منذ أكثر من قرن يتابع الأطفال بشغف أفلام وحلقات الرسوم المتحركة، ويعود ذلك إلى ما تحتويه من إثارة وتشويق ومغامرة كثيراُ ما تجاوزت حواجز الزمان والمكان، وكثيراً ما استخدمت التقنيات الحديثة المدهشة الأمر الذي ضاعف من تعلق الأطفال بها. من أشهرهذه الأفلام والحلقات ميكي ماوس،والسنافر، وتوم وجيري، والقطة كيتي، وأليس في بلاد العجائب، ونقار الخشب، والقط الكسول جارفيلد،وغيرها.
سرعان ما أدى هذا الانتشار الواسع إلى ظهور صناعة هائلة للرسوم المتحركة تقودها شركات تجارية عملاقة تسعى إلى الإنتاج والربح من خلال إدراج كل ألوان الإبهار والتشويق والتسلية واللهو في أحداثها.
نعم ...استطاعت أفلام الرسوم المتحركة أن تصل إلى كل بيت وكل أسرة، واستطاعت أن تخطف الساعات الطوال من حياة أطفالنا بل وحتى شبابنا، ورغم أن بعضها حمل قيماً إنسانية وثقافية لايمكن إنكارها، لكن معظمها ظل يحمل أفكاراً وقيماً غريبة عنا، وأفرط كثيراً في اللهو والخيال، وظل وإلى حد كبير بعيداُ عن أفكار وقيم وظروف وتحديات مجتمعنا العربي.
من جهة أخرى، تابعنا عدداً من التجارب العربية لانتاج رسوم متحركة تحاكي فنياً الأفلام الأجنبية وتلبي احتياجات وقيم الأسرة والمجتمع العربي، ويمكننا القول أنها استطاعت تحقيق الكثير من النجاحات لسد الاحتياجات المحلية وإدراج عوامل البيئة العربية الثقافية والدينية، لكن هذا الإنتاج ظل محدوداً لايغطي الحاجات المتزايدة لأطفالنا، ولم يتمكن من تقليص عدد الساعات التي يقضيها أطفالنا وشبابنا في متابعة نظيره الأجنبي، وبالتالي تخليصهم من براثن التأثير الثقافي الخارجي.
"بكار" اسم لمسلسل رسوم متحركة مصرى، وهو الشخصية الرئيسة فى المسلسل، إنه ولد صغير يعيش فى قرية من قرى النوبه فى جنوب مصر، "بكار" الذكي يدخل وعنزته "رشيدة" وعدد من الأصدقاء فى مغامرات شيقة وجذابة, وهو إلى جانب ذلك يتحلى بالمسؤولية تجاه قريته الصغيرة ومجتمعه الكبير.
عرض التلفزيون المصري حلقات المسلسل في شهر رمضان من عام 1998, وأعيد عرضه في السنوات التالية إلى أن توقف نهائياً، ورغم بعض الملاحظات على هذا المسلسل إلا أنه حقق نجاحاً وجماهيرية بفضل جهود مخرجتة منى ابو النصر، وكاتب القصة والسيناريو عمرو سمير عاطف، وبفضل الموسيقا والأغاني التي صاحبته، وإبداع العديد من الفنيين الكبار.
أظهرت الدراسات التربوية أن "بكار" قد نال حب الأطفال وإعجابهم بشخصيته الكارتونية، كما نجح المسلسل في إدراج القيم الدينية، والقيم الاجتماعية فالمعرفية ثم قيم تكامل الشخصية تليها القيم الترويحية والثقافية ثم الجمالية فالصحية، فالقيم الإنسانية ثم الوطنية والبيئية والرياضية. كما أبرز خلال حلقاته العديد من الخصال الحميدة كالتواضع، والصدق، والتسامح، والاعتدال وإكرام الضيف، ورد الجميل، والتعاون، والمشاركة وتقدير حياة الأسرة.
لقد توقعت أن تدفع تجربة "بكار" ونظيراتها العربية الجهات المنتجة العامة والخاصة في الوطن العربي إلى تعزيز هذه التجارب والاستفادة منها وتطويرها ودعمها مادياً وفنياً، وتوقعت أن يكون "بكار" باكورة صناعة عربية للرسوم المتحركة، صناعة تتطلع إليها أسرتنا العربية في كل مكان، وتزداد أهميتها والحاجة إليها يوماً بعد يوم، خاصةً مع انتشار ثقافة الاستهلاك، والإثراء السريع، التي تنطلق إلى مالانهاية في عالم اللهو والتسلية واللعب والثرثرة. لقد أصبت كما الكثيرين بخيبة الأمل، وأنا أرى هذه التجارب تذهب أدراج الرياح دون أن نبني عليها ونستفيد منها. حقاً لقد نجح "بكار" الفارس بينما فشلنا في بناء صناعة الرسوم المتحركة العربية.
نعم وبكل مرارة، نرى الكثير من مجتمعات العالم تنجح في الاستفادة من الفشل، بينما نفشل في الاستفادة من النجاح.
"عرفتهم": زاوية ثقافية دورية يكتبها د. غسان شحرور.
ساحة النقاش