الأساسية القطرية في الدول العربية وخاصة فيما يتصل بالنقل وإجراءات العبور ، مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة النقل بين الدول العربية واستحواذ الدول الأجنبية على مدفوعات النقل البحري لمعظم سلع التجارة الخارجية العربية بينما يتم نقل معظم التجارة بين الدول العربية.
2- لا يوجد خلال فترة الدراسة ما يشير إلى تكيف الصناعة التحويلية العربية للعمل وفق متطلبات نظام التجارة العالمية الراهن بما يساعد على زيادة الصادرات من تلك الصناعات ، حيث لم يشهد نصيب صادرات الصناعة التحويلية من اجمالى الصادرات العربية تغيراً ملموساً بين نهاية وبداية فترة الدراسة ، الأمر الذي يشير إلى استمرار اعتماد الصادرات على المنتجات الأولية .
3- تمثل واردات الغذاء عبئاً على التجارة الخارجية العربية وقد تبدى ذلك من خلال نسبة تغطية الصادرات الغذائية للواردات منها والتي لم تتجاوز 20 بالمائة في نهاية فترة الدراسة ، وازدادت قيمة فجوة الغذاء العربي من حوالي 10 مليار دولار في عام 1994 إلى 15 مليار عام 2002 ، وتساوى قيمة الفجوة الغذائية حوالي ثلثي قيمة عجز ميزان التجارة العربية بالسلع الزراعية وذلك في المتوسط خلال فترة الدراسة .
4- تزايدت تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية إلى الدول العربية خلال فترة الدراسة ، غير أن الملاحظ هو ارتفاع نصيب مصر وتونس والمغرب فى ضوء ما حققته من اتفاقات تحرير التجارة مع الاتحاد الأوروبي ، وهو ما انعكس على نمو صادرات المصنوعات لدى هذه الدول بأكبر مما تحقق لباقي الدول العربية .
5- لوحظ خلال فترة الدراسة ان العلاقات التجارية للدول العربية منفردة مع العالم الخارجي تزيد عن العلاقات التجارية بين هذه الدول ، ويخشى ان تتسع هذه الظاهرة في المستقبل إلى الحد الذي قد يضعف محاولات إنشاء تكتل اقتصادي عربي وفق المدخل التجاري ، وذلك في حالة إذا استمر التباطؤ في دعم التجارة العربية البينية ، إلا ان دخول منطقة التجارة العربية الحرة حيز التنفيذ اعتباراً من أول عام 2005 يعمل في اتجاه زيادة حجم التجارة العربية البينية بما يؤدى إليه من خلق التجارة وتحويلها من الخارج إلى الداخل .
6- لم تشهد القدرة التنافسية للصادرات العربية تطوراً يعتد به خلال فترة الدراسة ، وتنشأ هذه النتيجة في الأساس من أن صادرات المصنوعات لم تحقق زيادة ملموسة ومستمرة في معظم الدول العربية ، وهو ما ينعكس على القدرة التنافسية للاقتصاد العربي ، ويقود هذا الوضع إلى القول بأن الطموح إلى زيادة أسهام الصادرات العربية في الصادرات العالمية يعتمد على دعم جهود التعاون الاقتصادي والتجاري العربي الراهن .
7- يهيئ العمل بقواعد منظمة التجارة العالمية حول تجارة المصنوعات إمكانية انتقال الموارد بين فروع الصناعة وبين الدول إلى حيث توجد عوائد مرتفعة ، ولعله من الأهمية بمكان ان تنصب الجهود اللاحقة في الدول العربية على الترتيبات المشتركة التي تساعد على قيام صناعات عالية التقنية تكتسب قدرات تنافسية عاليه يتيحها التكتل الاقليمى.
ثانياً : التوصيات :
1- لعل أهم توصية عملية في هذا المجال تتمثل في ضرورة دعم منطقة التجارة العربية الحرة وسرعة انضمام باقي الدول العربية إليها ، وعدم اللجوء إلى تعويق التبادل التجاري بواسطة أي قيود أخرى إدارية أو بيئية أو إجرائية أو المغالاة والتشدد في قواعد المنشأ وغيرها .
كذلك فإن تطوير منطقة التجارة الحرة إلى إتحاد جمركي كخطوة تالية على قدر كبير من الأهمية حتى يمكن تعظيم المكاسب من التكتل الاقليمى والاستفادة من آثار خلق وتحويل التجارة ، وهو ما سوف يدعم اقتصادات الدول العربية وخاصة قطاعات الصناعات التحويلية وسد الفجوة الغذائية ، ولاشك أن الالتزام بقواعد منظمة التجارة الدولية يدفع في هذا الاتجاه حيث تلتزم الدول الأعضاء بتخفيض القيود الكمية (الجمارك أو الحصص ).
