<!--<!--<!--<!--

"ممر التنمية والتعمير" .... استفسارات تنتظر التوضيح من د. الباز

تصاعد النقد مؤخراً لمشروع ممر التنمية والتعمير، خاصة بعد مؤتمر هيئة المساحة الجيولوجية الأخير والذي شهده جَمْع غفير من المختصين والمهتمين بتنمية الصحراء. هذا النقد المتصاعد دفع أكاديمية البحث العلمي إلى اصدار بيان رسمي للرد على معارضي المشروع. تضمن البيان عشر نقاط توضيحية في محاولة لتحقيق توافق للآراء حول هذا المشروع. إلا أن هذه التوضيحات جاءت لتخاطب العامة ولم تقدم توضيحات أو ردود دقيقة لما لدى المتخصصين من استفسارات منطقية ومخاوف حقيقية. وأخيرا ظهر مقال للدكتور فاروق الباز بعنوان "ممر التنمية‏..‏ ما لم يدركه المعارضون" بجريدة الأهرام بتاريخ 26 يونيو 2011. تضمن المقال عشر نقاط أيضا، حاول من خلالها توضيح، ما اعتقد سيادته، أن المعارضين يجهلونه. إلا أن هذه الإيضاحات كانت من قبيل ما هو معلوم عن المشروع بالضرورة لأغلب المتخصصون.

إلا أنه قبل الخوض فيما لدينا من استفسارات ومخاوف، وعلى الرغم من اعتراضي الشديد على هذا المشروع بصورته الحالية، أود أن أشير إلى أن هناك ثلاث نقاط أساسية نتفق فيها مع د. الباز في هذا المشروع. الأولي، أن التوسع خارج مساحة الضيقة المأهولة في وادي النيل ودلتاه أمر حيوي واستراتيجي لمصر. كما أن توجيه أعمال التوسع الزراعي والعمراني في وادي النيل ناحية الغرب يعتبر أمراً عقلانيا رشيدا حيث أن جميع التجمعات الحضرية والريفية في وادي النيل، والمولدة للزيادة السكانية، تقع جميعها غرب النيل. ذلك إضافة إلى ندرة الأراضي الصالحة الزراعة أسفل الهضبة الشرقية للنيل، أما فوق الهضبة فتندر المياه الجوفية. النقطة الثانية، وهي اتفاق البحث مع سيادته على أن يكون مسار المحور الطولي لممر التنمية فوق الهضبة الغربية وليس تحتها داخل الصحراء الغربية فيرجع ذلك لعدة أسباب. أول هذه الأسباب أن هناك العديد من الدراسات التي أثبتت أن المياه الجوفية في واحات الصحراء الغربية غير متجددة ولا تكفي لدعم عمليات تنمية كبرى. كما أن الواقع يؤكد ذلك، إذ أن العديد من الآبار التي حفرت بأعماق كبيرة في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، والتي كانت تتدفق منها المياه ذاتيا عند حفرها، قد جفت تماما منذ أكثر من عشر سنوات. وبالنسبة للنقطة الثالثة، وهى اتفاق البحث مع سيادته بأن تكون عمليات التنمية العمرانية والزراعية قريبة من النيل، فيرجع ذلك لسببين: الأول، وقد أشار إليه سيادته، وهو أن المصريين مرتبطين بنهر النيل. إلا أنني أضيف هنا أن جعل مناطق التنمية الجديدة قريبة من المناطق الزراعية القائمة يعتبر أمرا استراتيجيا ضروريا إذ أنه سيقلل بشكل كبير من مخاطر احتمال نقص أو نضوب المياه الجوفية، وذلك من خلال إمكانية استفادة تلك المناطق الجديدة من كميات المياه التي يمكن توفيرها من خلال تغيير نظم الري في الأراضي القديمة، وهو ما ستلجأ إليه مصر حتماً خلال السنوات القليلة القادمة.

