authentication required

بعد أن استقر المشهد السياسي في مصر باختيار رأس للدولة وحكومة جديدة مستقرة، بات من الضروري التفكير في السمات والتوجهات الضرورية للتنمية الرشيدة في مصر الجديدة بما يعظم من كفاءة عملية التنمية وبما يتناسب مع طموحات وتطلعات شعب يصنع جمهوريته الثانية. وفي هذا الصدد، فانه من الضروري أن لا يتم التعامل مع عملية التنمية كعدد من المشاريع المنفصلة وإنما يجب أن يتم ذلك في أطار سياسات عامة وتوجهات أساسية تضمن أن تحقق هذه المشاريع في مجموعها أهداف تنموية قومية تفوق في أهميتها وعائدها ما يمكن أن يحققه أيا من هذه المشاريع منفردا. لذا، فان صياغة هذه الأهداف العامة لابد وأن تسبق تحديد المشاريع المنفردة التي تعمل على تحقيق هذه الأهداف العامة.

ومن الأهداف العامة التي يجب التركيز عليها في مصر الثورة ما يتعلق بالحد من الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية الفاسدة التي طبقتها مصر طوعاً أو كرهاً في العقود السابقة. ويأتي في مقدمة هذه السياسات الفاسدة ما أُطلق عليه تجميلاً بإجراءات إعادة الهيكلة، والتي هى في حقيقتها سياسات تجويع واستنزاف للموارد، فرضها البنك الدولى وصندوق النقد الدولي على الدول الفقيرة غير القادرة على سداد ديونها. تلك السياسات التي جاءات ضمن خطة بيكر Baker Plan، جاءت متكاملة ومتناسقة لتخدم بعضها بعضا. وفي مقدمة تلك السياسات الجائرة، والتي لم تجد تصورا واضحا للتعامل معها في سياسات مصر الاقتصادية الحالية: تعويم الجنيه المصري، الخصخصة، الانفتاح الاقتصادي وتوجيه الانتاج نحو التصدير بدلا من الحد من الاستيراد، التوجه نحو الاقتصاد الحر وتلاشي دور القطاع العام. وسنحاول هنا توضيح خطورة كل من هذه السياسات وما يمكن اتخاذه من تدابير للحد من آثارها السلبية على الاقتصاد في مصر الثورة.

<!--[if !supportLists]-->· تعويم الجنيه المصري .... كارثة يجب الحد من آثارها السلبيه

على الرغم من المميزات الزائفة التي ساقها مروجوا هذا التوجه من أن تعويم الجنيه سوف يزيد من الصادرات، فقد اصبح جليا اليوم أن تعويم الجنيه كان جريمة اقتصادية بشعة ارتكبت في حق هذا الوطن. فتعويم الجنيه لم يخفض فقط قيمة السلع المنتجة بل خفض قيمة كل ما تمتلكه الدولة من عقارات وأراضي وشركات وسلع وخدمات بالنسبة للمستثمر الخارجي، دون أن يشعر بذلك الانخفاض المواطن والمستثمر الداخلي. وهو ما جعل الثروة العقارية في مصر أكثر إغراء للمستثمر الخارجي وسهل عمليات الخصخصة، وإن كان قد جعلها اقل كثيرا من حيث العائد. فالعقار الذي قيمته مليون جنيه مصري قبل تعويم العملة لم ترتفع قيمته بالجنيه بعد التعويم، إلا أن قيمته بالدولار بالنسبة للمستثمر الخارجي قد انخفضت كثيرا.

من ناحية ثانية، وفي دولة لا تتجاوز صادراتها نصف وارداتها، فإن تعويم الجنيه قد رفع قيمة الواردات وقلل كثيرا من قيمة الصادرات وهو ما نتج عنه تزايد العجز في الميزان التجاري بشكل حاد، وهو ما دفع نحو زيادة السلع المصرية المصدرة منخفضة القيمة، والتي هي عادة مواد خام، دون أن يزيد من قيمة العائد الفعلي من هذه الصادرات. كما أن النقطة الخطيرة هنا، أن تعويم الجنية قد أدي بالتبعية إلى تضاعف قيمة الديون الخارجية، والتي عادة ما يتم سدادها من خلال تصدير المزيد والمزيد من السلع والمواد الخام منخفضة السعر. المصريون الوحيدون اللذين استفادوا من تخفيض الجنيه هم رجال الأعمال اللذين اقترضوا مليارات الجنيهات من البنوك المصرية. هذه المليارات لم تستغل في التنمية وانما تم تحويل أغلبها، إن لم كلها، بالدولار قبل استلامها من تلك البنوك. ومع تعويم الجنيه انخفضت قيمة هذه الديون بالدولار.