2- تشير نتائج الدراسة إلى وجود علاقة ايجابية بين الاستثمارات المباشرة وإجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة من جهة وبين نمو التجارة وتنوعها ونقل التكنولوجيا من جهة أخرى ، وتقوم هذه العلاقة على عدد من العوامل لعل أهمها ما يتصل بتطمين المستثمرين حول استقرار إجراءات وسياسات الدول المضيفة على المدى المتوسط والطويل .
ويقترح بهذا الشأن إنشاء صندوق يسمى صندوق مواجهة عدم الاستقرار في سياسات الاستثمار بجانب صندوق مواجهة مخاطر الاستثمار ، بحيث يكتسب هذا الصندوق ثقة المستثمرين فيما يتعلق بالتعويض عن كافة الخسائر التي يثبت أنها نتجت عن عدم الاستقرار الأمني أو السياسي في الدول العربية المضيفة .
3- توظيف علاقات الدول العربية المنفردة مع دول العالم لخدمة التجارة الخارجية والبينية العربية ، نظراً لإنضمام معظم الدول العربية إلى اتفاقيات مشاركة أو مناطق تجارة حرة مع دول تمتلك قدرات عالية في تنظيم اقتصاداتها وتجارتها الخارجية وكذلك في إدارة الاتفاقيات التي تكون طرفاً فيها .
ويقترح هنا بأن يتم النظر إلى الجانب الايجابي في علاقة الدول العربية منفردة مع دول العالم في النواحى الاقتصادية والتجارية ، وبأن تنظم وتقوى جامعة الدول العربية ذلك التوجه في إستراتيجية العمل الاقتصادي العربي بحيث يتم تحديد علاقة كل دولة عربية مع العالم الخارجي على أساس الميزة التنافسية الأعلى التي تتمتع بها كل دولة عربية في إنتاج وتصدير منتجات معينة إلى السوق العالمية والعربية .
ويلزم العمل بهذا التوجه اتفاق الدول العربية على التنفيذ الجاد لبنود اتفاقية تضمن الحقوق والواجبات وتقيم جهاز فض منازعات ، كما تضمن توفير أموال لتشجيع المنشآت العربية التي يتعزر وضعها التنافسي في السوق الخارجية وكذا تشجع المنشآت التي تغير مجالات نشاطاتها أملاً في تحقيق ميزة تنافسية موجهة للسوق العربية والعالمية .
4- يتطلب استمرار نشاط المنشآت العربية على أسس تجارية عدم الفصل بين المنشأة والمطلوب منها إنجازه وبين أحوال السوق المحلية والخارجية والخدمات المساندة وخدمات الدول السيادية والأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية التي تؤثر في الأسعار مثل سعر الصرف وسعر الفائدة والتضخم .
ويقترح بهذا الشأن ان تُبنى السياسات الاقتصادية العربية نحو المستقبل على أساس ما يعرف بمفهوم الإستراتيجية التنافسية ، نظراً لأن ظهورها ارتبط بمواجهة مشكلة حدثت بالفعل تمثلت في تضاؤل القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية في السوق الأجنبية ، كما أن مفهوم الإستراتيجية التنافسية يعطى الإدارة حق إدارة منشآت الأعمال على أسس تجارية ومواجهة الظروف المتغيرة باستمرار .
5- لم تغفل الاتفاقيات التجارية العربية هدف زيادة نسبة التجارة البينية من اجمالى التجارة الخارجية العربية منذ إتفاق (ميثاق) إنشاء جامعة الدول العربية (1945) وحتى ظهور برنامج تنمية التجارة العربية البينية في عام 2002 والذي يستهدف أن لا تقل نسبة التجارة العربية البينية عن 20 بالمائة من التجارة الخارجية العربية الإجمالية في نهاية عام 2007 .
ويمكن الوصول إلى أهداف تتصل بحجم وهياكل التجارة العربية فيما لو تحققت بين الاقتصادات العربية روابط تسهم في رفع كفاءة التجارة ، ولعل من أهمها أن تتمتع المنشآت العربية بالمساواة عند اختيار الفرص التجارية الممكنة وكذلك المساواة في المفاضلة بين خيارات إعادة تخصيص الموارد أو الاندماج أو الانتقال بممارسة نشاط انتاجى آخر سواءً في الدول الأم للمنشأة أم في الدول العربية الأخرى .
ساحة النقاش