إلا أنه على الرغم من نقاط الاتفاق تلك، وعلى الرغم من التوضيحات التي أتي بها البيان الصادر عن الأكاديمية ومقال أ. د. الباز، ، إلا أنه لا يزال لديَّ عددا من الاستفسارات، التي أعتقد أنها منطقية، أُجْمِلُها في النقاط التالية:

1.     هل وضع كل هذه الاستثمارات  في مشروع واحد تكتنفه الكثير من الشكوك، يبدو أمراً رشيدا؟؟؟؟.

مما لاشك فيه أن التكلفة الضخمة لهذا المشروع تزيد من احتمال فشله. وتتزايد هذه المخاوف عندما نعلم أن تكلفة البنية الأساسية فقط لهذا المشروع تعادل ثلاثين مرة تكلفة مشروع توشكى. ذلك على الرغم من قناعتنا أن مشروع توشكى يعتبر أكثر واقعية من هذا المشروع بالصورة التي هو عليها الآن. من ناحية ثانية؛ يخشى أن يتحول المشروع إلى مستنزف للاستثمارات العامة والخاصة، وبما يجعل ميزانية الدولة واستثمارات القطاع الخاص رهينة بهذا المشروع لعقود عدة قادمة. الأمر الذي حتما سيكون له تأثير سلبي كبير على قطاعات التنمية الأخرى. وفي هذا الصدد، يرى أ.د. مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق، و أ.د. سامي عامر، الخبير العمراني العالمي والعميد السابق لكلية التخطيط العمراني، أن هناك العديد من المشروعات التي يجب استكمالها على وجه السرعة ودون تأخير، وهو ما يُرَيا باستحالة تحقيقه في حال دخول مصر في هذا المشروع عالي التكلفة.

2.    هل الطريقة المقترحة لتمويل هذا المشروع تجعل منه مشروعا مصرياً؟؟؟؟

على الرغم من تصريحات د. الباز بأنه يقترح إصدار أسهم "بجنيه واحد" حتى يتمكن كل المصريون من المشاركة فيه، إلا أن المشكلة لا تتمثل في عدد المشاركين فيه بل في نسبة ما يمكن أن يشارك به جميع المصريون في هذا المشروع لكي يكون مشروعاً مصرياً. وهو ما يبدو أمرا مستحيلاً إذا ما علمنا أن كل ما يمكن أن يساهم المصريون به في هذا المشروع، وطبقا لتقديرات د. الباز نفسه، لن يتجاوز 1-2 مليار دولار. الأمر الذي يعني أن مشاركة المصريين لن تتجاوز 4-8% من إجمالي تكلفة المشروع!!!. وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن عائد المشروع كله، كما اقترح د. الباز، سيتم من خلال بيع الأراضي أو تأجيرها، فإن نصيب المصريين من هذا العائد لن يزيد عن 8%، بينما يذهب الباقي إلى خارج مصر، وهو ما يعني ببساطه بيع المشروع لغير المصريين !!!.

لذا، فإنه من الضروري خفض كلفة هذا المشروع حتى يكون من الممكن تمويله من خلال الحكومة والقطاع الخاص المصري.

3.    هل هناك موازنة بين مساحة وكلفة التوسع الزراعي الذي يتيحه المشروع؟

وهنا يرى البحث أن هناك قدراً كبيراً من المبالغة في تقدير المساحات التي يمكن استزراعها على المياه الجوفية على طول هذا الممر. وعلى الرغم من أهمية ذلك الهدف، لم يقدم د. الباز في كتابه، أو في أي من لقاءاته الصحفية المتعددة، أي خريطة لمواقع ومساحات الأراضي الصالحة للزراعة أو لمواقع وسعة الخزانات الجوفية.

