---- بنود مقترحة .... في برنامج الرئيس القادم (1- التنمية) ----
د. عنتر عبد العال أبو قرين
في ضوء ما تشهده مصر من ترقب لرئيسها المقبل، فإنني أرى أن المقارنة بين أياً من المرشحين للرئاسة ينبغى أن تعتمد بشكل أساسي على برنامجه، الذي يعكس رؤيته المستقبلية لقيادة الوطن؛ وعلى شخصيتة التي تحدد مدي قدرته على تنفيذ تلك الرؤية. وفي ضوء تخصصي في مجال التخطيط والتنمية، فسوف أركز على العنصر الأول؛ وهو برنامج الرئيس المقبل ورؤيته المستقبلية لتنمية الوطن. وفي هذا الصدد، فسوف يتركز حديثي على السمات العامة التي يجب أن يتسم بها برنامج الرئيس المقبل، وكذلك البنود الأساسية التي يجب أن يتضمنها هذا البرنامج.
فمن ناحية السمات العامة لبرنامج الرئيس المقبل، فإن برنامج الرئيس المقبل ينبغي أن يكون طموحاً يليق بوطن عظيم إستفاق من غفوته ونفض عن جسده غبار الماضي واستجمع قوته واشرأبت عيناه لاستعادة مكانته وكرامته. وحيث أنهم قالوا عنه، وقد صدقوا، بأن المصريون بثورتيهم يصنعون الحضارة من جديد؛ فإن برنامج الرئيس القادم يجب أن يستهدف صنع الحضارة من جديد. إن برامج ليست بهذه الرؤية لم تعد تليق بمصر؛ ومصر لن تختار ثانية بين السيء والأسوأ، بل بين الحسن والأحسن. برنامج الرئيس القادم يجب أن يكون طموحاً بما يلبى أحلام الملايين من الشباب اللذين صنعوا ثورتين ويتطلعون لغد أفضل بذلوا من أجله الروح الدم. لا نريد برامج تقليدية، بل برامج تحمل أفكارا خلاقة تثير الهمة ويلتف حولها أبناء الوطن. برامج تحدث تغييراً جذرياً في بنية الوطن وفي واقعه ومستقبله؛ فمصر وطن عظيم، قزمته رؤية قادته!!!. نريد برنامجا يجعل من بداية عهد الرئيس القادم علامة فارقة في تاريخ مصر، يتغير معها منحنى التنمية والاقتصاد والوطنية والانتماء والأمل نحو الصعود بشكل مختلف كثير عما سبقه. نريد رئيساً يمتلك رؤية طموحة واضحة تمكنه من أن يقود شعبه بثقة نحو تحقيق هذه الرؤية.
هذا لا يعني أننا نريد برامج تقفز بنا إلى المجهول، بل برامج واعية منطقية، ولكنها طموحة تستهدف المستقبل وتدرك الواقع وتحداياته. فمصر اليوم وفى ظروفها الراهنة لا تستطيع تحمل العواقب الاقتصادية والاجتماعية لمغامرات تنموية غير مدروسة. إننا في هذه الفترة في حاجة ماسة إلى العقلانية والرشد عند استغلال مواردنا المالية المحدودة. الأمر الذي يستوجب أن نضع «البعد عن المخاطرة» كمعيار أساسي يسبق العائد المتوقع، مهما كان عالياً، عند المفاضلة بين المشاريع. كما أن ذلك يستلزم ألا ننساق وراء أحلام وطموحات تفتقر إلى الواقعية ولا تحقق الموازنة بين التكلفة والعائد.
أما من ناحية البنود الأساسية لهذا البرنامج، فإن برنامج الرئيس القادم ينبغى أن يشتمل على توجهات واضحة في ثلاث قضايا جوهرية: التنمية، العدالة الاجتماعية، رفع كفاءة كل ما لدينا من خدمات ومشاريع قبل انشاء خدمات ومشاريع جديدة. وسوف يقتصر حديثنا في هذا المقال على قضايا التنمية وتوجهاتها المقترجة في برنامج الرئيس القادم.
