الرسول يحدثنا عن فوائد الصوم الصحية والنفسية |
علّمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، أن للصيام فوائد صحية عديدة لخصها خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “صوموا تصحوا”
وهذا الحديث النبوي الشريف يكشف - كما يقول د.زغلول النجار رائد الإعجاز العلمي في القرآن والسنة عن جانب من جوانب إعجاز البلاغ النبوي، حيث أكد الأطباء وعلماء النفس أن لفريضة الصوم منافع طبية ونفسية عديدة إلى جانب منافعها الروحية . . فإذا كان في الصيام فرصة كبيرة لتقوية الروح، ففيه فرصة أكبر لتقوية البدن، فإن كثيرا مما يصيب الناس إنما هو ناشئ من بطونهم التي يتخمونها بكل ما تشتهي، وقد قال، صلى الله عليه وسلم: “ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه”
وإذا كان البطن مستنقع البلايا، وكانت المعدة بيت الداء، فإن الامتناع عن الأكل رأس الدواء، وشهر رمضان كما يؤكد الأطباء في كل التخصصات فرصة تستريح فيها المعدة، ويتخلص الجسم من كثير من فضلاته الضارة .
وهذا الحديث الشريف كما يقول د .أحمد عمر هاشم، أستاذ السنة النبوية، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر يوضح مدى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحة بوجه عام، فصحة البدن من مقاصد الشريعة، فهي الطاقة التي تقوم بها الإنجازات في قطاعي الدين والدنيا على السواء، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف” .
وصح عنه أنه قال: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” . . وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الصحة الجيدة أحد أركان السعادة الدنيوية فقال: “من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه كأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها”، وقال لأبي الدرداء الذي أرهق نفسه بالعبادة “إن لبدنك عليك حقاً”، وكذلك قال لمن أرادوا أن يستمروا على قيام الليل وصيام النهار وعدم الزواج “إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني”، وفي توجيهاته ونصائحه الكريمة بالحرص على النظافة العامة وتجنب العدوى والمبادرة بالعلاج ما يؤكد حرصه على الدعوة إلى كل ما يحفظ للبدن صحته ليستطيع المسلم النهوض بالتكاليف .
أداء بدني أفضل
ولقد أظهرت نتائج الدراسات والتجارب كما يقول الدكتور زغلول النجار أن الأداء البدني للصائم من طلوع الفجر الصادق إلى الغروب أفضل من أداء غير الصائم لتحسن درجة تحمل البدن للمجهودات العضلية وأداء كل من القلب والجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرها أثناء الصيام، ومن هنا كانت قلة الشعور بالإجهاد، وتحمل ما لا يمكن للفرد تحمله في ساعات الإفطار العادية، وذلك لاختلاف مصدر الطاقة في الجسم بين الصائم والمفطر .
أما إذا زادت مدة الصيام على المتوسط الذي شرعه الإسلام (11 14 ساعة تقريباً) فإن الأداء البدني والعضلي يبدأ في التأثر، ويبدأ الصائم في الشعور بالإعياء .
فمن المعروف أن الصوم يسبب انصهار الدهون في الجسم، ما يؤدي إلى زيادة في الأحماض الدهنية الحرة في الدم، فتصبح هذه الأحماض هي المصدر الرئيسي لطاقة الصائم بدلا من الجلوكوز في حالة المفطر، وهذا يساعد على تقليل استهلاك مادة “الجليكوجين” في كل من العضلات والكبد أثناء بذل الجهد من قبل الصائم، ويساعد كذلك على ضبط مستوى سكر الجلوكوز في الدم، الذي يؤدي نقصه إلى الشعور الكامل بالإعياء، ولما كان مستوى سكر الجلوكوز في دم المفطر هو المصدر الرئيسي لطاقته، فإن جهده المبذول يشعره بإعياء أكبر مما يشعر به الصائم إذا قام بالمجهود نفسه تحت الظروف نفسها .