من ناحية ثانية، بينما يقدر د. الباز المساحات التي يمكن استزراعها اعتمادا على المياه الجوفية بحوالي مليون فدان على طول الممر، فإن هناك العديد من الخبراء ومن الدراسات المتخصصة التي تؤكد استحالة تحقيق ذلك الهدف على المسار المقترح للمشروع. وقد تأكدت هذه الآراء بنتائج دراسات معهد بحوث المياه الجوفية التي أفادت بأن المياه الجوفية علي كامل امتداد الممر تعتبر محدودة ولا يمكن الاعتماد عليها في إقامة أنشطة تنموية. كما أن دراسة وزارة التنمية الاقتصادية قدرت المساحة التي يمكن زراعتها، ضمن هذا المشروع، اعتمادا على المياه الجوفية بحوالى 100 ألف فدان فقط. وعليه، يصبح من المشكوك فيه أن يحقق المشروع المقترح واحدا من أهم أهدافه.

4.     هل الموقع المقترح للتجمعات العمرانية الجديدة حول الممر الطولي للمشروع يعتبر مناسباً؟

على الرغم من المبالغة في حجم التوسع العمراني الذي يتيحه هذا المشروع (200 مدينة ونصف مليون قرية وهو ما لم يتحقق لمصر عبر تاريخها الطويل في وادي النيل والدلتا وليس في قلب الصحراء!!!)، إلا أن النقطة المهمة هنا تتعلق بالموقع المقترح لهذه المدن. فقد أوضح د. الباز أن الموقع المقترح لهذه التجمعات سيكون حول الممر الطولي للمشروع، كما أوضح سيادته أنه لا توجد مياه جوفية على طول هذا الممر. وقد برر سيادته وضع المدن حول المحور الطولي حتى لا يضطر لوضعها في الأراضي القابلة للزراعة القريبة من النيل. إلا أن ذلك الاختيار يعتبر غير مناسب تخطيطيا للأسباب التالية:

أن إقامة المدن الجديدة على طول هذا المحور، الذي يخلو من المياه الجوفية، يجعل من تنمية هذه التجمعات في هذه المناطق تنمية هشة تفتقد إلى أدني متطلبات التنمية المستدامة. كما يجعلها أقل قدرة على تحمل الظروف البيئية القاسية لتلك المناطق، وأقل جاذبية للسكان.

أن مسار الممر يبعد مسافة كبيرة عن التجمعات العمرانية الكبرى على طول وادي النيل. ذلك الأمر سيقلل من الارتباط الوظيفي للمدن التي ستقام على هذا المسار مع المدن القائمة في الإقليم.

أن ندرة الموارد الطبيعية والمياه الجوفية على طول هذا الممر، سوف تقلل من الأهمية التنموية له وتجعل دوره محصورا في عملية النقل. كما أن تلك الظروف ستجعل هذا الطريق الصحراوي الطويل طريقاً موحشاً وغير آمن حتى لعمليات النقل.

لذا، يرى البحث بضرورة أن تكون المدن الجديدة قريبة من، أو داخل، مناطق الاستصلاح الزراعي الجديدة وفي مناطق تتوافر بها المياه الجوفية. ويقترح البحث أن توضع هذه التجمعات على طول الطريق الصحراوي الغربي بما يحقق الاتصال الرأسي بين هذه المدن. وقد بدأت بعض التجمعات العمرانية الجديدة في الظهور على الجانب الغربي من هذا الطريق، مثل مدينة الفيوم الجديدة وبعض قرى الخريجين.

