عندما يغلب الهوى على فكر الكبار:
-- قراءة في مقال الأستاذ الكبير فهمي هويدي " ملاحظات على حوار السيسي" --
قرأت هذا المقال، ولأول مرة أشعر أن كاتبنا الكبير مشتت الفكر، ضعيف الحجة، على الرغم من وضوح غايته الرئيسية من هذا المقال وهي تصيد الأخطاء للرجل. هذا التشتت أفقده القدرة على الحيادية والواقعية في النقد، فأغلب النقاط التي أثارها، وعلى الرغم من أنها قد تبدوا أنها ليست في صالح الرجل، إلا أنها في نفس الوقت لم تبرء مناوؤه أو تحسن من صورتهم. فالقراءة المتأنية لهذا المقال تشير إلى أن تخوف كاتبنا الكبير من احتمال ترشح الرجل لرئاسة مصر هو هاجسه الأول، لذا جاء نقده للرجل ومواقفه غير منطقي ومردود عليه.
لقد بدأ نقده للرجل بأنه يتحدث في السياسة وأن ما يدلي به من تصريحات ولقاءات صحفية يعد من قبيل الاشتغال بالسياسة، وانني في الحقيقة أستعجب من هذا القول، فإذا كان قائد الجيش المصري والمسئول عن الأمن القومي لا يتحدث في السياسة، فمن يتحدث فيها إذن؟! هل يتحث فيها شيوخ النفط اللذين تركوا الحديث في الدين ليشتغلوا بالكلية في السياسة؟ بل لقد صار التدخل في الشأن السياسي المصري أمرا مباحاً حتى لتنظيمات وجماعات غير واضحة الغايات والوسائل، وأظن أن اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في تركيا وباكستان وغيرهما حول الشأن المصري لا تخفى على سيادته.
ثم ينتقل كاتبنا الكبير ليشير إلى التناقض الكبير في فكر الرجل الذي يعجب ويحترم زعامة وفكر كل من عبد الناصر والسادات في نفس الوقت على الرغم تناقض مشروعي الزعيمين كما يقول. وفي هذا الصدد، أقول لسيادته ربما يختلف أو يتناقض مشروعي الزعيمين ولكن ليس هناك أدنى شك في أن كليهما كان لهما هدف واحد، هو صالح هذا الوطن. ولا يخفى على كاتبنا الكبير أن الشعب المصري الآن، وبعد ما عاصره وما عاناه من مشاكل من حكم جماعات وأيدولوجيات لا يأتي الوطن في مقدمة أولوياتها، قد أصبح أكثر قناعة باخلاص ووطنية عبد الناصر والسادات عن غيرهما. كما لم يفت كاتبنا الكبير الاشارة إلى أن الدول التي ئويد السيسي الآن كانت تعارض عبد الناصر، ونسي سيادته الإشارة إلى أن نفس هذه الدول كانت تدعم الإخوان وقد باتت تعارضهم اليوم.
ثم يلمز كاتبنا الكبير في الرجل ساخرا من كلامه عن كرامة الوطن وقدرة جيشه متسائلا بعفوية عن موقف الرجل من اتفاقية السلام مع إسرائيل وإلى أي مدى تمثل مساسا بالكرامة والسيادة المصرية؟! هذا السؤال جعلني أشعر بقدر كبير من الدهشه. فإذا كانت اتفاقية السلام مع إسرائيل تمثل مساساً بالكرامة المصرية، فلماذا تبارى كل الإسلاميون والمتأسلمون بإعلان تمسكهم بها واحترامهم لها، بل لم يطالب أي منهم، بما فيهم أنت، بتعديلها حتى بعد وصولهم للسلطه. فلماذا هذا التساؤل غير البرئ كاتبنا الكبير؟.
وأخيرا، يشكر كاتبنا الكبير الرجل عندما قال "إن بعض الإسلاميين أساءوا إلى الإسلام وليس كلهم" كما يصدر الخطاب الإعلامي الراهن. ولكن أرجو أن يتسع صدر كاتبنا الكبير هنا لاختلافي في الرأي معه ومع الرجل، فليس "بعض" الإسلاميين من أساءو للإسلام ... بل أن "أغلبهم" قد أساءوا إليه، خاصة قياداتهم ومشايخهم اللذين كنا نظنهم أكثر حكمة وتجردا ووعياً، فرأيناهم أكثر الناس نزقا وأسرعهم ميلاً إلى التكفير والعنف والإثارة والتحريض.
كاتبنا الكبير، أؤكد على احترامي الشديد لكم، وأعتذر إذا كان فيما قلته بعض التجاوز، مؤكدا أن دافعي لكتابة هذه الكلمات كان حرصي على أن أستعيد ثقتي في كل ما تكتبون وأن تحرصوا على أن يكون الوطن هو شاغلنا وشاغلكم الأول، الذي تأتي من بعده كل الرغبات والنوازع.
ساحة النقاش