<!--<!--<!--
تصريح وزير خارجية البحرين عن مبارك .. زيغ في الرؤية وفساد في الرأي
د. عنتر عبد العال أبو قرين*
أثار تصريح وزير خارجية البحرين بأن "الخليج لن ينسى مبارك .... وهو يستحق معاملة أفضل" قدرا كبيرا من الدهشة والاستغراب في الشارع المصري. فبينما يبارك العالم كله ثورة الشعب المصري ضد الظلم والفساد، وبينما تتكشف سوءات ذلك النظام البائد بشكل متسارع، يظهر ذلك التصريح المريب في توقيته وأهدافه والذي نراه بحق ليس إلا زيغاً في الرؤية وفساداً في الرأي.
أما الزيغ في الرؤية فيرجع لنسبته الفضل إلى غير أهله، فمبارك لم يكن يتصرف بصفته الشخصية بل كان صوتا لإرادة لمصر، وأن موقفه من تحرير الكويت أو عندما قالت إيران بأن البحرين جزءاً منها كان ترجمة لإرادة شعب مصر. ذلك الشعب الذي سالت دماء أبنائه في حرب العراق وحرب تحرير الكويت ومن قبلها في حرب تحرير الجزائر واليمن وفلسطين وغيرها ... قبل مبارك وقبل غيره. ولن أتحدث عن مواقف مصر أكثر من ذلك لأنني أدرك حجم الحب الذي تكنه الشعوب العربية لمصر. وكم شعرت بقدر هذا الحب عندما تصفحت جزءا من المقالات العديدة التي تحمل أسم مصر في جريدة "المدينة" السعودية. فقد جاءت هذه المقالات مليئة بالحب لشعب مصر، فقرائه وأغنيائه، علمائه وأدبائه، مهندسيه وأطبائه، فلاحيه وعمال بنائه ... ولم يُشِر أيا منها إلى الحاكم إلا فيما ندر. لذا، فإن على معاليه تصويب توجيه بوصلته، وليعلم أن مصر هي صاحبة الفضل لا غيرها. وإن كنت ألتمس له العذر في الخلط بين الدولة والحاكم حيث يضيع الفرق بينهما في العديد من النظم الشمولية، فإنني أُذَكِره بأن مصر دولة جمهورية، لا دولة أو دويلة يملكها شخص أو عائله، فمصر أكبر من ذلك، وقد تخطت تلك المراحل منذ عقود. أما الآن، وقد انتزع الشعب المصري حريته وكرامته بدمه، ليعبر إلى مرحلة جديدة من الحرية والديمقراطية، ينبغي على الحكام العرب أن يدركوا، وأن يقبلوا، بأن مصر اليوم غير مصر الأمس. وأن التهديد المُبَطَن بالضغط الاقتصادي علي شعب مصر في تلك المرحلة الصعبة، والطارئة بإذن الله، وعلى الرغم من الغصة التي سببها هذا التهديد في هذا التوقيت، إلا أنه غير مجد وغير مقبول من شعب مصر، كما أنه لا يليق بمن يقول بأنه شقيق!!. فالشعب قد تذوق طعم الحرية ولن يرضى عنها بديلا ولو مات جوعا. ومصر، بفضل الله وحفظه، لم تجع عبر تاريخها بل أطعمت كل الجوعى من جيرانها اللذين وفدوا عليها ضيوفا أو غزاة!!. كما أن هذا التهديد أو ذلك التصريح لا يفيد حتى قائله، إذ أن نسبة الفضل لغير أهله قد توغر صدر ذلك الشعب الذي دفع ثمن ولائه لعروبته غاليا من دمه وقوته، والذي ربما يدفعه هذا التهديد ومثل هذا التصريح إلى التفكير في إعادة ترتيب أولوياته ومواقفه. إلا أنني أعتقد جازما أن هذا الشعب سيتخذ نفس المواقف الداعمة لأشقائه حتى بعد تغير الأشخاص، وإن لم تتغير الظروف والتهديدات في المنطقة. وسوف تَنْفَرِج الأزمة بإذن الله وتبقى مصر وتبقى المواقف لمن أصاب ومن أخطأ.
وإذا كنا قد نتغاضى عن قوله "بأن الخليج لن ينسى مبارك"، على الرغم مما يعتري هذا القول من العوار، إذ أن هذا أمرا يخصهم، إلا أن تَفَضُل معاليه بالنصح بأن مبارك "يستحق معاملة أفضل" فهو عين الفساد في الرأي كما أنه تدخل منه فيما لا يعنيه، وهو ما لا يمكننا قبوله أو السكوت عليه. إذ أن هذا الرأي، والذي قد يعكس فيما بَطُنَ منه قدراً من الحكمة، يبدو بعيدا عن الحكمة والمنطق، علاوة على أنه غير منصف. فالتعامل مع مبارك مطلب شعبي جارف فرضته الملايين الهادرة في ميدان التحرير والذي سُمِعَ صداه في ميادين التحرير والتغيير واللؤلؤة. وأعتقد جازماً أن كل هذه الملايين كان لديها من الأسباب ما يدفعها للتعامل معه على هذا الشكل. لذا، لا يليق التعليق على إرادة الشعوب وإنما يجب الانحناء لها احتراما وتقديرا. خاصة وأن تلك الملايين قد تصرفت من تلقاء نفسها، وبما يعكس ميراثها الحضاري العريق، فلم تقم بأي تصرف انتقامي أو غير حضاري ولم تطلب بغير العدالة، العدالة التي حرمت منها لعقود!!!. هذه الملايين لم تطلب بغير المحاكمة العادلة أمام محاكم مدنية وليست عسكرية، فما المعاملة الأفضل التي يريدها معاليه؟ نرجو أن يمنحنا سموه بعضا من فيض حكمته وينصحنا كيف تكون المعاملة الأفضل؟؟.
من ناحية ثانية، لم نلحظ روح الحكمة هذه من قبل، إذ لم يتطوع معاليه أو أياً من ملوك الخليج وأمرائه بِنُصْح مبارك، طوال ثلاثين عاماً، بأن شعب مصر يستحق معاملة أفضل!!!. أم أن الشعوب في رأيكم أقل كرامة من الحكام؟ أم أن هناك أسباباً أخري منعتكم من نصحه؟!!. ونحن هنا ننصحكم بصدق أن شعب البحرين يستحق معاملة أفضل، وأن القهر والكبت والعنف لن يجدي مع شعب اشرأبت عيناه إلى الحرية وبدأ دمه يسيل من أجلها. وأن نظم الحكم البالية من إمارات وممالك، تضخمت فيها الكروش واضمحلت فيها الدول، لم تعد تتماشى مع جيل يتعدى فكره حدود الأفق وباتت المعرفة عند أطراف أصابعه. لذا، على كل تلك الأنظمة التي يعتريها الرعب من الثورات العربية، وتحاول إجهاضها بالضغط الاقتصادي أو النصيحة السياسية الفاسدة، أن تعيد تقييم مسلكها وأن تضع الشعوب فوق الحكام وأن تدرك أن الغد حتما للشعوب.
خلاصة القول، كفوا أيديكم وألسنتكم وخبثكم عن مصر، فهذا بالتأكيد ليس في مصلحتكم كما أنه ليس في مصلحة مصر. فمصر بدونكم ضعيفة، وأنتم بدونها لا شيء.
========
* أستاذ مساعد التخطيط العمراني والإقليمي، كلية الهندسة، جامعة المنيا
ساحة النقاش