مكـتب العـدل للآستشارات القانونية و أعمال المحاماة

أشــــــرف مـحــمــــد عـــاصـــى { المحـامـيّ } .

authentication required

 

 محاولة تفادى الصعوبات التى يثيرها إعمال المعايير التقليدية للاختصاص القضائي والتحكيمي في مجال عقود التجارة الإلكترونية

تأسيساً على أن دورالإنترنت لم يعد يقتصر على المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية فقط وإنما شمل العلاقات القانونية كإبرام العقود عبر الإنترنت بين طرفين لايجمعهما مجلس عقدى واحد(1).

ولما كانت المعاملات الإلكترونية تتفق مع المادية في ارتكازها على تبادل السلع والخدمات إلا أنهما يختلفان من حيث الوسيلة المستخدمة في التعاقد والوسط الذى يتم فيه التعاقد(2). ومع انتشار التعامل عبر الفضاء الإلكترونى بواسطة الإنترنت، كان ينبغى على صانعى السياسات بوجه عام التواصل إلى وسيلة لعمل منهج ينظم قواعد التعامل في هذا العالم الافتراضى ويكون بسيطاً وقابلاً للتطبيق المتبادل لحماية المتعاملين عبر الشبكة(3).

وتسليماً منا بمدى فاعلية الدور الذى يلعبه تطبيق المعايير التقليدية للاختصاص القضائي والتحكيمي في عقود التجارة الدولية على عقود التجارة الإلكترونية ومدى مساهمته بشكل كبير في تطور ونمو التجارة الإلكترونية(4)، فسوف نحاول في هذا المطلب عرض للمحاولات التى قال بها الفقه والأعمال الدولية المختلفة لتطويع هذه المعايير التقليدية لتلائم العالم الإلكترونى وذلك بعرضنا لبعض الحلول للصعوبات التى قد تواجه هذا التطبيق.

وسوف نتبع في عرضنا لهذه المحاولة منهجاً يقوم على عرض المشكلة، وبيان الحلول المطروحة لها ثم يلى ذلك تقسيم لهذه الحلول لبيان مدى كفايتها مع عرض للأعمال الدولية والإقليمية لمحاولة وضع حلول لهذه المشكلة(5).

أولاً: الاختصاص القائم على إعمال ضابط الخضوع الاختياري أوقبول ولاية القضاء أو التحكيم:

عرض المشكلة:-

1- كما سبق وأن ذكرنا أنه من الثابت قانوناً أن إرادة الإنسان حرة بطبيعتها وعند الاتفاق بين الأطراف على محكمة ما فإن الإنسان هو الذى يتقيد بإرادته، بيد أن المشكلة ظهرت في مجال التعاقد الإلكترونى الذى يتم عن طريق الوكلاء الإلكترونيون (الحاسوب المبرمج) خاصة عندما يقوم بإرسال رسائل مشوبة بالخطأ فيصعب تحديد من تنسب له هذه الإرادة.

2- وحتى في حالة التعاقد بين الأطراف ذاتهم فأنه يصعب التحقق من صلاحية المتعاقد للتعاقد نيابة عن الأصيل، أو وجود أهلية التعاقد لديه على اختيار المحكمة المختصة بالنزاع.

3- وأيضاً مشكلة اختراق الشبكة من قبل الغير وتغير مضمون الرسالة وهذه مشكلة قد تكون مشتركة في باقى المعايير، وصعوبة إثبات هذا الاتفاق تبرز أيضاً في المجال الإلكترونى.

 الحلول المقترحة لحل هذه المشكلات:

فى حالة صعوبة التحقق من الإرادة في حالة التعاقد عن طريق الوكلاء الإلكترونيون قد يتم ذلك عن طريق الاتفاق بين المتعاقدين على شفرة أو رمز يوضع على الوثيقة محل التعاقد أو عن طريق وسيط يستوثق من هويتهم عن طريق كلمة مرور، بحيث يقترن استخدام هذه الكلمة بشخص المتعاقد(1). وبالتالى يمكن التأكد من أن الرسالة المرسلة عن طريق الحاسوب صادرة عن صاحبها بإرادته. كان ذلك أحد اتجاهات الفقه.