5.     المحور الرأسي (الطريق الأسفلتي والسكة الحديد) ..... هل هو ضرورة؟

تُشَكِل تكلفة الطريق الإسفلتي والسكك الحديدية على المحور الطولي للمشروع النصيب الأكبر من إجمالي كلفة المشروع، فهل هذان العنصران ضروريان؟ وهل لهما أهمية تتناسب مع تلك التكلفة؟. يكتسب هذان العنصران أهميتهما في أنهما يحققان هدفين رئيسيين؛ الأول: الربط بين المحاور العرضية للمشروع، والثاني: ربط مصر بوسط وجنوب إفريقيا. إلا أن التدقيق في هذا المشروع يدحض هذا التصور ويؤكد عدم واقعية هذين الهدفين. فالهدف الأول، وهو الربط بين المحاور العرضية، يمكن تحقيقه من خلال الطريق الصحراوي الغربي القائم (القاهرة-أسوان) دون الحاجة إلى طريق جديد عالي التكلفة. خاصة وأن هذا الطريق أنشئ حديثا وبمواصفات عالية، ويسير موازيا لمسار الممر المقترح، ويمكن أن يؤدي نفس الوظائف التي يستهدفها ذلك الممر.

أما الربط مع وسط وجنوب إفريقيا، فمشكوك فيه لسببين. الأول: أن هذا الربط من خلال الطرق والسكك الحديدية ربما لا يكون بديلا اقتصاديا منافسا للنقل البحري Maritime Transport، خاصة إذا ما علمنا أن هناك العديد من الموانئ على الساحل الشرقي للقارة، على البحر الأحمر والمحيط الهندي، والتي ترتبط عرضيا بطرق برية تربطها بالداخل الإفريقي. الثاني: أن الربط مع وسط وجنوب إفريقيا يتطلب التنسيق من جميع الدول الإفريقية التي يمر بها المشروع وعقد اتفاقيات تلزم هذه الدول بتنفيذ الجزء الذي يخصها من هذا الطريق طبقا لتوقيتات ومواصفات محددة، إذ أن تَخَلُفْ أي من هذه الدول عن تنفيذ ما يخصها منه يجعل من الهدف الثاني الذي تنشده مصر من هذا الطريق في مهب الريح. ولا يخفي على الجميع هشاشة النظم السياسية والاقتصادية للعديد من هذه الدول.

ويتأكد عدم واقعية هذا العنصر إذا ما علمنا بكلفته الباهظة. فطبقا لتقديرات دراسة وزارة التنمية الاقتصادية، فإن تكلفة خط سكك حديد الركاب تصل إلى 20 مليون جنيه للكيلو متر الطولي الواحد ومثلها لخط البضائع، وبتكلفة إجمالية 50.53 مليار جنيه!!!. كما أن تكلفة الطريق الإسفلتي على الممر الطولي تصل إلى 6.18 مليار دولار. أي أن التكلفة الإجمالية للممر الرأسي كطريق وسكك حديدية تصل 56.7 مليار جنيه!!!. وهو ما لا أعتقد معه أن معدلات التنمية الزراعية والعمرانية الحالية أو المستقبلية تبرر إنشاء هذا العنصر عالي الكلفة. أما القول بأن له أهدافا إقليمية فقد سبق تفنيده.

6.    أنبوب للمياه من توشكى حتى العلمين!!! .... هل هو ضرورة؟

على الرغم من أن هناك بعض الاعتراضات المتعلقة بالتكلفة العالية لذلك الأنبوب وبالصعوبات الفنية التي تعترضه، إلا أنني أرى بعدم الحاجة إليه من الأساس لعدة أسباب. الأول، أنه من الممكن إقامة المدن الجديدة في المناطق التي تتواجد بها مياه جوفية، أخذا في الإعتبار أن الإحتياجات العمرانية من المياه أقل بكثير من الاحتياجات الزراعية. كما أن تغذية كل التجمعات العمرانية الجديدة المقترحة على طول ذلك الممر لأكثر من 1200 كم من خلال مصدر واحد متمثل في ذلك الأنبوب يعتبر خطأ استراتيجيا فادحاً. إذ لا يمكن ضمان سلامة هذا الأنبوب بهذا الطول من المخاطر الإرهابية أو الطبيعية كالزلازل أو السيول أو ما شابه. وأن القول بعمل خط إضافي لتلافي تلك المشكلة يعتبر قولا سطحيا ساذجا، إذ أن القوة الطبيعية أو غير الطبيعية التي تدمر خطا واحدا يمكن أن تدمر عشرة خطوط، خاصة إذا ما علمنا أن هذا الخط سيكون فوق سطح الأرض خفضاً للتكلفة. كما أن العمر الافتراضي لهذا الأنبوب، وطبقا لدراسة وزارة التنمية الاقتصادية، لن يتجاوز 30 عاما، وهو ما يعتبر عمرا محدودا، سيضيع معظمه خلال فترة تجهيز البنية الأساسية لهذه المدن.