ويقول الدكتور زغلول النجار: إضافة إلى ذلك، فإن حالة الرضا النفسي للصائم، وارتفاع معنوياته لشعوره بالقرب من خالقه سبحانه وتعالى ولإحساسه بالقيام بعبادة من أشرف العبادات في شهر يعتبر أفضل شهور السنة على الإطلاق وأكثرها بركة ورحمة ومغفرة وعتقا من النار . . كل ذلك يؤدي إلى زيادة واضحة في داخل جسم الإنسان لعدد من الهرمونات النافعة، مثل مجموعة “الأندروفين” التي يعزى إليها تحسن الأداء البدني وقلة الشعور بالإعياء أو الإجهاد .
ومن البديهيات أن توقف الإنسان عن متابعة نظامه اليومي في تناول وجبات الطعام لفترة محددة بشكل عام يؤدي إلى راحة أجهزة الجسم، الذي يبدأ خلال فترة الصيام في التخلص مما تراكم فيه على مدار السنة من دهون وشحوم وفضلات وسموم، وفيروسات وطفيليات وغيرها، وهي من الأمور المهلكة لصحة الإنسان إذا تراكمت في داخل جسده بكميات كبيرة، ومن هنا كانت ضرورة التخلص منها بين فترة وأخرى، وأفضل وسيلة لذلك هي الصيام .
ومن هنا شرع ربنا تبارك وتعالى لنا الصيام في شهر رمضان، وجعله أحد أركان الإسلام، كما شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم “صوم التطوع” و”صوم الكفارات” و”صوم النذر” على مدار السنة، وكان صلى الله عليه وسلم من المواظبين على صيام التطوع، وأوصى أمته بالصوم، ووصفه بأنه عبادة من أعظم العبادات لله، ووسيلة من وسائل المحافظة على صحة الأبدان، وسلامة الأرواح، وطهارة النفوس فقال “صوموا تصحوا”
“ريجيم” مثالي
والصوم كما يؤكد الدكتور أيمن يسري، أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بكلية الطب بجامعة القاهرة - فرصة ذهبية للبدناء . . فالسمنة خطر على الصحة لأن زيادة الوزن أكثر من 20% من وزن الشخص المثالي تجعله عرضه لارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وتضخم القلب وحدوث دوالي الرجلين وجلطات الأوردة، كذلك فالشخص البدين أكثر عرضة لصعوبة التنفس وحصاوي المرارة وتيبس المفاصل ومرض النقرس وأورام الرحم
ويعتبر شهر رمضان بداية ممتازة لعمل “ريجيم” طبي لعلاج السمنة، وحيث إن احتياجات الشخص البالغ نحو 2000 2700 سعر حراري يومي، فإذا استطاع الشخص إنقاص تلك القيمة الحرارية إلى نحو 1200 سعر حراري يومي، أمكن إنقاص وزن الجسم حوالي خمسة كيلوغرامات في الشهر، ويعتبر هذا النقص في الوزن سهل الاتباع في الشهور التالية .
وهنا ينصح الأطباء بأن تكون عملية إنقاص الوزن متدرجة وثابتة، مع سيطرة إرادة الشخص الصائم . . ويبدأ هذا “الريجيم” باختصار مكونات الطعام ذات الطاقة العالية مثل الدهون والنشويات والسكريات مع تناول الاحتياجات الحقيقية اللازمة من البروتينات، إضافة إلى كميات وافرة من الخضراوات الورقية الطازجة .
وهكذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا في أمس الحاجة إلى الاستفادة من ثمرات الصوم، في تقوية البدن والروح معا . . والصحة البدنية طريقها معروف وواضح للجميع، وهو العمل بتوجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فقد حذر الرسول من الإسراف في كل شيء وبخاصة في تناول الطعام والشراب، ووضع لذلك دستورا من الآداب والسلوكيات التي نصح بها أمته سواء في رمضان أو في غير رمضان والتي أثبتت الدراسات العلمية دقتها وصحتها وشموليتها .
لقد أدرك المسلمون الأوائل أسرار الصوم وفوائده الروحية والبدنية، فجعلوه موسما للعبادة وترشيد الاستهلاك وتقوية البدن