حرية منفلتة يرفضها الإسلام |
د .عبد الله النجار
انحرف كثير من الناس عن المفهوم الحقيقي للحرية، حيث اعتقدوا أن الحرية تعني أن يفعل الإنسان كل ما يحلو له من دون ضابط أو رابط أو مرجعية يعتمد عليها ليضبط سلوكه بما يمنع الأذى عن الآخرين أو يهدر حقوقهم . . وبسبب هذا الفهم الخاطئ أساء هؤلاء استخدام الحرية، واعتبروها نوعاً من التحرر المطلق، فكل إنسان وفقاً لهذا المفهوم الخاطئ للحرية من حقه أن يفعل ما يراه، ويرتكب ما يحلو له، حتى لو كان ما يفعله عبثا خالصا .
لقد علّمنا الإسلام الحرية النزيهة المجردة من الأهواء، وجعلها حقاً من حقوق الإنسان، وكما هو معروف فإن الحق مصلحة مشروعة، والمصلحة المشروعة لا يتصور أن تتصادم مع ما هو مشروع ثم تتحول إلى جريمة يعاقب عليها تشريع السماء، كما يحدث في حالات الاستعمالات السفيهة لمعنى الحرية .
إن الحرية في الإسلام مظهر لتكريم الإنسان حين جعلها الشارع أساساً للمساءلة عن الفعل وليس كما يعتبرها البعض ستارا لفعل ما يحلو لهم، وكان مفهوم الحرية في الإسلام هو المفهوم الصادق الصحيح الذي يعبر عن حقيقتها بصدق وواقعية، وإذا كان مفهومها في حياة بعض الناس أن يفعلوا ما يريدون فإنها في المفهوم الشرعي الصحيح تعني التحرر من العبودية إلا لله سبحانه، أو هي الخضوع لحكم الله سبحانه، وكان وجود الحرية في الإسلام مرتبطاً بقوله تعالى: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم” .
والحرية في الإسلام تجرد الإنسان من جميع القوى والأشياء المؤثرة في قراره، فالمسلم في كل أموره يخضع لسلطان ربه، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى أن يفهم الحرية فهماً صحيحاً، لأن من يخضع لحكم ربه لا يجور على حقوق غيره، وإذا استطاع بحرية حركته المشروعة أن يحقق مجداً زائداً على غيره، فإن هذا المجد لن يكون قصراً عليه وحده، بل سيكون لغيره ممن لم يقدروا على الوصول لمثله حق فيه، ولهذا جعل الله للفقير حقاً في مال الغني، وجعل للضعيف واجب النصرة على القوي، وأوجب التكافل في الإسلام، وفي هذا الإطار الإسلامي يتكون المفهوم الصحيح للحرية
ومن هنا، فإن الحرية لا تعني استبداد الحر بتصرفاته، أو أن يفعل ما يحلو له في أي زمان ومكان، وإنما هي نوع من الحق يستطيع الإنسان بمقتضاه أن يباشر المصالح المتعلقة به في حدود عدم التصادم مع مصالح الآخرين وحقوقهم، ولهذا يمكن تعريف الحرية في الإسلام بأنها حق الإنسان في أن يختار بين البدائل المشروعة، وهذا التعريف يتواءم مع مسمى الحرية وفيه من القيود والضوابط ما يتفق مع حدود المشروعية المنضبطة بما يحقق الأهداف العامة للمجتمع . وهذا المفهوم هو الذي يحول دون تحول الحرية إلى نوع من التسلط المرفوض .
والإسلام حين أقر الحرية بهذا المفهوم المعتدل، وسع من مجال مظلتها، فجعله يشمل المصالح الأساسية التي تتعلق بحقوق الإنسان وكرامته، وجعل لتلك الحقوق شأناً خاصاً ومنزلة متميزة، من أهمها أنها لا تقبل التعامل أو المبادلة، لأنها في نظر الشارع أسمى من أن تقدر بالمال، أو لا يوجد في بني البشر من يستطيع أن يقدر قيمتها بالمال .
إن حق الإنسان في الكرامة مطلق لا يجوز بيعه أو شراؤه، وحقه في الإرادة الحرة التي يقدر بها ما يشاء ويفعل بها ما يستحق أن يساءل عنه، يعتبر من الحقوق المتميزة التي لا يجوز التسلط عليها أو تغييبها أو الحد منها، وحقه في التعبير عن رأيه يعتبر من حقوقه المتميزة التي لا يجوز أن يملكها سواه .
* عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر