تنميــة الانتمـــاء وسلوكيــات التحضــــر
بقلم:د‏.‏ محمــود عــيســـي


الانتماء غريزة فطرية لاتقتصر علي البشر فقط‏,‏ ولكنها ترتبط كذلك بملايين الأنواع من الكائنات الحية

 

وعلي المدي الواسع لفصائلها وطبيعة حياتها‏.‏ فكل هذه الكائنات تنتمي لنوعها والأرض التي تعيش عليها والبيئة التي خرجت منها أو تعيش فيها وكلها تستمد قوتها ومعيشتها من هذا الانتماء‏.‏ وافتقاد الانتماء يكون أحد أسباب تعاستها وفقد هويتها كما يمثل خللا في أسباب وجودها ودورتها في الحياة وقد يصل لفنائها‏.‏ من ذلك نستطيع أن نقول إن الانتماء لا تعود منافعه علي المكان أو البيئة بل تعود علي الكائن ذاته‏,‏ وبالتالي فإن الانتماء سر من أسرار الحياة وأساس لاستمرارها وفقد الكائن الحي لهذا الانتماء يصبح بسبب ذلك عالة علي مجتمعه منبوذا من أقرانه مفتقدا لجودة حياته‏.‏
وانتماء المواطن غالبا ما يوحي بأنه يقتصر علي الانتماء للوطن فقط والواقع فان الانتماء أعم وأشمل من ذلك‏.‏ فالانتماء للأسرة وللعمل والبيئة المحيطة وكل ماهو في دائرته الصغري كلها أساس لانتمائه الأكبر نحو الوطن‏.‏ والانتماء يستحيل أن يكون بقرار أو بتوجيه سواء من المواطن ذاته أو من المجتمع لأنه غريزة حميدة يجب أن ننميها بتحسين العلاقة بين الفرد وبيئته وعمله‏,‏ وبالتالي يأتي كاملا نحو الوطن حيث لن تجد مواطنا يفتقد الانتماء لأسرته أو عمله أو بيئته الصغري ويكون منتميا حقيقيا لبيئته الكبري وهي الوطن‏.‏
والتحضر سمة هي محصلة لكثير من السمات‏.‏ كما أن التحضر مقياس ومعيار يعكس مستوي التقدم والارتقاء لأي مجتمع من المجتمعات‏.‏ والتحضر لا مكان له‏,‏ فهو سلوك في العمل وفي الشارع وفي البيت‏,‏ كما أنه سلوك في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية علي المستوي العام وأيضا سلوك في التصرفات في اللغه وفي الحوار‏.‏ والسلوك الحضاري لايقتصر علي الأفراد بل يتصل بالسلوك الجماعي لمجتمع من الأفراد أو وطن من الأوطان‏,‏ السلوك الحضاري للأفراد والسلوك الحضاري للمجتمع كله سلوك متبادل‏,‏ فالوطن المتحضر نتاج لشعب متحضر‏,‏ كما أن الفرد المتحضر هو نتاج جهود لوطن متحضر‏.‏ والانتماء والتحضر في علاقة ترابط قوية‏,‏ ففقد الانتماء يؤدي إلي تصرفات فاقدة للسلوكيات الحضارية والعكس صحيح‏.‏ والسلوك غير الحضاري علي مستوي الفرد نراه في الشارع في المعاملات وفي نزاعات ومشاجرات قد تصل للقتل لأتفه الاسباب‏.‏ وبرغم أن حوادث القتل موجودة في كل المجتمعات ولكنها لا تصل إلي القتل من أجل تسابق أو نزاع علي أولوية مرور أو علي بضعة جنيهات أو نزاع علي شجار الاطفال‏,‏ كلها معالم لسلوكيات غير حضارية تضر الفرد كما تضر المجتمع‏.‏ كما أن عدم اكتراث الفرد بكل ماهو عام من نظافة أو محافظة علي الممتلكات العامة كلها سلوكيات غير حضارية‏.‏ وبنظرة واحدة لدورة مياه عامه أو تعاملات عدائية وفي نزاعات لأسباب تافهة تكفي للحكم علي مستوي التحضر في السلوكيات والمعاملات‏.‏
والانتماء والتحضر أساسان للتنمية الاقتصادية فلا يمكن القفز بمعدلات تنمية قياسية بعناصر إنتاج من أفراد إنتمائها أو تحضرها ضعيف‏.‏ لذلك فتنمية الانتماء وتنمية التحضر تستحق أن تكون مشروعا قوميا تقدم له كل الوسائل والآليات‏,‏ وتشارك فيها كل المؤسسات المعنية بالدولة بل المتطوعون من المجتمع من ذوي الانتماءات القوية والعمل العام‏.‏