اتجاه أخر جاء فيما يتعلق بإسناد الإرادة فإن هناك اتجاه في الفقه اعتبر الحاسوب مجرد وسيلة للتعاقد، وبالتالى إذا قام المتعاقد بإبرام العقد عن طريقه فإن الإرادة لاتنسب للحاسوب وإنما تنسب لمستخدمة وهذا يتفق مع مانصت عليه م 13 من قانون الأونستيرال النموذجى والذى اعتبرت نصوصه رسالة البيانات صادرة عن المرسل في حالتيــن:

الحالة الأولى:  إذا كانت رسالة البيانات صادرة عن المرسل أو عن شخص له سلطة التصرف نيابة عنه (المرسل – المنشئ) وذلك عندما يكون هذا الشخص نائبا أو وكيلاً عن صاحب الإرادة، أوغير ذلك من صور النيابة في التعاقد.

 الحالة الثانية:  إذا تم إرسال الرسالة من نظام المعلومات المبرمج من المنشئ ويشترط لاعتبارها صادرة منه أن يكون هذا الجهاز يعمل بشكل تلقائى ومباشر، وأن يكون تحت سيطرة وهيمنة صاحب الإرادة(1).

أما عن مسألة التحقق من شخصية المتعاقد وصلاحيته لأبرام العقد، فهى مسألة وإن كانت فنية بالدرجة الأولى وتحتاج لخبراء متخصصين في هذا المجال (مجال الإنترنت) والتجارة الإلكترونية بإيجاد حلول لها إلا أن هناك تقنيات مستخدمة لتحديد هوية المتعاقد نذكر منها:

1- تقنية الحائط النارى   (fire wall)   لتجميع الأليات البرمجية والتى عن طريقها يمكن بث رسالة تحذيرية عندما تكون الشبكة معرضة للاختراق أو التدخل الأجنبى(2).

2- تقنية الأستيثاق من المواقع وتعقبها خوفاً من وجود أشخاص أو شركات وهمية(3)، وكانت هذه هى الحلول الفنية، أما عن الحلول القانونية في هذا الصدد فأن لدينا نص الاتفاق النموذجى الأوروبى لتبادل البيانات إلكترونياً أشترط أن تشمل " الإجراءات الأمنية التحقق من منشئ الرسالة والتحقق من صحتها وعدم رفض منشئ الرسالة لها وتلقى البيانات إلكترونياً مع مراعاة سريتها(4).

ومايؤكد عليه الاتفاق هو أن التدابير الأمنية للتحقق من منشئ الرسالة وصحتها إلزامية في حالة تبادل البيانات إلكترونياً. وللتأكد من شخصية المتعاقد يلزم أن يوقع صراحة على إعلان يوضح فيه قبوله شرط الاختصاص القضائي أو التحكيمي، ويمكن عمل ذلك بطباعته على صفحة بشبكة الإنترنت.

ثانيا: الاختصاص القائم على جنسية المدعى عليه:

عرض المشكلة:

غياب التواجد المادى لطرفى التعاقد لحظة إبرام العقد وبالتالى صعوبة التحقق من هوية وجنسية كلا منهما، وصعوبة مراقبة العناوين الإلكترونية والتركيز المكانى الذى يؤدى له الأخذ بهذا الضابط.

الحلول المقترحة لحل هذه المشكلات:

وقد تصدى لذلك التوجيه الأوربى في مادته الخامسة هذا التوجيه الصادر في 8 يوليو عام 2000 والمادة 14 من مشروع الأمم المتحدة بشأن التعاقد بين الدول الأعضاء، حيث نصت هذه المواد على أن، تجعل مؤدى الخدمة يتيح لمتلقى الخدمة بشكل دائم معرفة أسمه، وعنوانه الجغرافى، وعنوانه الإلكترونى، وأسم السجل لتجارى المقيد به، ورقمه، وأى معلومات آخرى تفيد في تحديد هويته(1). وبالتالى يمكن للطرف المتعاقد معرفة جنسية الشخص الآخر،ولما كانت هذه الأحكام ليست إجبارية ولايوقع جزاءات على المخالف لها، وبالتالى قد يتعمد بعض المتعاقدين إخفاء جنسيتهم ولذلك ذهب بعض الشراح إلى الأخذ بالوضع الظاهر (2)

وبالتالى يكون الفقه قد تغلب إلى حد ما على مشكلة الجهل بجنسية الطرف المتعاقد، وتحرر من التركيز المكانى بإتباع العنوان الإلكترونى للمتعاقد.