ومن حيث كلفة هذا الأنبوب، وطبقا لتقديرات دراسة وزارة التنمية الاقتصادية، تصل تلك الكلفة إلى 8.8 مليار جنيه وبواقع 7.3 مليون جنيه للكيلو متر الطولي الواحد. وبإضافة خط احتياطي تتضاعف الكلفة إلى 17.6 مليار جنيه. كما أن التكلفة التشغيلية عالية جداً ترفع تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه إلى 15 جنيهاَ، وهو ما يعني أن ما تنفقه أسرة من خمسة أفراد على مياه الشرب فقط يصل إلى 1500 جنيه شهرياً. وفي ضوء التكلفة الإنشائية الباهظة، إضافة إلى الكلفة التشغيلية العالية، وفي ضوء قِصَر عمر هذا الأنبوب (30 عاماً) وما يكتنفه من مخاطر إستراتيجية، يرى البحث بأن تغذية التجمعات العمرانية الجديدة من خلال أنبوب بهذا الطول يعتبر أمراً غير مقبول سواء من الناحية الاقتصادية أو الإستراتيجية. وهو ما يستوجب إنشاء هذه التجمعات في مناطق تتوافر بها مياه جوفية بما يضمن استدامة عملية التنمية وبصورة اقتصادية.

7.    هل هذا المشروع يمثل أولوية لمصر في مثل هذه الظروف؟؟؟؟

تحديد الأولويات مبدأ تخطيطي أصيل وضروري. فمن يتجاوز الأولويات، فردا كان أم أمة، كثيراً ما يفقد الموازين الدقيقة لما يأخذ ولما يدع ويعمد إلى التعميم، وإيقاف المعايير، والانحياز دون مبرر إلى الذات. كما أن ذلك يؤدي عادة إلى عدم التفريق بين الفكرة وصاحبها أو بين الحق والرجال، والركون إلى معرفة الحق بالرجال بدلاً من معرفة الرجال بإتباع الحق. الأمر الذي عادة ما يؤدي إلى أن يصبح الشخص أهم من الفكرة، فكثيراً ما نتعلّق بمبدأ تافه لمجرد محبتنا للقائل به أو نرفض مبدأ قويماً لمجرد رفضنا للمنادي به أو متبنّيه. أن من يتجاوز الأولويات قد يتجاوز الواقع كله إذا كان مراً ويهرب من مضايقاته إلى الخيال ليرسم لنفسه من خلاله الصورة التي ينشدها (طه جابر العلواني، 2011). أما بالنسبة للأمم، فحينما يتراجع علم الأولويات في أمة ما، تسود حياتها الاتجاهات الشكلية وعمليات الفصام بين النظرية والتطبيق وتفتقد أفكارها وممارساتها كثيرا من الأسس التخطيطية الرشيدة كالواقعية والموازنة بين التكلفة والعائد.

لذا، فليس كل ما هو جيد يجب عمله، بل إن كونه جيدا مرتبط في الحقيقة بمقارنته بما هو أجود وما هو أقل جودة منه. فجودة الفكرة لا تعني وجوب تنفيذها، إذ أن ذلك مرتبط بإمكانية تنفيذها، والتي هي في الأساس مرتبطة بما هو متاح من موارد يمكن استغلالها في تنفيذ تلك الفكرة. كما أن ذلك يرتبط أيضا بما يؤثره ذلك التوزيع للموارد على تنفيذ أفكار أخرى تعتمد على ذات الموارد. وفي إطار ذلك المفهوم، فإن القاعدة الفقهية القائلة بأن "دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة" تبدو أمرا منطقياً، خاصة في ظل محدودية الموارد وعندما يكون الحصول على المنفعة المرجوة أمراً مشكوكاً فيه أو أن الضرر الذي يراد دفعه بات مؤكداً.

