لقد صدمت كثيرا من دعوة د. عصام العريان لعودة اليهود المصريين إلى مصر. لقد شعرت للوهلة الأولى أنها سقطة أو ربما نقلت مغلوطة عنه؛ إلا أن تحققي من صدقها، على لسانه وتواترها من قيادات أخرى بحزب الحرية والعدالة، قد أصابني بالذهول والصدمة وقدرا كبيرا من الغضب. أما الصدمة والذهول فمرجعه أنني كنت أتوقع من هذه القيادات أن تكون أكثر تعقلا وحنكة. فلا اليهود يستحقون هذه المنحة المجانية، ولا مصر في حاجة إلى المزيد من التشرذم والفرقة، ولا أظنكم تتعمدون ذلك. وأما الغضب فلأنكم تعرِّضون البلاد لخطر استراتيجي داهم لا يمكن قبوله أو السكوت عنه مهما كانت دوافعكم أو مواءماتكم.
ثم، منْ قال أن اليهود قد طردوا من مصر؟. لقد غادروها بارادتهم، إما رهبة أو رغبة في دعم وطنهم المزعوم. لقد كان في ذهابهم الي اسرائيل نوعا من التقرب الديني، وإلا بما تفسر هجرة يهود العالم، شرقه وغربه، من روسيا وأوربا وأمريكا، وليس من مصر فقط، الى اسرائيل؟. كما لا تنس سيادتكم أن الكثيرين من هؤلاء قد تلوثت أياديهم بدماء المصريين. ثم كيف ستميز اليهود المصريون من غيرهم وقد رحلوا عنها منذ أكثر من ستين عاماً، ونحن لم نعرف بعد هل والدة الشيخ صلاح أبو اسماعيل، رحمها الله، أمريكية أم لا؟!!!. ثم ماذا يكون قولكم لو طالب اليهود بالعودة إلى الجزيرة العربية ومدينة رسول الله التي طردوا منها، قياسا على ما تقولون به؟.
أما أن نستوعب نحن اليهود ليوسعوا مكانا ليعود فلسطينيوا الشتات إلى أرضهم، كما تدَّعون، فهو أمر مغلوط ومرفوض أيضاً. وكونه مغلوط، فلأنه يساوي بين من أُجبر على مغادرة أرضه بعد احتلالها وبين من هاجر إلى أرض مغتصبة محتلة، وهو أمر لا يقبله عاقل، كما يقول أ. نادر بكار. ثم من قال لكم أن أرض فلطسين لا تستوعب مزيدا من البشر أو أنها قد ضاقت على من فيها لكي تتفضل سيادتكم بالتوسعة عليهم من أرض مصر. وما دخلنا نحن؟ وما دخلك أنت؟. أما كونه مرفوض فلعدة أسباب؛ أولها أننا لدينا في مصر اليوم الكثير من اليهود فكراً وسلوكاً، وليس عقيدةً والحمد لله. لدينا الكثيرين ممن يمارسون الصهيونية والميكافيلية بمهارة كفكر سياسي، وتفوقوا في ذلك على مبتدعيها؛ ولسنا في حاجة إلى المزيد من الصهاينة أثابكم الله. وثاني أسباب الرفض أن لعبة تغير المواقع، بترحيل اليهود من فلسطين إلى مصر، لن تحل المشكله فمصر ليست أقل كرامة على أهلها من من كرامة فلسطين. كما أن أرض مصر لم ولن تكون رهناً، أو ثمناً رخصياً، لمواءمات أو تصورات وتفسيرات واهية لا يقبلها عاقل. فنهاية اسرائيل المحتومة، والتي لا نختلف معكم حول حتميتها، ليس بالضرورة أن تكون كما تتصورن أنتم بترحيل الناس منها. بل ربما يكون الأمر عكس ذلك تماما، بزيادة أعداد المسلمين فيها، وهو الأمر الأكثر واقعية واحتمالا، وهو ما تؤكده شواهد الواقع من التغيرات الديموغرافية التي تشهدها المنطقة والعالم والتي لا يمكن ايقافها، وقد يمكن لي فيما بعد توضيح ذلك الأمر بشكل أدق.
لقد اختلفت من قبل مع بعض تصريحاتكم وآرائكم وآثرت الصمت، أما ما تقولون به اليوم فلا أجد نفسي قادرا على السكوت عنه. أرجو أن يلمتس ليَ الجميع العذر إن كان فيما قلته بعض القسوة أو الغلظة أو التجاوز. حمى الله مصر وحفظ شبعها.
ساحة النقاش