ثالثا: الاختصاص القائم على محكمة موطن أومحل إقامة المدعى عليه:

عرض المشكلة:

1- إجراء التعامل عبر الإنترنت من خلال العنوان الإلكترونى يجعل موطن الشخص أو محل إقامته غير مرتبط ببلد معين خاصة العناوين التى تنتهى بـ.comأو.org   وبالتالى لايشكل موطن أومحل إقامة ثابت.

2- عدم إلتزام المتعاقد بالإدلاء ببياناته الشخصية بصورة صحيحة.

3- صعوبة التأكد من مطابقة العنوان الإلكترونى الذى يتخذه المتعامل على الشبكة بالمؤشر الوطنى الحقيقى.

الحلول المقترحة لحل هذه المشكلات:

وهذه الحلول سنتناولها من بين ثنايا مواد وحيثيات التوجيه الأوروبى، فبالنسبة لعدم ارتباط العناوين الإلكترونية ببلد معين فإن الاتحاد الأوروبى قد قام بتمكين المتضررين من اللجوء إلى آلية سريعة لوقف الاعتداء على مصالحهم وحقوقهم فقام لذلك بالنص على أنـه:

يعتبر موطناً (مكان التأسيس) لمورد الخدمات: المكان الذى يمارس فيه نشاطا اقتصاديا من خلال منشأة ثابته لمدة غير محددة بصرف النظر عن الوجود المادى للتقنية المستخدمة في أداء الخدمة(1).

وإذا كان الغرض من اتخاذ هذا الموطن هو التهرب من تطبيق قانون الدولة الموجه لها النشاط، ففى هذه الحالة ينعقد الاختصاص لمحاكم هذه الأخيرة في اتخاذ التدابير التحفظية بغرض وقف الاعتداءات على مصالح ذوى الشأن(2).

أما عن عدم الالتزام من قبل المتعاقد بالإدلاء ببياناته صحيحة فقد عالج ذلك توصية (م 5) من التوجيه الأوروبى الصادر في 8 يوليو عام 2000 و (م 14) من مشروع الأمم المتحدة بشأن التعاقد الإلكترونى بين الدول الأعضاء بأن جعل مؤدى الخدمة يتيح لمتلقى الخدمة بشكل دائم أسمه، وعنوانه الجغرافى، والإلكترونى، إسم السجل التجارى المقيد به ورقمه، وأى معلومات أخرى تفيد في تحديد هويته(3) أما عن صعوبة مطابقة الموقع الإلكترونى بالمؤشر الوطنى فإن ذلك قد عالجه الاتحاد الأوروبى عندما أتاح للمضرورين اتخاذ حقوقهم رغم ذلك، من خلال نصه على أن، تأسيس الموقع الشبكى والذى يجرى من خلاله بث الأعمال الضارة في بلد معين لايحول دون قيام السلطات المختصة في البلد الذى يمكن للمقيمين فيه النفاذ إلى هذا الموقع باتخاذ مايلزم من إجراءات(4)

رابعاً: اختصاص محكمة موقع المال:

عرض المشكلة:-

الأموال غير لمادية يصعب تحديد موقعها لأنها عندما توجد على الشبكة توجد من خلال موقع افتراضى (العنوان الإلكترونى).

الأموال المادية يصعب تحديد موقعها لخروجها من نطاق التعاقد الإلكترونى واحتفاظ المورد لها أحيانا بموقعها الحقيقى.