وفيما يتعلق بقضية التنمية، فإن برنامج الرئيس القادم يجب أن يتضمن من التوجهات ما يضمن تعظيم الاستفادة من موارد الدولة وإمكانياتها. وفي هذا الصدد، فإن الحد من الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية الجائرة التي طبقتها مصر طوعاً أو كرهاً في العقود السابقة يجب أن يكون هدفاً رئيسياً للبرنامج التنموي للرئيس القادم. تلك السياسات التي جاءت ضمن خطة بيكر Baker Plan، والتي أُطلق عليه تجميلاً بإجراءات "إعادة الهيكلة"؛ والتي هى في حقيقتها سياسات تجويع واستنزاف للموارد، فرضها البنك الدولى وصندوق النقد الدولي على الدول الفقيرة غير القادرة على سداد ديونها. وفي مقدمة تلك السياسات الجائرة، والتي يجب تجد تصوراً واضحاً للتعامل معها في برنامج الرئيس القادم: تعويم الجنيه المصري، الخصخصة، وتوجيه الانتاج نحو التصدير.
<!--[if !supportLists]-->·تعويم الجنيه المصري .... كارثة يجب الحد من آثارها السلبيه
على الرغم من المميزات الزائفة التي ساقها مروجوا هذا التوجه من أن تعويم الجنيه سيزيد من الصادرات، فقد أصبح جلياً اليوم أن تعويم الجنيه كان جريمة اقتصادية بشعة ارتكبت في حق هذا الوطن. فتعويم الجنيه لم يخفض فقط قيمة السلع المنتجة، بل خفض قيمة كل ما تمتلكه الدولة من عقارات وأراضي وشركات وسلع وخدمات بالنسبة للمستثمر الخارجي، دون أن يشعر بذلك الانخفاض المواطن والمستثمر الداخلي. وهو ما جعل الثروة العقارية في مصر أكثر إغراء للمستثمر الخارجي وسهل عمليات الخصخصة، وإن كان قد جعلها أقل كثيرا من حيث العائد.
وفي دولة لا تتجاوز صادراتها نصف وارداتها، فإن تعويم الجنيه قد رفع قيمة الواردات وقلل كثيرا من قيمة الصادرات وهو ما نتج عنه تزايد العجز في الميزان التجاري بشكل حاد؛ وهو ما دفع نحو زيادة السلع المصدرة منخفضة القيمة، والتي هي عادة مواد خام، دون أن يزيد من قيمة العائد الفعلي لهذه الصادرات. كما أن النقطة الخطيرة هنا، أن تعويم الجنية قد أدي بالتبعية إلى تضاعف قيمة الديون الخارجية، والتي عادة ما يتم سدادها من خلال تصدير المزيد والمزيد من السلع والمواد الخام منخفضة السعر. وقد كان تأثير تعويم العملة كارثياً على المواطن البسيط؛ ففي دولة تستورد أغلب احتياجاتها الغذائية، فإن تعويم الجنيه قد أدى إلى انخفاض القدرة الشرائية للجنيه، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه السلع.
وفي ضوء تلك الآثار السلبية الخطيرة فإنه من الضروري أن يحدد برنامج الرئيس القادم سياسات وإجراءات واضحة ومحددة لرفع قيمة الجنيه المصري. وفي هذا الصدد، فإن رفع قيمة الجنيه المصري تتم من خلال رفع الطلب على الجنيه المصري، وكذلك من خلال تقليل حاجتنا نحن من الدولار الأمريكي. وإذا كان من الصعب علينا في هذه المرحلة رفع الطلب على الجنيه المصري، فإننا بالتأكيد قادرون على خفض احتياجنا من الدولار من خلال الحد من الاستيراد وجعله في أضيق الحدود ومقصورا على الاحتياجات الغذائية الأساسية والمنتجات عالية التقنية؛ وهو ما يتطلب توجيه المشاريع الانتاجية المستقبلية نحو الحد من الاستيراد بدلا من التوجه للتصدير.
<!--[if !supportLists]-->·الخصخصة .... بيع بلا عائد
جاءت الخصخصة كواحدة من أهم السياسات التي فرضها البنك الدوليلتوفير موارد مالية لسداد ديونها. وقد روجت هذه الفكرة تحت مزاعم رفع الكفاءة الإنتاجية للشركات الحكومية وتحسين أدائها، تحسين نوعية وجودة الخدمات والسلع المقدمة للعملاء، اجتذاب رؤوس الأموال المحلية والعالمية، وتقليص الدعم الحكومي للمشروعات العاملة.