ولأن الاستثمار في البشر من أفضل مجالات الاستثمار فان تنمية الانتماء والتحضر هي استثمار مؤكد النتائج والعوائد‏.‏ إن استغلال المشروعات الكبري والمشاركة فيها والاعلام الدائم عن أهدافها وعائدها علي الوطن والمواطن تعتبر أيضا إحدي وسائل تنمية الانتماء والاستثمار في البشر‏,‏ كما أن انتقاء الكوادر خاصة في الشباب في تجمعات هادفة تعطي لأفكارهم الفرصه للابتكار والمشاركة‏,‏ حتي ولو بالفكر والاحساس بالمسئولية تجاه بيئتهم نتيجة هذه المشاركة وبالتالي نحو الوطن والمواطنين‏.‏ كما أن الاهتمام بثقافاتهم وتأهيلهم في دورات ولقاءات مخططة في مجالات هادفة تؤكد أهمية مشاركتهم‏,‏ وأن الوطن وطنهم كما تعود مشاركتهم بالنفع عليهم وعلي الوطن‏.‏يساعد أيضا علي ذلك التشجيع علي انشاء جمعيات الشباب المتنوعه المجالات والثقافات علي نمط الجمعيات الناجحه في خلق الكوادر كجمعيات جيل المستقبل وشباب الاعمال والتي لها برامج تدريبية هادفة يتخرج منها شباب مؤهل ومدرب‏,‏ ومن المؤكد لهم انتماءات قوية وسلوكيات أفضل نحو البيئة والمجتمع‏.‏
إن استغلال التجمعات الطلابية في الجامعات والمعاهد كبيئة واسعة وصالحة للاستثمار في طلابها ليس استثمارا بالمفهوم الاقتصادي المباشر‏,‏ ولكن بما يعني استغلالها في تنمية انتمائها وسلوكياتها باستخدام آليات منها الحلقات النقاشية والندوات الموسعة المتكررة يتحدث فيها رموز الوطن الذين يقدرهم المجتمع ليكونوا قدوة دون ترك هؤلاء الشباب فريسة للأفكار والشائعات والمبالغات بل والاخبار المختلفة التي تشتت أفكارهم‏,‏ وتخلق لديهم تساؤلات دون إجابات تنتهي بمفاهيم سلبية تؤثر علي انتماءاتهم وسلوكياتهم وافتقادهم لسلوكيات التحضر‏.‏ كما يجب استغلال التجمعات العمالية والنقابية ومراكز الشباب بالقري والمدن في تنمية انتماءاتهم من خلال مشاركتهم في حوارات القضايا والمشروعات القومية الاقتصادية والاجتماعية باعتبارهم قطاعا في أولوية واهتمامات الدوله وحتي تصير عدوي حميدة لكل فئات المجتمع‏.‏
والانتماء ليس له صلة بالعواطف التي تروح وتجيء كما أنه لاصلة له بحزب أو حكومة إنه انتماء لوطن نعيش علي أرضه‏,‏ ونأكل من خيراته وحياتنا مرتبطة بازدهار فهو جزء منا ونحن جزء منه‏,‏ والانتماء بحكم كونه صفة جامعة لصفات كثيره أخري فله عوائد علي الفرد وعلي المجتمع حيث يكون الفرد منتجا لصالحه ولصالح وطنه لأن المنتمي لوطنه يكون منتميا لذاته ولمن حوله فيكون شفافا موضوعيا متعاونا كما يتحلي بالمشاركه المجتمعية في شتي صورها‏,‏ ويري الحياة بعيون الآخرين فيعاونهم ويقدرهم وعندما تسود الروح الجماعية للانتماء يكون كل فرد في مظلة الحماية من الآخرين وتحل الرحمة محل التناحر‏,‏ وتتوطد علاقته بالآخرين وهي سلوكيات حضارية مؤثرة في جودة الحياة‏.‏
والخلاصة فإن تنمية الانتماء وسلوكيات التحضر تستحق أن تكون مشروعا قوميا داعما وموازيا للمشروعات القومية الكبري التي تتبناها الدولة في برامجها الحالية في الصناعة والاقتصاد والتعليم والصحة والتضامن الاجتماعي وغيرها من المجالات‏,‏ وكلها في أشد الحاجه لأن يكون كل من يعمل فيها متصفا بأعلي مستويات الانتماء وسلوكيات التحضر بما يعظم من عوائد هذه المشروعات والبرامج القومية والتي تنفق عليها الدولة كل مواردها من أجل تحسين جودة حياة المواطن‏,‏ والتي يستحقها كعائد تلقائي لانتمائه وسلوكياته الحضارية تجاه الوطن والمواطنين‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 38/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
12 تصويتات / 391 مشاهدة
نشرت فى 12 يناير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,824,024