الحلول المقترحة لحل هذه المشكلة:

وحلول هذه المشكلات سنقوم بستنباطها طبقا لرأينا الخاص من خلال الحلول السابقة

بالنسبة للأموال غير المادية فأننا سنفترض أن موقعها على الشبكة هو المكان الذى تمارس فيه الشركة موقع المال أنشطتها الاقتصادية وليس المقصود به مكان الشركة المؤدية للخدمة على مواقع الإنترنت أو مكان أدوات التقنية (1).

أما بالنسبة للأموال المادية فأننا نرى أن يكون موقعها التى يحدد على أساسه المحكمة المختصة بمنازعتها أ المحكم المختص هو مكان إبرام العقد المتعلق بها أو مكان تنفيذه وعلى الأخص مكان التنفيذ على أساس أنه سيكون واقعا ماديا ملموسا يسهل تداركها.

خامسا: اختصاص محكمة محل نشأة العقد أو تنفيذه:

عرض المشكلة:

صعوبة تحديد مكان إبرام العقد أو نشأته، صعوبة تحديد مكان تنفيذ العقد خاصة الذى يكون محله أشياء غير مادية مثل عقود شراء الأوراق المالية الذى يتم عن طريق النظام الآلى الخادم للبائع، عقود خدمات المعلومات لأنه في المجال الافتراضى تحديد مكان إرسال الرسالة أوتسلمها أكثر تعقيداً، لأن أجهزة البيانات لو أوضحت لحظة تسلم الرسالة فأنها لاتبين من قريب أومن بعيد مكان الاتصال الجغرافى هذا عن إبرام العقد(2)

أما عند تنفيذه يصعب تحديد مكان التنفيذ خاصة في العقود التى محلها أشياء غير مادية لأنه يصعب تحديد هل هو مكان الخادم أو المستضيف، والذى يتم بواسطته تحميل البرنامج ؟ أم هو مكان الحاسوب الذى يوجد فيه المرسل إليه البرنامج الذى تم تحميله ؟(1).

الحلول المقترحة لحل هذه المشكلة: 

فى حالة اتفاق الأطراف على تحديد المحكمة المختصة أو المحكم المختص أو عدم اتفاقهما لحل مشكلة تحديد مكان إبرام العقد لتحديد الاختصاص.

وسنقوم بعرض بعض الحلول المقدمة ثم نقوم بترجيح إحداهما(2).

الأول هو: نظام إعلان القبول مؤداه أن، مكان القبول يتحدد بالحظة التى حرر فيها القابل قبوله. وهذا يصعب إثباته تأسيساً على أن، القبول خاص بالقابل ويصعب إثباته لأن أثره لايتعدى نطاق حاسوب القابل.

الثانى هو: نظام إرسال القبول مؤداه أن، مكان إبرام العقد هو المكان الذى يضغط فيه القابل على المفتاح المخصص للقبول من أجل إرسال قبوله للموجب، وهنا يعتبر العقد قد تم بمجرد تصدير القبول. ولكن هذا الرأى يلقى على عاتق الموجب كل الأخطاء التى يمكن أن تشوب القبول من عيوب فنيه(3).

بالإضافة الى أخذه في الاعتبار وجود فاصل زمنى بين تصدير الإيجاب ووصول القبول، وهذا لايتصور إلا في حالة حدوث خطأ أوعيب فنى يجعل الرسالة (بالقبول) حبيسة الحاسوب الخاص بالقابل.

الثالث هو: نظام تسلم القبول مؤداه أن، إبرام العقد يتم في اللحظة التى يتسلم فيها الموجب قرار القبول من المتعاقد الأخر الموجه إليه الإيجاب حتى ولو لم يطلع عليه. ولكن هذه النظرية لم تتناول كل صور القبول فأغفلت مثلا الحالة التى يتم فيها قيام القابل بالأعمال اللازمة لأبرام العقد دون إعلان إرادته في هذا الشأن(4)

الرابع هو: نظام العلم بالقبول مؤداه أنه، يتحدد مكان وزمان العقد في اللحظة التى يصل فيها إلى علم الموجب القبول عند مطالعة بريده الإلكترونى.

وهذا الاتجاه يعيبه قصور العلم بالقبول على الموجب فقط لأنه على حاسوبه الخاص وبالتالى يمكنه إنكاره(1).