أما بالنسبة للمواطن البسيط، فقد كان تأثير تعويم العملة كارثيا. ففي دولة تستورد أغلب احتياجاتها الغذائية، فإن تعويم الجنيه قد أدى إلى انخفاض القيمة الشرائية للجنيه، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار هذه السلع. فمع ثبات سعر السلعة المستورده بالدولار، إلا أن قيتها بالجنيه المصري قد ارتفعت كثيرا.

وفي ضوء تلك الآثار السلبية الخطيرة فإنه من الضروري اتخاذ سياسات وإجراءات واضحة ومحددة لرفع قيمة الجنيه المصري. وفي هذا الصدد، فإن هناك مقترحين أساسيين لرفع قيمة الجنيه المصري. المقترح الأول؛ تقليل الطلب الحكومي والخاص على الدولار الأمريكي من خلال الحد من الاستيراد وجعله في أضيق الحدود ومقصورا على الاحتياجات الغذائية الأساسية والمنتجات عالية التقنية. لذا، فإن على الحكومة أن تتخذ الإجراءات والضوابط التي تحقق ذلك الهدف وأن توجه مشاريعها التنموية لتوفير الاحتياجات الغذائية والمنتجات عالية التقنية التي نحن مضطرون لاستيرادها. وهو ما يعني بضرورة توجيه المشاريع الانتاجية المستقبلية نحو الحد من الاستيراد بدلا من التوجه للتصدير. أما المقترح الثاني فيتعلق برفع الطلب الخارجي على الجنيه المصري من خلال ربط السلع والخدمات المصرية، كرسوم العبور في قناة السويس أو عوائد بيع البترول والغاز، بالجنيه المصري. إلا أن نجاح هذا المقترح، أو امكانية تطبيقه من الأساس، مرهونة بمدى حاجة الاقتصاد المصري للدولار سواء لسداد الديون أو لاستيراد الحاجات الأساسية للمجتمع، خاصة الغذاء. وفي ضوء الظروف الاقتصادية الراهنة، أرى أن الاقتصاد المصري لا يستطيع تطبيق هذا المقترح. كما أن تطبيقه يستلزم أن تطبق الحكومة أولا، ولسنوات طويلة، سياسات اقتصادية ناجعة للحد من الاستيراد بدلا من التوجه للتصدير.

وعلى الحكومة الجديدة في مصر أن تنظر في إعادة صياغة مشاريعها الجديدة بما يحقق هذين المقترحين.

<!--[if !supportLists]-->· الخصخصة .... بيع بلا عائد

جاءت الخصخصة كواحدة من أهم السياسات التي فرضها البنك الدولي، ضمن خطة بيكر، على الدول الفقيرة لتوفير موارد مالية لسداد ديونها. وقد توازى مع هذا التوجه سياستين أساسيتين دعت اليهما المنظمات المالية الدولية وهما: تعويم العملة واتفاقية التجارة العالمية. وهو ما مكن المستثمرين الأجانب من المنافسة على شراء هذه الشركات، والتي أصبحت منخفضة السعر الى حد كبير بفضل تعويم الجنيه، بما جعل من عملية البيع أكثر اغراءا للمستثمرين الأجانب وأقل عائدا للحكومة، خاصة مع الفساد الهائل الذي صاحب عمليات البيع تلك. وهو ما أصبحت معه عملية الخصخصة عديمة الفائدة، فلا هى سددت الديون ولا أبقت ما نملك!!.

كما لا يخفى على القارئ الكريم حجم الفساد الذي صاحب عمليات الخصخصة تلك.

 

وسوف نحاول قريبا مناقشة النقطتين المتبقيتين:

<!--[if !supportLists]-->· الانفتاح الاقتصادي .... توجيه الانتاج نحو التصدير بدلا من الحد من الاستيراد !!!

<!--[if !supportLists]-->· الاقتصاد الحر وتلاشي دور القطاع العام كأداة ضرورية بيد الدولة لحماية الطبقة الوسطى

==================

المصدر: الكاتب
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 189 مشاهدة
نشرت فى 1 يناير 2013 بواسطة antarkorin

ساحة النقاش

antarkorin
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

11,311