وفي إطار هذا الفهم لفقه الأولويات، يبرز سؤال هام: هل هذا المشروع يمثل أولوية متقدمة لمصر في ظل ظروفها الراهنة؟. ومما لا شك فيه أن مصر الآن في حاجة إلى مشاريع ذات عائد اقتصادي واجتماعي سريع وذات مستوى مخاطرة منخفض، وهو حتما ما لا يوفره هذا المشروع بالصورة التي هو عليها. إذ أن ما ذكر في النقاط السابقة يؤكد ارتفاع مستوى المخاطرة فيه، كما أن عائده، بافتراض جدواه، سيكون على المدى البعيد، وهو ما لا يستطيع تحمله إلا الاقتصادات ذات القدرة الذاتية على التمويل. أما تمويل هذه المشاريع بالدين فيجعل من توقع هذا العائد أمرا مشكوكا فيه، أو محدودا جدا في أفضل التوقعات. الأمر الذي تتراجع معه أولوية هذا المشروع بصورته الحالية.

وفي ضوء التكلفة التقديرية الباهظة لهذا المشروع والتي من المتوقع أن ترتفع كثيرا بعدما نغرق بالبدء فيه، فإن رفع أولوية هذا المشروع مرهون بخفض كلفته من خلال نظرة تخطيطية واقعية تتفادى الأبعاد الإستراتيجية السلبية للمشروع وتحقق الموازنة بين كلفتة وعوائده المرجوة. وفي هذا الإطار، يقدم البحث في الجزء التالي تصورا مقترحا لتطوير الفكرة التخطيطية للمشروع بما يتفادى غالبية الانتقادات الموجهة إليه. نأمل أن يتم عرض هذا التصور في مقال قادم قريب إن شاء الله.

 

* أرسلت رسائل اليكترونية بهذه الاستفسارات لكل من: أ. د. رئيس مجلس الوزراء، أ. د. رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا.

* البحث نُشِرَ بصورة مختصرة للغاية بجريدة "الأهرام العربي" بتاريخ 9 يوليو 2011، السنة 15 - العدد 746.

=========

المصدر: الكاتب: د. عنتر عبد العال أبو قرين، 2011
  • Currently 26/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
8 تصويتات / 391 مشاهدة
نشرت فى 10 يوليو 2011 بواسطة antarkorin

ساحة النقاش

Abdo-eldabeh

مشروع ممر التنميه مشروع عظيم نشكر السيد الكتور فاروق الباز على عرضه لفكره المشروع
ولاكن انا مقتنع تماما بما جاء فى هذا التصور الحقيقى الواقعى الذى وقف على كل نقاط الاعاقه الموجوده فى مشروع ممر التنميه
ولذا ارجو من سيادتكم ايجاد حلول وبدائل لهذه المشكلات التى اوردتموها حتى ولو اكتمل الجانب الزراعى فقط فى هذا المشروع فما احوج مصر لمثل هذه المشروعات التنمويه .

amrhussein89

موضوع حضرتك يا دكتور عنتر موضوع أكثر من رائع .. يدل علي إن حضرتك عندك رؤيه للمستقبل وتصور حقيقي وفهم للأحداث .. ومشروع ممرات التنميه الذي أثار فزع حضرتك أثار فزعي أيضاً , وندعو الله أن يرزقنا بمستقبل أفضل , ورجال يخافون علي مصر يارب .

ALiamarokila

وجهة نظر بس مقنعة بجد الكلام ده صح

ALI فى 12 سبتمبر 2011 شارك بالرد 0 ردود
antarkorin
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

11,325