الخامس هو: يرى أنه يمكن الاتفاق بين الأطراف على مكان محدد يكون هو مكان العقد مستنداً في ذلك للطبيعة الافتراضية للعالم الإلكترونى.

ولكن بالرغم من احترامنا وتقديرنا لكل الأراء السابقة الا أننا، نميل إلى الأخذ بالرأى الأخير القائل أنه يمكن الاتفاق بين الطرفين على مكان محدد يكون هو محل إبرام العقد، وتختص محكمته ومحكميه بنظر النزاع القائم بين المتعاقدين، سواء كان هذا هو مكان إرسال الإيجاب أو مكان تسلمه ذلك في حالة الخضوع الاختيارى الوارد في العقد، أما في حالة عدم الاتفاق فإننا نرى أن تكون المحكمة المختصة أو المحكم المختص هى محكمة أو محكم موقع النشاط الاقتصادى على الشبكة الذى أبرام العقد بصدده

أما عن مكان تنفيذ العقد فأننا يجدر بنا في البداية الإشارة إلى الافتقار الى الحلول القانونية الكافية فالنصوص الوطنية والاتفاقات الدولية الأوربية لم تقدم حلولا واضحة لمشكلة تحديد المكان الحقيقى لإبرام العقود عبر شبكة الإنترنت.

ولكن ذلك لم يمنع بعض الفقه من تقديم حلولاً مقترحة لحل هذه المشكلة منها، أن بعض الفقه حاول إيجاد حل لهذه المشكلة عن طريق قياسها على بيع البضائع، فأعتبر مكان التنفيذ هو مكان تسلم الأشياء أو الخدمات. ولكن هذا الاستدلال لم يكن كافيا ً بالقدر الذى يحدد فيه مكان التنفيذ(2).

وذهب بعض الأساتذة أن أفضل الحلول هى التى تضمنها قانون الأونسترال النموذجى الذى أصدرته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجارى الدولى 1996 خاصة م 15 منه نصت على أن " تعتبر رسالة البيانات قد أرسلت من المكان الذى يقع فيه مقر عمل المنشئ، ويعتبر إنها سلمت في المكان الذى يقع فيه مقر عمل المرسل إليه ".

مما سبق فإن مكان تنفيذ العقود الإلكترونية هو مكان المنشأة الرئيسية للبائع وهو ايضا محل إقامة المشترى وذلك من النص السابق.

إذا كان ذلك هو دور الفقه والقضاء في مواجهة صعوبات إعمال المعاييرالتقليدية للاختصاص القضائي والتحكيمي على عقود التجارة الإلكترونية، والتى كانت تميل بشكل أكبر لحل مشكلة الاختصاص القضائي  فإن مايجدر عرضه الآن هو الأعمال الدولية والإقليمية بشأن تسوية نزاعات التجارة الإلكترونية، والتى تميل بشكل أكبر لحل مشلة الاختصاص التحكيمي.

سادسا: الأعمال الدولية والإقليمية بشأن تسوية نزاعات التجارة الإلكترونية:

وقد كان في هذا الصدد توصيات ومبادئ عديدة من الدول خاصة دول الاتحاد الأوروبى ووجدت هذه الأعمال تطبيقات لها فعلية ومتنوعة يجدر بنا إيضاحها على النحو التالي:

أ- مشروع القاضى الافتراضي.              

ب- محكمة القضاء(1)

ولكن قبل عرضها تفصيلاً يجدر بنا الإشارة الى أن أراء الفقه والقضاء السابقة وإن كانت عرضت محاولات لتحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع أو المحكم المختص إلا أنها لم تحدد للأفراد واقعيا كيفية اللجؤ لها، وهذا ماسنتناوله إن شاء الله من خلال مناقشة كلاً من القاضى الافتراضى ومحكمة الفضاء.