وقد توازى مع هذا التوجه سياستين أساسيتين دعت اليهما المنظمات المالية الدولية وهما: تعويم العملة وتوقيع اتفاقية التجارة العالمية. وهو ما مَكَّنَ المستثمرين الأجانب من المنافسة على شراء هذه الشركات، والتي أصبحت منخفضة السعر الى حد كبير بفضل تعويم العملة المحلية؛ وهو ما جعل عملية البيع أكثر إغراءا للمستثمرين الأجانب وأقل عائدا للحكومة، خاصة مع الفساد الهائل الذي صاحب عمليات البيع. وهو ما أصبحت معه عملية الخصخصة كارثة حقيقية، فلا هى سددت الديون ولا أبقت ما نملك!!. كما أن بيع شركات القطاع العام ترك الفقراء نهباً لأطماع القطاع الخاص وممارساته الإحتكارية بعد أن فقدت الدولة أدوات تحكمها في السوق؛ وهو ما تفاقمت معه مشكلات الفقر في هذه الدول. كما أن دخول الشركات الدولية في السوق المصري قد أضعف القدرة التنافسية للعديد من الشركات المصرية، وهو ما أدى في النهاية إلى خروجها من السوق وتسريح عمالها.
وعليه، فإننا نقترح بوقف بيع المزيد من هذه الشركات، مع ضرورة العمل على استعادة ما قد يثبت بيعه منها بصورة غير قانونية. من ناحية ثانية، يجب أن يقددم برنامج الرئيس المقبل تصوراً لكيفية التعامل مع هذه اللقضية الملحة.
<!--[if !supportLists]-->·الإنتاج من أجل التصدير .... استنزاف جائر ورخيص للموارد الطبيعية
تعتبر هذه السياسة من أخطر السياسات التي فرضها البنك الدولي على الدول الفقيرة وأشدها ضرراً. وقد روج البنك الدولي لهذه السياسة بدعوى أنها أداة فعالة للحصول على العملة الصعبة التي تمكن هذه الدول من تسديد ديونها. ولا يخفى ما لهذه المزاعم من صورة خادعة يروجها السياسيون بأن الدولة تنتج من أجل التصدير. وحيث أن معظم صادرات هذه الدول الفقيرة من المواد الخام غير المصنعة، فقد أصبحت هذه السياسة أداة لاستنزاف الموارد الطبيعية للدول الفقيرة. وفي ضوء خفض قيمة العملة وإجراءات تشجيع التصدير، فقد تم استنزاف تلك الموارد الطبيعية بأبخس الأثمان، ما جعل عائدها بسيطاً للغاية ولم يحقق المستهدف منه في تسديد الديون. من ناحية ثانية، وفي دول لا تشكل صادرتها نصف ما تستورده، فإن التركيز على التصدير يصبح نوعاً من العبث. ولقد كان توجيه الإنتاج نحو "الحد من الاستيراد" بدلا من التصدير من أبرز السياسات الاقتصادية الوطنية التي طبقت في أغلب الدول النامية التي حققت معدلات تنموية عالية.
وعليه، فإن برناج الرئيس المقبل يجب أن يتضمن توجهات واضحة لتوجيه الإنتاج نحو الحد من الاستيراد كأولوية أولى تسبق ما عداها.
وإجمالاً، فإننا نرى بضرورة أن يتضمن برنامج الرئيس القادم الإجراءات التنموية التالية:
<!--[if !supportLists]-->- وقف الاستدانة من الخارج، أو جعلها في أضيق الحدود الممكنة وللأغراض الاستراتيجية الملحة.
<!--[if !supportLists]-->- الحد من الاستيراد، وجعله مقصورا على مسلزمات الإنتاج عالية التقنية والمواد الغذائية الضرورية.
<!--[if !supportLists]-->- توجية الإنتاح نحو الحد من الاستيراد بدلاً من زيادة التصدير.
<!--[if !supportLists]-->- وقف تصدير المواد الخام غير المصنعة، وعمل شراكات مع الاقتصادات الصاعدة في الهند والصين لتصنيع المواد الخام الأولية قبل تصديرها.
<!--[if !supportLists]-->- دعم برامج التنمية البشرية (التعليم والصحة) وتحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.
وإلى لقاء قادم حول بنود مقترحة في برنامج الرئيس القادم لتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة ما لدينا من خدمات ومشاريع قبل انشاء خدمات ومشاريع جديدة.
ساحة النقاش