أ- مشروع القاضى الافتراضى(2)

 هذا المشروع هو التجربة الأولى في مجال تسوية الخصومات عبر الفضاء الإلكترونى، وتم إرساء دعائمه في مارس 1996، وتولى إدارته والإشراف عليه عدة جهات وهى، معهد قانون الفضاء، وجمعية التحكيم الأمريكية، المركز الوطنى لأبحاث المعلوماتيه، ومركز القانون وقواعد المعلومات.

والهدف الرئيسى لهذا المشروع هو إعطاء حلول سريعة للمنازعات المتعلقة بالإنترنت عن طريق وسيط يتمثل في قاضى محايد يكون خبيراً في التحكيم والقوانين التى تحكم أنشطة الإنترنت أو قانون الفضاء الإلكترونى.

وآلية تحقيق هذا الهدف تتم كالآتي:

يقوم مستخدم الإنترنت بإرسال شكواه إلى الهيئة عن طريق البريد الإلكترونى، وبعد ذلك تقوم الهيئة بإختيار قاضى محايد ليفصل في النزاع.           

أما عن القيمة القانونية للقرارات التى يصدرها هذا القاضى فإن مايجدر الإشارة إليه أن هذا القرار يكون مجرداً من هذه القيمة إلا إذا قبله الأطراف. وهذا ما يقربنا من قواعد الاختصاص التحكيمي التقليدية ولكن هنا هى على شبكة الإنترنت.أما عن تكلفة هذه الخدمة فأنها مجانية وتتم بدون مقابل.

ب- محكمة الفضاءcyber Tribunal  :

 نتيجة لاتجاه التفكير للاستفادة من الإمكانات التى تنتجها شبكات الاتصال الإلكترونية، الى إنجاز نظم جديدة لتسوية المنازعات من خلال الشبكات، كان من أهم هذه النظم المحكمة الفضائية التى تتجه لتقديم الوساطة والتحكيم عبر قنوات ووسائط إلكترونية(1).

نشأت هذه المحكمة وتكونت في كندا بمركز بحوث القانون العام بكلية الحقوق بجامعة مونتريال في سبتمبر 1996 (2).

ووفقا لهذا النظام تتم الإجراءات بطرق إلكترونية على الموقع الشبكى للمحكمة، بداية من ملئ النموذج الإلكترونى لطلب لتسوية ومرورا بالإجراءات التى تفرغ في أشكال إلكترونية وأنتهاءاً بإصدار حكم، ومن ثم قيده على الموقع الشبكى الإلكترونى للمحكمة (3)، وهدف هذه المحكمة الذى طورته هيئات غير حكومية إلى وضع قواعد سلوك تستجيب لطبيعة التجارة الإلكترونية وتضمن سلامة بياناتها من ناحية، ومن ناحية أخرى تسوية منازعاتها بموجب نظام يكفل مصداقية الإجراءات الإلكترونية، وينضم إليه أطراف النزاع ويحقق الارتباط بينهم بموجب إطار تعاقدى(4).

وذلك من خلال إيجاد حلول للمشكلات التى تثور في مجتمع الفضاء الإلكترونى، بالإضافة لتوحيد القواعد القانونية المطبقة على المعاملات الموجودة على شبكة الإنترنت (5).

ولكى تؤكد هذه المحكمة ثقة المتعاملين عبر الشبكة في نظامها فإنها تقوم بإصدار شهادات مصادقة على الموقع الإلكترونى التى تتحقق فيها الشروط المطلوبة، وهذه الشهادات تجيز لأصحاب المواقع أو المسئولين عنها تسوية منازعتهم وفقا لإجراءات المحكمة، ولذلك يجب أن يكون هؤلاء على علم تام بالمبادئ التى يكفلها هذا النظام من أجل احترامها والالتزام بقواعد السلوك التى تتضمنها(1).

أما عن اللغة التى تستخدمها هذه المحكمة فإن، هذه المحكمة تتميز بتقديم خدماتها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، فمجرد وجودها في دولة ذات طبيعة قانونية مختلطة وهى مونتريال تجمع بين النظامين اللاتينى والأنجلوسكسونى يؤدى إلى توحيد القواعد القانونية بين أنظمة ذات ثقافات متباينة(2).

أما عن نطاق اختصاص هذه المحكمة، فأننا نجد أن هذه المحكمة تتميز عن القاضى الافتراضى كذلك باتساع اختصاصها أو نطاق تطبيقها حيث تشمل خمسة مجالات هى:

التجارة الإلكترونية، المنافسة، حق المؤلف، حرية التعبير، الحياة الخاصة.

ولكن هذا لايعنى أن اختصاصها غير محدد، بل أنه محدود بالنظام العام فهى لاتفصل في المسائل ذات الصلة بالنظام العام ولكن تعالج المسائل ذات الصلة بالقانون الجديد للتكنولوجيا(3).

وتقوم محكمة الفضاء بالفصل في القضايا بطريقتين: - الوساطة أو التحكيم وهذه الخدمة التى تقدمها المحكمة مجانية، والمحكمة تضمن سرية المعلومات الخاصة بالقضايا المنظورة أمامها عن طريق التشفير، ويتم اختيار المحكمين الذين يقومون بالوساطة عن طريق سكرتير المحكمة من ضمن قامة خبراء قانونيين وفنيين في مجال القضاء (4).

غير أن سريان إجراءات التحكيم بموجب نظام المحكمة الفضائية سيصادفه تحدى صعب رغم قبول أطراف النزاع تطبيقة، لأن النظام المذكور يعتمد تشغيلة على أدوات سواء فيما يتعلق بالكتابة أو التوقيع أو نقل المستندات أو إصدار الأحكام، تختلف عن تلك التى تقوم عليها قواعد التحكيم التقليدية(5).

ولذلك فهناك احتمال أن يواجه الاعتراف بأحكام هذه المحكمة وتنفيذها في الدول التى لم تطبق هذا النظام بعد بعدم إعتراف هذه الدول بأحكامها حيث أن، محاكم هذه الدول لاتطبق إلا قوانينها الوطنية والاتفاقات الدولية الملزمة لدولها، وهى غير ملزمة بإنفاذ أحكام التحكيم التى تصدر بناءاً على إتفاقات خاصة بين أطراف النزاع أو أنظمة انضموا إليها لم تستوف بعد الأشكال المنصوص عليها لتكون ملزمة للدول (1).

ومن هنا جاءت الدعوى إزاء إنتشار تقنيات المعلومات والاتصال في إنجاز المبادلات التجارية إلى توسيع نطاق النصوص الملزمة للدول في هذا المجال، لتغطى عمليات التحكيم وغيرها من أساليب تسوية المنازعات إلكترونياً عبر شبكات الاتصال الإلكترونية، ويشمل التطوير الاتفاقات الدولية والتشريعات الوطنية في مجال التحكيم في اتجاه إعتماد هذه الشبكات كمكان لتسوية المنازعات وإصدار القرارات والأحكام، لأنه رغم تعدد الحلول الفقهية السابقة، والأعمال الدولية والأقليمية في هذا المجال إلا أننا نرى أنها مازالت قاصرة على أن تكون نظاما كاملاً وجامعا يغطى منازعات عقود التجارة الإلكترونية خاصة مجال الاختصاص القضائي فيها.

 

خلاصـة هذا المبحث:

عند إعمال الضوابط العامة للاختصاص القضائي التقليدية على عقود التجارة الإلكترونية فأننا نواجه العديد من الصعوبات التى تبين أن هذه القواعد مازالت قاصرة على أن تكون نظام قانوني يحكم عقود التجارة الإلكترونية، وحتى مع وجود بعض المحاولات لتقديم حلولاً لتذيل هذه الصعوبات إلا أنها مازالت قاصر عن أن تكون نظام قانوني مستقل بذاته يحكم عقود التجارة الإلكترونية.



  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 979 مشاهدة
نشرت فى 16 سبتمبر 2011 بواسطة ashrafassy

ساحة النقاش

أشـــرف محمـــد عـاصـــــى

ashrafassy
"إن المحاماة عريقة كالقضاء ، مجيدة كالفضيلة ، ضرورية كالعدالة ، هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلى الثروة مع أداء الواجب حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان ،المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبداً له، ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة ، غنياً بلا مال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,469,106